كيف ساعد الذكاء الاصطناعي شركة إنفيديا على تخطي حاجز تريليوني دولار؟

4 دقيقة
كيف ساعد الذكاء الاصطناعي شركة إنفيديا على تخطي حاجز تريليوني دولار؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/BelowtheSky
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منذ إطلاق شركة “أوبن أيه آي” بوت الدردشة الأكثر شهرة “تشات جي بي تي” في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تزايدت الضجة المثارة حول الذكاء الاصطناعي التوليدي، وسارعت شركات التكنولوجيا الكبرى لإطلاق تطبيقات وبرمجيات منافسة في محاولة لركوب موجة الذكاء الاصطناعي الناشئة. ولكن حتى الآن لا يبدو أن هناك شركة استفادت من هذه الثورة التكنولوجية الجديدة مثلما استفادت شركة صناعة الرقائق الأميركية إنفيديا.

اقرأ أيضاً: إنفيديا تكشف عن 3 شرائح تتيح لك تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي على حاسوبك

قيمة إنفيديا تتعدى تريليوني دولار

تجاوزت قيمة إنفيديا السوقية الأسبوع الماضي تريليوني دولار، مستفيدة من الطلب النهم على رقائقها الخاصة بالذكاء الاصطناعي. وقد جاء هذا الإنجاز عقب إصدار الشركة تقرير أرباحها السنوي، الذي أسهم في رفع قيمتها السوقية بمقدار 277 مليار دولار يوم 22 فبراير/شباط الماضي، وهو أكبر مكسب على الإطلاق خلال يوم واحد في وول ستريت.

كشفت إنفيديا في تقرير أرباحها عن إيرادات قياسية بقيمة 60.9 مليار دولار عام 2023، ما يمثّل زيادة بنسبة 126% مقارنة بعام 2022، كما ارتفعت الأرباح إلى ما يقرب من 12.3 مليار دولار في الأشهر الثلاثة المنتهية في 28 يناير/كانون الثاني، من 1.4 مليار دولار في الربع نفسه من العام الماضي، بزيادة قدرها 769% على أساس سنوي.

تشير التقديرات إلى أن إنفيديا تسيطر حالياً على نحو 80% من سوق رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة. وقد اجتذب هذا الطلب المرتفع على منتجات الشركة المستثمرين من كل مكان، ما ساعد على رفع قيمتها السوقية من تريليون دولار إلى تريليوني دولار في نحو ثمانية أشهر فقط، وهو الزمن الأسرع بين الشركات الأميركية وأقل من نصف الوقت الذي استغرقته شركتا التكنولوجيا آبل ومايكروسوفت للوصول إلى هذه العتبة.

هذه النجاحات السريعة مكّنت الشركة التي أسسها جنسن هوانغ عام 1993، من التفوق على شركات عملاقة مثل ألفابت وأمازون، لتصبح ثالث أكبر شركة من حيث القيمة في الولايات المتحدة بعد مايكروسوفت وآبل.

“نقطة تحول” الذكاء الاصطناعي

قبل سنوات طويلة من إطلاق “تشات جي بي تي” وما صاحبه من ضجة عالمية، بحث هوانغ في الطرق التي يمكن بها تعديل وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) لاستخدامها في التطبيقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، بدلاً من الاكتفاء باستخدامها في مجال ألعاب الفيديو فحسب، وقال هوانغ نهاية العام الماضي إن شركته “فهمت الأمر” قبل أي شخص آخر.

وأشار هوانغ في بيان صدر الشهر الماضي إلى أن ما أسماه بالحوسبة المتسارعة (Accelerated Computing) والذكاء الاصطناعي التوليدي وصلا إلى “نقطة التحول”، مضيفاً أن الطلب يتزايد في أنحاء العالم كافة عبر مختلف الشركات والصناعات والدول.

تنتج شركة إنفيديا بعضاً من أقوى أنواع وحدات معالجة الرسوميات، التي تعتبر ضرورية لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي وتشغيلها، ويمكن للرقائق التي تصنعها الشركة إجراء عمليات المعالجة السريعة للبيانات الضخمة المطلوبة لتشغيل أدوات مثل بوتات الدردشة.

وتوضّح الشركة أن وحدات معالجة الرسوميات تجري عمليات الحوسبة على نحو أسرع وبكفاءة أكبر في استخدام الطاقة مقارنة بوحدات المعالجة المركزية (CPUs)، وتقول الشركة إن وحدات معالجة الرسوميات تُعدُّ بمثابة المعادن الأرضية النادرة بالنسبة للذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي.

ويشير تقرير لمجموعة إيبوك (Epoch)، وهي مجموعة بحثية مستقلة تقيس وتتنبأ بتقدم الذكاء الاصطناعي، إلى أن معظم -إن لم تكن جميع- النماذج الكبرى دُرِبت على مدى السنوات الخمس الماضية على وحدات معالجة الرسوميات.

اقرأ أيضاً: كيف أصبحت إنفيديا المستفيد الأكبر من سباق الذكاء الاصطناعي المحتدم؟

سباق على رقائق إنفيديا متعددة المهام

أبرز الرقائق التي أسهمت في نجاح إنفيديا خلال الأعوام الأخيرة واستمرار هيمنتها على سوق معالجات الذكاء الاصطناعي هي رقائق أيه 100 (A100) القائمة على معمارية أمبير (Ampere Architecture)، المسماة تيمناً باسم عالم الرياضيات الفرنسي أندريه أمبير، وخليفتها الأكثر قوة إتش 100 (H100) القائمة على معمارية هوبر (Hopper Architecture)، المسماة على اسم عالم الحاسوب الأميركي غريس هوبر.

تُعدُّ الرقاقة “إتش 100” في الوقت الحالي بمثابة العمود الفقري لتدريب النماذج اللغوية الكبيرة، وقد ساعدت إنفيديا في السيطرة على سوق شرائح الذكاء الاصطناعي. ويبلغ سعر الرقاقة الواحدة من هذا النوع ما بين 16 ألف دولار و100 ألف دولار اعتماداً على الحجم وعوامل أخرى.

وتتسابق شركات التكنولوجيا الكبرى التي تعمل على تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل مايكروسوفت وألفابت وأوبن أيه آي، على اقتناص هذه الرقائق المتعددة المهام بصعوبة لدرجة أنها تضطر أحياناً إلى الانتظار أكثر من 6 أشهر لاستلام طلبياتها. وكمثالٍ على ارتفاع الطلب على هذه الرقائق، يكفي أن نذكر أن شركة ميتا وحدها تسعى لرفع مخزونها من رقائق “إتش 100” إلى 350 ألف وحدة هذا العام.

وفي العام الماضي، أعلنت الشركة خططها لإطلاق (H200)، خليفة المعالج الأقوى حالياً (H100)، والذي يَعِد بسعة ذاكرة أكبر وعرض نطاق ترددي أعلى. وتعتزم الشركة إطلاق هذا الإصدار الجديد في الربع الثاني من العام الجاري، كما تعمل إنفيديا حالياً على بناء وحدة أعمال جديدة تركّز على تصميم رقائق مخصصة للشركات الكبرى، بما في ذلك معالجات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

ليست رقاقة بالمعنى الحرفي

ربما لا تعبّر كلمة رقاقة أو شريحة (Chip) بدقة عن ماهية وحدات معالجة الرسوميات الخاصة بالذكاء الاصطناعي. يقول هوانغ إن “الناس يعتقدون أن وحدات معالجة الرسوميات الخاصة بإنفيديا تشبه الشريحة، لكن وحدة هوبر تحتوي على 35000 جزء وتزن نحو 32 كيلوغراماً“. وتقول إنفيديا إن هوبر تحتوي على أكثر من 80 مليار ترانزستور.

ويُضيف هوانغ: “هذه الأشياء معقدة حقاً.. يُطلق عليه الناس اسم حاسوب ذكاء اصطناعي فائق (AI supercomputer) لسببٍ وجيه. إذا نظرت يوماً إلى الجزء الخلفي من مركز بيانات، فإن الأنظمة ونظام الكابلات أمر محير للعقل.. إنه نظام الكابلات الأكثر كثافة وتعقيداً لربط الشبكات في العالم على الإطلاق”.

وبالإضافة إلى الرقائق نفسها، طوّرت إنفيديا أيضاً واجهة برمجة كودا (CUDA) التي تعمل على رقائقها. وقد أسهم هذا التركيز المزدوج على البرمجيات والأجهزة في جعل رقائق الشركة أداة لا بُدَّ منها لأي مطور يتطلع إلى الدخول في مجال الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: جوجل تعلن عن رقائق ذكاء اصطناعي تتفوق على الرقائق التي تطوّرها إنفيديا

تهديدات محتملة

تبدو تصميمات الرقائق الخاصة بإنفيديا متقدمة للغاية على منافسيها لدرجة تدفع البعض للتساؤل عمّا إذا كان من الممكن لأي شركة أخرى اللحاق بها. ومع ذلك، فإن سيطرة الشركة على سوق أشباه الموصلات مهددة على أكثر من جبهة. إحدى هذه الجبهات هي تأثير التوترات الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة، والقيود الأميركية على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى الصين.

يُضاف إلى ذلك ازدياد حدة المنافسة في مجال أشباه الموصلات، سواء من شركات تصميم الرقائق التقليدية مثل إنتل (Intel) وأدفانسد مايكرو ديفايسز (Advanced Micro Devices)، أو من شركات التكنولوجيا التي لا ترغب في الاعتماد بشكلٍ تام على إنفيديا وتسعى إلى بناء رقائقها الخاصة، مثلما أعلنت مؤخراً جوجل ومايكروسوفت وأمازون.

وحددت إنفيديا بنفسها شركة هواوي الصينية باعتبارها أكبر منافسيها المحتملين، وذكرت الشركة الأميركية في تقريرها السنوي الأسبوع الماضي، أن هواوي كانت منافساً في أربع من أصل خمس فئات رئيسية من أعمالها، بما في ذلك توفير البرمجيات والأجهزة لوحدات معالجة الرسوميات.