ما الذي يدفع العلماء للتحذير من انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي؟

4 دقيقة
https://technologyreview.ae/%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%83%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b5%d8%b7%d9%86%d8%a7%d8%b9%d9%8a-%d9%8a%d8%b4%d8%ae%d8%b5-%d8%a3%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%b6-%d8%ac%d9%84%d8%af%d9%8a%d8%a9/ ما الذي يدفع العلماء للتحذير من انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Lightspring

من المؤكد أن الذكاء الاصطناعي لم يولد مع تشات جي بي تي (ChatGPT)، هذه حقيقة معروفة، فكرة الذكاء الاصطناعي ولدت مع الحواسيب الأولى واختبار تورينج الذي يقارن بين قدرات الذكاء الاصطناعي وقدرات الإنسان.

لكن إطلاق الذكاء الاصطناعي التوليدي من قِبل شركة أوبن أيه آي (OpenAI) بدعم من شركة مايكروسوفت، أسهم في زيادة التوقعات والتركيز على تأثير الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد والمجتمع.

دفع ذلك الكثير من شركات التكنولوجيا إلى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وتأسست الآلاف من الشركات الناشئة التي وعدت بتسخير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لخدمة قطاعات مختلفة، وتسابق المستثمرون لضخ أموالهم في هذه الشركات.

مؤخراً، أصبحنا نسمع كثيراً من التحذيرات عن انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي، وهو مصطلح يشير إلى انهيار في قيمة شركات الذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى خسارة المستثمرين جزءاً كبيراً من أموالهم وإفلاس الكثير من الشركات واضطرابات في قطاع التكنولوجيا العالمي.

في هذا المقال، سنناقش أبرز الأسباب التي تجعل الخبراء يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي هو فقاعة يمكن أن تنفجر في أي لحظة.

اقرأ أيضاً: 15 صفة يختلف فيها الذكاء الاصطناعي عن الذكاء البشري

قيم سوقية فلكية وأرباح محدودة

ارتفعت القيمة السوقية لشركات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة، حيث وصلت في كثيرٍ من الأحيان إلى أرقام فلكية تتجاوز بكثير أرباحها الحقيقية. بعض شركات الذكاء الاصطناعي وصلت قيمتها السوقية إلى مئات المليارات من الدولارات، في حين أن أرباحها السنوية لا تتجاوز الملايين أو عدة مليارات من الدولارات. يعود هذا التفاوت بين القيمة السوقية والأرباح إلى توقعات المستثمرين والإمكانات المستقبلية المتصورة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

لنأخذ على سبيل المثال شركة إنفيديا (Nvidia) الأميركية، إحدى الشركات الرائدة في تصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي. ففي منتصف عام 2022، كانت القيمة السوقية للشركة تبلغ نحو 400 مليار دولار، لكن قيمتها السوقية في شهر يونيو/حزيران 2024 تجاوزت 3 تريليونات دولار، ما جعلها الشركة الأعلى قيمة في العالم. يمثّل هذا زيادة في القيمة السوقية بلغت 650%. وفي المقابل، نمت أرباح إنفيديا ولكن بوتيرة أبطأ بكثير. خلال الفترة نفسها، ارتفعت أرباح إنفيديا السنوية من 17 مليار دولار إلى نحو 44 مليار دولار، وهو ما يمثّل نمواً بنسبة 158% تقريباً. هذا التفاوت الواضح بين الارتفاع السريع في القيمة السوقية والنمو المعتدل نسبياً في الأرباح يعود إلى المضاربة في سوق الأوراق المالية.

القيمة السوقية لشركات الذكاء الاصطناعي غير ثابتة

بالإضافة إلى التفاوت بين القيمة السوقية والأرباح الحقيقية لشركات الذكاء الاصطناعي، ينبغي الإشارة إلى ظاهرة أخرى، وهي عدم ثبات القيمة السوقية لهذه الشركات، إذ يمكن أن تشهد أسعار أسهم هذه الشركات تقلبات شديدة، ما يجعلها تربح أو تخسر عشرات أو حتى مئات المليارات من الدولارات خلال أيام. على سبيل المثال، خسر سهم شركة إنفيديا 18% من قيمته في الأسبوع الأخير من شهر يونيو 2024، ما أدّى إلى انخفاض القيمة السوقية للشركة بنحو 550 مليار دولار. هذا يمثّل خسارة هائلة يجب ألّا تشهدها سوق الأسهم، فليس من الطبيعي أن تخسر شركة أكثر من نصف تريليون دولار خلال عدة أيام.

تعود هذه التقلبات السريعة في القيمة السوقية إلى المضاربة في سوق الأسهم، حيث تتأثر بشدة بتوقعات المستثمرين وليس بالأداء المالي للشركات، كما أن حالة عدم الاستقرار في قيمة شركات الذكاء الاصطناعي تشير إلى احتمال حدوث انهيار كبير فيها بأي لحظة، أي انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات

المستثمرون قد يتوقفون عن ضخ الأموال

معظم المستثمرين الذين يضخون أموالهم في شركات الذكاء الاصطناعي يقومون بذلك بهدف واحد فقط؛ فهم يتوقعون ارتفاع أسعار الأسهم بشكلٍ سريع وجني أرباح كبيرة خلال فترة قصيرة. لكن الآن، بما أن أسعار أسهم هذه الشركات قد وصلت إلى مستويات عالية جداً، تضاءلت إمكانية حدوث زيادات كبيرة أخرى في قيمة هذه الأسهم. قد يؤدي هذا الوضع إلى تردد المستثمرين في مواصلة الاستثمار وتوقفهم عن شراء المزيد من الأسهم. نتيجة لذلك، سينخفض ​​الطلب على الأسهم، ما يؤدي حتماً إلى انخفاض قيمتها. يمكن أن يسبب ذلك هبوطاً كبيراً ومفاجئاً في قيمة شركات الذكاء الاصطناعي وخسارة مئات مليارات الدولارات.

الخبراء يحذّرون من فقاعة الذكاء الاصطناعي

يشعر الكثير من الخبراء بقلق متزايد إلى العلامات المبكرة التي تشير إلى انهيار قيمة شركات الذكاء الاصطناعي، ويشيرون إلى فقاعة، إذا انفجرت، قد تنتهي بكارثة.

خُذ على سبيل المثال جيمس فيرغسون، الشريك المؤسس لشركة أبحاث الاقتصاد الكلي مايكروستراتيجي بارتنرشيب (MacroStrategy Partnership) البريطانية، الذي قال في مقابلة مع وكالة بلومبرغ الأميركية إن هناك بالفعل الكثير من علامات التحذير.

فيرغسون لم يكن الوحيد، فقد كتب محلل أسهم التكنولوجيا ريتشارد وندسور في ورقة بحثية نُشِرت في شهر مارس/آذار 2024 قائلاً: "هذا بالضبط ما حدث مع الإنترنت عام 1999، والسيارات الذاتية القيادة عام 2017، والآن الذكاء الاصطناعي التوليدي عام 2024".

حتى المسؤولين في بعض شركات الذكاء الاصطناعي بدؤوا يحذّرون من ذلك. على سبيل المثال،  قال عماد مشتاق، الرئيس التنفيذي السابق لشركة ستابيليتي أيه آي (Stability AI)، إنه "يعتقد أن هذه ستكون أكبر فقاعة على الإطلاق".

اقرأ أيضاً: ما تحديات حوكمة تكنولوجيا المعلومات في عصر الذكاء الاصطناعي؟

هل يمكننا تجنب انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي؟

إن تجنب انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي يتطلب اتباع مجموعة من الاستراتيجيات والسياسات التي تشمل:

  • التقييم الواقعي للتكنولوجيا: من الضروري أن يكون هناك فهم واقعي لقدرات الذكاء الاصطناعي وحدوده، فالمبالغة في التوقعات قد تؤدي إلى خيبة أمل واستثمار زائد في تكنولوجيا لم تنضج بعد.
  • التركيز على التطبيقات الفعّالة: توجيه الاستثمارات نحو التطبيقات التي أثبتت جدواها والابتعاد عن التطبيقات غير المثبتة أو المبالغ في تقديرها.
  • التعليم والتوعية: تعزيز التعليم والتوعية بمجال الذكاء الاصطناعي يساعد على تطوير فهم عميق للتكنولوجيا وكيفية استخدامها والاستثمار فيها بشكلٍ صحيح.
  • مراقبة السوق: متابعة السوق بشكلٍ مستمر لفهم الاتجاهات والتطورات التي يمكن أن تساعد على تحديد الفقاعات المحتملة واتخاذ الإجراءات اللازمة قبل تفاقم المشكلة.
  • تحليل العائد على الاستثمار: يساعد تحليل العائد على الاستثمار بشكلٍ دوري على تحديد المشاريع التي تحقق قيمة حقيقية وتمييزها عن تلك التي قد تكون مُضخمة أو مبالغ فيها.
  • الشفافية: تعزيز الشفافية حول التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي يساعد على بناء توقعات واقعية.

باختصار، تجنُّب انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي يتطلب مزيجاً من الفهم العميق للتكنولوجيا، والسياسات الحكيمة، والاستثمار الذكي.