ما أسباب انهيار سوق الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT)؟

4 دقائق
ما أسباب انهيار سوق الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT)؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Ormalternative
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في مارس/ آذار عام 2021، تصدر رائد الأعمال سينا إستافي (Sina Estavi) عناوين الأخبار عندما دفع أكثر من مليوني دولار لشراء أول تغريدة لمؤسس منصة تويتر السابق (إكس حالياً) جاك دورسي (Jack Dorsey) بصيغة رمز غير قابل للاستبدال (Non-Fungible Token، اختصاراً إن إف تي NFT).

وقد شكّل هذا الخبر علامة فارقة في صناعة الرموز غير القابلة للاستبدال الناشئة لتوها، حيث أصبحت السوق محط أنظار الكثير من المستثمرين الذين أنفقوا مبالغ طائلة لشراء مختلف الرموز، ما أوصل سوق الرموز غير القابلة للاستبدال إلى قيمة سوقية بلغت 41 مليار دولار بحلول نهاية عام 2021.

بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الرموز غير القابلة للاستبدال موضوعاً رئيسياً طوال عام 2021، حيث أصبحت الأعمال الفنية الرقمية وصور الحيوانات وبطاقات التداول والموسيقى والألعاب عبر الإنترنت من أكثر الفئات شراءً وتداولاً بين المستثمرين.

ولكن وفقاً لتقرير حديث صادر عن شركة تحليلات سوق العملات المشفرة داب جامبل (dappGambl)، فإن سوق الرموز غير القابلة للاستبدال قد شهدت انخفاضاً كبيراً، حيث أصبحت الآلاف من الرموز غير القابلة للاستبدال بلا قيمة فعلية، وخسر الكثير من المستثمرين ملايين الدولارات، فماذا حدث لسوق الرموز غير القابلة للاستبدال؟ وما أسباب هذا الانهيار الكبير؟

استراتيجيات تسعير بعيدة عن الواقع

وفقاً للتقرير، فإن 69,795 من أصل 73,257 من مجموعات NFT لها قيمة سوقية تبلغ صفراً، وهذا يعني أن ما يصل إلى 95% من مالكي مجموعات NFT -أو 23 مليون شخص- أصبحوا بالفعل يمتلكون استثمارات لا قيمة لها.

ويأتي التقرير بعد ما يقرب من عامين من اجتياح ظاهرة الرموز غير القابلة للاستبدال العالم، مع اندفاع الكثير من المستثمرين لشراء مجموعات الرموز غير القابلة للاستبدال، وكشف التقرير أيضاً أن 79% من مجموعات NFT جميعها ظلت غير مباعة، حيث لا يوجد طلب كافٍ لمواكبة العرض في سوق شديدة المضاربة والتقلب.

ولتحليل الوضع الحالي لأفضل مجموعات الرموز غير القابلة للاستبدال، قام معدو التقرير بالبحث في أفضل 8,850 مجموعة NFT وفقاً لمنصة كوين ماركت كاب (CoinMarketCap)، ووجدوا أن 18% من هذه المجموعات الكبرى كان سعرها الأدنى صفراً، وبالتالي لا قيمة لها.

وكشف التقرير أيضاً أن 41% من أفضل المجموعات تراوحت أسعارها بين 5 دولارات و100 دولار، وهو ما قد يشير إلى نقص القيمة المتصورة المرتبطة بهذه الأصول. علاوة على ذلك، فإن أقل من 1% من المجموعات تبلغ قيمتها أكثر من 6000 دولار، وهو تحول صارخ عن المجموعات التي بلغت قيمتها ما يصل إلى مليون دولار عام 2021.

اقرأ أيضاً: كيف تصنع صور NFT وتحقق الربح من إنشاء الرموز غير القابلة للاستبدال؟

وبحسب التقرير، فإن التناقض الصارخ بين الأسعار المدرجة لمجموعات الرموز غير القابلة للاستبدال وبيانات المبيعات الفعلية يكشف عن مشكلة كبيرة في هذا السوق المتضخمة، حيث إن التقييمات لا تعكس اهتمام المشتري الحقيقي أو المعاملات في العالم الحقيقي، ومن ثَمَّ يصبح من الواضح أن جزءاً كبيراً من سوق الرموز غير القابلة للاستبدال يتميز باستراتيجيات تسعير مضاربة ومفعمة بالأمل وبعيدة كل البعد عن تاريخ التداول الفعلي لهذه الأصول.

كما قام معدو التقرير أيضاً بتحليل التأثير البيئي المكلف الذي يحيط بعملية سك الرموز غير القابلة للاستبدال، حيث وجدوا أن أكثر من 195 ألفاً من مجموعات NFT لا يوجد لها مالكون أو حصة في السوق. بالإضافة إلى ذلك، وجدوا أن الطاقة المطلوبة لسك هذه الكمية من الرموز غير القابلة للاستبدال استهلكت أكثر من 27 مليون كيلوواط في الساعة، ما أدّى إلى انبعاث ما يقرب من 16,243 طن متري من ثاني أوكسيد الكربون.

وهذه الكمية من الانبعاثات الكربونية تعادل الانبعاثات السنوية لأكثر من ألفي منزل، كما أنها تعادل أيضاً الانبعاثات السنوية لأكثر من 3 آلاف سيارة أو البصمة الكربونية لأكثر من 4 آلاف مسافر يسافرون من العاصمة الإنجليزية لندن إلى العاصمة النيوزيلندية ويلينغتون.

اقرأ أيضاً: الرموز غير القابلة للاستبدال: مصدر لكسب الأموال أمْ فخ منصوب؟

ما أسباب انهيار سوق الرموز غير القابلة للاستبدال؟

أسباب انهيار سوق الرموز غير القابلة للاستبدال معقدة ومتعددة الأوجه، ولكن بعض أهم العوامل يشمل:

قضايا الاحتيال والأمن السيبراني

إحدى المشاكل الرئيسية التي عانت منها صناعة الرموز غير القابلة للاستبدال، عدم الثقة في سلامتها، حيث خلق بعض حالات السرقة شكوكاً بشأن أمانها. على سبيل المثال، كشف تقرير أن ما يزيد على 100 مليون دولار من الرموز غير القابلة للاستبدال قد سُرقت حتى يوليو/ تموز عام 2022.

ومن المرجح أن يكون الحجم الحقيقي لسرقات الرموز غير القابلة للاستبدال أعلى من ذلك، نظراً لأنه لا يتم الإبلاغ عن الجرائم جميعها علناً، ومن ثَمَّ فإن هذا النوع من حالات السرقة والاحتيال في السوق سيؤثّر بشكلٍ طبيعي في ثقة المستثمر.

اقرأ أيضاً: ما مصير العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال في حال وفاة صاحبها؟

تقلبات أسعار العملات المشفرة

شهدت سوق العملات المشفرة الأوسع تراجعاً منذ أواخر عام 2021، وهو ما أُطلق عليه شتاء العملات المشفرة (Cryptocurrency Winter)، وكان لذلك تأثيرٌ كبير على سوق الرموز غير القابلة للاستبدال، حيث عادةً ما يتم شراؤها وبيعها باستخدام العملات المشفرة، لذلك عندما تنخفض قيمة العملات المشفرة، فإن ذلك يؤدي أيضاً إلى انخفاض قيمة الرموز غير القابلة للاستبدال.

اقرأ أيضاً: كيف سيواجه مناصرو العملات المشفرة المحنة التي تمر بها؟

المبالغة في التقييم

شهدت سوق الرموز غير القابلة للاستبدال فترة من النمو السريع عام 2021، حيث تم بيع بعض المجموعات بملايين الدولارات، بالإضافة إلى ذلك دفع تأييد بعض المشاهير للرموز غير القابلة للاستبدال على نطاقٍ واسع بقيمتها إلى أسعار خيالية و بمعدلات غير طبيعية.

ونتيجة لذلك، شهدت السوق عمليات شراء مجنونة وضجيجاً غير منظم ووفرة كبيرة، كل ذلك أدّى إلى إرهاق سريع لسوق الرموز غير القابلة للاستبدال التي تتسم بدرجة عالية من المضاربة وسرعة الحركة.

اقرأ أيضاً: كيف يتم تحديد أسعار الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT)؟

بالإضافة إلى هذه العوامل، يُعزى انهيار سوق الرموز غير القابلة للاستبدال أيضاً إلى عددٍ من العوامل الأخرى، بما في ذلك:

  • التداول الوهمي: التداول الوهمي هو ممارسة يقوم فيها المستثمر بشراء وبيع أصل ما لنفسه من أجل خلق طلب مصطنع ورفع السعر، حيث يمثّل التداول الوهمي مشكلة في العديد من الأسواق المالية، ولكنه منتشر بشكلٍ خاص في سوق الرموز غير القابلة للاستبدال حيث يسهل إخفاؤه.
  • الافتقار إلى المنفعة: لا يمتلك العديد من الرموز غير القابلة للاستبدال أي فائدة حقيقية بخلاف كونها رمزاً للحالة أو مقتنيات، وهذا النقص في المنفعة يجعلها أكثر عرضة لتقلبات الأسعار وانكماش السوق.
  • المخاوف التنظيمية: لا تزال الحكومات في أنحاء العالم كافة تتصارع مع كيفية تنظيم أسواق العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال، وقد خلق عدم اليقين هذا شعوراً بالنفور من المخاطرة بين المستثمرين، وأدّى إلى خروج بعض الأشخاص من سوق الرموز غير القابلة للاستبدال تماماً.
  • المخاوف البيئية: تستهلك عملية إنتاج الرموز غير القابلة للاستبدال الكثير من الطاقة، ما أدّى إلى مخاوف بشأن التأثير البيئي لها، وقد جعل هذا بعض الأشخاص أقل احتمالاً للاستثمار في السوق، أو الاستثمار فقط في الرموز غير القابلة للاستبدال التي يتم إنتاجها باستخدام أساليب مستدامة.