هل تموت الإنترنت التي اعتدناها حقاً؟

5 دقيقة
هل تموت الإنترنت التي اعتدنها حقاً؟
حقوق الصورة: Shutterstock.com/Robert Hale

ملخص: قبل بضع سنوات من انتشار البوتات على النحو الذي هي عليه اليوم، انتشرت نظرية تفترض أن الإنترنت التي اعتدناها "تموت"، وقاتلها بوتات الذكاء الاصطناعي. أُطلِق على هذه النظرية اسم "الإنترنت الميتة" والتي تقول إن جزءاً كبيراً من النشاط والمحتوى المنشور عبر الإنترنت وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي من إنشاء البوتات والذكاء الاصطناعي، وليس من إنشاء مستخدمين بشريين حقيقيين. تشير بعض الأدلة إلى صحة هذه النظرية، وأن التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي من قِبل هذه البوتات قوي، ويؤثّر في الرأي العام من خلال المعلومات المضللة. ومن ناحية أخرى، يجادل البعض بأن النظرية تصفُ جانباً ضيّقاً من الإنترنت اليوم، وأن وسائل التواصل الاجتماعي تحارب ذلك المحتوى المزيف.

قبل بضع سنوات من انتشار البوتات على النحو الذي هي عليه اليوم، انتشرت نظرية تفترض أن الإنترنت التي اعتدناها "تموت"، وقاتلها بوتات الذكاء الاصطناعي. أُطلِق على هذه النظرية اسم "الإنترنت الميتة"، فما مدى صحتها؟ وهل هي حقيقية؟

ما هي نظرية الإنترنت الميتة؟

تفترض نظرية الإنترنت الميتة أن جزءاً كبيراً من النشاط والمحتوى المنشور عبر الإنترنت وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي من إنشاء البوتات والذكاء الاصطناعي، وليس من إنشاء مستخدمين بشريين حقيقيين، وأن الذكاء الاصطناعي يُستخدم لإنشاء المحتوى الذي يزيد المشاركات والاعجابات، ما يؤدي إلى زيادة المحتوى والمشاركة على نحوٍ مصطنع.

تشير هذه النظرية إلى أن الإنترنت أصبح مأهولاً بالتفاعلات الآلية، ما يؤدي إلى "موت" المشاركة البشرية الحقيقية، بالإضافة إلى أن العديد من الحسابات التي تتفاعل مع مثل هذا المحتوى يُدار بواسطة الذكاء الاصطناعي، وهذا يخلق حلقة من التفاعل الاصطناعي، خالية من البشر.

تشير النظرية أيضاً إلى أنه يمكن استخدام الحسابات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لإضفاء المصداقية على المعلومات المضللة المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع اكتساب هذه الحسابات لمتابعين، تبدو أكثر مصداقية للمستخدمين الحقيقيين.

اقرأ أيضاً: أصبحت متاحة عبر الإنترنت: قاعدة بيانات عامة جديدة تتضمن الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الذكاء الاصطناعي

تعزز مفهوم الإنترنت الميتة عام 2021 بعد منشور مطول يصفُ النظرية في سلسلة مواضيع بعنوان "نظرية الإنترنت الميتة: معظم الإنترنت مزيف"، على منتدى "ماكنتوش كافيه" (Macintosh Cafe) في "آغورا رود" (Agora Road).

وفي مقال بقلم "كايتلين تيفاني" على موقع "ذي أتلانتك" (The Atlantic)، ناقشت فكرة أن الإنترنت كانت نابضة بالحياة ذات يوم مع تفاعلات بشرية متنوعة، لكنها تتحول اليوم إلى مكان ينتشر فيه المحتوى الذي تقوده الخوارزميات والمنشورات التي يولّدها الذكاء الاصطناعي، وأن العديد من منصات التواصل الاجتماعي يضج بمحتوى متكرر ونمطي، بسبب الخوارزميات التي تشجّع المستخدمين على تقليد سلوكيات تشبه سلوك البوتات. وتقول تيفاني في مقالها: "ينمو جمهور هذه النظرية بسبب المناقشات التي يقودها مزيج من المؤمنين الحقيقيين، والمتصيدين الساخرين، وعشاق الدردشة الفضوليين".

ووفقاً لبحث أجرته شركة الأمن السيبراني "إمبيرفا" (Imperva)، يُعتَقد أن نحو نصف حركة المرور على الإنترنت تديرها البوتات، وأن ثُلث هذه البوتات سيئ ويشارك في أنشطة مثل الاحتيال الإعلاني وحملات التضليل، ما يُثير المخاوف بشأن صحة التفاعلات عبر الإنترنت والتلاعب المحتمل بالرأي العام.

علاوة على ذلك، تناقش نظرية الإنترنت الميتة تحولاً ثقافياً واسع النطاق، ويؤدي إلى تحويل الإنترنت من مساحة جماعية لتبادل الأفكار إلى وجهة تجارية تهيمن عليها الشركات الكبرى والأنظمة الآلية بهدف بيع المنتجات والأفكار، وبالتالي تخسر شبكة الإنترنت روحها الأصلية المتمثلة في التواصل المفتوح والمتنوع.

يصفُ خبير الذكاء الاصطناعي "سعيد الكلباني" نظرية الإنترنت الميتة عبر حسابه على منصة إكس قائلاً إن "الإنترنت من إنسان إلى إنسان" تتحوّل رويداً رويداً إلى "إنترنت من ذكاء اصطناعي إلى إنسان" وفي مرحلة متقدمة لاحقة ستصبح "إنترنت من ذكاء اصطناعي إلى ذكاء اصطناعي"، كما أن المحتوى بات غير واقعي، ويخلو من اللمسة البشرية أو الحقيقة. ولن تكون هناك موضوعات نقية خالصة بالفكر البشري، وسوف تنخفض الأفكار الإبداعية والمحتوى المثير للشغف وبالتالي ستموت الإنترنت ومحركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي هي من ستغمض عينه.

اقرأ أيضاً: كيف يتحكم الذكاء الاصطناعي فيما تراه على وسائل التواصل الاجتماعي؟

هل نظرية موت الإنترنت حقيقية؟

تبدو نظرية الإنترنت الميت واضحة على منصة إكس، إذ يشتكي المستخدمون في بعض الأحيان من كمية كبيرة من الردود التي لا معنى لها، أو غير ذات الصلة بالموضوع، والتي يبدو جلياً أنها مُنشئة عبر بوتات الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم  من أن مستخدمي المنصة ما زالوا قادرين على تمييز ردود زملائهم البشر، فإن انتشار البوتات يؤثر على تجربة المستخدم. وأشار آخرون إلى استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي أيضاً لكتابة أوصاف المنتجات وأسماءها تلقائياً على أمازون. ويشتكي الفنانون والكتاب أيضاً من الصور والمحتوى عديم القيمة الذي يُنشئه الذكاء الاصطناعي، ولكنه ينتشر ويصل إلى عدد كبير من المستخدمين والقراء.

وتبدو الأدلة التي تشير إلى التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي من قبل هذه البوتات قوية، وتؤثّر في الرأي العام من خلال المعلومات المضللة. فقد حللت دراسة منشورة في دورية نيتشر عام 2018 نحو 14 مليون تغريدة على مدى 10 أشهر بين عامي 2016 و2017، ووجدت أن تلك البوتات تنشر الكثير من المقالات من مصادر غير موثوقة، ولأن تلك المقالات تُنشر على حسابات تحظى بعددٍ كبيرٍ من المتابعين، يندفع المستخدمون البشر إلى تصديق هذا المحتوى والتفاعل معه وإعادة مشاركته.

من ناحية أخرى، يستمر البشر في إنشاء النسبة الأكبر من المحتوى والمحادثات على إكس وريديت وفيسبوك وغيرها. لذلك تصف نظرية الإنترنت الميتة جانباً ضيّقاً من الإنترنت اليوم، وأضيق عام 2021 الذي وُضعت فيه النظرية، فالبوتات موجودة ومنتشرة، لكن مواقع التواصل الاجتماعي تتخذ تدابير تمنع بوتات البريد العشوائي، وحتى المتطور منها، وتمنع شراء المشاهدات والإعجابات المزيفة، كما أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي غير قادرة بعد على إنشاء محتوى جيد دون تدخل بشري، وذلك لعدم قدرة  الذكاء الاصطناعي على فهم السياق.

والواقع أن الغالبية العظمى من المنشورات التي تنتشر على نطاقٍ واسع مثل الآراء غير المتوازنة والطرائف والملاحظات الذكية وإعادة صياغة المألوف في سياق جديد، ليست من إنتاج الذكاء الاصطناعي، بينما تعيد البوتات نشر ما يؤلّفه صُنّاع المحتوى والمؤثرون من البشر، وبالتالي يقود البشر البوتات بطريقة أو بأُخرى.

اقرأ أيضاً: إليكم طريقة بحث خوارزمية فيسبوك للذكاء الاصطناعي عن المحتوى المسيء

ربما لا تعكس نظرية الإنترنت الميتة حقيقة تجربة التصفح، ولكنها تصفُ الشعور بالملل والاغتراب الذي قد يصاحبها. وتصفُ تيفاني الأمر في مقالها ذاته على موقع ذي أتلانتك بأن المستخدمين يشعرون بالحنين إلى أيام تصميم الويب الغريب والمواقع الشخصية وقوائم البريد الإلكتروني.

أما الجانب الحقيقي في نظرية الإنترنت الميتة فهو أن الخوارزميات تقود تجربة التصفح الخاصة بنا على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الأخرى. بالإضافة إلى حقيقة أن شبكة الإنترنت أصبحت مختلفة عمّا كانت عليه في بداياتها، فبدلاً من أن تكون عبارة عن نظام متنوع من المواقع الصغيرة، يقودها اليوم عدد قليل من المنصات الضخمة التي أنشأتها الشركات الكبرى، وتسعى إلى تحقيق الدخل من تصفحنا لها، حتى إن "تيم بيرنرز لي"، مخترع شبكة الويب العالمية، يشعر بخيبة أمل إزاء حالة ابتكاره، ويقول: "إن شبكة الويب ليست الشبكة التي أردناها من النواحي جميعها".

الجدير بالذكر أن هذه النظرية وُضعت قبل أن يصبح الذكاء الاصطناعي موضوعاً متداولاً بشكلٍ كبير، لكن التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وطرح نماذج مثل تشات جي بي تي وجيميناي، ستؤدي إلى تحسين جودة المحتوى المزيف فقط.

يمكن النظر للإنترنت الميتة على أنها تحذير يدفعنا إلى تدقيق النظر في التفاعلات عبر الإنترنت، والشك في مصداقية المحتوى والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، وتشجيع المستخدمين على تقييم المعلومات التي تصل إليهم والتأكد من مصادرها.