كيف دخلت تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي غرف العمليات الجراحية؟

5 دقائق
كيف دخلت تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي غرف العمليات الجراحية؟
حقوق الصورة:shutterstock.com/Iaremenko Sergii
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أدى الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في مجالات الطب المختلفة، فقد بات مستخدماً في التشخيص السريري للأمراض مثل السرطان، والتصوير الشعاعي واكتشاف الأدوية وغيرها. وليس استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال العمليات الجراحية ببعيد عن هذا التطور، فقد أصبح له دور في التخطيط قبل الجراحة والتوجيه أثناء العملية، بالإضافة إلى الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتي دخلت غرف العمليات بكل ثقة، على الرغم من أن هذا المجال أكثر تعقيداً.

استغرق استخدام الذكاء الاصطناعي في الجراحة وقتاً أطول مما هو عليه في التخصصات الطبية الأخرى، ويرجع ذلك أساساً إلى نقص المعلومات المتعلقة بإمكانيات التنفيذ الحسابي في الجراحة العملية. وبفضل التطورات السريعة، يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي حالياً على أنه مكمل وليس بديلاً عن مهارة الجراح البشري.

الذكاء الاصطناعي في العمليات الجراحية

فيما يلي نظرة عامة على تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في التخطيط قبل الجراحة والتوجيه أثناء العملية ودمجه في الروبوتات الجراحية.

التخطيط قبل الجراحة

التخطيط قبل الجراحة هو المرحلة التي يخطط فيها الجراحون للتدخل الجراحي بناءً على السجلات الطبية للمريض والصور الطبية المختلفة. في هذه المرحلة، يتم تحليل الصور وتصنيفها باستخدام تقنيات التعلم العميق كأحد تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي. 

تفيد هذه التكنولوجيات في تحسين الرعاية الصحية في الحالات الحرجة من خلال منح المزيد من الاهتمام للمرضى الأكثر عرضة لخطر تطوير هذه المضاعفات. على سبيل المثال، يمكن عبر خوارزميات التعلم العميق تحديد التشوهات من خلال  التصوير المقطعي المحوسب في حالات كسر القحف والنزيف داخل الجمجمة. يجعل التعلم العميق الرعاية الطارئة ممكنة لهذه التشوهات. 

التوجيه أثناء العملية

تم تطبيق استراتيجيات التعلم الخاصة بالذكاء الاصطناعي في العديد من مجالات الجراحة طفيفة التوغل؛ وهي الجراحة التي تتم بإجراء جرح صغير يلتئم بسرعة مقارنة بالجرح الكبير المؤلم الذي يحدث في العمليات الجراحية العادية.

أثناء إجراء العمليات طفيفة التوغل، من المهم تتبع تشوه الأنسجة بدقة، لذلك طور العلماء إطار عمل تعليمي عبر الإنترنت يعتمد على الخوارزميات التي تحدد طريقة التتبع المناسبة في الجسم الحي أثناء الجراحة.

الروبوتات الجراحية

يتجلى استخدام الذكاء الاصطناعي في الجراحة بوضوح في الروبوتات الجراحية، وهي أجهزة تتم معالجتها بالحاسوب، تتيح للجراحين التركيز على الجوانب المعقدة في العملية الجراحية. تساعد هذه الروبوتات في استخدامات الأدوات الجراحية وتحديد المواقع.

يساعد استخدام هذه الروبوتات على تحسين مهارات الجراحين وتقديم أداء أفضل، وبالتالي الحصول على نتائج أفضل للمرضى وتقليل نفقات الرعاية الصحية الإجمالية. ويتم تدريب هذه الروبوتات على الملايين من مجموعات البيانات باستخدام تقنية التعلم الآلي، إذ يُقدَّم لهم عرضاً توضيحيّاً، وبالتالي يتعلمون بناءً على المعلومات المتراكمة. 

في المرحلة الأولى، تُقسم مهمة جراحية معقدة إلى عدة مهام فرعية وإيماءات أساسية. في المرحلة الثانية، تتعرف فيها الروبوتات الجراحية على المهام الفرعية ونمذجتها وتنفذها في وضع تسلسلي، وبالتالي توفر للجراحين استراحة من المهام المتكررة.

الهدف من تطبيق الذكاء الاصطناعي هنا هو تعزيز قدرة الأنظمة الروبوتية الجراحية في إدراك البيئات المعقدة في الجسم الحي، واتخاذ القرار، وأداء المهام المطلوبة بدقة وسلامة وفعالية متزايدة.

اقرأ أيضاً: أطباء يجرون عمل جراحي لجمجمة طفل بمساعدة الواقع الافتراضي

أمثلة على الجراحة بمساعدة الذكاء الاصطناعي

إن توسيع استخدام الروبوتات المستقلة في الجراحة والمهام التي تقوم بها هذه الروبوتات هو مسعى صعب. لكن أول مجموعة بيانات للنشاط الجراحي المعياري العام؛ وهي مجموعة بيانات ومعايير للتعرف على الإيماءات في الجراحة الروبوتية، تضمنت بيانات حركية وفيديو متزامن لثلاث مهام جراحية قياسية أجراها جراحون من جامعة جونز هوبكنز بمستويات مختلفة من المهارات الجراحية.

كانت المهام الفرعية التي تم تحليلها هي الخياطة وتمرير الإبرة وربط العقدة. تم التعرف على الإيماءات على أصغر مستويات الأجزاء المهمة في الجراحة، التي يتم إجراؤها أثناء تنفيذ كل مهمة فرعية، بدقة تبلغ نحو 80%. 

عموماً، يمكن للجراحين تشغيل الروبوتات الجراحية من خلال الإيماءات بدون لمس، بل من خلال حركات الرأس أو اليد، أو التعرف على الكلام والصوت، أو من نظرة الجراح، وفيما يلي بعض التطبيقات العملية لروبوتات دخلت غرف العمليات:

التنظير

طورت شركة “أسينسس سيرجيكال” (Asensus Surgical)” روبوتاً يعمل بالمنظار المزوّد بالذكاء الاصطناعي، ويوفر معلومات للجراحين مثل حجم الأنسجة، بدلاً من قياسها مادياً. تمت برمجة الروبوتات وتعليمها عن طريق محاكاة العمليات التي يقوم بها الجراحون.

وقد تم التحكم عن بعد في منظار البطن الروبوتي “فيس ماوس” (FAce MOUSe) باستخدام حركات رأس الجراح، وكاميرا روبوتبة. يراقب هذا المنظار الروبوتي حركات وجه الجراح دون الحاجة إلى أي أجهزة ملامسة للجسم. يتم التحكم في حركته ببساطة وبدقة عن طريق إيماءات وجه الجراح فقط، دون ضغط أزرار أو إصدار أصوات.

خياطة الأوعية الدموية

في عام 2017، استخدم المركز الطبي بجامعة ماستريخت في هولندا روبوتاً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي لخياطة الأوعية الدموية التي يبلغ قطرها بين 0.03 و0.08 ملم عند مريض مصاب بالوذمة اللمفية. غالباً ما تكون هذه الحالة المزمنة من الآثار الجانبية التي تحدث أثناء علاج سرطان الثدي والتي تسبب تورماً نتيجة تراكم السوائل.

زراعة الشعر

في عملية زراعة الشعر، يزيل الطبيب بصيلة شعر واحدة في كل مرة من منطقة من الجسم لزراعتها في المنطقة المرغوبة، تستغرق هذه العملية بضع ساعات عادةً. بمساعدة خوارزميات الذكاء الاصطناعي، تم تطوير نظام يسمى “آرتاس” (ARTAS)، وهو إجراء آلي بالكامل لزراعة الشعر، يستخدم تقنية متخصصة وذراعاً آلية لجمع عدد كبير من بصيلات الشعر وزرعها بدقة في المناطق الرقيقة في فروة الرأس دفعة واحدة.

جراحة القلب المفتوح

تعتبر جراحة القلب المفتوح من أخطر العمليات الجراحية، وتتطلب إجراء جرح طولي كبير في صدر المريض. مع تقدم تكنولوجيات الروبوتات والذكاء الاصطناعي، يتم الآن إجراء جراحة قلب روبوتية؛ تُسمى جراحة “دافنشي”، من خلال إحداث شقوق صغيرة جداً في الصدر، ثم إدخال أدوات صغيرة جداً لإجراء الجراحة، يتم التحكم فيها بواسطة الروبوت. تم استخدام الجراحة القلبية الروبوتية في مختلف الإجراءات المتعلقة بالقلب مثل جراحة الصمام واستئصال أنسجة القلب وإزالة الورم وإصلاح بعض عيوب القلب.

التمريض في غرفة العمليات

يوفر التعاون بين الجراح والممرضة طريقة سريعة ومباشرة وغير مكلفة لتوصيل الأدوات الجراحية إلى الجراح أثناء العمل الجراحي؛ لكنه يؤدي أحياناً إلى غموض التعليمات والتأخير في الاستجابة، ما قد يكون له تأثير سلبي على نتيجة الجراحة. أمكن تقليل هذه الأخطاء أو القضاء عليها عن طريق إدخال الروبوتات إلى غرفة العمليات عن طريق أتمتة تمرير الأدوات الجراحية التي تسمح للممرضين البشريين بالتركيز على المهام الأكثر تعقيداً مثل الحفاظ على بيئة معقمة، وإعداد الإمدادات الجراحية المطلوبة ومراقبة حالة المريض. 

تسمى هذه الممرضة الروبوتية “غيستونيرس” (Gestonurse)، وتستجيب عبر الكلام و/ أو الإيماءات، وتتميز بأنها لا تتأثر بالضوضاء المحيطة ولا تتطلب إعادة تدريب الجراح حيث يستخدم الجراحون إشارات اليد لطلب الأدوات الجراحية كجزء من إجراء غرفة العمليات القياسي.

اقرأ أيضاً: هل الذكاء الاصطناعي يهدد البشرية؟

كيف يمكن للروبوتات أن تصبح جرّاحة مستقلة؟ 

ستتمتع الروبوتات الجراحية المستقلة المستقبلية بالقدرة على “الرؤية” و”التفكير” و”التصرف” دون تدخل بشري نشط لتحقيق هدف جراحي محدد مسبقاً بأمان وفعالية. تحدد ثلاثة عناصر مهمة الروبوت الجراحي المستقل: تعقيد المهمة، والصعوبة البيئية، والاستقلال البشري. لتمكين ذلك، يمتلك الروبوت المستقل مستشعرات بصرية ومادية تدرك البيئة، ومعالجاً مركزيّاً يتلقى المدخلات الحسية ويحسب المخرجات، والمشغلات الميكانيكية التي تسمح له بإكمال المهام المادية. 

نظراً لطبيعة الأنسجة الرخوة، ووجود أعضاء عرضة للتمزق، ودقة الأنسجة، فإن تحقيق جهاز جراحي مستقل قابل للتطبيق سريرياً ومتعدد الاستخدامات يتطلب تطويراً كبيراً وتكاملاً لخوارزميات التحكم والروبوتات ورؤية الكمبيوتر، وتقنية الاستشعار الذكية، بالإضافة إلى فترات التجربة الطويلة.

اقرأ أيضاً: نظارات هولولنز من مايكروسوفت تُمكّن الأطباء من التعاون خلال العمليات الجراحية

هل يمكن لروبوت أن يجري جراحة بمفرده؟

في الفضاء، أو مناطق الحروب، أو في ظروف الكوارث البيئية، قد تجعل فترات انتقال الاتصالات وقيود النطاق الترددي حلول الطب عن بعد التي يتحكم فيها الإنسان غير مجدية. على سبيل المثال، في مهمة استكشاف المريخ المقترح تنفيذها خلال السنوات القليلة القادمة، سيكون زمن انتقال الاتصال من الأرض إلى المريخ 4 ساعات و24 دقيقة. وقد لا يكون لدى الطاقم الطبي أيضاً تدريب طبي مناسب لمواجهة مجموعة كاملة من الأمراض المحتملة التي قد يواجهها المستكشفون. لذلك يمكن استخدام نهج جراحي مستقل بالكامل إذا كانت التكنولوجيا متاحة. 

اقرأ أيضا: