ما هو الحبر الحيوي؟ وما هي تطبيقاته المختلفة التي فتحت آفاقاً جديدة في الطب

5 دقيقة
ما هو الحبر الحيوي؟ وما هي تطبيقاته المختلفة التي فتحت آفاقاً جديدة في الطب
حقوق الصورة: Shutterstock.com/Ladanifer

ملخص:

المشكلة: تؤدي بعض الإصابات أو الأمراض إلى تلف عضو في الجسم أو جزء منه. قد تكون بعض هذه الإصابات غير قابلة للعلاج، وتتطلب استبدال العضو، وزراعة عضو جديد من متبرّع. 

السبب: لا يمكن الحصول دائماً على عضو متبرَّع به يلائم المريض، لذا بحث العلماء عن حل آخر.

الحل: طوّر الباحثون والأطباء والمهندسون تقنية تسمح بالحصول على عضو جديد، أو جزء منه، انطلاقاً من مجموعة من الخلايا الحية، المحاطة بمواد متوافقة حيوياً، فيما يُعرف باسم "الحبر الحيوي" والذي يُوضع بطابعات ثلاثية الأبعاد تسمح بطباعة العضو أو النسيج المُراد زراعته لدى المريض.

الحبر الحيوي هو تقنية مبتكرة تجمع بين العلوم البيولوجية والهندسة، يتكوّن من خلايا حية ومواد داعمة لها، يُستخدم في طباعة الأنسجة والأعضاء، ما أسهم في فتح آفاق جديدة في الطب والتكنولوجيا الحيوية، عبر تحسين العلاجات الطبية وتطوير حلول مستدامة.

ما هو الحبر الحيوي؟ 

الحبر الحيوي هو مواد تتكون من خلايا حية، تُستخدم في الطباعة الحيوية الثلاثية الأبعاد بهدف بناء هياكل ثلاثية الأبعاد تحاكي الأنسجة والأعضاء الطبيعية، ويتمتّع بخصائص تمكّنه من التصاق الخلايا وتكاثرها وتمايزها في أثناء النضج.

قد يتكون الحبر الحيوي من خلايا حيّة فقط، وفي معظم الحالات، تُضاف مادة حاملة تغلّف الخلايا. عادة ما تكون المادة الحاملة عبارة عن هلام بوليمر حيوي طبيعي أو صناعي، يحمي الخلايا ويدعمها في أثناء عملية الطباعة لتشكيل بنية ثلاثية الأبعاد. تلتصق الخلايا بهذا الهلام، ما يمكّنها من الانتشار والنمو والتكاثر.

تُحدد تركيبة الحبر الحيوي حسب نوع الخلايا المستخدمة، ويرجع هذا إلى الاحتياجات الفريدة لأنواع الخلايا المختلفة، بما في ذلك العناصر الغذائية الضرورية وعوامل النمو والخصائص الفيزيائية التي تمكّن الخلايا من النمو وأداء وظائفها.

يمثّل الحبر الحيوي تقدماً كبيراً في مجالات هندسة الأنسجة والطب التجديدي. وتتميز هذه التكنولوجيا بإمكاناتها في تصنيع هياكل أنسجة وظيفية مخصصة تحاكي عن كثب البيئة البيولوجية الأصلية. 

اقرأ أيضاً: إلى أين وصلت شركات التكنولوجيا الحيوية في ابتكارها علاجات ميسورة التكلفة للسرطان؟

أنواع الحبر الحيوي ومكوناته

تتكون الأحبار الحيوية من بوليمرات طبيعية وصناعية، أو الاثنين معاً لجمع الخصائص المرغوبة من كلا النوعين:

1. البوليمرات الطبيعية

تُستخدم البوليمرات الطبيعية بشكلٍ شائع في الأحبار الحيوية بسبب توافقها الحيوي وقدرتها على دعم نمو الخلايا وتمايزها.

الألجينات

الألجينات هي بوليمرات طبيعية بحرية نباتية، تُعدّ النوع الأكثر استخداماً في الأحبار الحيوية، يمكنها التقاط الماء والمغذيات من الوسط المحيط. وهذه الخاصية مثالية للطباعة الحيوية الثلاثية الأبعاد لأن الانتشار المحدود للمغذيات هو من أكبر العقبات التي تواجه الخلايا داخل الهياكل الكثيفة، مثل الأنسجة الحية. لكن تفتقر الألجينات إلى القدرة على الالتصاق بالخلايا، لذلك تُمزج عادةً مع بوليمرات طبيعية أخرى مثل الجيلاتين والفيبرينوجين لتحسين التصاق الخلايا والنشاط البيولوجي. 

الجيلاتين 

يُشتق الجيلاتين من الكولاجين، وهو بروتين هيكلي أساسي في العديد من الأنسجة الحية خاصة العضلات والأوتار. 

يتمتّع الجيلاتين بخصائص لزجة ومرنة مناسبة لحيوية الخلايا ودقة الطباعة، وتستخدم الهلاميات المائية القائمة على الجيلاتين في تطبيقات مختلفة، بما في ذلك تصنيع هياكل ثلاثية الأبعاد تحاكي الخلايا الكبدية والخلايا الجذعية المشتقة من الأنسجة الدهنية.

الأجاروز 

الأجاروز هو سكر متعدد بحري يتم الحصول عليه من الأعشاب البحرية. يتمتّع بخصائص التوافق الحيوي، لكنه لا يوفّر للخلايا نقاط التثبيت الضرورية التي تحتاج إليها للتحرك، لذلك يستخدم عادةً في الأحبار الحيوية المختلطة مع بوليمرات أخرى.

حمض الهيالورونيك 

هو جزيء موجود في كل مكان في الفراغ خارج الخلوي في الأنسجة الحية الحيوانية، ومكون مهم للغضروف المفصلي. لا يتمتّع بقوام مثالي للطباعة الحيوية الثلاثية الأبعاد، لكنه ملائم لالتصاق الخلايا، ويدعم حركتها وتكاثرها. 

ولهذا السبب يمكن العثور على متغيرات اصطناعية من حمض الهيالورونيك ذات خصائص ميكانيكية معززة في الأحبار الحيوية.

من البوليمرات الطبيعية الأخرى المستخدمة في الحبر الحيوي بروتينات الحرير المعروفة بقوتها الميكانيكية وتوافقها الحيوي، والإيلاستين الذي يوفّر المرونة للأنسجة ويدعم التصاق الخلايا وتكاثرها.

2. البوليمرات الصناعية

توفّر البوليمرات الاصطناعية خصائص ميكانيكية قابلة للضبط، ويمكن تصميمها لتلبية متطلبات محددة للطباعة الحيوية.

بولي إيثيلين غليكول

يُستخدم البولي إيثيلين غليكول (PEG) على نطاقٍ واسع في الحبر الحيوي بسبب طبيعته المحبة للماء ومتانته الميكانيكية ومرونته. غالباً ما تمزج البوليمرات القائمة على البولي إيثيلين غليكول مع البوليمرات الطبيعية لتعزيز وظائفها الحيوية والإشارات الكيميائية الحيوية ما يزيد من إمكانية التصاق الخلايا.

البوليورونيك 

البوليورونيك هو بوليمر يتحوّل إلى هلام في درجة حرارة الغرفة ويسيل في درجات حرارة أقل من 10 درجات مئوية، ما يجعله مناسباً للطباعة الحيوية، ويستخدم عموماً كمادة داعمة لإنشاء هلام مستقر بعد الطباعة. يمكن إزالة هذه المواد بسهولة بعد الطباعة، ما يسمح للهيكل المتبقي بالنضج والاستقرار.

من البوليمرات الصناعية المستخدمة في الأحبار الحيوية أيضاً بولي N-إيزوبروبيل أكريلاميد المعروف بخواصه المستجيبة للحرارة، ما يجعله مناسباً للتطبيقات المُتَحكّم في درجة حرارتها، والبوليفوسفازينات التي تتمتّع بمجموعة واسعة من الخصائص الميكانيكية والتوافق الحيوي.

3. الأحبار الحيوية الهجينة

تجمع الأحبار الحيوية الهجينة بين مزايا البوليمرات الطبيعية والاصطناعية لتلبية مجموعة أوسع من المتطلبات، يمكن أن توفّر هذه الخلطات قوة ميكانيكية محسنة وتوافقاً حيوياً ودعماً لوظيفة الخلايا وتمايزها.

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز تقنيات المعالجة الحيوية؟ وكيف يمكننا الاستفادة منها؟

خصائص الحبر الحيوي

تكمن أهمية الأحبار الحيوية في إنتاج الأنسجة الحية المصنّعة باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد، وتختلف خصائصها بحسب وظيفة النسيج الحيوي المراد طباعته.

التركيب والأنواع

يتنوع تركيب الحبر الحيوي بين البوليمرات الطبيعية والصناعية أو كلاهما تبعاً لاختلاف الخلايا ووظائفها وعوامل النمو اللازمة لها، والإشارات البيولوجية والإشارات الفيزيائية لتوجيه نمو الخلايا وتطورها وتمايزها.

الخصائص الميكانيكية

تؤدي خصائص مثل اللزوجة والتخثر دوراً حاسماً في قابلية طباعة الحبر الحيوي ودقة شكله، فالتركيبات العالية اللزوجة تُنتج هياكل ثلاثية الأبعاد أكثر استقراراً، لكنها يجب أن تكون قابلة للضبط لاستيعاب آلات وطرق الطباعة المختلفة.

التوافق الحيوي والتوافق الخلوي

يجب أن تكون الأحبار الحيوية متوافقة حيوياً وخلوياً؛ أي ينبغي ألّا تكون سامة للأنسجة أو الخلايا الأخرى، ويجب أن تحافظ على حيوية الخلايا بعد الطباعة، كما يجب أن تدعم التفاعلات الضرورية بين الخلايا والوسط خارج الخلوي لتسهيل نمو الخلايا وتمايزها، وضمان سلامة وظائف الأنسجة المصنَّعة.

الاستقرار

تتطلب العديد من الأحبار الحيوية تحقيق خواص ميكانيكية تعزز استقرار التركيب وقابلية الخلايا للحياة أو لتحسين خصائصه اللزجة المرنة.

قابلية الطباعة

تعتمد قابلية طباعة الحبر الحيوي على معايير مختلفة مثل اللزوجة، والتوتر السطحي، والقدرة على الارتباط لإعادة إنتاج عالية وتحكم دقيق في التركيبات المصنّعة، ما يجعلها أدوات لا غنى عنها في هندسة الأنسجة والطب التجديدي.

اقرأ أيضاً: الزينوبوت: روبوت حي ولد من رحم التطورات التكنولوجية الحيوية والحاسوبية

تطبيقات الحبر الحيوي

يُستفاد من الحبر الحيوي في العديد من التطبيقات في مجال هندسة الأنسجة والطب التجديدي، خاصةً إنشاء هياكل أنسجة وظيفية تحاكي الأنسجة الطبيعية لإصلاح واستبدال الأنسجة أو الأعضاء المصابة.

ضمادات شفاء الجروح والحروق

تُعدّ ضمادات شفاء الجروح والحروق واحدةً من أقدم تطبيقات الحبر الحيوي والطباعة الحيوية الثلاثية الأبعاد، فهي تتمتّع بالمتانة والمحافظة على الوظائف الحيوية. تضمن هذه التقنية الدقة في ترسيب الخلايا، وتقليل وقت الإنتاج للطعوم الجلدية ذات المساحات السطحية الكبيرة المطلوبة لتغطية الجروح أو الحروق. يمكن أيضاً إجراء هذه العملية مباشرة في موقع الإصابة، ما يوفّر خياراً علاجياً أكثر كفاءة.

أنسجة الغضاريف

تغطي الغضاريف المفصلية أطراف العظام، وهي بنى معقدة تتكون من الكولاجين والعديد من الجزيئات الحيوية الأخرى. تُعدّ من الأنسجة التي لا تحتوي على أوعية دموية أو ليمفاوية أو أعصاب، لذا يصعب علاج إصابات الغضاريف، كما لا يمكن للجسم تجديد التالف منها، ما يؤدي إلى أمراض مثل هشاشة العظام. لكن تقدّم اليوم الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد باستخدام الحبر الحيوي علاجاً محتملاً من خلال بناء الأنسجة التي تحاكي البنية المعقدة للغضروف الطبيعي.

الأنسجة القلبية

تُعدّ أنسجة القلب من الأنسجة المعقدة نظراً لتكوّنها من أنواع متعددة من الخلايا، ولأن أنسجة القلب لها طبيعة مختلفة تناسب الحركة الإيقاعية لنبضات القلب. يمكن للحبر الحيوي المساعدة في التغلب على هذه التحديات عن طريق بناء الأنسجة القلبية طبقة تلو الأخرى، مع الحفاظ على الخلايا الملائمة لطبيعة القلب النابضة باستمرار. يمكن باستخدام الحبر الحيوي تصنيع أنسجة القلب الثنائية الأبعاد والصمامات الثلاثية الأبعاد.

اقرأ أيضاً: كيف ستحل الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد معضلة التبرع بالأعضاء؟

التحديات والقيود التي تواجه تطوير تطبيقات الحبر الحيوي 

تواجه الطباعة الحيوية باستخدام الحبر الحيوي العديد من التحديات والقيود، والتي يأتي الكثير منها من تعقيد إعادة إنشاء البيئات البيولوجية وخصائص مواد الحبر الحيوي. من هذه القيود:

  • لزوجة الحبر الحيوي التي تؤثّر في تدفق المحلول عبر فوهات الطابعة، ما قد يؤثّر في دقة الطباعة واستقرار الهياكل الثلاثية الأبعاد.
  • تحقيق الخصائص الميكانيكية المطلوبة ليناسب الحبر الحيوي الأنسجة والأعضاء الأصلية، وتجنب مشكلات مثل انفصال الغرسة أو نمو الأنسجة غير الكافي.
  • قابلية ضبط تركيبة الحبر الحيوي لاستيعاب آلات الطباعة المختلفة المتاحة تجارياً. 
  • الحفاظ على السلامة الميكانيكية والكيميائية للبنى المطبوعة والحفاظ على وظيفتها، وضمان استقرار الأنسجة المطبوعة ونموها.
  • تكلفة الإنتاج، إذ تتطلب العديد من عمليات الطباعة الحيوية كواشف باهظة الثمن ومعدات متطورة، ما قد يؤدي إلى ارتفاع التكاليف والحد من إمكانية الوصول إلى هذه التكنولوجيا لتطبيقات أوسع نطاقاً.

على الرغم من هذه التحديات، ما زال التقدم مستمراً في تقنيات الطباعة الحيوية الثلاثية الأبعاد، وبالتالي يمكن التغلب على هذه القيود وتوسيع التطبيقات المحتملة للحبر الحيوي في هندسة الأنسجة والطب التجديدي.