لماذا يرى الخبراء أننا نشهد الآن شتاءً جديداً للعملات المشفرة؟

5 دقائق
لماذا يرى الخبراء أننا نشهد الآن شتاءً جديداً للعملات المشفرة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Dragon Claws
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعدما أظهرت العملات المشفرة الرئيسية بعض علامات التعافي بشكل مؤقت في بداية هذا الشهر، سرعان ما عادت أسعارها إلى التراجع لتستمر سلسلة الخسائر القياسية التي شهدتها هذه العملات منذ بداية العام الجاري. لم تتآكل فقط قيمة العملات المشفرة لدرجة انهيار عدد منها مثل تورنادو كاش (Tornado Cash) وقبلها لونا (Luna)، وإنما تكبدت معظم منصات تداول هذه العملات أيضاً خسائر قياسية دفعتها إلى تجميد عمليات التوظيف وتسريح العاملين. وليكتمل المشهد المأساوي، فرضت السلطات الأميركية قيوداً جديدة على بعضها.

هذه الأحداث المتزامنة دفعت الكثير من الخبراء والمستثمرين إلى الحديث عن “شتاء جديد للعملات المشفرة”، قد يستمر لفترة طويلة قادمة.

انهيارات واسعة النطاق للعملات المشفرة

فقدت العملات المشفرة ما يقرب من 1.9 تريليون دولار من قيمتها الإجمالية منذ ذروة الانتعاش الهائل الذي حققته نهاية العام الماضي، لتنخفض إلى ما دون تريليون دولار. لم يقتصر الأمر على عملة واحدة أو مجموعة من العملات الرئيسية فقط، وإنما شمل جميع العملات. اعتباراً من 24 يوليو الماضي، أصبحت جميع العملات المشفرة في قائمة أكبر 100 عملة مشفرة أقل قيمة مما كانت عليه قبل تسعة أشهر.

المثال الأشهر بالطبع هو الانخفاض الحاد الذي عانت منه بيتكوين (Bitcoin)، أكبر عملة مشفرة في العالم، والتي وعلى الرغم من التوقعات المتفائلة بتعويض بعض خسائرها في النصف الثاني من العام، لا تزال قيمتها تتراوح بين 20 و23 ألف دولار، بعدما كانت قد انخفضت إلى حدود 18 ألف دولار في يونيو الماضي، متراجعة بنحو 70% عن أعلى مستوى لها على الإطلاق والذي وصلت إليه في نوفمبر 2021، عند 69 ألف دولار.

لم يختلف الحال كثيراً بالنسبة لمعظم العملات المشفرة الأخرى، إذ هبطت عملة “إيثريوم” (Ethereum)، ثاني أكبر العملات المشفرة من حيث القيمة السوقية، إلى أقل من 1500 دولار لحظة كتابة هذه السطور، في انهيار كبير عن ذروتها التي تخطت 4800 دولار يوم 8 نوفمبر 2021.

يرى الرئيس التنفيذي لشركة كوين بايز (Coinbase)، بريان أرمسترونج، أنه يجب على المستثمرين الاستعداد لشتاء قد يستمر من 12 إلى 18 شهراً أخرى. وأوضح رئيس أكبر بورصة للعملات المشفرة في الولايات المتحدة، في مقابلة مع شبكة سي إن بي سي الأميركية، الأسبوع الماضي، أنه بينما يأمل أن تنتهي السوق الهابطة في ذلك الوقت، فإن شركته تستعد لتراجع أوسع نطاقاً.

اقرأ أيضاً: كيف تتمكن الحكومات من ضبط واستعادة ملايين الدولارات من العملات المشفرة المسروقة؟

السوق الهابطة وشتاء العملات المشفرة

من الضروري أن نتوقف هنا قليلاً لنفرّق بين “السوق الهابطة” و”شتاء العملات المشفرة”. يشير مصطلح السوق الهابطة (Bearish Market) إلى سوق تهبط فيها أسعار أسهم صناعةٍ ما أو تتراجع بها مؤشراتها الإجمالية. وبشكلٍ عام عندما تهبط الأسعار بنسبة تقترب من 20%، فإن ذلك يعد مؤشراً على اتجاهٍ هابط للسوق. وهناك بعض الأعراض على السوق الهابطة مثل زيادة معدل الفائدة المصاحب لركود اقتصادي، وتدني عوائد الشركات عن التوقعات، ووقوع مستويات مبالغ فيها من المضاربة.

في المقابل، لا يوجد تعريف دقيق لمصطلح “شتاء التشفير” أو “شتاء العملات المشفرة” (Crypto Winter)، لكنه يشير عموماً إلى استمرار الأداء السيئ لسوق العملات المشفرة لفترة زمنية طويلة، بالتزامن مع انتشار المشاعر السلبية وانخفاض متوسط ​​قيم الأصول لمجموعة كبيرة من العملات.

حدث آخر شتاء شهدته العملات المشفرة بين أواخر عام 2017 حتى نهاية 2020، عندما انخفض سعر البيتكوين بأكثر من 50% عن أعلى مستوى وصل إليه قبل هذا التاريخ. وبمجرد ذوبان ثلوج هذا الشتاء، سجلت أسعار العملات المشفرة ارتفاعات قياسية استمرت في التصاعد حتى نوفمبر 2021.

لكن الكثير من الأمور اختلفت منذ ذلك الوقت. يمكن أن نعزو حدوث الشتاء الماضي إلى حد كبير إلى “انفجار فقاعة” عمليات الطرح الأولي للعملات (ICOs) -ما يكافئ عمليات الاكتتاب في أسواق الأسهم (IPO)- التي أغرقت الأسواق وانتهى الأمر بغالبيتها إلى الفشل، بحسب تصريح مديرة الأبحاث في شركة كايكو لبيانات التشفير، كلارا ميدالي.

اقرأ أيضاً: بعيداً عن البيتكوين: ما يجب معرفته قبل الاستثمار في العملات المشفرة المغمورة

على النقيض من ذلك، شهد الشتاء الحالي سلسلة من الأحداث التي تسببت في انتقال عدوى الانهيار عبر قطاع العملات المشفرة بأكمله بسبب طبيعته المترابطة والظروف العالمية المحيطة. ويمكن أن نرجع هذا التراجع لعوامل الاقتصاد الكلي، بما في ذلك التضخم المتفشي الذي دفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الأخرى في مختلف أنحاء العالم إلى رفع أسعار الفائدة. بالإضافة إلى ذلك، تعرضت الاقتصادات العالمية إلى هزات عنيفة نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية وعمليات الإغلاق المتفرقة التي طبقتها الصين هذا العام بسبب فيروس كورونا.

ثمة اختلاف مهم آخر يميز هذا الشتاء ويجعله أكثر قسوة، ألا وهو “وجود عدد أكبر بكثير من الأشخاص في السوق الآن مقارنة بالمرة الماضية، وبالتالي المزيد من الضجة، والمزيد من الناس الذين يتحدثون عما يحدث”، بحسب رأي ليزا تيه، المؤسسة المشاركة في وكالة تسويق تقنيات الويب 3.0 مونينج (Mooning).

ضربات متتالية

لم تتوقف تأثيرات “شتاء العملات المشفرة” الجديد على أسعار العملات فحسب، وإنما امتدت إلى منصات تداول هذه العملات نفسها. على سبيل المثال، أعلنت بورصات عملات مشفرة رئيسية مثل “كوين بايز” وجيمني (Gemini) عن خطط لتجميد التوظيف وتسريح العاملين. انخفضت أسهم “كوين بايز”، التي تم إدراجها في البورصة الأميركية لأول مرة في أبريل الماضي، بنحو 65% حتى الآن هذا العام، وانخفض إجمالي الأصول على المنصة بنسبة 63% ليصل إلى 96 مليار دولار. كما أعلنت الشركة عن خطط لتسريح ما يقرب من 18% من قوتها العاملة.

كذلك، تعرضت العديد من الشركات العاملة في مجال العملات المشفرة والخدمات المرتبطة بها إلى أزمات مفاجئة دفعت بعضها إلى إعلان إفلاسها. ولعل أبرز النماذج التي اكتسبت شهرة واسعة هذا العام هي شركة سيليزيوس نتوورك (Celsius Network) التي منعت، في يونيو الماضي، 1.7 مليون مستخدم من سحب أو تحويل أموال بقيمة 20 مليار دولار. وفي يوليو، رفعت الشركة دعوى إفلاس، مشيرة إلى أن أصولها تراجعت بنسبة 80% خلال الفترة من 30 مارس و14 يوليو.

كما انهار صندوق “ثري آروز كابيتال” (Three Arrows Capital)، وهو صندوق تحوط للعملات المشفرة كان يعمل من سنغافورة حتى أوائل مايو على الأقل، بعد انهيار مشروع العملة المستقرة “تيرا” في ذلك الشهر.

اقرأ أيضاً: 6 خطوات سهلة تضمن لك دخولاً سلساً لعالم العملات المشفرة

بالتزامن مع مشكلات السوق نفسه، تواجه العملات المشفرة المزيد من عمليات التدقيق والعوائق القانونية. ففي وقت سابق من هذا الشهر، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على تورنادو كاش (Tornado Cash)، وهي أداة لمزج عملات بروتوكول إيثريوم تسمح للمستخدمين بإخفاء آثار معاملاتهم بالعملات المشفرة عن طريق مزج العديد من هذه المعاملات معاً.

وأضافت الوزارة موقع تورنادو كاش الإلكتروني وقائمة طويلة من عناوين إيثيريوم المرتبطة بخدماته إلى قائمة الأفراد المحددين بشكل خاص (Specially Designated Nationals) -وهو تصنيف عادة ما يخصص للمنظمات الإرهابية والدول المعادية للولايات المتحدة- ما منع المواطنين الأميركيين من استخدام الأداة أو التعامل مع هذه العناوين. وقد دافعت واشنطن عن هذه الخطوة مستشهدة بالعديد من الحالات التي تم فيها استخدام هذه الخدمة لغسل الأموال.

يرى العديد من الخبراء أن هذه الخطوة ربما تؤدي إلى تصعيد ملحوظ في العداء بين المدافعين عن الخصوصية التي تمثلها العملات المشفرة والحكومة الفيدرالية، وهو تطور يمكن أن يستمر لسنوات قادمة.

وبعد 4 أيام فقط من صدور هذا القرار، ألقت السلطات الهولندية القبض على أحد مطوّري البروتوكول في العاصمة أمستردام. وقالت وكالة المعلومات والتحقيقات المالية إنها لا تستبعد القبض على عدد كبير من المتهمين في هذه القضية، وهو ما تسبب في هبوط عملة “تورنادو كاش” أو تورن (TORN) بنسبة وصلت إلى 24%.

اقرأ أيضاً: هل ينجح مليارديرات العملات المشفرة في بناء مدنهم الخاصة؟

في النهاية، إذا نظرنا من زاوية أوسع سنرى أن الشتاء الحالي هو جزءٌ من عملية بيع عالمية لجميع فئات الأصول تقريباً، وليس أمراً متعلقاً بالعملات المشفرة فقط. ويمكن أن نلحظ هذا التأثير العالمي في التراجع المتزامن الذي شهدته أسواق الأوراق المالية في مختلف أنحاء العالم. ويرى البعض أن هذا الشتاء يشبه “فقاعة دوت-كوم” التي انفجرت في أوائل هذا القرن، سيخلص قطاع العملات المشفرة من المشاريع الفاشلة، مفسحاً المجال للمزيد من الشركات الناشئة الواعدة.