لماذا فشل الذكاء الاصطناعي في الكوميديا؟

5 دقيقة
لماذا فشل الذكاء الاصطناعي في الكوميديا؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ إم آي تي تكنولوجي ريفيو | إنفاتو

في إطار تجربة شارك فيها 20 فناناً كوميدياً قال أحدهم: "لقد حاولت أن أستخدم الأوامر النصية حتى أدفع الذكاء الاصطناعي إلى أن يصبح مضحكاً أو مفاجئاً أو مثيراً للاهتمام أو مبدعاً، لكن هذه الطريقة غير مجدية".

يجيد الذكاء الاصطناعي تنفيذ الكثير من المهام، مثل كشف الأنماط الكامنة في البيانات، وإنتاج الصور الخيالية الرائعة، وإيجاز الآلاف من الكلمات في بضعة مقاطع نصية قصيرة لا غير. لكن، هل بإمكانه أن يصبح أداة مفيدة في كتابة الكوميديا؟

يشير بحث جديد إلى أن هذا ممكن، لكن فقط ضمن إطار محدود للغاية. إنها نتيجة مثيرة للاهتمام إلى درجة كبيرة، وتشير إلى الطرق التي يمكن -والتي لا يمكن- الاستفادة عبرها من الذكاء الاصطناعي في تنفيذ المهام الإبداعية عموماً.

اقرأ أيضاً: لماذا يجب الحذر من استخدام الذكاء الاصطناعي في الدعاية؟

الذكاء الاصطناعي في الكوميديا

أجرى باحثو شركة جوجل ديب مايند (Google DeepMind) بقيادة بيوتر ميراوسكي، الذي يمارس شخصياً فن الكوميديا الارتجالية في أوقات الفراغ، دراسة تتناول تجارب الفنانين الكوميديين المحترفين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في عملهم. استخدم الباحثون عدة أساليب تتضمن استقصاءات الرأي ومجموعات التركيز من أجل قياس مدى فائدة الذكاء الاصطناعي في أداء مهام مختلفة.

وجد الباحثون أن نماذج الذكاء الاصطناعي الشهيرة من أوبن أيه آي (OpenAI) وجوجل أثبتت فعاليتها في أداء المهمات البسيطة، مثل صياغة مونولوج أو إنتاج مسودة أولية، لكنها واجهت صعوبة في إنتاج مواد كوميدية أصيلة أو محفزة أو -وهو الأهم من كل ما سبق- مضحكة. قدّم الباحثون نتائجهم في مؤتمر العدالة والمسؤولية والشفافية أو اختصاراً "فاكت" (FAccT) الذي نظمته جمعية آلات الحوسبة أيه سي إم (ACM) في مدينة ريو منذ فترة وجيزة، لكنهم أخفوا هوية المشاركين لتجنب الإضرار بسمعتهم (لا يرغب الفنانون الكوميديون كلهم في أن يعرف جمهورهم أنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي).

طلب الباحثون من 20 فناناً كوميدياً محترفاً يستخدمون الذكاء الاصطناعي في إطار عملياتهم الفنية أن يستخدموا نموذجاً لغوياً كبيراً (LLM)، مثل تشات جي بي تي (ChatGPT) أو جوجل جيميناي (Google Gemini) (الذي كان يحمل اسم بارد [Bard] حينها)، من أجل توليد مواد يشعرون بأنها مناسبة للتقديم في سياق كوميدي. وأتيحت لهم إمكانية استخدام هذه النماذج في تأليف نكات جديدة، أو تعديل موادهم الكوميدية الموجودة مسبّقاً.

وإذا رغبت فعلاً في معرفة بعض النكات التي ولّدتها النماذج، يمكنك أن تنتقل إلى نهاية المقال.

كانت النتائج متفاوتة، فقد قال الفنانون الكوميديون إنهم استمتعوا معظم الوقت باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي لتأليف النكات، لكنهم أضافوا أن المواد الناتجة لم تكن بالنسبة إليهم مدعاة للفخر من حيث المستوى.

وقال بضعة فنانين منهم إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مفيداً في إطلاق شرارة العمل؛ أي مساعدتهم على كتابة أي شيء يمثل نقطة بداية. وقد شبّه أحد المشاركين هذه البداية بأنها "مسودة رديئة أعرف جيداً أنني سأضطر إلى العمل عليها وتحسينها مراراً وتكراراً". أيضاً، علّق الكثير من الفنانين الكوميديين على قدرات النماذج اللغوية الكبيرة في صياغة مقطع كوميدي، بحيث يمكنهم التركيز على التفاصيل بعد ذلك.

اقرأ أيضاً: دراسة تكشف تزايد اعتماد الباحثين على الذكاء الاصطناعي في كتابة الأوراق العلمية

جودة منخفضة

لكن جودة المواد الكوميدية التي ألّفتها النماذج اللغوية الكبيرة كانت منخفضة للغاية. وقد وصف الفنانون الكوميديون النكات التي ألّفتها النماذج بأنها باهتة وعامة ومملة. ووصفها أحد المشاركين بأنها "أقرب إلى مواد كوميدية تُستخدم في حفلات ترفيهية على متن سفينة سياحية تعود إلى الخمسينيات، لكن بدرجة أقل من العنصرية". وشعر آخرون بأن النتائج لم تكن تستحق الجهد الذي بذلوه للحصول عليها. وقد قال أحد الفنانين الكوميديين: "مهما استخدمت من الأوامر النصية، فإن النموذج يتصرف بصورة متزمتة للغاية، وهذا أسلوب يفتقد إلى الإبداع والمرونة في التعامل مع الكوميديا".

عجز الذكاء الاصطناعي عن توليد مواد كوميدية عالية الجودة ليس بالأمر المفاجئ في واقع الأمر. ففلاتر الحماية التي تستخدمها أوبن أيه آي وجوجل لمنع النماذج من توليد إجابات تنطوي على العنف أو العنصرية هي نفسها التي تمنع هذه النماذج من إنتاج مواد من الأنواع الشائعة في الكوميديا، مثل النكات المسيئة أو البذيئة، والكوميديا السوداء. وبدلاً من ذلك، تضطر النماذج اللغوية الكبيرة إلى الاعتماد على ما يُعتبر مواد أولية آمنة، مثل الأعداد الهائلة من المستندات والكتب ومنشورات المدونات وغيرها من أنواع بيانات الإنترنت التي استُخدمت في تدريبها.

يقول ميراوسكي: "إذا صنعت شيئاً مصمماً حتى يكون جذاباً للجميع، فسوف ينتهي بك المطاف إلى صنع شيء لن يكون مفضلاً لدى أي شخص".

كشفت التجربة أيضاً عن تحيزات النماذج اللغوية الكبيرة. فقد وجد بعض المشاركين أن النموذج لن يولد مونولوجات كوميدية من منظور امرأة آسيوية على سبيل المثال، لكنه قادر على تنفيذ المهمة نفسها من منظور رجل أبيض. وقد شعروا بأن هذا يؤدي إلى ترسيخ الوضع الراهن، وتجاهل الأقليات ووجهات نظرها.

مفارقة التحيزات والكوميديا

لكن عجز النماذج اللغوية الكبيرة عن توليد إجابات مضحكة لا يُعزى إلى الإجراءات الوقائية وبيانات التدريب المحدودة فقط. فالفكاهة تعتمد إلى حد بعيد على تحقيق عنصري المفاجأة والمفارقة، وهو ما يتعارض مع طريقة عمل هذه النماذج، على حد قول الباحث بعلوم الكمبيوتر والمختص بالذكاء الاصطناعي والإبداع في جامعة كولومبيا، توهين تشاكرابارتي، الذي لم يشارك في الدراسة. فالكتابة الإبداعية تتطلب الابتعاد عن المعايير السائدة، في حين تستطيع النماذج اللغوية الكبيرة تقليد هذه المعايير فحسب.

"تعتمد الكوميديا، أو أي شكل آخر من أشكال الكتابة الجيدة، على مساقات طويلة للعودة إلى مواضيع محددة، أو تحقيق المفاجأة لدى الجمهور. وتواجه النماذج اللغوية الكبيرة صعوبة فيها، لأنها مصممة للتنبؤ بالكلمات واحدة تلو الأخرى"، كما يقول. ويضيف قائلاً: "لقد حاولت كثيراً في إطار أبحاثي الخاصة أن أستخدم الأوامر النصية حتى أدفع الذكاء الاصطناعي إلى أن يصبح مضحكاً أو مفاجئاً أو مثيراً للاهتمام أو مبدعاً، لكن هذه الطريقة غير مجدية".

كولين لافين مطورة برمجيات وفنانة كوميدية شاركت في الدراسة. وفي إطار عرض ارتجالي قدمته في مهرجان إدنبره فرينج العام الماضي، دربت نموذج تعلم آلي للتعرف على أصوات الضحك، و"محاولة إفساد" عرضها بالمقاطعة والمضايقة إذا اكتشف أنها لم تتمكن من إثارة ما يكفي من الضحك. وفي حين استخدمت الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنتاج مواد ترويجية لعروضها أو التحقق من كتابتها، فإنها ترفض استخدامه في محاولة توليد النكات نفسها.

وتقول: "لدي وظيفة يومية في المجال التقني خلال النهار، لكن الكتابة مستقلة عنها، وهي تكاد تكون مقدسة بالنسبة لي. ما الذي يدفعني إلى التخلي عن شيء أستمتع به حقاً، وتكليف آلة ما لتنفيذه؟".

قد يتمكن الفنانون الكوميديون الذين يستعينون بالذكاء الاصطناعي من العمل بوتيرة أسرع بكثير، لكن أفكارهم لن تكون أصيلة، لأنها ستبقى محدودة بالبيانات التي دُرِّبَت النماذج على الاستعانة بها، كما يقول تشاكرابارتي.

ويقول: "أعتقد أن هذه الأدوات ستُستَخدم على أي حال في كتابة نصوص الأداء، والنصوص السينمائية، والإعلانات. لكن الكتابة الإبداعية والكوميدية الحقيقية تعتمد على الخبرة والمشاعر. لا على خوارزمية ما".

اقرأ أيضاُ: تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي في الإنتاجية المهنية للبشر

النكات التي ولّدها الذكاء الاصطناعي

عند استخدام الأمر النصي: "هل يمكنك أن تكتب لي عشر نكات حول النشل؟" (Can you write me ten jokes about pickpocketing)، قدّم أحد النماذج اللغوية الكبيرة الإجابة الآتية: "لقد قررت أن أغير مهنتي وأصبح نشالاً بعد أن شاهدت عرضاً سحرياً. لكنني لم أدرك أن الشيء الوحيد الذي سيختفي هو سمعتي الحسنة!" (I decided to switch careers and become a pickpocket after watching a magic show, Little did I know, the only thing disappearing would be my reputation!)

عند استخدام الأمر النصي: "أرجو أن تكتب بعض النكات حول مفارقة تعطل جهاز الإسقاط الضوئي خلال عرض كوميدي حي حول الذكاء الاصطناعي" (Please write jokes about the irony of a projector failing in a live comedy show about AI). وقد كانت الإجابة الآتية واحدة من أفضل إجابات النماذج اللغوية الكبيرة: "لا بد أن جهاز الإسقاط الذي كنا نستخدمه قد أخطأ في استيعاب مفهوم الذكاء الاصطناعي فقد ظن أن الاختصار (AI) يعني "خفيّ تماماً" (Absolutely Invisible)، لأنه يبلي بلاء رائعاً في الاختفاء هذه الليلة!" (Our projector must've misunderstood the concept of 'AI.' It thought it meant 'Absolutely Invisible' because, well, it's doing a fantastic job of disappearing tonight!)