أول غرامة بسبب الحطام الفضائي: ما الذي يجعلها مهمة جداً؟

5 دقائق
أول غرامة بسبب الحطام الفضائي: ما الذي يجعلها مهمة جداً؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت. إم آي تي تي آر. إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدو أننا خطونا خطوة كبيرة نحو تنظيف الحطام الفضائي.

يوم الاثنين 2 أكتوبر/تشرين الأول، فرضت هيئة الاتصالات الفيدرالية (FCC) في الولايات المتحدة أول غرامة تتعلق بالحطام الفضائي، إذ وجهت أمراً إلى شركة ديش الأميركية لتزويد الخدمات التلفزيونية بدفع 150,000 دولار بسبب عدم تحريكها لأحد أقمارها الاصطناعية إلى مدار آمن.

تقول المحامية المختصة بالشؤون الفضائية في جامعة مسيسيبي، ميشيل هانلون: “لا شك في أنها لحظة رمزية مهمة جداً في مجال التخفيف من الحطام الفضائي. وهي خطوة رائعة في الاتجاه الصحيح”.

نحو حلول حاسمة للحطام الفضائي

لكن هذا الإجراء قد يكون أكثر من مجرد بادرة رمزية من هيئة الاتصالات الفيدرالية. فهو لا يشكل سابقة في التعامل مع الجهات الفاعلة السيئة التي تترك قطعاً خطيرة من الحطام في مدار الأرض فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى تشكيل صدمة قوية عبر هذا المجال بأسره، ما سيجعل جميع شركات تشغيل الأقمار الاصطناعية قلقة بشأن سمعتها. وفي حين لا يعد مبلغ 150,000 دولار بالغرامة الباهظة، فقد خفّض على أي حال قيمة سهم ديش بنسبة 13%، ما أدى إلى خفض قيمة الشركة من 3 مليارات دولار تقريباً إلى 2.6 مليار دولار.

يمكن أن يساعد هذا الإجراء الذي اتخذته هيئة الاتصالات الفيدرالية على إنعاش سوق لإزالة الحطام الفضائي تجارياً، التي ما تزال صغيرة وفي بداياتها، إذ سيؤدي على وجه الخصوص إلى تحديد سعر -150,000 دولار- تسعى الشركات، مثل أستروسكيل (Astroscale) في اليابان وكليرسبيس (Clearspace) في سويسرا، إلى الالتزام به لتقديم خدماتها، التي تعتمد على مركبة فضائية صغيرة تنسلّ خفية نحو الأقمار الاصطناعية أو الصواريخ المعطلة أو الخاملة وإعادتها إلى الغلاف الجوي.

اقرأ أيضاً: مشاريع مبتكرة لحل مشكلة طعام رواد الفضاء

سوق إزالة الحطام الفضائي

يقول المحامي المختص بالشؤون الفضائية في جامعة نورثومبريا في المملكة المتحدة، كريستوفر نيومان: “ثمة سؤال مثير للاهتمام حقاً: ما أثر غرامة من هذا المستوى على مستقبل سوق خدمات إزالة الحطام بالوسائل الفاعلة؟” من الخيارات المتاحة أيضاً إعادة تزويد الأقمار الاصطناعية بالوقود، ففي 2021، أعادت شركة الفضاء الأميركية نورثروب غرومان (Northrop Grumman) تزويد قمر اصطناعي في مدار ثابت بالنسبة إلى الأرض بالوقود، للمرة الأولى، لإطالة عمره التشغيلي.

ومؤخراً، طلبت الحكومة اليابانية من أستروسكيل إزالة قمر اصطناعي خامل من المدار. يقول نيومان إن شركات إزالة الحطام هذه واجهت صعوبة في العثور على عملاء مستعدين لدفع الأموال لقاء خدماتها، لكن الإجراء الذي اتخذته هيئة الاتصالات الفيدرالية ضد ديش قد يؤدي إلى تغيير هذا الأمر. ويضيف قائلاً: “تلقت الشركات بهذا الإجراء إنذاراً بأنها ستكون مسؤولة عن نتائج أي مخالفة لشروط ترخيصها. وهذا ما سيؤدي إلى تنشيط الحوار بين هذين المجالين”.

أيضاً، ثمة أمل بأن تؤدي غرامة هيئة الاتصالات الفيدرالية إلى تشجيع البلدان الأخرى على أن تحذو حذو الولايات المتحدة، وتتخذ إجراءاتها الخاصة بالمخالفات المتعلقة بالحطام الفضائي. يقول نيومان: “يمثل هذا الإجراء إعلاناً باتخاذ الولايات المتحدة زمام المبادرة في هذا المجال. إنها بداية لموجة متسارعة”.

اقرأ أيضاً: كيف قلبت بيانات تلسكوب جيمس ويب الفضائي الموازين في علم الفلك؟

أزمة الحطام الفضائي

حالياً، يدور حول الأرض أكثر من 8,000 قمر اصطناعي نشط، وما يقارب 2,000 قمر اصطناعي خامل، والمئات من الصواريخ الفارغة. وتمثل إدارة هذه الأجسام ومنع التصادمات بينها مهمة ضخمة، وهي مهمة تزداد صعوبة مع ازدياد عدد الأقمار الاصطناعية بصورة متسارعة. ويُعزى تفاقم الوضع، بنسبة كبيرة، إلى مجموعات الأقمار الاصطناعية الضخمة لشركات مثل سبيس إكس (SpaceX) وأمازون، التي صُمِمَت لبث الإنترنت إلى أنحاء كوكب الأرض كافة.

تقول الفلكية في جامعة ريجينا في كندا، سامانثا لولر: “تبلغ كثافة الأقمار الاصطناعية التي تندفع حول الأرض بسرعة عدة كيلومترات في الثانية نسبة عالية جداً. وإذا وقع أي حادث تصادم في المدار، فقد نصبح عاجزين عن استخدام المدار الأرضي المنخفض”.

على الرغم من عدم وجود أي قوانين رسمية لإزالة الحطام الفضائي في الولايات المتحدة أو غيرها، فإن هيئة الاتصالات الفيدرالية وغيرها من المنظمات الوطنية التي تمنح الموافقات على إطلاق الأقمار الاصطناعية بدأت باعتماد ضوابط محددة لمنع المؤسسات من زيادة الازدحام في الفضاء. وقد فرضت هيئة الاتصالات الفيدرالية حالياً مهلة خمس سنوات لإزالة الأقمار الاصطناعية من المدار الأرضي المنخفض أي على ارتفاع أقل من 2,000 كيلومتر فوق سطح الأرض- بعد نهاية مهمتها.

اقرأ أيضاً: ما فائدة إنشاء محطات للطاقة الشمسية في الفضاء؟

“المدار المقبرة”

أما بالنسبة للأقمار الاصطناعية في المدارات الأعلى، فإن إزالتها غير ممكنة على الدوام. فالقمر الاصطناعي التابع لشركة ديش، الذي يحمل اسم إيكوستار 7 (EchoStar-7) والذي أطلقته في 2002، كان في مدار مستقر بالنسبة إلى الأرض، على ارتفاع 35,000 كيلومتر تقريباً فوق سطح الأرض. وفي 2012، وافقت ديش على خطة مع هيئة الاتصالات الفيدرالية لتحريك قمرها الاصطناعي نحو مدار أعلى مسافة 300 كيلومتر يسمى “المدار المقبرة”، حيث تُترَك الأقمار الاصطناعية الخاملة لتدور حول الأرض بعيداً عن الأقمار الاصطناعية الأخرى. لكن الشركة كشفت في 2022 أن القمر الاصطناعي كان يحتوي على وقود يكفي للوصول إلى مدار يبعد 122 كيلومتراً فقط، ما أدى إلى التسوية التي تفاوضت عليها مع هيئة الاتصالات الفيدرالية.

وقد قالت هيئة الاتصالات الفيدرالية في بيان لها: “تضمنت التسوية إقراراً بالمسؤولية من الشركة، واتفاقاً للالتزام بخطة للامتثال بالقواعد الرسمية المفروضة، إضافة إلى دفع غرامة قدرها 150,000 دولار”. قال ناطق باسم ديش لإم آي تي تكنولوجي ريفيو إن الشركة “تتميز بسجل طويل من التحليق بأعداد كبيرة من الأقمار الاصطناعية بأمان، وتتحمل مسؤولياتها المتعلقة بتراخيص هيئة الاتصالات الفيدرالية بجدية تامة”. وأضاف أن هيئة الاتصالات الفيدرالية “لم تتوصل إلى أي نتائج محددة تفيد بأن إيكوستار 7 يشكل أي مخاوف بشأن السلامة المتعلقة بالحطام المداري”.

تعتقد هانلون أن الغرامة لم تكن كافية. لكنها تقول إن اعتراف ديش بالمسؤولية أمر في غاية الأهمية. وإذا اصطدم إيكوستار 7 بقمر اصطناعي آخر، يمكن أن تتعرض الشركة إلى إجراءات قانونية إضافية.

إضافة إلى هذا، قال متحدث باسم هيئة الاتصالات الفيدرالية لإم آي تي تكنولوجي إن الوكالة يمكن أن تفرض غرامات تتجاوز 150,000 دولار على منتهكي قواعد الحطام الفضائي في المستقبل. وقال المتحدث: “كانت هذه الغرامة جزءاً من تسوية توصل إليها الطرفان بعد التفاوض. ولا تشير بالضرورة إلى مستوى الغرامات اللاحقة”.

اقرأ أيضاً: تحليل صور الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي لإدارة واستشراف النمو العمراني في دبي

إجراءات قانونية متعلقة بالفضاء

ليست هذه المرة الأولى التي تُتَّخَذ فيها إجراءات قانونية متعلقة بالفضاء. ففي 1978، رفعت كندا دعوى قضائية ضد روسيا بسبب حطام فضائي سقط على أراضيها منفصلاً عن قمر اصطناعي يعمل بالطاقة النووية، وانتهت بتسوية مالية تجاوزت مليوني دولار. وفي 1979، فرضت بلدة إسبيرانس الأسترالية، على سبيل المزاح والسخرية، غرامة قدرها 400 دولار على وكالة ناسا (NASA) بعد سقوط قطع من محطتها الفضائية سكاي لاب (Skylab) في المنطقة، وقد تكفل منسق موسيقي في إحدى محطات الراديو الأميركية بدفع هذه الغرامة أخيراً في 2009. وفي 2018، تعرضت شركة سوارم تكنولوجيز (Swarm Technologies) الناشئة الأميركية إلى غرامة بقيمة 900,000 دولار من هيئة الاتصالات الفيدرالية بسبب إطلاقها الأقمار الاصطناعية من دون تصريح.

لكن الكثير من الحوادث ما يزال دون حل. ففي 2009، اصطدم قمر اصطناعي أميركي نشِط تابع للشركة التكنولوجية إيريديوم (Iridium) بقمر اصطناعي روسي خامل، وانفجر متحولاً إلى الآلاف من القطع المعدنية. وما تزال هذه المسألة دون تسوية حتى الآن. ونظراً لوجود عدد ضخم من الأقمار الاصطناعية الخاملة والصواريخ الفارغة في المدار حالياً، فإن احتمال وقوع حوادث تصادم أخرى ما يزال مرتفعاً. يقول خبير الحطام الفضائي في جامعة ساوثامبتون، هيو لويس: “إنها مشكلة مستعصية”. ويضيف أن التوجه الجديد لهيئة الاتصالات الفيدرالية نحو اتخاذ الإجراءات الفعلية قد يعني أن مشغلي الأقمار الاصطناعية “مضطرون إلى وضع خطط تضمن إخراج المركبات الفضائية من المدار بنجاح”.

تقول هانلون إنه ثمة المزيد من الإجراءات الإضافية التي يمكن اتخاذها لردع الشركات عن التراخي في التخلص من الأقمار الاصطناعية بطريقة صحيحة. وتضيف: “أرغب بصدق في رؤية إجراءات لمنع الشركات من إطلاق الأقمار الاصطناعية عدة سنوات عند عدم تحقيقها لشروط الترخيص. سيصبح الوضع أشبه بقيادة السيارة تحت التهديد بسحب الرخصة. هذه هي أنواع الإجراءات التي نريد رؤيتها”.

اقرأ أيضاً: كيف ستؤثر الحرب الروسية الأوكرانية على صناعة الفضاء الأميركية؟

يقول المستشار القانوني المختص بالشؤون الفضائية في منظمة سيكيور وورلد (Secure World)، كريس جونسون، إن الضربة التي تعرضت لها سمعة ديش بسبب هذه المشكلة مع القمر الاصطناعي قد تكون أسوأ من أي غرامة يمكن أن تتعرض لها. ويقول: “لقد وعدوا بإزالة القمر الاصطناعي، ولم ينفذوا هذا الوعد. هذا الوضع أشبه بما حدث لأول سائق سيارة يتعرض لمخالفة بسبب السرعة الزائدة”.

يبدو أن تراجع سعر سهم الشركة يشير فعلياً إلى هذا الضرر الذي تعرضت له سمعة الشركة. قد تكون الغرامة أقل مما هو متوقع، لكن إجراءات هيئة الاتصالات الفيدرالية يمكن أن تمثل نذيراً للشركات الأخرى بوجوب التعامل مع مشاكل الحطام الفضائي بجدية. يقول جونسون: “سيلطخ هذا سجل الشركة وسمعتها. وهذا أمر لا يستهان به”.