تصميم مسكن فضائي يجمع نفسه ذاتياً يَعد بتحسين تجربة رواد الفضاء

5 دقيقة
تصميم مسكن فضائي يجمع نفسه ذاتياً يَعد بتحسين تجربة رواد الفضاء
مصدر الصورة: معهد أوريليا

ملخص:

المشكلة: محدودية كمية وحجم الأشياء التي يمكن إرسالها إلى المدار، وما يترتب عليها من الحاجة إلى إرسال حمولات متعددة إلى الفضاء.

السبب: القدرة الاستيعابية للصواريخ التي يتم إطلاق الكبسولات من خلالها.

الحل: تطوير طرق يمكن من خلالها إرسال الأشياء مضغوطة في حيز إلى الفضاء، ونشرها بعد ذلك وتركيبها.

يشهد الفضاء زيادة في عدد المسافرين إليه، لكن محطة الفضاء الدولية تتسع فقط لـ 11 شخصاً في الوقت نفسه. وقد توصل معهد أوريليا (Aurelia Institute)، وهو مختبر غير ربحي للعمارة الفضائية في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس، إلى أسلوب قد يفيد في حل هذه المشكلة، وذلك من خلال مسكن يمكن إطلاقه إلى الفضاء ضمن رزم مكدسة ومضغوطة من القطع المسطحة، حيث يجمع نفسه ذاتياً في المدار.

بناء المساكن الفضائية الكبيرة عملية صعبة. حيث يجب أن تتسع العناصر الإنشائية، مثل الجدران، داخل الصاروخ. وفي أغلب الأحيان، لا يكون الحيز المتاح على متن الصاروخ كافياً لإطلاق كل شيء إلى الفضاء دفعة واحدة. ولهذا، فإن بناء المباني الضخمة، مثل محطة الفضاء الدولية، يتطلب عدة عمليات إطلاق إلى الفضاء، ما يؤدي إلى زيادة التكلفة. ما إن تصل المكونات جميعاً إلى الفضاء، يجب أن يتولى البشر عملية البناء، وهو عمل محفوف بالمخاطر.

اقرأ أيضاً: شركة ناشئة تدرس إمكانية إنجاب الأطفال في الفضاء بهدف إرسال بعثات فضائية طويلة الأمد

طرق جديدة لبناء المساكن الفضائية

تقول الرئيسة التنفيذية لمعهد أوريليا، آرييل إكبلاو: "إذا اعتمدنا على شخص للمساعدة على تجميع شيء ما، فيجب عليه ارتداء بدلة للعمل في الفضاء خارج المركبة الفضائية. وهذا يعني أنه سيخاطر بحياته. ونرغب في أن نتمكن من تنفيذ هذا العمل بطريقة أكثر أماناً في المستقبل".

في أوائل أغسطس/آب، وفي مساحة عمل مشتركة في منطقة روكسبوري في ولاية ماساتشوستس، عرض معهد أوريليا نموذجاً بالحجم الطبيعي لمسكن فضائي يحمل اسم "تيسيراي" (TESSERAE). يبدو هذا المبنى أشبه بملعب كرة قدم ذي تصميم مستقبلي وبارتفاع طابق واحد. وصف الفريق طريقة تجميع القطع المسطحة التي تتألف منها المحطة، والتي يبلغ طول -وعرض- كل منها 1.8 متر تقريباً.

تكمن الفكرة في جعل المبنى مضغوطاً قدر الإمكان من أجل إطلاقه إلى الفضاء. تقول نائبة رئيس معهد أوريليا للاستراتيجية وتطوير الأعمال، ستيفاني سيوبلوم: "حالياً، أي شيء يجري إرساله إلى الفضاء موجود ضمن الهيكل الصلب للغاية للحمولة، وهي ما يوجد في أعلى الصاروخ. وبفضل هذه التكنولوجيا، نستطيع صنع قطع مسطحة يمكن تكديسها بأسلوب مشابه للصندوق المضغوط والمسطح الذي تستخدمه شركة إيكيا (IKEA) للأثاث".

بعد إنجاز عملية الإطلاق بنجاح، يجري رمي القطع المسطحة إلى الفضاء ضمن هيكل شبيه بالمنطاد أو شبكة، وذلك لمنعها من الانجراف بعيداً. وبفضل الشبكة، تبقى القطع المسطحة المزودة بمغانط قوية في حوافها قريبة من بعضها بما يكفي للجذب المغناطيسي. يأمل المصممون بأن القطع المسطحة ستتراكب معاً بعد ذلك من تلقاء نفسها وفق التركيبة الصحيحة في المرة الأولى. وإذا لم يحدث هذا، يستطيع الفريق أن يمرر نبضة كهربائية عبر المغانط لتفكيك التركيبة الخاطئة للقطع المسطحة، والمحاولة من جديد. بعد انتهاء عملية التجميع، يمكن تركيب الأنظمة الكهربائية والتمديدات الصحية يدوياً.

وحدات تركيبية ووحدات قابلة للنفخ

حتى الآن، نجح الفريق في تجميع قطع مسطحة أصغر وبحجم اليد في الفضاء مرات عديدة، كانت إحداها خلال بعثة أيه إكس 1 (Ax-1) لشركة أكسيوم سبيس (Axiom Space) إلى محطة الفضاء الدولية في 2022. لكن الفريق لم يتمكن بعد من بناء نموذج ذي أبعاد صحيحة متوافقة مع النموذج تيسيراي في الفضاء، ويقول إن عملية البناء قد تتطلب الاستعانة بشريك على الأرجح.

تقول إكبلاو: "من الصعب علينا أن نحدد بدقة الوقت الذي سنحتاج إليه حتى نتمكن من تجهيز المبنى لاستقبال طاقم بشري. ومن المرجح أن هذا سيعتمد على قدرتنا على عقد شراكة مع وكالة ناسا أو شركة أكسيوم. لكن هذا سيحدث بحلول الثلاثينيات من القرن الحالي بلا شك". لم يفصح معهد أوريليا عن المبلغ الذي تمكن من جمعه أو المبلغ الذي أنفقه على هذا العمل، لكنه يقول إنه حصل على تمويل جزئي بفضل مِنَح قدمتها ناسا ورعايات الشركات.

ثمة مجموعات كثيرة تعمل على تطوير المحطات الفضائية. تعمل أكسيوم سبيس على تصميم محطتها المدارية الخاصة، وتسعى إلى إرسال أول وحدة فضائية مخصصة للإقامة منها إلى الفضاء في 2026، حيث ستلتحم مؤقتاً بمحطة الفضاء الدولية. أما شركتا بلو أوريجين (Blue Origin) وسييرا سبيس (Sierra Space) فتعملان على مشروع أوربيتال ريف (Orbital Reef)، وهو مشروع يهدف إلى توفير الدعم لما يصل إلى 10 أشخاص في الوقت نفسه ضمن "مساحة أعمال متنوعة الاستخدامات". ستعتمد هذه المحطات على البشر في بنائها، كما أن إطلاق القطع إلى الفضاء سيتطلب بضع رحلات.

اقرأ أيضاً: 6 طرق يساعد بها الذكاء الاصطناعي في استكشاف الفضاء

ضغط الأشياء وإطلاقها إلى الفضاء

ثمة طريقة أخرى لضغط شيء بحيث يصبح إطلاقه إلى الفضاء أسهل، وذلك من خلال نفخه في المدار. وقد فعلت ناسا هذا من قبل، فقد أطلقت مسكنها التجريبي بيم (BEAM) في 2016 إلى محطة الفضاء الدولية، حيث التحم معها، كما أنه كان يحتوي على حمولة مخزنة. تريد سييرا سبيس صنع مساكن قابلة للنفخ بحجم يصل إلى حجم مبنى من 3 طوابق، على الرغم من أنها لم تختبر هذه التصاميم في الفضاء بعد.

وفقاً لوجهة نظر إكبلاو، فإن مسكن تيسيراي والمساكن القابلة للنفخ تمثل تكنولوجيات يمكن أن تكمل بعضها بعضاً. فالطبقة الخارجية الصلبة لتيسيراي تؤمن حماية أفضل لرواد الفضاء من الحطام الفضائي، مثل النيازك الدقيقة. كما أن إصلاح مسكن تيسيراي أسهل من إصلاح مسكن قابل للنفخ، كما تقول، لأنه يمكن ببساطة استبدال القطع المسطحة. أما هذا فلا ينطبق على المساكن القابلة للنفخ، حيث قد يتطلب التمزق تنفيذ عملية ترقيع معقدة، أو استبدال المسكن بأكمله. تقول إكبلاو: "أنا أؤيد المساكن القابلة للنفخ بشدة. وأعتقد أن الحل يتطلب استخدام كلا التصميمين، لا أحدهما دون الآخر".

تحديات تصميمية

وفقاً لرؤية معهد أوريليا، فإن مسكن تيسيراي سيصبح، حال انتهاء بنائه، مختلفاً للغاية عما نراه عادة في محطة الفضاء الدولية، فلن يكون قادراً على تنفيذ الوظائف المطلوبة منه وحسب، بل سيكون أيضاً مسلياً، وسهل الاستخدام، ومريحاً.

يحتوي التصميم على عناصر غريبة وجذابة، وهي مدروسة بناءً على معلومات مستمدة من المئات من المقابلات مع رواد الفضاء. فأحدها يبدو أشبه بحيوان شقائق نعمان البحر بتصميم بارز مثبت على الحائط وقابل للنفخ. غير أنه في الواقع أريكة، فالاستلقاء في الفضاء ليس بالأمر السهل، ولهذا، يستطيع رواد الفضاء نظرياً أن يحشروا أنفسهم بين الأفرع القابلة للنفخ حتى يسترخوا في مكانهم.

لكن إنتاج هذه التكنولوجيا بمقاس أضخم سيكون صعباً. ويقول مهندس الطيران والفضاء في جامعة ميشيغان، أوليفر جيا ريتشاردز، إنه ليس واثقاً من أن تصميم أوريليا الذي يعتمد على تركيبة من المغانط والمستشعرات سيكون كافياً للتجميع الذاتي للقطع المسطحة الأكبر حجماً. فتحريك الأشياء في الفضاء بدقة يتطلب عادة استخدام نظام للدفع. يقول جيا ريتشاردز: "إذا تمكنوا من تحقيق هذا الأمر، سيكون إنجازاً غير مسبوق من حيث أسلوب تنفيذ هذه المهام". تقول إكبلاو إنها لا تستبعد الحاجة إلى نظام للدفع.

وتشير إكبلاو أيضاً إلى أن المباني التي تستطيع القطع المسطحة تشكيلها حالياً ليست كتيمة ومحكمة الإغلاق، ما يعني أنها غير جاهزة للاستخدام البشري. قد يضيف فريقها أنظمة تثبيت عند حواف القطع المسطحة، ما يؤدي إلى تجميعها معاً بأسلوب أكثر إحكاماً. تعتمد فكرة أخرى على نفخ بالون كتيم ومحكم العزل في وسط المساحة الداخلية حتى يستطيع البشر أن يعيشوا ضمنه. في هذه الحالة، ستتحول القطع المسطحة ببساطة إلى هيكل خارجي يحمي كيساً غشائياً داخلياً يمكن تكييف ضغط الجو داخله.

اقرأ أيضاً: مشاريع مبتكرة لحل مشكلة طعام رواد الفضاء

حصل الفريق مؤخراً على موافقة ناسا لإرسال المزيد من القطع المسطحة الصغيرة إلى محطة الفضاء الدولية العام المقبل. وهذه المرة، سيرسل الفريق 32 قطعة تقريباً (بدلاً من 5 قطع وحسب) لتجربة إمكانية بناء هيكل كروي كامل بأبعاد صغيرة.