لماذا تحظى المذيعات الافتراضيات العربيات بكل هذا الاهتمام؟

4 دقائق
لماذا تحظى المذيعات الافتراضيات العربيات بكل هذا الاهتمام؟
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: مهدي أفشكو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

جذبت مذيعة افتراضية شقراء تتحدث باللغة العربية اهتماماً إعلامياً واسعاً، وأثارت ردود أفعال متباينة هذا الشهر، بعدما أعلنت مؤسسة إعلامية كويتية أنها قد تقدّم إحدى النشرات الإخبارية قريباً. يأتي هذا بعد أقل من شهر من إطلاق شبكة “الجزيرة” القطرية مذيعتين أخريين تعملان بتقنية الذكاء الاصطناعي.

“فضّة”: أول مذيعة افتراضية بالكويت

ظهرت المذيعة الافتراضية “فضّة” للمرة الأولى يوم 8 أبريل/ نيسان الجاري، عبر حساب صحيفة “كويت نيوز” الإلكترونية، إحدى الأذرع الإعلامية التابعة لصحيفة “كويت تايمز” التي تصدر باللغة الإنجليزية، على موقع تويتر. وفي إطلالتها الأولى، استخدمت المذيعة التي تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي اللغة العربية الفصحى لتقول: “أنا فضّة. أول مذيعة في الكويت تعمل بالذكاء الاصطناعي في مؤسسة كويت نيوز الإعلامية. ما نوعية الأخبار التي تفضّلونها؟ لنسمع آراءكم”.

سرعان ما أثارت هذه الكلمات القليلة اهتماماً إعلامياً واسعاً، على المستويين العربي والدولي، نظراً لأن “فضّة” تمثّل استخداماً غير مسبوق لتقنية الذكاء الاصطناعي على مستوى الكويت، كما أنها إحدى أولى المذيعات الافتراضيات في العالم العربي.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المدير الشريك لصحيفة “كويت نيوز” عبدالله بوفتين، قوله إن “فضّة” قيد التجربة “للاستفادة من مزاياها في صناعة المحتوى الجديد والمبتكر”، مضيفاً أن “فضّة اسم كويتي شعبي قديم يرمز لمعدن الفضة، والصورة النمطية في الأذهان عن الروبوتات أنها دائماً ما تكون فضية اللون ومصنوعة من المعدن، لذلك دمجنا العنصرين وأطلقنا اسم فضّة على المذيعة الافتراضية”.

ويعكف فريق على رصد الملاحظات لأخذها بعين الاعتبار، وقد تستخدم “فضّة” في وقت لاحق اللهجة الكويتية لتقديم أخبارها على حساب الصحيفة على تويتر الذي يتابعه أكثر من مليون و300 ألف شخص.

وفي اليوم التالي مباشرة، ظهرت فضّة مرة أخرى لتبارك للكويتيين تشكيل الحكومة، وتعرض خدماتها للعمل مستشارة افتراضية للحكومة الجديدة.

اقرأ أيضاً: أطباء يجرون عمل جراحي لجمجمة طفل بمساعدة الواقع الافتراضي

“ابتكار” و”آني”

يمكن القول إن “فضّة” هي أول مذيعة ذكاء اصطناعي تحصد هذا الاهتمام الإعلامي والشعبي الواسع، لكنها ليست أول مذيعة افتراضية تظهر على الشاشة. ففي بداية شهر مارس/ آذار الماضي، قدّمت مذيعة افتراضية أخرى فقرة من فقرات برنامج “هاشتاغ” على شاشة شبكة “الجزيرة”. وخلال الفقرة، أجرت حواراً مع الباحث في الذكاء الاصطناعي بجامعة “إم آي تي”، طالب الأشقر، حول أسباب التخوف من الذكاء الاصطناعي. كما نشر “معهد الجزيرة للإعلام”، على صفحته على موقع فيسبوك، مقطع فيديو تظهر فيه مذيعة افتراضية مختلفة تدعى “ابتكار”، وقد عرّفت نفسها باعتبارها “ممثلة لهوية المعهد”.

تأتي هذه التطورات بعد نحو عام من إعلان موقع “القاهرة 24” الإخباري أنه سيقدّم أول نشرة إخبارية بخاصية الذكاء الاصطناعي دون تدخل بشري. ونشر الموقع مقطع فيديو لمذيعة افتراضية تدعى “آني”، تقول فيه إن ظهورها يأتي ضمن خطة الموقع لدفع وتطوير الإعلام في الشرق الأوسط. 

وذكر الموقع آنذاك أنه يسعى لاستخدام الذكاء الاصطناعي في خدمة المحتوى الخبري المعتمد على السرعة والدقة في آنٍ واحد، خاصة بعدما استخدم الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأخبار.

كانت موجة الاستعانة بمذيعين ومذيعات افتراضيين قد بدأت منذ عام 2018، عندما قدّمت وكالة “شينخوا” الإخبارية الصينية مقدم برامج افتراضياً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي، وتم تصميم صوت المذيع ومظهره على غرار المذيع الحقيقي للنشرة، لكن مقطع الفيديو الذي نشرته الوكالة آنذاك قد يبدو اليوم بدائياً مقارنة بالإمكانات الحالية، حيث ظهر وجه مقدم البرنامج جامداً دون انفعالات تقريباً، كما أن جسده بدا متيبساً طوال المقطع. 

وفي العام التالي، أطلقت الوكالة الصينية مذيعاً ومذيعة افتراضيين جديدين. وفي عام 2020، قدّمت قناة “إم بي إن” الكورية الجنوبية مذيعة افتراضية ظهرت بجانب نظيرتها الحقيقية “كيم جو ها”، وتبادلت الحديث معها بطريقة تفاعلية.

اقرأ أيضاً: أول مذيعة افتراضية تظهر على الشاشة في كوريا الجنوبية

مجرد قراءة النصوص أمْ القدرة على التفاعل؟

تتباين قدرات تلك المذيعات الافتراضيات ما بين مجرد قراءة النصوص المكتوبة مع تحريك الشفاه بطريقة شبه طبيعية واستخدام تعبيرات وجه تتفاعل إلى حد ما مع النصوص التي تقرأها، وبين القدرة على التفاعل والتحاور مع البشر كما تفعل المذيعات الحقيقيات.

تزايد خلال الأعوام الأخيرة عدد الشركات التي تُتيح للمستخدمين إنتاج مقاطع الفيديو من النوع الأول. وتعد شركة سنثيجا (Synthesia) البريطانية إحدى أشهر الشركات العاملة في هذا المجال، حيث طوّرت منصة تستخدم معالجة اللغات الطبيعية (NLP) وخوارزميات التعلم الآلي لإنشاء صور رمزية في مقاطع الفيديو. يمكن لعملاء الشركة كتابة أي نص واختيار صورة رمزية لأنفسهم أو لأي شخص آخر لإنشاء مقطع فيديو تلقائياً للشخص المتحدث، كما يمكنهم إضافة عناصر مختلفة إلى المقطع، كتسجيلات الشاشة والصور والموسيقى، أو تغيير الخلفية. وتوفّر الشركة هذه الخدمة بأكثر من 60 لغة من بينها العربية.

وفي مقطع الفيديو الذي نشره موقع “القاهرة 24″، يمكن التعرف بسهولة على الصورة الرمزية لشخصية “أليكس”، وهي الشخصية الافتراضية الرئيسية لدى شركة “سنثيجا”.

كذلك توفّر شركات أخرى، مثل إل أيه آي (elai)، عدداً كبيراً من الصور الرمزية التي يمكن للأفراد أو المؤسسات استخدامها لإنشاء مقاطع فيديو بتقنية الذكاء الاصطناعي من خلال الاستعانة بنص مكتوب فقط. 

وتقول الشركة إنها تُتيح للمستخدم إمكانية الاختيار بين 25 صورة رمزية ناطقة تمثّل أشخاصاً من الجنسين -لكن الغالبية العظمى منها كالعادة هي شخصيات أنثوية لإنشاء مقاطع فيديو حسب الطلب خلال دقائق دون الحاجة لكاميرا أو استوديو أو شاشة خضراء.

اقرأ أيضاً: مستقبل الواقع الافتراضي على طاولة البحث في إيمتيك مينا

تخوفات مهنية ومطالبات بالتحسن

على الرغم من أن “فضّة” تحظى بالقدر الأكبر من التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي حتى الآن، فإن ظاهرة المذيعات الافتراضيات بشكلٍ عام تُثير اهتمام العديد من الإعلاميين ومقدمي البرامج والشخصيات العامة. وفي تعليقه على خبر الإعلان عن “فضّة”، تساءل مدير مركز الدراسات المستقبلية في جامعة دبي الدكتور سعيد الظاهري، عمّا إذا كانت دول الخليج ستحذو حذو الكويت وتُطلق مذيعات افتراضيات، مشيراً إلى الحاجة إلى تحسين مستوى التحدث باللغة العربية بشكلٍ عام.

من جانبه، اعتبر المذيع ومقدم الأخبار في قناة “سكاي نيوز عربية”، مهند الخطيب، أن صوت “فضّة” يبدو ذكورياً، كما أن مظهرها يوحي بأنها أجنبية.

 

وكان مقدم البرامج الإذاعية والتلفزيونية البريطانية غريغ جيمس، قد عبّر الأسبوع الماضي علناً عن مخاوفه من أن حياته المهنية ربما عفا عليها الزمن مع تطور تقنيات مثل “تشات جي بي تي”، واحتمال ظهور روبوتات الذكاء الاصطناعي على الشاشة، خاصةً أنها ستصبح أفضل وأكثر مرحاً وذكاءً، وبأسعار زهيدة مقارنة بمقدمي البرامج البشر.

لا يبدو أن المذيعات الافتراضيات تمثّل حتى اليوم خطراً داهماً على البشر العاملين في مهنة التقديم التلفزيوني، بيد أن التطورات المتلاحقة التي شهدها الذكاء الاصطناعي خلال العام الماضي وحده قد تجعل تخوفات جيمس وغيره من مقدمي البرامج حقيقة واقعة خلال مستقبل ليس ببعيد.