كيف يمكن أن يستفيد الرسامون من ثورة الذكاء الاصطناعي؟

8 دقيقة
كيف يمكن أن يستفيد الرسامون من ثورة الذكاء الاصطناعي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/KrerkStock
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ينتج أليكس ريبين أعمالاً فنية باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتدور موضوعاتها حول الذكاء الاصطناعي. وقد تحدثت إليه عمّا تعنيه الموجة الجديدة من النماذج التوليدية بالنسبة إلى مستقبل الإبداع البشري.

غالباً ما يتصف عمل أليكس ريبين بالغرابة، التي تصل إلى مستوى السريالية في بعض الأحيان، مثل مجموعة متداخلة من الآذان العملاقة التي تخيلها نموذج دال-إي (DALL-E) والتي نُحِتت يدوياً من الرخام، وأعمال تحمل إهانات نقدية ولّدها تشات جي بي تي (ChatGPT) تسخر من فنون الذكاء الاصطناعي عموماً. لكن الرسالة التي تحملها هذه الأعمال تهم الجميع. يهتم ريبين بالأدوار التي يتولاها البشر في عالم أصبح مليئاً بالآلات، والتغيرات التي تطرأ على هذه الأدوار. يقول ريبين: “أستخدم الفكاهة والغرابة والغموض نوعاً ما من أجل التعامل مع الكثير من هذه المشكلات. قد يواجه بعض الفنانين هذه المشكلات بصورة مباشرة وبطريقة جادة للغاية، لكنني أعتقد أن التحلي بشيء من الغرابة يجعل الأفكار أكثر جاذبية وقبولاً لدى الآخرين، حتى لو كانت القصة التي تحاول سردها جادة للغاية”.

أقرأ أيضاً: مَن يملك حقوق ملكية الأعمال الفنية التي يولّدها الذكاء الاصطناعي؟

يُعَدّ ريبين أول فنان مقيم في أوبن أيه آي (OpenAI)، وقد باشر عمله رسمياً في يناير/كانون الثاني ليمتد 3 أشهر، غير أن علاقة ريبين مع شركة الذكاء الاصطناعي التي تتخذ مقراً لها في سان فرانسيسكو تبدو علاقة غير رسمية، ويقول: “أشعر بشيء من الحيرة، لأنني أول مَن يتولى عملاً كهذا، وما زلنا نحاول اكتشاف ما يمكننا فعله. من المرجح أنني سأستمر بالعمل معهم”. في الواقع، باشر ريبين عمله مع أوبن أيه آي منذ أعوام عدة. فمنذ خمسة أعوام، دُعي إلى تجربة نسخة مبكرة من جي بي تي 3 (GPT-3) قبل نشره للعموم. ويقول: “لقد أتاحت لي الشركة فرصة إجراء العديد من التجارب على هذا النموذج، وإنجاز بعض الأعمال الفنية. وقد أبدوا اهتماماً بالغاً بمعرفة كيفية استخدامي أنظمتهم بطرق مختلفة. وقد رحبتُ بهذه الفرصة الرائعة، فأنا أحب تجربة الأشياء الجديدة دون شك. كنت في ذلك الوقت أصمم الأعمال باستخدام نماذجي الخاصة، أو بالاعتماد على مواقع ويب مثل غانبريدر (Ganbreeder)، الذي ينتمي إلى المرحلة السابقة للنماذج الحالية لتوليد الصور.

في 2008، درس ريبين الرياضيات والروبوتات في مختبر الوسائط التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أو “إم آي تي” (MIT) اختصاراً. وهناك، ساعد على بناء روبوت من الورق المقوى يدعى “بوكسي” (Boxie)، وقد تحول هذا الروبوت اللطيف إلى مصدر إلهام في تصميم الروبوت “بايماكس” في فيلم “الأبطال الستة” (Big Hero 6). حالياً، ييشغل ريبين منصب مدير التكنولوجيا والأبحاث في المؤسسة اللاربحية الحاضنة للأعمال ستوكاستيك لابز (Stochastic Labs) التي تُعنى بالفنانين والمهندسين ومقرها في مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا. تحدثتُ إلى ريبين عبر منصة زووم (Zoom) حول عمله، وعلاقة التوتر -التي لم تجد حلاً بعد- القائمة بين الفن والتكنولوجيا، ومستقبل الإبداع البشري. وقد عُدِّل حوارنا لأغراض الوضوح والاختصار.

أنت مهتم بطرق التفاعل بين البشر والآلات. بوصفك فنان ذكاء اصطناعي، كيف تصف عملك الذي تعتمد فيه على التكنولوجيا؟ هل تنظر إليها بوصفها أداة أم شريكاً في العمل؟ 

أولاً، أنا لا أطلق على نفسي لقب فنان ذكاء اصطناعي؛ فالذكاء الاصطناعي ليس سوى أداة تكنولوجية أضيفت إلى مجموعة الأدوات التي يمكن استخدامها. وإذا ظهرت تكنولوجيات جديدة ومثيرة للاهتمام بعد الذكاء الاصطناعي، فلن أمتنع عن استخدامها كأنني فنان ينحصر عمله في الذكاء الاصطناعي وحسب. 

حسناً. لكن ماذا عن أدوات الذكاء الاصطناعي هذه؟ لماذا أمضيت حياتك المهنية وأنت تجري التجارب على هذا النوع من التكنولوجيا؟ 

كانت أبحاثي في مختبر الوسائط تتمحور كلها حول الروبوتات الاجتماعية، حيث درست الأشكال المختلفة للعلاقات بين البشر والروبوتات. كان أحد الروبوتات (بوكسي) صانع أفلام أيضاً. كان الروبوت ببساطة يجري مقابلات مع البشر، وقد وجدنا أنه كان يدفع هؤلاء الأشخاص إلى البوح بمكنونات صدورهم له، وإخباره بقصص عميقة للغاية. كان هذا المشروع قبل ظهور المساعد الرقمي سيري، أو أي شيء مماثل. أمّا حالياً، فقد أصبحت فكرة التحدث إلى الآلات مألوفة بالنسبة إلى الجميع. لذلك، كنت مهتماً على الدوام بكيفية التطور المشترك للبشر والتكنولوجيا مع مرور الوقت. لقد وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم بفضل التكنولوجيا.

مصدر الصورة: تقدمة من ألكساندر ريبين

اقرأ أيضاً: 12 أداة مجانية تعمل بالذكاء الاصطناعي لمعالجة الصور القديمة وزيادة دقتها

حالياً، ثمة مقاومة كبيرة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الفن. ومن المُتَوَقع والمفهوم أن تُثير التكنولوجيا التي تُتيح لك الحصول على صورة بمجرد ضغطة زر الكثير من الاستياء. يشعر البعض بالاستياء من مجرد صُنع هذه الأدوات حتى، ويقولون إن صانعيها، مثل أوبن أيه آي، يجب أن يتحملوا ربما مزيداً من المسؤولية. غير أنك هنا على أي حال، في حالة اندماج مع عالم الفن، وتواصل إجراء التجارب المسلية والطريفة، وتصميم الأعمال الفنية. والسؤال الذي يشغلني هنا: ما تجربتك مع هذا النوع من الحوارات؟ 

حسناً. أنا متأكد من أنك تعلم، بصفتك تعمل في مجال الإعلام، أن الأصوات السلبية تعلو فوق غيرها من الأصوات على الدوام. فالأشخاص الذين يستخدمون هذه الأدوات بطرق إيجابية لا يعبّرون عن أنفسهم بالاندفاع والحماسة نفسها. لكنها مسألة واسعة النطاق ومتشعبة للغاية. فمن الممكن أن يتخذ الشخص موقفاً سلبياً لأسباب عديدة ومختلفة. يساور البعض القلق بشأن مجموعات البيانات، على حين يساور البعض الآخر القلق بشأن فقدان الأعمال. وثمة آخرون يساورهم القلق بشأن المعلومات المزيفة، وطوفان المواد الإعلامية الذي يكتسح العالم. وهذه المخاوف كلها مشروعة. عندما أتحدث عن هذا الموضوع، ألجأ إلى تاريخ التصوير الفوتوغرافي. فما نراه حالياً مشابه لما حدث في ذلك الوقت بصورة أساسية. لم يعد هناك فنانون يعتمدون على رسم المنتجات لكسب العيش، فلن تجد على سبيل المثال من يرسم علب الدراق المعلب كي تظهر في إعلان في مجلة أو على لوحة إعلانات. لكن هذه الوظيفة كانت موجودة من قبل، أليس كذلك؟ أدّى التصوير الفوتوغرافي إلى إلغاء الحاجة إلى هذه الشريحة من الفنانين.

لقد دوّنتُ العبارة التي استخدمتَها من قبل، أي “الحصول على صورة بمجرد ضغطة زر”، لأنها ذكرتني بالتصوير الفوتوغرافي. فمن الممكن لأي شخص أن يحصل على صورة بمجرد ضغطة زر، لكن فن التصوير الفوتوغرافي الاحترافي يتطلب مهارة عالية للغاية. لا تعني إمكانية إنتاج عمل فني بسرعة أنه أقل مستوى بالضرورة من نتاج شخص يمضي 60 عاماً في صُنع منحوتة من الرخام. فهما شيئان مختلفان تماماً.

الذكاء الاصطناعي يتطور بسرعة عالية. وقد تجاوزنا في مجال الذكاء الاصطناعي المرحلة المقابلة لمرحلة التصوير الفوتوغرافي بالألواح الرطبة باستخدام السيانيد. لكننا لم نصل بالتأكيد إلى المرحلة المقابلة لمرحلة كاميرات التصوير الفورية. ما زلنا نعمل على استيعاب أثر هذه التكنولوجيا، سواء على صعيد الفنون الجميلة أو على صعيد الوظائف. لكن سؤالك يحمل عدة أوجه بالتأكيد، ومن الممكن أن نختار أحدها ونركز عليه. لا شك في وجود العديد من المخاوف المحقة لدى الكثيرين، لكنني أعتقد أن تأمّل تاريخ التكنولوجيا، وأثرها في تمكين الفنانين والبشر عموماً من صنع أشياء جديدة، أمر مهم أيضاً. 

ثمة حجة أخرى تقول إن إمكانية إنتاج عدد غير محدود من الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي تؤدي إلى تراجع قيمة الإبداع. أشعر بالفضول إزاء التوازن الذي تراه في عملك بين ما تنفذه أنت وما تنفذه التكنولوجيا نيابة عنك. كيف تربط ذلك التوازن مع التساؤل المتعلق بالقيمة، وأين تكمن قيمة الفن وفقاً لوجهة نظرك؟

طبعاً، تنطوي قيمة الفن على ناحية اقتصادية وناحية نقدية، أليس كذلك؟ من الناحية الاقتصادية، يمكن أن تنتج عملاً فنياً من خلال تثبيت موزة على الجدار بالشريط اللاصق، وتبيع هذا العمل الفني لقاء 30,000 دولار. يتعلق الأمر بوجود أشخاص مستعدين لدفع المال لقاء هذا العمل. أمّا من الناحية النقدية، وبالعودة إلى التصوير الفوتوغرافي، فقد أصبح العالم مليئاً بالصور، ولا يزال هناك مصورون يلتقطون صوراً رائعة على أي حال. إضافة إلى هذا، ثمة أشخاص يميزون أنفسهم عن الآخرين من خلال فعل شيء مختلف. أنا أجري التجارب على هذه الأفكار. فعلى سبيل المثال، كان العمل المصنوع من كباس مصرف الماء (يحمل اسم “كباسات مصرف الماء” [The Plungers]، وقد صنعه ريبين من خلال بناء نسخة مادية من عمل فني ابتكره جي بي تي 3) حيث طلبت من جي بي تي أن يصف لي عملاً فنياً فريداً من نوعه، ثم صنعته بنفسي. هذا الأسلوب يقلب فكرة التأليف رأساً على عقب، حيث تولى جي بي تي مهمة ابتكار الفكرة، غير أن دوري كان ضرورياً لدراسة الآلاف من النتائج والعثور على النتيجة التي كانت طريفة إلى درجة تستحق صنعها. لم يكن جي بي تي قد أصبح بوت دردشة في ذلك الحين بعد. وقد أمضيت فترة شهر تقريباً في إعداد الأجزاء الأولية من النصوص -مثل اللافتات الجدارية المجاورة للأعمال الفنية في المتاحف- وكنت أطلب من جي بي تي استكمالها.

أعجبتني منحوتة الأذن التي صنعتها للغاية أيضاً، والتي أطلقت عليها اسماً ينطوي على تلاعب بالكلمات: “ها نحن ننطلق مع الأذن ثانية” (Ear we go again) (على غرار “ها نحن ننطلق ثانية” [Here we go again]). وهي منحوتة وصفها جي بي تي 3، وصمم تفاصيلها البصرية دال-إي، ونحتها روبوت باستخدام مادة الرخام. إنها عملية تتابعية أشبه بالشلال، حيث تكون مخرجات برنامج من نوع معين مدخلات بالنسبة إلى البرنامج التالي على طول مراحل هذه العملية. 

عندما ظهرت نماذج تحويل النصوص إلى صور، أصبح من البديهي بالنسبة إلي أن ألقم هذا النموذج بتوصيفات الأعمال الفنية التي كنت أولدها. إنها عملية تشبه السلسلة، حيث ينتقل العمل ذهاباً وإياباً بين البشر والآلات. بالنسبة لتلك الأذن على وجه الخصوص، بدأ العمل بتوصيف قدمتُه إلى دال-إي، غير أن الصورة الناتجة حُوِّلَت بعد ذلك إلى نموذج ثلاثي الأبعاد من خلال فنان متخصص بالأبعاد الثلاثية.

بعد ذلك، تولت الروبوتات عملية النحت، لكن قدرات الروبوتات محدودة من حيث التفاصيل التي تستطيع إنتاجها، ولهذا من الضروري أن يتدخل النحاتون البشر لإنهاء المنحوتات يدوياً. لقد أنتجتُ من هذا العمل 10 أو 15 نسخة، حيث أجريت التجارب على تلك العملية التبادلية، واستخدام التكنولوجيات المختلفة بصورة تتابعية. أمّا الأسلوب النهائي الذي أتبعه الآن، فهو أني سألتقط صورة للعمل الفني، وأطلب من جي بي تي 4 إنتاج لافتة جدارية تجسده.

 

عرض هذا المنشور على Instagram

 

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Alexander Reben‎‏ (@‏‎artboffin‎‏)‎‏

اقرأ أيضاً: إليك كيف تستفيد من نموذج دال إي-3 لتوليد الصور
أجل، هذا ما يظهر بصورة متكررة في عملك، أي الطرق المختلفة للتفاعل بين البشر والآلات.

لقد صورت بعض مقاطع الفيديو التي تُظهر مراحل صناعة هذه الأعمال، وذلك حتى أظهر العدد الكبير من الفنانين المشاركين في هذه الأعمال. ما زالت هناك قطاعات أعمال ضخمة أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيزيد عدد الوظائف فيها للبشر، حيث سينجزون الأعمال التي يبتكر أفكارها الذكاء الاصطناعي. أذهلتني أيضاً الصدفة الرائعة التي غالباً ما تقترن بالأدوات التوليدية، حيث تؤدي إلى إنتاج الفن من أشياء عشوائية. هل ترى صلة بين عملك والفن المُنتشر اليوم، أو الأعمال الفنية الموجودة اليوم، مثل عمل النافورة (Fountain) للفنان دوشامب؟ لا أعني أنك تعتبر مرحاضاً رأيته بالصدفة مصدراً ملهماً لإنجاز عمل فني (كما فعل دوشامب)، لكن عندما تجري التجارب باستخدام هذه الأدوات، لا بُدّ أنك صادفت شيئاً اعتبرته صالحاً للاستخدام في لحظة ما. طبعاً. يذكرني هذا الأسلوب بعض الشيء بالتصوير الفوتوغرافي في الشارع، وقد مارست هذا التصوير عندما كنت طالباً جامعياً في نيويورك، حيث يتجول المصور هنا وهناك في انتظار شيء يُثير إلهامه. وعند رؤية هذا الشيء، يستعد المصور لالتقاط الصورة بالطريقة التي ترغب فيها. ما أفعله شبيه بهذا الأسلوب بالتأكيد، ويتضمن بالتأكيد عملية تعتمد على اختيار العناصر الفنية بدقة. ثمة عملية تتضمن البحث عن الأشياء، وهو أمر مثير للاهتمام كما أعتقد. 

لقد تحدثنا عن التصوير الفوتوغرافي. وقد أدّى التصوير الفوتوغرافي إلى تغيير الفنون التي ظهرت بعده. شهدنا عدة حركات تتضمن أشخاصاً يحاولون الوصول إلى واقع لم يكن واقعاً قابلاً للتصوير الفوتوغرافي، مثل الانطباعية أو التكعيبية أو أعمال بيكاسو. هل تعتقد أننا سنشهد ظهور شيء مماثل بسبب الذكاء الاصطناعي؟

أعتقد أن هذا سيحدث. فأي أداة فنية جديدة ستؤدي دون شك إلى تغيير هذا المجال، حيث لا يقتصر الناس على السعي إلى معرفة كيفية استخدام هذه الأداة، بل يسعون أيضاً إلى تمييز أنفسهم عمّا يمكن لهذه الأداة أن تفعله. 

بما أننا نتحدث عن الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة، هل تعتقد أن الفن سيبقى على الدوام نتاجاً بشرياً؟ وهل تعتقد أن التكنولوجيا ستبقى مجرد أداة مهما بلغت من التطور؟ ربما من الممكن أن تستغني عن طريقتك في ربط أنظمة الذكاء الاصطناعي المختلفة تلك، ومن الممكن أن تحصل على النتائج المرغوبة دون الدخول في تلك الدورة من مراحل العمل. من الممكن أن تعتمد ببساطة على نظام ذكاء اصطناعي يشرف على الناتج النهائي لاختيار النتائج التي يعتبرها الأفضل. لكن، هل يمكن أن يُعدّ هذا فناً؟ 

لدي بضعة أعمال استخدمت فيها نظام ذكاء اصطناعي لإنتاج صورة، واستخدمت هذه الصورة لإنتاج صورة جديدة، وهكذا دواليك. لكنني أعتقد أن العودة إلى الخلف من حيث ترتيب المراحل سيكشف عن وجود بشري يتخذ قراراً ما لتنفيذ شيء معين في مرحلة ما، حتى في العمليات التي تنطوي على درجة عالية من الأتمتة. فمن الممكن أن يختار شخص بشري مجموعة البيانات المستخدمة في العمل على سبيل المثال. من الممكن أن نرى غرفاً فندقية مليئة بلوحات أنتج محتواها الروبوتات. قد تكون أشياء لا نكاد ننظر إليها، ولا تخضع حتى للإشراف البشري.

أعتقد أن السؤال الحقيقي: ما نسبة المساهمة البشرية اللازمة لصُنع عمل فني؟ هل ثمة عتبة محددة أو نسبة معينة من المساهمة؟ إنه سؤال وجيه. أجل، أعتقد أنه أقرب إلى السؤال التالي: هل نعتبر نتاجاً ما عملاً فنياً إن لم يره أحد؟ يمثّل التعريف الدقيق للعمل الفني، الذي يُتيح التمييز بين ما يُعدّ فناً وما لا يُعدّ فناً، أحد الأسئلة المطروحة منذ زمن. لكنني أعتقد أن السؤال الأهم: ما الفرق بين الفن الجيد والفن السيئ؟ وهو يمثّل وجهة نظر شخصية للغاية. لكنني أعتقد أن البشر سيستمرون على الدوام في إنتاج الأعمال الفنية. وسنواصل الرسم حتى في المستقبل البعيد للغاية.