مشاريع مبتكرة لحل مشكلة طعام رواد الفضاء

5 دقائق
أطعمة مصنوعة من الهواء والفطريات: مشاريع مطروحة لحل مشكلة طعام رواد الفضاء
مصدر الصورة: إنترستيلار لاب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قد يكون طعام الفضاء في المستقبل بسيطاً وغريباً؛ مثل مخفوق بروتيني مصنوع من أنفاس رواد الفضاء، أو برغر مصنوع من الفطريات!

في معظم الأحيان، وعلى مدى عقود كاملة، اعتمد رواد الفضاء خلال رحلاتهم خارج الكوكب على الطعام المعبأ مسبقاً، إضافة إلى الخس المزروع في الفضاء بين الحين والآخر. ومع اقتراب انطلاق البعثات خارج المدار الأرضي، أطلقت وكالة ناسا مسابقة تأمل بأن تؤدي إلى تغيير هذا الوضع بأكمله، وإطلاق حقبة جديدة من الطعام الفضائي المستدام.

تحدي طعام الفضاء العميق

يقول المدير الأول لمشروع إنتاج المحاصيل الفضائية في مركز كينيدي الفضائي التابع لناسا في ولاية فلوريدا، رالف فريتش: “تبلغ فترة صلاحية الطعام الفضائي المسبق التعبئة، الذي نستخدمه في محطة الفضاء الدولية حالياً، سنة ونصف السنة تقريباً. حالياً، ليس لدينا نظام لتوفير الطعام بما يناسب بعثة متوجهة إلى المريخ”، ويمكن أن تنطوي البعثات الطويلة الأمد إلى القمر على مشكلة مماثلة.

وعلى الرغم من أن وصول البشر إلى المريخ قد يستغرق بعض الوقت؛ فإنه ثمة بعثات قمرية قريبة للغاية دون شك. حيث تخطط ناسا لإرسال 4 رواد فضاء في العام المقبل إلى القمر للتحليق حوله في إطار برنامج أرتميس، في أول بعثة قمرية مأهولة منذ أبولو 17 في 1972. يهدف هذا البرنامج إلى إعادة البشر إلى سطح القمر في وقت لاحق من هذا العقد، لقضاء عدة أيام في البداية، مع الوصول في نهاية المطاف إلى فترة أسابيع أو أشهر أو حتى أكثر من ذلك.

اقرأ أيضاً: هل يمكن لأي شخص أن يتدرب ليصبح رائد فضاء؟

ولحل مشكلة إطعام رواد الفضاء في البعثات الطويلة الأمد، أطلقت ناسا تحدي طعام الفضاء العميق في يناير/ كانون الثاني من العام 2021؛ حيث طلبت من الشركات اقتراح طرائق جديدة لتطوير أطعمة مستدامة للبعثات المستقبلية. شاركت 200 شركة تقريباً في هذا التحدي، ووقع الاختيار على 11 فريقاً من هذه المجموعة في يناير/ كانون الثاني من العام 2023 في إطار المرحلة الثانية من التحدي؛ حيث حصل كل من الفرق الأميركية الثمانية على تمويل بمقدار 20,000 دولار، إضافة إلى 3 فرق عالمية. وأعلنت ناسا في 19 مايو/ أيار عن الفرق التي ستنتقل إلى المرحلة النهاية من المسابقة؛ حيث سيُعلَن عن مجموعة صغيرة من الفائزين في أبريل/ نيسان من العام 2024 بعد إجراء اختبارات تتضمن تفاصيل أكثر لمشروعاتهم المقترَحة.

تقول مديرة المشروع لهذا التحدي التي تعمل في مركز مارشال للتحليق الفضائي التابع لناسا في ولاية ألاباما، أنجيلا هيربليت: “كانت المرحلة الثانية أقرب إلى تجربة على مستوى المطبخ. أما المرحلة الثالثة فسوف تفرض على الفرق المتنافسة نقل هذه التكنولوجيات إلى مستوى أعلى من التصنيع”.

اقرأ أيضاً: كيف قلبت بيانات تلسكوب جيمس ويب الفضائي الموازين في علم الفلك؟

أطعمة مغذية لرواد الفضاء في الرحلات الفضائية الطويلة

عملت الفرق المتنافسة على ابتكار أنظمة قادرة على العمل مدة 3 سنوات لإطعام طاقم من 4 رواد فضاء ضمن بعثة فضائية مرتقبة. لم تشترط المنافسة اقتراح نظام غذائي كامل للطاقم؛ ولكنها اشترطت ابتكار مجموعة متنوعة من الأطعمة المغذية لرواد الفضاء. في وقت سابق من هذه السنة 2023، زار الحكام كل شركة على حدة “لرؤية الطعام وتحليله بدقة” وفقاً لهيربليت، وقد اعتمدت إحدى الشركات نظاماً غريباً للغاية لتحقيق المهمة؛ فقد صممت شركة إير كومباني (Air Company)، في نيويورك التي وصلت إلى القائمة النهائية الأميركية المؤلفة من 8 شركات، نظاماً قادراً على استثمار ثنائي أوكسيد الكربون الذي يزفره رواد الفضاء لإنتاج الكحول الذي يمكن استخدامه لزراعة الطعام. ومن الجدير بالذكر أن الشركة طوّرت من قبل عدة سوائل كحولية مصنوعة باستخدام ثنائي أوكسيد الكربون لوقود الطائرات والعطور.

يقول أحد مؤسسي الشركة والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا فيها، ستافورد شيهان: “نحن نصنع الطعام من الهواء. قد يُخيل للمرء أننا نتحدث عما يشبه السحر ولكن العملية تبدو أبسط بكثير عند رؤيتها قيد التنفيذ، فنحن ندمج ثنائي أوكسيد الكربون مع الماء بوجود الكهرباء، ونصنع البروتينات”. 

مصدر الصورة: إير كومباني
 
مؤسسو إير كومباني، الدكتور ستافورد شيهان، وغريغوري كونستانتين.
مصدر الصورة: إير كومباني

كانت إير كومباني، التي أسسها ستافورد شيهان وغريغوري كونستانتين، تدرس تحويل ثنائي أوكسيد الكربون إلى غذاء للخميرة.

إنتاج شيء قابل للأكل من ثنائي أوكسيد الكربون

وتنتج هذه العملية الكحول المغذي للخميرة؛ ما يؤدي إلى إنتاج “شيء قابل للأكل” وفقاً لشيهان. للفوز بالمسابقة، ابتكر الفريق مخفوقاً بروتينياً -من الناحية العملية- يوصف بأنه شبيه بالمخفوق المصنوع من السيتان (غلوتين القمح)، وهو بديل نباتي للّحم. يقول شيهان: “مذاقه لذيذ للغاية في الواقع”. ولتغذية لرواد الفضاء، سيشغّل النظام عملية تخمير متواصلة لتوفير الطعام. يقول شيهان: “يمكنك صنع مخفوق بروتيني فضائي من هذه الخميرة النامية في أي وقت ترغب فيه”.

أما شركة إنترستيلار لاب (Interstellar Lab) في ولاية فلوريدا، وهي شركة أخرى من الشركات الأميركية التي بلغت المرحلة الثانية، فقد اعتمدت طريقة مختلفة؛ حيث يتألف نظامها المسمى “نيوكليوس” (NUCLEUS)، من مجموعة من الوحدات التركيبية الصغيرة على شكل كبسولات بحجم محمصة الخبز. تتسم هذه الوحدات بتصميم ذاتي الاحتواء، وهي مستقلة من حيث الرطوبة والحرارة ونظام التزويد بالماء؛ ما يتيح لرواد الفضاء زراعة أطعمتهم بأنفسهم في الفضاء بسهولة مثل الخضراوات بأنواعها المختلفة، أو حتى الحشرات مثل ذباب الجندي الأسود الذي يُعتَبر أحد المصادر الواعدة للبروتين.

اقرأ أيضاً: ما فائدة إنشاء محطات للطاقة الشمسية في الفضاء؟

تقول المؤسِّسة والرئيسة التنفيذية للشركة، باربرا بيلفيسي: “تقوم الفكرة على إحضار جزء صغير من النظام البيئي للأرض إلى الفضاء، ويمكن استخدام هذا النظام لزراعة الفطر والنباتات الخضراء الصغيرة وتربية الحشرات، كلها في آن معاً”.

عامل يفتح إحدى وحدات نيوكليوس ضمن كدسة مؤلفة من 9 وحدات.
مصدر الصورة: إنترستيلار لاب
إطلالة إلى الخارج من داخل إحدى وحدات نيوكليوس حيث يعتني عامل بإحدى النباتات.
مصدر الصورة: إنترستيلار لاب

صممت شركة إنترستيلار لاب كبسولات نيوكليوس القابلة للتكديس بحيث يستطيع رواد الفضاء العناية بها، إضافة إلى مراقبتها باستخدام البرمجيات.

صورة داخلية لنظام بايوبود (BioPod) حيث تتعرض صفوف من النباتات الخضراء الصالحة للأكل إلى إنارة مصابيح الإنماء الاصطناعي
صممت إنترستيلار لاب نظام بايوبود للعمل من دون مصدر خارجي للماء. مصدر الصورة: إنترستيلار لاب

سيتعين على رواد الفضاء إمضاء فترة 3-4 ساعات أسبوعياً في بذر المحاصيل وتقليمها وجنيها؛ ولكن معظم العمل سيكون خاضعاً لإشراف الذكاء الاصطناعي. تقول بيلفيسي: “لم ترغب ناسا بالتخلص من الإشراف البشري بالكامل. كان الإشراف البشري مطلوباً لمنح رواد الفضاء ما يشغلون أنفسهم به”. صممت الشركة أيضاً بيئات ذاتية الاحتواء بحجم أكبر وبنية قابلة للنفخ، يسمى كل منها “بايوبود” (BioPod)، وتأمل باستخدامها يوماً ما على القمر أو المريخ.

اقرأ أيضاً: كيف ستؤثر الحرب الروسية الأوكرانية على صناعة الفضاء الأميركية؟

الفطريات كمصدر للغذاء في الفضاء

تمكنت شركة مايكورينا (Mycorena) التي تعمل في السويد، من بلوغ القائمة النهائية العالمية المؤلفة من 3 فرق. وينتج نظامها، المعروف باسم “أفسيس” (AFCiS)، نوعاً من البروتينات يُعرف باسم “مايكوبروتين” عن طريق تخمير الفطريات، بدلاً من المصادر الحيوانية أو النباتية. تقول مديرة البحث والتطوير في الشركة، كريستينا كارلسون: “يتميز هذا الغذاء بنسبة مرتفعة للغاية من البروتين، تصل إلى 60%”. ويتميز هذا الغذاء أيضاً بغناه بالألياف والفيتامينات والمغذيات، إضافة إلى انخفاض نسبة الدهون والسكريات فيه.

عالمان يصنعان المايكوبروتين
مصدر الصورة: مايكورينا
كتلة من بروتين البروميك
مصدر الصورة: مايكورينا

ينتج نظام أفسيس من مايكورينا (يسار) المايكوبروتين الغني بالمغذيات؛ الذي يمكن تشكيله أيضاً بأشكال مختلفة باستخدام آلة طباعة ثلاثية الأبعاد.

لا يتمتع المايكوبروتين وحده بأي مذاق مميز وفقاً لكارلسون: “إنه ذو مذاق حيادي للغاية؛ مثل مذاق الأومامي أو خبز الخميرة”. غير أن بعض عمليات المعالجة الإضافية مثل مزجه بالمنكّهات أو التوابل، يمكن أن تتيح الحصول على نطاق واسع من النكهات؛ مثل البرغر أو قطع لحم الدجاج المقلية. تتولى وحدة مثبتة بالنظام تشكيل الفطريات بالشكل المطلوب باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد. تقول كارلسون: “يمكنك اختيار الوجبة المطلوبة من شاشة معينة، وتناول شريحة من لحم الدجاج على سبيل المثال”.

اقرأ أيضاً: بتكلفة باهظة: يمكنك أن تصبح سائح فضاء

لن تطبَّق الأفكار الفائزة في تحدي طعام الفضاء العميق على الفور في بعثات الهبوط المستقبلية على القمر ولكنها ستوضح الاحتمالات الممكنة في البعثات اللاحقة. يقول فريتش: “يجب أن نبدأ بالعمل قبل عدة سنوات لضمان إمكانية تطبيق هذه الأفكار عند الحاجة”. تبدو إمكانات التزود بالغذاء في الفضاء واعدة وخلاقة؛ ولكن شريطة ألا ننسى المقبلات المصنوعة من ذباب الجندي عند تناول الفطر الفضائي المصنوع بالطباعة ثلاثية الأبعاد.