كيف تساعد النماذج التي تحل مسائل الرياضيات على تطوير الذكاء الاصطناعي؟

4 دقيقة
كيف تساعد النماذج التي تحل مسائل الرياضيات على تطوير الذكاء الاصطناعي؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ إم آي تي تكنولوجي ريفيو| خاضع للملكية العامة

يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي أن تولد المقالات وأنواعاً أخرى من النصوص بسهولة. ومع ذلك، فهي بعيدة كل البعد عن هذا المستوى من البراعة في حل المسائل الرياضية، التي عادة ما تتطلب الاعتماد على التفكير المنطقي، وهو أمر يتجاوز قدرات معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية.

لكن هذا الوضع قد يتغير قريباً. تقول شركة جوجل ديب مايند (Google DeepMind) إنها دربت اثنين من أنظمة الذكاء الاصطناعي المتخصصة في حل المسائل الرياضية المعقدة التي تتضمن مستوى متقدماً من التفكير. يحمل النظام الأول اسم "ألفابروف" (AlphaProof) والثاني اسم "ألفاجيومتري 2" (AlphaGeometry 2)، وقد عملا معاً على تقديم حلول ناجحة لأربع مسائل من بين ست مسائل مأخوذة من الأولمبياد الدولي للرياضيات (IMO) لهذا العام، وهو مسابقة مرموقة موجهة لطلاب المرحلة الثانوية. فاز النظامان بميدالية تكافئ الميدالية الفضية.

اقرأ أيضاً: جوجل ديب مايند تستخدم نموذجاً لغوياً كبيراً لحل مسألة رياضية غير قابلة للحل

"ألفابروف" (AlphaProof)و"ألفاجيومتري 2" (AlphaGeometry 2): نظامان لحل مسائل الرياضيات المعقدة

هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها أي نظام ذكاء اصطناعي من تحقيق درجة عالية من النجاح كهذه في حل هذا النوع من المسائل. يقول نائب رئيس الأبحاث في جوجل ديب مايند، بوشميت كوهلي، الذي عمل على المشروع: "إنه تقدم كبير في مجال التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي. لم يسبق حتى الآن أن شهد هذا المجال تطوير أنظمة كهذه تستطيع حل المسائل بهذا المستوى من النجاح وهذا المستوى من العمومية".

ثمة بعض الأسباب التي تجعل المسائل الرياضية التي تنطوي على التفكير المتقدم صعبة الحل بالنسبة إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي، فغالباً ما تتطلب هذه الأنواع من المسائل تكوين مفاهيم مجردة والاعتماد عليها، علاوة على أنها تتضمن تخطيطاً معقداً قائماً على التراتبية الهرمية، إضافة إلى تحديد أهداف فرعية، واتباع الطريقة التراجعية (backtracking) في بناء الحلول، وتجربة مسارات حل جديدة. وهذه المهام كلها معقدة بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي.

تقول الباحثة في جامعة كامبريدج، كيتي كولينز، المختصة بالرياضيات والذكاء الاصطناعي، والتي لم تشارك في المشروع: "غالباً ما يكون من الأسهل تدريب نموذج على الرياضيات في حال وجود طريقة للتحقق من إجاباته (باستخدام لغة معيارية اصطلاحية أو صورية على سبيل المثال)، لكن مقدار بيانات الرياضيات المعيارية المتاحة عبر الإنترنت قليل مقارنة بالبيانات من النمط غير المعياري، أو اللغة الطبيعية غير المقيدة".

سد ثغرة الافتقار إلى بيانات الرياضيات المعيارية

كان سد هذه الثغرة هو هدف جوجل ديب مايند عند بناء ألفابروف، وهو نظام يعتمد على التعلم المعزز ويدرب نفسه على إثبات القضايا الرياضية باستخدام لغة البرمجة الصورية لين (Lean). يكمن مفتاح هذه المسألة في نسخة خاصة من نظام الذكاء الاصطناعي من ديب مايند، جيميناي (Gemini)، وهي نسخة خضعت لعملية ضبط دقيق حتى تحول مسائل الرياضيات المصوغة باستخدام لغة طبيعية غير معيارية تلقائياً إلى قضايا (عبارات) مصوغة بلغة صورية معيارية، ما يجعل معالجتها أسهل بالنسبة للذكاء الاصطناعي. ومن خلال هذه الطريقة، أمكن بناء مكتبة ضخمة من المسائل الرياضية المعيارية بدرجات متفاوتة من الصعوبة.

اقرأ أيضاً: 6 أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي تساعدك على حل مسائل الرياضيات المعقدة

تمثل أتمتة عملية ترجمة البيانات إلى لغة معيارية خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى أوساط باحثي الرياضيات، كما يقول المحاضِر المختص بالذكاء الاصطناعي الهجين في جامعة إدنبره، ويندا لي، الذي شارك في عملية مراجعة الأقران التي خضع لها البحث، لكنه لم يشارك في المشروع.

ويضيف قائلاً: "يمكننا أن نكون أكثر ثقة بصحة النتائج المنشورة إذا تمكنوا من بناء نظام الإثبات هذا، كما يمكن أن يعزز القدرة على التعاون معه في أداء المهام أيضاً".

يعمل نموذج جيميناي جنباً إلى جنب مع ألفازيرو (AlphaZero) –وهو نموذج التعلم المعزز الذي دربته جوجل ديب مايند على إتقان ألعاب مثل غو والشطرنج- وذلك لإثبات صحة (أو خطأ) الملايين من المسائل الرياضية. كلما زاد عدد المسائل التي يحلها ألفابروف بنجاح، أصبح أكثر قدرة على التعامل مع المسائل ذات التعقيد المتزايد.

على الرغم من أن ألفابروف تدرب على التعامل مع مسائل من نطاق واسع من المواضيع الرياضية، فإن ألفاجيومتري 2 –وهو إصدار محسّن من النظام الذي أعلنت عنه جوجل ديب مايند في يناير/كانون الثاني- خضع لعملية تحسين موجهة حتى يتعامل مع المسائل المتعلقة بحركة الأجسام والمعادلات التي تتضمن الزوايا والنسب والمسافات. وبما أن هذا النظام تدرب على كمية أكبر بكثير من البيانات الاصطناعية مقارنة مع سلفه، فقد تمكن من التعامل مع أسئلة أصعب بكثير في مجال الهندسة.

اختبار قدرات النظامين

ولاختبار قدرات النظامين، كلفهما باحثو جوجل ديب مايند بحل المسائل الست التي كانت مطروحة على المشاركين البشر الذين تنافسوا في الأولمبياد الدولي للرياضيات لهذا العام، وإثبات صحة الإجابات. تمكن ألفابروف من حل مسألتين في مجال الجبر ومسألة واحدة في مجال نظرية الأعداد، وقد كانت إحدى هذه المسائل أصعب مسألة في المنافسة بأسرها. أما ألفاجيومتري 2 فقد نجح في حل سؤال في الهندسة، لكنه لم يستطع حل سؤالين في مجال التحليل التوافقي، الذي يركز على عد الأغراض وترتيبها.

يقول الباحث المهندس في فريق ألفابروف، أليكس ديفيز: "عموماً، يقدم ألفابروف أداء أفضل بكثير في مجال الجبر ونظرية الأعداد، بالمقارنة مع التحليل التوافقي. ما زلنا نعمل على فهم السبب، وهو ما نأمل بأن يتيح لنا تحسين النظام".

تولى تدقيق الإجابات التي قدمها النظامان، اثنان من مشاهير علماء الرياضيات، وهما تيم غاورز وجوزيف مايرز. وقد منح الرياضيان كلاً من الإجابات الأربع الصحيحة علامة كاملة (7 نقاط من أصل 7 نقاط)، ما يعني أن النظامين تمكنا من الحصول على 28 نقطة من أصل 42. وإذا تمكن مشارك بشري من تحقيق هذه النتيجة، فسوف يحصل على الميدالية الفضية، ويخسر الميدالية الذهبية بفارق ضئيل، فعتبة المحصلة اللازمة لتحقيق الميدالية الذهبية هي 29 نقطة.

هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها أي نظام ذكاء اصطناعي من تحقيق أداء يستحق الحصول على ميدالية لقاء الإجابة عن أسئلة من الأولمبياد الدولي للرياضيات. وقد قال غاورز خلال مؤتمر صحافي: "بصفتي مختصاً بالرياضيات، أعتقد أن هذا العمل رائع جداً، ويمثل قفزة نوعية عما كان ممكناً في السابق".

اقرأ أيضاً: جوجل تطور نموذج ذكاء اصطناعي يحل مسائل الأولمبياد الدولي للرياضيات

يتفق مايرز مع وجهة النظر التي تقول إن الإجابات الرياضية التي قدمها النظامات تمثل تقدماً كبيراً بالنسبة إلى الإمكانات السابقة للذكاء الاصطناعي. وقال: "سيكون من المثير للاهتمام أن نشهد كيفية رفع مستوى هذه الأنظمة، وإمكانية جعلها أسرع، وإمكانية توسيع نطاقها حتى تشمل مجالات أخرى في الرياضيات".

من الممكن أن يؤدي بناء أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على حل مسائل رياضية أصعب إلى تمهيد الطريق أمام تحقيق تعاون مميز ومبدع بين البشر والذكاء الاصطناعي، ما يساعد الرياضيين على حل أنواع جديدة من المسائل، بل وابتكارها أيضاً، كما تقول كولينز. وهو ما يمكن أن يساعدنا بدوره على تعلّم المزيد حول أساليب البشر في التعامل مع الرياضيات.

تقول كولينز: "ثمة الكثير مما لا نعرفه حول الأساليب التي يتبعها البشر في حل المسائل الرياضية المعقدة".