تقرير خاص

مستقبل صناعة السفر في عصر الذكاء الاصطناعي

7 دقيقة
مستقبل صناعة السفر في عصر الذكاء الاصطناعي
حقوق الصورة: ماكنزي آند كومباني
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

انفرد كل جيل بمفهومه الخاص عن “العصر الذهبي” للسفر والتنقل، وكان القاسم المشترك بين كل تلك الأجيال هو تبني تكنولوجيا جديدة على نطاقٍ واسع؛ بدايةً من المحرك النفاث في خمسينيات القرن الماضي الذي أدّى إلى تقليل زمن السفر إلى حد كبير، وانتهاءً بحقبة “الدوت كوم” في التسعينيات حين عرف المسافرون التخطيط المسبق لرحلاتهم عبر الإنترنت. وفي عصرنا، نستهل حقبة جديدة من السفر القائم على الرقمنة. وتفتح تطورات الذكاء الاصطناعي، وخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتعلم الآلي، الباب أمام إعادة صياغة مفردات هذه الصناعة برمتها. وهي طفرة في الابتكار مهّدت الطريق أمام شركات السفر لتقديم مقاربة جديدة في تواصلها مع العملاء، وتطوير المنتجات والخدمات، وإدارة العمليات.

كما ارتقى التقدم التكنولوجي بتوقعات المستهلكين. ومنذ عام 2013، زاد الزمن الذي يقضيه المستهلك على الأجهزة الرقمية بنسبة 70%، ثم تسارع هذا الاتجاه خلال جائحة كوفيد-19 حين أصبح التواصل عبر الإنترنت بديلاً للتواصل الشخصي. ومع ذلك، يبقى للسفر بمفهومه التقليدي تفرده لأنه نشاط محوره البشر بطبيعته. وبالتالي، تمتلك الصناعة فرصة، أو بالأحرى عليها واجب، تحديد خصائص السفر في العصر الرقمي.

وتطمح معظم شركات السفر إلى تقديم خدمة استثنائية وتقديم تجربة السفر المثالية. ولكن شركات السفر، عوضاً عن تقديم التجربة السهلة المثيرة المبهجة، تعجز في الغالب عن تلبية التوقعات الأساسية فيما يتصل بالتوقيت والجودة. والواقع يقول إن نحو 80% من المسافرين الأميركيين واجهوا مشكلة واحدة على الأقل في سفرهم خلال النصف الأول من عام 2023.

وفي تقرير أصدرته ماكنزي بالتعاون مع سكيفت ريسيرش عام 2021، بعنوان “صياغة جديدة لتجربة العملاء تُعيد للسفر سحره” (Rebooting customer experience to bring back the magic of travel)، تبين أن المسافرين بغرض الترفيه كانوا حريصين على تحقيق حلمهم إلى حد دفعهم إلى غض الطرف عن أي مشكلات أو متاعب تعرضوا لها في أثناء خدمتهم، وكانت معدلات رضا العملاء في ذلك الوقت مرتفعة، حتى في فترة الاضطراب الشديد وتصاعد المشاعر السلبية.

وربما تكون فرصة القبول قد فاتت اليوم، فتوقعات العملاء آخذة في الارتفاع، ولم تعد هناك مساحة كبيرة للتسامح. ومع هذا، لا يزال الناس يطمحون إلى السفر. ووفقاً لاستطلاع آراء المستهلكين الذي أجرته McKinsey’s ConsumerWise، فإن ما يقرب من ثُلث المستهلكين يعتزمون “الإنفاق” على السفر في الأشهر الثلاثة المقبلة. ومن خلال التكنولوجيا القائمة وتلك الجديدة، تمتلك الشركات فرصة تعزيز طموح السفر من خلال ردم الفجوة الدائمة بين ما يتوقعه المسافر عند سفره وما يعايشه في أرض الواقع.

ومع امتلاك الشركات الكبرى في هذه الصناعة الكثير من موارد تطوير القدرات الداخلية، فإن قوة منظومة مزودي الخدمات تُتيح تطبيقات التكنولوجيا الجديدة للشركات مهما كان حجمها. وتشير تقديرات “ماكنزي الرقمية” إلى أن الشركات التي تتعامل بشكلٍ شامل مع الفرص الرقمية والتحليلية في إداراتها قادرة على تحقيق زيادة في الأرباح بنسبة 15 إلى 25 في المئة.

وفي تقريرٍ جديدٍ بعنوان “مستقبل صناعة السفر في عصر الذكاء الاصطناعي” The promise of travel in the age of AI، تقدّم ماكنزي بالتعاون مع سكيفت ريسيرش نماذج تطبيقية وقصص نجاح تشرح بالتفصيل كيفية استخدام التكنولوجيا، من واقع مقابلات أجريت مع تنفيذيين في 17 شركة عبر خمس شرائح في صناعة السفر. ويستكشف التقرير كيفية تطبيق الشركات لعلم البيانات المتقدم لفهم العملاء وخدمتهم بمستوى أفضل، ويوضّح دور الأدوات الرقمية والتحليلية في تحسين المنتجات والخدمات، ويتناول قدرة التكنولوجيا الجديدة على تعزيز قدرات الموظفين ورفع الكفاءة التشغيلية. ونعرض في هذا المقال بعض النتائج الرئيسية للتقرير.

عميلك صديقك

تزايد تنوع وحجم بيانات العملاء التي يمكن لشركات السفر امتلاكها بدرجة كبيرة خلال العقدين الماضيين، وتعمل الأدوات والتكنولوجيات الجديدة مثل خدمات المساعدة القائمة على الذكاء الاصطناعي على المضي سريعاً في هذا الاتجاه. ومع ذلك، كثيراً ما تكون تلك البيانات صعبة المعالجة ولا تقدّم دائماً الصورة الكاملة عن العملاء. وربما تلجأ الشركات إلى مصادر خارجية لإتمام هذا الفهم؛ بالجمع بين المدخلات التجارية والتشغيلية والمالية والسلوكية واستخلاص النتائج منها. ومن ثَمَّ، تساعد تكنولوجيا التسويق الفعّالة في تمييز البيانات المجدية على التنبؤ بسلوك العملاء بمستوى أفضل.

وبعد اكتساب فهم واضح شامل، يمكن للشركات إعداد شرائح للعملاء بما يُتيح لها تحديد طريقة التواصل مع العملاء المختلفين وخدمتهم. واعتماداً على ما هو متاح من بيانات وإمكانات تحليلية، يمكن أن يتنوع هذا التقسيم بدايةً من تجميع العملاء في شرائح بناءً على خاصية بعينها (مثل السفر للعمل أو السفر للترفيه على سبيل المثال) وانتهاءً إلى “شرائح فردية” فيما يُعرف باسم التقسيم المفرط.

ومن شأن الوصول إلى هذا التقسيم المفرط أن يؤدي إلى التخصيص المفرط، والذي يُعرّف على نطاقٍ واسع بأنه القدرة على تخصيص نقاط الاتصال بشكل فريد لتلبية احتياجات العميل وتفضيلاته وسلوكياته. وفي جوهره، لا يقتصر التخصيص المفرط على زيادة معدلات التحويل فحسب، بل يتعلق كذلك بتزويد العميل بتجربة شاملة تتكيّف مع سياقه الذي حدده. وبالنظر إلى مستوى التخصيص الذي أصبح هو القاعدة في العديد من جوانب الحياة اليومية، تتبنى الشركات نهج الاختبار والتعلم المستمر لضمان أن تتوافق عروضها وعملياتها مع توقعات العملاء المتزايدة.

كما يساعد التخصيص المفرط الشركات على إعادة بناء الثقة في حالة حدوث خطأ في تنفيذ العمليات. فيطمئن التواصل الشخصي العملاء بأنهم في طليعة اهتمامات الشركة ويغرس الثقة لديهم في وجود خطة مدروسة لمعالجة الأخطاء. وعلى سبيل المثال، قد تقوم الشركات بمشاركة تحديثات الحالة لحظياً في الأزمات وتقديم حلول مخصصة، أو حتى تقديم تعويض استباقي، لضمان أن يشعر العميل بأن هناك مَن يعتني به على نحو فردي.

منتجاتك مفاجآت سعيدة لعملائك

تتسع التطورات الحديثة بآفاق ما يمكن أن تحققه التكنولوجيا. وما من مثالٍ أوضح من شيوع منصات الذكاء الاصطناعي، مثل تشات جي بي تي، التي استقطبت مليون مستخدم في خمسة أيام فقط. وفي حين أنها وتيرة متسارعة تبدو مثيرة للقلق، إلّا أنها تحفّز الشركات على إعادة تصور تصميمها للمنتجات وتنفيذها باستخدام الذكاء الاصطناعي والرقمنة.

كنا في السابق نقول إن التكنولوجيا غير قادرة على توسيع نطاق قدرات مثل اللغة والإبداع والحكم على الجمال، وهي الميزة التي كانت تعتبر من قبل صفة ينفرد بها الإنسان. ويقدّم الذكاء الاصطناعي، وخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي، طريقة جديدة لتعزيز تلك القدرات وتوسيع نطاقها مع إمكانية تحقيق فوائد هائلة؛ ووفقاً لأبحاث ماكنزي، فإن للذكاء الاصطناعي التوليدي القدرة على تحقيق ما بين تريليوني إلى 4 تريليونات دولار من القيمة سنوياً عبر شتى القطاعات والصناعات. وفي سياق صناعة السفر، يمكن أن يتخذ الذكاء الاصطناعي شكل مساعد رقمي يتفاعل مع العملاء طوال الرحلة، ويمكنه توفير مسارات رحلات مخصصة في أثناء البحث والحجز، وتقديم توصيات مخصصة بناءً على التفضيلات والقيود لحظياً في أثناء الرحلة، والمساعدة على حل الأزمات غير المتوقعة.

إلّا أن الذكاء الاصطناعي ليس سوى جزء من الحل. إن التكنولوجيا الرقمية التي تعتمد عليها الشركات تمكّنها من الوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها للعملاء. ويعتمد العديد من هذه الأصول والأدوات الرقمية على أنظمة وقدرات مشتركة، ما يجعلها قابلة للتحقيق على نطاقٍ واسع، حتى يركّز الموظف على تقديم خدمات شخصية بمستوى أفضل وتوطيد العلاقات مع العميل بحس إنساني. ويمكن للعديد من هذه التطبيقات تعزيز رضا العملاء وتقليل نقاط الاحتكاك في الفنادق، بما في ذلك تطبيقات الضيوف وتسجيل الوصول الرقمي ومفاتيح الغرفة الرقمية والمساعدة التكنولوجية داخل الغرفة. ويتم تضخيم حجم هذه الأدوات الفردية عند دمجها معاً بسلاسة، بما يسهل على العملاء استخدام التطبيقات الرقمية طوال فترة إقامتهم في الفندق.

موظفوك عند توقعات عملائهم

قوة العمل المشاركة والمنتجة تقدّم الخبرات والمنتجات التي ترضي العملاء. ومع ذلك، تواجه صناعة السفر عقبات تتمثل في ارتفاع معدل تغيير الموظفين الأمر الذي يجعل جذب أفضل المواهب وتدريبها والاحتفاظ بها مهمة صعبة. ولحسن الحظ، يمكن للصناعة تعزيز وتوسيع نطاق قدرات قوة العمل الحالية من خلال تجهيز الخطوط الأمامية بالأدوات المناسبة في الوقت المناسب، وهو ما من شأنه أن يزيد من تركيز الموظفين على المهام التي يستمتعون بها أكثر والتي تجعل صناعة السفر مميزة؛ ألا وهي التواصل الشخصي عالي الجودة مع العملاء، والذي يحمل اللمسة الإنسانية في جوهره.

وتبرز فرصتان واعدتان لتحسين مستوى قوة العمل والأداء التشغيلي من خلال التكنولوجيا في مسارات صناعة السفر جميعها: زيادة كفاءة المكاتب الأمامية وصقل المواهب.

وفي صناعة السفر اليوم، لا تزال القرارات المركبة تعتمد على الخبرات البشرية والتكنولوجيا التقليدية مثل الشاشة الخضراء أو الواجهات البدائية. ويؤدي هذا إلى اتباع نهج التخمين، وخطر النتائج السلبية، ومنحنى التعلم الحاد. وتعمل شركات السفر على تطوير أدوات جديدة للمكاتب الأمامية لمعالجة المدخلات المعقدة والمساعدة في توجيه عملية صنع القرار اليومية. على سبيل المثال، تسمح نماذج المحاكاة المتقدمة، مثل التوأم الرقمي، للشركات بإجراء تحليلات سريعة للمواقف وإمدادهم بالتوجيه اللحظي.

وتُبيّن أبحاث ماكنزي أن التكنولوجيا الجديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي التوليدي، تختصر زمن التدريب للموظفين الجدد مع سرعة تحسين مهارات قوة العمل الحالية. وعلى سبيل المثال، يستخدم الواقع الافتراضي والمعزز لمحاكاة سيناريوهات الواقع لإعداد موظفي المكاتب الأمامية للعمل بسلاسة، وكذلك يوفّر “مساعدو التدريس” بالذكاء الاصطناعي تدريباً شخصياً يعتمد على الأداء الفردي.

آن أوان الابتكار في صناعة السفر

نرى أن هناك فرصة مواتية لتطوير هذه الصناعة. وما بين استعادة حصتها المعتادة في الناتج المحلي الإجمالي، والاستفادة من التعافي المستمر لشريحة سفر الأعمال، وتلبية طلب المستهلكين على خوض تجارب فريدة من نوعها، فإن الأرض مهيأة تماماً لنمو متسارع الوتيرة لصناعة السفر. وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن ينمو السفر بمعدل 5.8% سنوياً حتى عام 2032، أي أكثر من ضعف معدل النمو المتوقع لمجمل مكونات الاقتصاد (2.7% سنوياً).

ولا يعني هذا أن شركات السفر ستجني تلك الفوائد دون جهد منها. وتُتيح التكنولوجيا الحالية والجديدة أدوات تمكّن الشركات من الحصول على حصتها من النمو المتوقع للصناعة من خلال اعتماد صيغة جديدة لأسلوب التواصل مع العملاء، وتقديم المنتجات والخدمات، وتمكين ما لديها من موظفين. ومن حسن الحظ أن هناك عدداً متزايداً من الأساليب: البناء، أو الشراء، أو الشراكة، لمساعدة الشركات في البداية. أمّا الخطأ فهو في اختيار عدم التطوير.

الاعتبارات العامة

  • وضعنا قائمة رغبات رقمية، بافتراض أن لدى الشركة وقتاً وموارد غير محدودة.
  • حددنا أولويات قائمة الرغبات بناءً على الفوائد المحتملة على المدى القصير والطويل، بالإضافة إلى الرؤية الاستراتيجية للشركة والموارد المتاحة.
  • قيّمنا المهارات والمواهب اللازمة للتنفيذ في ضوء قائمة الرغبات ذات الأولوية.
  • أسسنا الفريق المناسب وحددنا خارطة طريق لسد الثغرات المتبقية.

عميلك صديقك

  • جردنا بيانات العملاء الداخلية الحالية.
  • حددنا متغيرات البيانات التي توجّه سلوك العملاء وتتنبأ بقرارات الشراء الخاصة بالعملاء.
  • حددنا بيانات الأطراف الأخرى ذات الصلة ودمجناها مع البيانات الداخلية لتكوين صورة كاملة للعملاء.
  • درسنا استخدام MarTech للتعلم المستمر والتطور مع العملاء.
  • اتبعنا نهج تجزئة وتخصيص ديناميكي بناءً على طبيعة شخصيات العملاء.
  • اعتمدنا عقلية الاختبار والتعلم للتنفيذ والتحسين المتواصل.

منتجاتك مفاجآت سعيدة لعملائك

  • رسمنا خارطة رحلة العميل الشاملة وحددنا المشكلات.
  • استخدمنا التحليلات لتحديد نقاط الضعف الأشد تأثيراً في العملاء.
  • درسنا الاستعانة بتكنولوجيا جديدة (مثل الذكاء الاصطناعي) لتعزيز وإعادة تصور تجربة العميل.
  • فكرنا في بدائل وخيارات العروض الرقمية الحالية التي من شأنها الحد من نقاط الضعف (مثل التواصل مع العملاء في الوقت المناسب).
  • وضعنا خارطة طريق للمنتجات بناءً على التوقيت وأهمية المزايا.

موظفوك عند توقعات عملائهم

  • شخّصنا أهم المشكلات اليومية لدى الموظفين.
  • حددنا مدى قدرة الأدوات الرقمية على حل أهم المشكلات (أتمتة المهام المتكررة على سبيل المثال).
  • زودنا الموظفين بما يُتيح لهم سلاسة إدارة العمليات اليومية لحظياً.
  • استخدمنا نماذج المحاكاة للتخطيط لسيناريوهات مستقبلية متعددة.
  • قدّمنا أدوات صنع القرار (من قبيل التوائم الرقمية) لاختيار الحل الأمثل لأي مشكلة معقدة.
  • حددنا فرص تحسين التدريب (باستخدام أدوات مثل التدريب بالمحاكاة، والواقع الافتراضي، والواقع المعزز) وقدّمنا الملاحظات والتعليقات (باستخدام أداة ذكاء اصطناعي).