ما التحديات التي تواجه التحول الرقمي في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالدول النامية؟

4 دقائق
ما التحديات التي تواجه التحول الرقمي في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالدول النامية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Lerbank-bbk22
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعد عدد من تجاربي غير الناجحة في مساعدة بعض المؤسسات التجارية والإنتاجية الصغيرة خلال رحلة التحول الرقمي في بدايات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وبعد التعلم واستخلاص الكثير من الدروس المستفادة من التجارب، أصبحت المشروعات اللاحقة أكثر نجاحاً وتحقق المرجو منها بشكلٍ متوازن مع مراعاة الظروف العملية والمالية والتشغيلية لكل حالة على حدة، حيث إن كل بيئة عمل لها خصوصيتها، وأسلوبها الذي من الممكن أن يكون معيقاً للتطور أو مساعداً له.

يشير التحول الرقمي إلى دمج التكنولوجيا الرقمية في مجالات الأعمال كافة، ما يغيّر جوهرياً كيفية عمل الشركات ويعزز تقديم أفضل خدمة وأفضل منتوجات مع قيمة مضافة لعملائها. لا يتعلق الأمر بالتكنولوجيا فقط، ولكنه يتضمن تغييراً في القيادة، والتفكير المنفتح على التغيير الإيجابي، وتشجيع الابتكار ونماذج الأعمال الجديدة، وتضمين التقنية الرقمية في دورة العمل. 

بالنسبة للعديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدول النامية، قد يكون الطريق نحو التحول الرقمي أكثر تحدياً بسبب مجموعة من العوامل. هنا، نتناول هذه التحديات ونقدّم رؤى حول كيفية التغلب عليها وتجاوزها.

اقرأ أيضاً: الهوية الرقمية والتوثيق الإلكتروني: فوائد استخدام الهوية الرقمية في تسهيل وتأمين العمليات الحكومية الإلكترونية

تحديات تنفيذ التحول الرقمي في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالدول النامية

تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدول النامية التحديات التالية في رحلتها نحو التحول الرقمي:

  1. موارد محدودة: يعمل معظم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدول النامية بميزانيات محدودة، ما يجعل من الصعب الاستثمار في أحدث التقنيات الرقمية، أو الأفراد ذوي الخبرات في استخدام التكنولوجيا، أو برامج التدريب.
  2. الأمية الرقمية: يعاني العديد من المناطق في الدول النامية من الأمية الرقمية، وذلك نتيجة القصور الشديد في المناهج التعليمية التي لا تزال تعتمد على الأساليب القديمة في التعليم ولم تدمج التكنولوجيا في العملية التعليمية، ما يعوق تقبل القوى العاملة التكنولوجيات الحديثة في أماكن العمل.
  3. ضعف البنية التحتية: قد تعطل البنية التحتية الرقمية غير الكافية والكهرباء غير المتوفرة والوصول المحدود إلى الإنترنت عالية السرعة المبادرات الرقمية، وتجعل تكلفة تطبيق التحول التكنولوجي مرتفعة جداً، وذلك نتيجة الحاجة إلى الإنفاق على أساسيات غير متوفرة، وهذا عكس الدول الأوروبية والآسيوية التي تعتبر فيها الإنترنت فائقة السرعة والبنية التحتية متوفرة بشكلٍ جيد ومستمر.
  4. المقاومة الثقافية: في العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، هناك مقاومة جذرية للتغيير، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتبني التقنيات التي قد تعطل الطرق التقليدية للقيام بالأعمال، مع الاعتقاد الخاطئ للعاملين بأن دعمهم للتغيّر التكنولوجي يعتبر خطراً على مستقبلهم الوظيفي، ويهدد وضعهم في الشركة أو المؤسسة التي يعملون بها.
  5. قضايا أمن البيانات: مع ارتفاع وتيرة الهجمات الإلكترونية، قد يتردد العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تقنين عملياتها خوفاً من خرق البيانات، خصوصاً إذا كانت تفتقر إلى الخبرة اللازمة لتنفيذ تدابير الأمن السيبراني القوية.
  6. حواجز تنظيمية: قد لا يملك بعض الدول النامية سياسات ولوائح واضحة لدعم المبادرات الرقمية، ما يجعل من الصعب على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة اعتماد التحول الرقمي دون تداعيات قانونية محتملة. وكذلك مع عدم وجود ممارسات حكومية رقمية مثل القبول بالتقارير الرقمية دون الحاجة للورقية، يجعل أصحاب الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة يعتقدون أن التحول الرقمي غير مجدٍ لعملهم.

اقرأ أيضاً: كيفية استخدام تحليل البيانات لتحسين عملية صنع القرارات الحكومية

توصيات تعزيز نجاح التحول الرقمي في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالدول النامية

يمكن لهذه التوصيات أن تكون مفيدة في رحلة التحول الرقمي:

  1. البداية بخطوات صغيرة: بدلاً من التحول الشامل الذي قد لا ينجح أو يجعل العاملين بالشركة غير راضين عن الوقت الطويل المهدور (من وجهة نظرهم)، يمكن للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تقسيم أهدافها الرقمية إلى مهام صغيرة بمخرجات واضحة في فترات زمنية صغيرة. فمثلاً، البداية بالوجود على الإنترنت، مثل موقع تعريفي للمؤسسة يوضّح الأعمال والخدمات التي تقدّمها المؤسسة وكذلك صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثَمَّ الانتقال الى التجارة الإلكترونية وغيرها من المبادرات الأكبر.
  2. استثمار في التدريب: ورش عمل مخصصة للعاملين بالمؤسسة لشرح أهمية التحول الرقمي وفوائده للعاملين ولتطور المؤسسة وكذلك جلسات التدريب المتخصصة التي تُلبي الاحتياجات المحددة للإدارات والمديرين المعنيين بالتحول الرقمي، وكذلك منصات التعلم الإلكتروني والدورات عبر الإنترنت التي يمكن للموظفين الوصول إليها حسب وتيرتهم الخاصة، وتقدّم منصات مثل كورسيرا Coursera ويوديمي Udemy وخان أكاديمي Khan Academy دورات في مجموعة واسعة من الموضوعات الرقمية.
  3. أدوات البرمجيات كخدمة SaaS: حلول البرامج المستندة على الاشتراك مثل أدوات إدارة علاقات العملاء CRM وبرامج المحاسبة ومنصات إدارة المشروعات التي يمكن أن تقدّم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة قدرات متقدمة، دون الحاجة إلى استثمار كبير في البداية.

وقد أصبح الاشتراك في تلك الحلول الشاملة ميسوراً، ويتم الدفع حسب عدد المستخدمين فقط، فمثلاً مجموعة برامج أودو ODOO تقدّم حلولاً متكاملة للشركات المتوسطة والصغيرة لإدارة أعمالها مهما كان مجال هذا العمل، تجارياً أو صناعياً أو عقارياً وبأسعار مناسبة والدفع حسب عدد المستخدمين. ويتم تخزين البيانات والنسخ الاحتياطية باستخدام التخزين السحابي، ما يُتيح حفظ البيانات بأمان، وكذلك النسخ الاحتياطي لها دون الحاجة إلى بنية تحتية كبيرة في الشركة أو المؤسسة.

  1. بناء الشراكات: حاضنات التكنولوجيا والجمعيات المهتمة بالتكنولوجيا هي كيانات غالباً ما تقدّم الإرشاد والموارد والتدريب، وتقوم بمساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على التكيُّف مع العصر الرقمي، ويمكن أن تسهّل المؤسسات الأكاديمية المحلية مثل الجامعات ومراكز التدريب الوصول إلى المواهب الطلابية من أجل التدريب العملي، والأفكار الجديدة، وحتى التعاون في البحوث.
  2. إعطاء الأولوية لأمن المعلومات والأمن السيبراني: يجب إجراء تقييمات للمخاطر بانتظام لتحديد النقاط الضعيفة داخل البنية التحتية الرقمية، والاستمرار في سد الثغرات والتأكد من تحديث البرامج والأنظمة جميعا بانتظام إلى أحدث الإصدارات، حيث تحتوي التحديثات غالباً على إصلاحات للثغرات الأمنية المعروفة.
  3. التفاعل مع الهيئات التنظيمية:‬ يمكن للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أن تنضم إلى جمعيات مهتمة بمجال عملها، فمثلاً الشركات الصناعية تنضم لغرف الصناعة، والتجارية تنضم لغرف التجارة التابعة للهيئات العامة، ما يُتيح لها التحدث في مشكلاتها التقنية مع الحكومة أو الجهات الرسمية. مثلاً حين بدأ تطبيق منظومة الفواتير الإلكترونية المرتبطة بمصلحة الضرائب، أُثير الكثير من النقاش والجدل وحل المشكلات حتى وصلت المنظومة إلى ما يشبه الاستقرار التقني والتشغيلي. وغالباً ما تعقد هذه الهيئات منتديات أو جلسات استشارية حيث يمكن للشركات أن تعبّر عن مخاوفها.‬‬
  4. تعزيز ثقافة الابتكار: تنظيم جلسات نقاشية ودراسة المشكلات واستعراض الحلول الرقمية لها، أو طرح مسابقات داخل المؤسسة بانتظام لتشجيع الموظفين على تقديم حلول مبتكرة، وكذلك الاعتراف ومكافأة الموظفين الذين يسهمون بشكلٍ كبير في الابتكار الرقمي.
  5. البحث عن التمويل الخارجي: مثل المنح الحكومية والدعم الذي يقدّمه العديد من الحكومات في الدول النامية كحوافز للتبني الرقمي لتعزيز النمو الاقتصادي، أو التمويل الذي يأتي من البنوك أو المؤسسات المانحة الخارجية، الذي يعزز التحول الرقمي في الدول النامية. ولذلك يجب على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة استكشاف مثل هذه الفرص.

اقرأ أيضاً: تعرف على تجارب أفضل 10 دول في إدارة الخدمات الحكومية في العصر الرقمي

عن طريق تفعيل التوصيات السابقة، يمكن للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدول النامية إنشاء نهج منظم ومتنوع لتحولها الرقمي، وذلك لتحقيق أقصى الفوائد مع تقليل الأخطار المحتملة. فعلى الرغم من التحديات المرتبطة بتنفيذ التحول الرقمي في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدول النامية، فإنه يمكن تجاوز هذه العقبات من خلال التخطيط الدقيق، والتدريب المستمر، واستخدام الاستراتيجيات المناسبة. توجد فرص عظيمة للشركات التي تتمكن من تحقيق هذا التحول بنجاح، من زيادة الكفاءة إلى الوصول لأسواق جديدة.