ما الجديد في مجال سيارات الأجرة الروبوتية لعام 2024؟

7 دقيقة
ما الجديد في مجال سيارات الأجرة الروبوتية لعام 2024؟
حقوق الصورة: كروز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 2023، بدا الأمر كما لو أن الوعد بسيارات الأجرة الروبوتية سيتحقق قريباً؛ فقد أصبح طلب سيارة أجرة روبوتية مؤقتاً أحدث تقليعة رائجة في مدينة سان فرانسيسكو، حيث يعد أمراً يشبه في سهولته وتواتره اليومي طلب توصيل غرض ما عبر تطبيق عادي. لكن هذا الحلم انتهى في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما أدّى حادث مروري مميت في وسط سان فرانسيسكو تسببت به سيارة تتبع لشركة كروز (Cruise)، وهي إحدى أكبر شركات سيارات الأجرة الروبوتية في الولايات المتحدة، إلى القضاء على الثقة بهذه التكنولوجيا، ليلقي بظلال ثقيلة على مستقبلها.

بعد وقوع ذلك الحادث المميت، ووقوع حادث آخر، علقت ولاية كاليفورنيا عمليات كروز هناك حتى إشعار آخر، كما أطلقت إدارة السلامة الوطنية للمرور على الطرق العامة تحقيقاً حول عمل الشركة. منذ ذلك الحين، سحبت كروز سياراتها من الطرقات كافة، وسرحت 24% من العاملين لديها.

لكن، وعلى الرغم من ذلك، لا تزال شركات سيارات الأجرة الروبوتية الأخرى تمضي قدماً في عملها. لا تزال أساطيل هذه السيارات التي تديرها شركات مثل وايمو (Waymo) وبايدو (Baidu) تقدّم خدماتها إلى الراغبين جميعهم في تجربتها في ست مدن منتشرة في كل من الولايات المتحدة والصين. حالياً، تسمح الجهات الرقابية لهذه السيارات في أماكن مثل سان فرانسيسكو وفينيكس وبكين وشنغهاي بالسير دون وجود مشرفي السلامة البشرية.

لكن ثمة مخاطر أخرى تحدق بهذه الشركات. حيث يتعين على شركات سيارات الأجرة الروبوتية أن تحقق بعض العائدات مقابل المبالغ الضخمة المستثمرة في تطوير هذه السيارات وتشغيلها. ولن تتمكن سيارات الأجرة الروبوتية من تحقيق أي منافسة فعلية مع سيارات الأجرة التقليدية وسيارات شركة أوبر (Uber) ما لم تصبح أقل تكلفة.

غير أنه في الوقت نفسه، إذا حاولت الشركات رفع مستوى تبنّي هذه السيارات بسرعة كبيرة للغاية، فهي تخاطر بالسير على خطى شركة كروز. كانت شركة وايمو، وهي شركة أخرى من كبرى الشركات المشغّلة لسيارات الأجرة الروبوتية، تشق طريقها بمزيدٍ من البطء والحذر. لكن الجميع معرّض للحوادث.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للسيارات الذاتية القيادة استكشاف أفضل الطرق باستخدام هذه التقنية؟

تقول الأستاذة ومديرة مركز ميسون للتحكم الذاتي والروبوتات في جامعة جورج ميسون، ميسي كامينغز: “إذا وقع حادث لإحدى سيارات هذه الشركات، فسوف يتحول إلى خبر يتصدر وسائل الإعلام، وسيلحق الضرر بهذه الشركات كافة. هذا أهم درس تعلمناه هذه السنة. فهذه الصناعة ما زالت بأكملها في مرحلة حرجة”.

تحدثت إم آي تي تكنولوجي ريفيو مع بعض الخبراء حول معنى التحديات التي تواجهها صناعة سيارات الأجرة الروبوتية. وإليكم فيما يلي التغيرات التي يتوقعون لهذه الصناعة أن تشهدها في 2024.

المال أولاً وأخيراً

بعد سنوات من اختبار سيارات الأجرة الروبوتية على الطرقات، أثبتت الشركات جاهزية إصدار من تكنولوجيا القيادة الذاتية التحكم للاستخدام حالياً، على الرغم من بعض المحاذير الكبيرة. فهذه السيارات تعمل فقط ضمن حدود جغرافية صارمة ومحددة مسبقاً، وعلى حين لم تعد بعض هذه السيارات في حاجة إلى مشرف للسلامة البشرية في مقعد السائق، فهي لا تزال في حاجة إلى مشرف يتولى التحكم فيها عن بُعد في حالات الطوارئ، كما أن عملها مقتصر على الأماكن الدافئة، حيث يمكن للثلوج أن تشكّل تحدياً بالنسبة لكاميرات السيارات ومستشعراتها.

“تبين المعلومات التي أفصحت عنها هذه الشركات أن هذه الأنظمة ما زالت تعتمد على الإشراف البشري عن بُعد حتى تعمل بصورة آمنة. ولهذا، فإنني أفضل أن أسميها سيارات مؤتمتة، بدلاً من السيارات الذاتية التحكم”، على حد تعبير الأستاذ المساعد المتخصص بالروبوتات والهندسة الميكانيكية في جامعة ميشيغان، رامانارايان فاسوديفان.

اقرأ أيضاً: ما التحديات التي تواجه سوق السيارات الذاتية القيادة في المدن الكبرى؟ دراسة حالة في الصين

تكمن المشكلة في أن هذا الإصدار من القيادة المؤتمتة أكثر تكلفة بكثير من سيارات الأجرة التقليدية. ويقول فاسوديفان إن الرحلة في سيارة الأجرة الروبوتية “قد تكون أكثر تكلفة بعشرات المرات من تكلفة الرحلة بالنسبة لشركات سيارات الأجرة الأخرى. لسوء الحظ، لا أعتقد أن هذه التكنولوجيا ستشهد أي تغييرات جذرية تؤدي إلى انخفاضٍ كبيرٍ في هذه التكلفة قريباً”.

لا شك في أن ارتفاع التكلفة سيؤدي إلى تراجع الطلب. وإذا رغبت شركات سيارات الأجرة الروبوتية في الحفاظ على العملاء -لا الفضوليين الراغبين في تجربتها للمرة الأولى وحسب- فسوف يتعين عليها أن تجعل هذه الخدمة أقل تكلفة مقارنة بوسائل النقل الأخرى.

ويعبّر الأستاذ المساعد المتخصص بالقانون في جامعة ساوث كارولاينا، بريانت ووكر سميث، عن قلقه إزاء هذه المسألة أيضاً. ويقول: “يتعين على هذه الشركات أن تنافس سائق أوبر الذي تشير تقديراتي إلى أنه يحصل على دخل أقل من الحد الأدنى للأجور، ويمتلك سيارة متوسطة السعر، ويتولى مهمة صيانتها بنفسه على الأرجح”.

وعلى النقيض من ذلك، سيارات الأجرة الروبوتية باهظة الثمن ومدججة بالكاميرات والمستشعرات والأنظمة البرمجية المتطورة، وتحتاج إلى المراقبة والمساعدة من البشر بصورة متواصلة. ولهذا، فإن تحقيق أي منافسة مع خدمات النقل التشاركي لا يزال أمراً شبه مستحيل حتى الآن، ويتطلب على الأقل دخول عدد أكبر بكثير من سيارات الأجرة الروبوتية إلى الخدمة على الطرقات.

تواصل شركات سيارات الأجرة الروبوتية إنفاق مبالغ كبيرة من جيوب المستثمرين، وتزداد المخاوف من عجزها عن تحقيق عائدات كافية مقارنة بمصاريفها الضخمة، على حد تعبير سميث. يعني هذا ازدياد الضغوط على هذه الشركات لتقديم نتائج أفضل، مع الحفاظ على التوازن بين العائدات المحتملة والتكاليف.

اقرأ أيضاً: كيف ستُحدث تقنية الهيدار ثورة في عالم المركبات ذاتية القيادة والروبوتات؟

مقاومة توسيع نطاق العمل

ثمة أربع مدن تعمل فيها سيارات الأجرة الروبوتية حالياً في الولايات المتحدة: سان فرانسيسكو وفينيكس ولوس أنجلوس ولاس فيغاس.

وتختلف شروط العمل باختلاف المدينة. فبعض هذه المدن يفرض على الشركة التسجيل للدخول في قائمة انتظار أولاً، التي قد تستغرق اجتيازها عدة أشهر، على حين يسمح البعض الآخر لهذه السيارات بالعمل ضمن منطقة صغيرة فقط.

يتطلب توسيع نطاق خدمات سيارات الأجرة الروبوتية كي تشمل مدينة جديدة بذل جهود كبيرة ودفع تكاليف باهظة مسبقاً، حيث يجب على الشركة المشغّلة أن ترسم خريطة دقيقة للمنطقة الجديدة (ويجب تحديث هذه الخريطة باستمرار)، كما يتعين عليها شراء المزيد من السيارات الذاتية التحكم من أجل مجاراة الطلب.

إضافة إلى ما سبق، فإن السيارات المزودة بأنظمة تحكم ذاتي موجَّهة للعمل في سان فرانسيسكو، على سبيل المثال، لن تتمكن من التكيُّف بسهولة للعمل في مدينة أوستن، كما تقول كامينغز، التي تجري أبحاثاً حول قياس قدرة التكيُّف هذه. وتقول: “إذا نظرت إلى هذه المسألة على أنها سؤال بحثي أساسي، فهذا يعني على الأرجح أن الشركات لم تتوصل إلى شيء مهم حتى الآن”.

اقرأ أيضاً: أحدث التطورات في تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة: القدرة على رؤية ما هو قادم حتى حول الزوايا

تتسبب هذه العوامل مجتمعة بتجديد المخاوف حول قدرة سيارات الأجرة الروبوتية على تحقيق الأرباح. فحتى بعد أن سحبت كروز سياراتها من الطرقات، لم تبادر وايمو، وهي شركة سيارات الأجرة الروبوتية الكبيرة الأخرى على مستوى الولايات المتحدة، إلى ملء هذا الفراغ. بما أن الرحلة الواحدة في سيارات الأجرة الروبوتية تكلف الشركة أكثر مما تجنيه، فمن الصعب وجود رغبة في التوسع غير المحدود.

التطوير على مستوى العالم

ليست الولايات المتحدة الدولة الوحيدة على مستوى العالم في مجال إجراء الأبحاث على سيارات الأجرة الروبوتية واختبارها وحتى إنتاجها لأغراض الاستخدام الفعلي.

فالصين تشغل هي الأخرى موقع الصدارة في هذا المجال، وتجاري الولايات المتحدة تقريباً من حيث التقدم الذي تحققه على هذا الصعيد. في 2023، تلقت عدة مدن صينية، بما فيها بكين وشنغهاي، الموافقة الحكومية على تشغيل سيارات الأجرة الروبوتية على الطرقات دون الحاجة إلى مشرفين للسلامة البشر. لكن هذه الموافقة تُتيح للسيارات العمل ضمن مناطق صغيرة ومحددة وبعيدة نسبياً عن هذه المدن فقط، ما يجعل الحصول على هذه الخدمة صعباً بالنسبة لمعظم الناس.

بدأت منطقة الشرق الأوسط أيضاً تكتسب بسرعة موطئ قدم لها في هذا المجال، وذلك بمساعدة الشركات الصينية والأميركية. فقد استثمرت المملكة العربية السعودية 100 مليون دولار في الشركة الناشئة الصينية المتخصصة بسيارات الأجرة الروبوتية، بوني أيه آي (Pony.AI)، حتى تشغّل سياراتها في نيوم، وهي مدينة مستقبلية تعمل السعودية على بنائها وتزويدها بأحدث التكنولوجيات. في الوقت نفسه، تتنافس دبي وأبوظبي فيما بينهما على تحقيق الأسبقية بين مدن الشرق الأوسط لإطلاق خدمة تجريبية للسيارات بلا سائق على الطرقات، وذلك باستخدام سيارات صنعتها كروز والشركة الصينية وي رايد (WeRide).

تواجه سيارات الأجرة الروبوتية الصينية التحدي الأساسي نفسه الذي تواجهه مثيلاتها الأميركية، أي إثبات قدرتها على تحقيق الأرباح. وقد أدّى سعي الصناعة الصينية إلى تحقيق الأرباح في 2023 إلى انتشار توجه جديد: فشركات القيادة الذاتية الصينية تسارع الآن إلى بيع أنظمة الربان الآلي لديها إلى شركات أخرى. وهو ما سيُتيح لها تحقيق بعض الأرباح السريعة من خلال تحويل تكنولوجياتها إلى خدمات أقل تطوراً لكنها أقرب إلى الطلب الحالي للسوق، مثل أنظمة الربان الآلي الحضرية التي يمكن بيعها إلى شركات صناعة السيارات.

اقرأ أيضاً: كيف تستعد الإمارات لعمل السيارات ذاتية القيادة على نطاق واسع بعد الترخيص لشركة وي رايد؟

في الوقت نفسه، تأخر تطوير سيارات الأجرة الروبوتية في أوروبا، ويُعزى هذا جزئياً إلى أن البلدان هناك تفضّل استخدام السيارات الذاتية التحكم في مجال النقل العام. وعلى حين شهدت ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا إجراء اختبارات على الطرقات لسيارات الأجرة الروبوتية، فإن الانتقال إلى العمل على المستوى التجاري لا يزال أملاً بعيدَ المنال.

الدروس المستقاة من إخفاق شركة كروز

تشير تجربة كروز المروعة إلى عائق كبير واحد يقف أمام انتشار سيارات الأجرة الروبوتية، وهو أنها لا تزال تسلك سلوكاً عشوائياً في بعض الأحيان. ففي شهر أكتوبر/تشرين الأول، عندما صدم سائق بشري (يقود سيارة تقليدية) أحد المارة في سان فرانسيسكو وتابع طريقه مبتعداً عن مكان الحادث، دهست سيارة كروز عابرة الضحية وسحبتها مسافة 6 أمتار تقريباً قبل أن تتوقف.

تقول رئيسة مجموعة مناصري سلامة الطرق العامة والسيارات (Advocates for Highway and Auto Safety) التي تعمل في واشنطن العاصمة، كاثي تشيس: “نشعر بقلق عميق إزاء احتمال مقتل المزيد من الأشخاص، وعرقلة المزيد من مسؤولي الاستجابة الأولية، وحدوث المزيد من حالات التوقف المفاجئ. نحن لسنا ضد السيارات الذاتية التحكم، لكننا نشعر بالقلق بسبب استخدامها بصورة غير آمنة، والاندفاع نحو نشرها في الأسواق على حساب سلامة العامة من الركاب”.

وتُضيف قائلة إن هذه الشركات ببساطة لا تقدّم ما يكفي من البيانات لإثبات مدى أمان سياراتها. وعلى حين أن هذه الشركات ملزمة بتقديم البيانات إلى إدارة السلامة الوطنية للمرور على الطرق العامة، فإنها تحجب أجزاءً كبيرة منها بذريعة حماية الأسرار التكنولوجية قبل نشرها بين العامة. وتقول تشيس إن بعض مشاريع القوانين المقترحة في العام الماضي، التي لم تُقَرّ حتى الآن، يمكن أن تخفف حتى من متطلبات هذه التقارير.

اقرأ أيضاً: لا تغضب كالبشر ولا ترى في المطر: هذه مزايا السيارات ذاتية القيادة وعيوبها

تقول كامينغز: “قد يحمل هذا الحادث الأليم ناحية إيجابية، وهو أنه سيرغم الجميع على الاعتراف بأن هذه العمليات غير بسيطة وغير مباشرة”. من المرجّح أن يؤدي هذا الحادث إلى زيادة اعتماد هذه الصناعة على المشرفين البشريين الذين يعملون عن بعد، وهو أسلوب كان يمكن أن يغيّر من استجابة سيارة كروز في حادث أكتوبر/تشرين الأول. لكن إضافة المزيد من المشرفين البشر سيؤدي إلى زيادة صعوبة تحقيق الأرباح.

في هذه الأثناء، اتهمت لجنة الخدمات العامة في كاليفورنيا شركة كروز بتضليل العامة والسلطات حول تورطها في الحادث. يقول سميث: “إذا لم نستطع أن نثق بهذه الشركات، فلا مكان لها على طرقاتنا”.

قال ناطق باسم شركة كروز لإم آي تي تكنولوجي ريفيو إنه ليس لدى الشركة حالياً أي مستجدات يمكن أن تفصح عنها، لكنه أشار إلى منشور مدونة يعود إلى شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ويقول إن الشركة استعانت بشركات قانونية خارجية ومستشارين تكنولوجيين خارجيين لمراجعة الحادث ومراجعة استجابة كروز للجهات الرقابية. وقد عرضت كروز على لجنة الخدمات العامة في كاليفورنيا تسوية تتضمن تقديم المزيد من البيانات، بما فيها “تقارير حوادث التصادم إضافة إلى تقارير منتظمة تتضمن تفاصيل حوادث توقف السيارات الذاتية التحكم”.

اقرأ أيضاً: ما هي الأضرار البيئية للسيارات ذاتية القيادة؟

لا يزال مستقبل كروز غامضاً، وكذلك مستقبل خطتها الأصلية لتوسيع عملياتها إلى عدة مدن إضافية قريباً. لكن وايمو، من ناحية أخرى، قدمت طلباً رسمياً لتوسيع خدماتها إلى لوس أنجلوس، على حين بدأت تشغيل سياراتها على الطرقات العامة في مدينة فينيكس. ومن المحتمل أن تُطلق الشركة الناشئة المتخصصة بالقيادة الذاتية التحكم زوكس (Zoox)، التي تملكها شركة أمازون (Amazon)، خدماتها التجارية في لاس فيغاس هذا العام. وبالنسبة لسكان هذه المدن، ستشهد الطرقات ازدياد أعداد سيارات الأجرة الروبوتية في 2024.