إلى أين وصلت شركات التكنولوجيا الحيوية في ابتكارها علاجات ميسورة التكلفة للسرطان؟

5 دقيقة
إلى أين وصلت شركات التكنولوجيا الحيوية في ابتكارها علاجات ميسورة التكلفة للسرطان
خلايا تائية تحيط بخلية سرطانية. تعمل علاجات كار-تي على تعديل الخلايا التائي مثل هذه الخلايا، حتى تستهدف السرطان، لكن العلاجات المخصصة قد تكون مكلفة. ستيف جيشمايسنر / مكتبة الصور العلمية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تُصمم علاجات المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية أو “كار-تي” (CAR-T) اختصاراً من خلال تعديل خلايا المريض نفسها حتى تكافح السرطان، وعادة ما تُستخدم مع المرضى الذين استنفدوا خيارات العلاج الأخرى. غير أن الإدارة الأميركية للغذاء والدواء (FDA) منحت موافقتها مؤخراً لعلاج كارفيكتي (Carvykti)، وهو أحد منتجات كار-تي المخصصة لعلاج المايلوما المتعدد (الورم النخاعي المتعدد)، وذلك لاستخدامه علاجاً من النسق الثاني؛ ويعني هذا أن المرضى يصبحون مؤهلين لتلقي كارفيكتي بعد الانتكاسة الأولى.

وعلى حين يعني هذا أن بعض مرضى المايلوما المتعدد في الولايات المتحدة سيصبح بإمكانهم الحصول على علاجات كار-تي في مرحلة مبكرة، فإن الأغلبية العظمى من المرضى في أنحاء العالم كافة لن يحصلوا على علاجات كار-تي على الإطلاق، فهذه العلاجات مكلفة، وقد تصل تكلفتها إلى نصف مليون دولار في بعض الحالات. لكن، ما الذي يجعلها مكلفة إلى هذه الدرجة؟

واليوم، لنلقِ نظرة على الجهود الرامية إلى جعل علاجات كار-تي أقل تكلفة وزيادة سهولة الحصول عليها.

ما سبب ارتفاع تكلفة علاجات كار-تي؟

ليس من الصعب تبرير التكاليف الباهظة لعلاجات كار-تي، فتصنيع هذه العلاجات عملية متعددة الخطوات. في البداية، يجب على الأطباء جمع الخلايا التائية من المريض. وبعد ذلك، تخضع هذه الخلايا إلى عملية تعديل خارج الجسم باستخدام ناقل فيروسي يُدخل فيها جين اصطناعي يحمل رموز مستقبِل المستضد الخيميري، أو كار (CAR) اختصاراً. يمكّن هذا المستقبل الخلايا من التعرف على الخلايا السرطانية وتمييزها تمهيداً لتدميرها.

بعد ذلك، تُستَنبَت هذه الخلايا في المختبر حتى يصل عددها إلى الملايين. وفي الوقت نفسه، يجب أن يخضع المريض إلى العلاج الكيميائي لتدمير الخلايا التائية المتبقية كلها، وإفساح المجال أمام خلايا كار-تي. بعد ذلك، تُعاد الخلايا المعدلة إلى جسم المريض؛ حيث تتحول إلى أدوية حية لمكافحة السرطان. إنها عملية مضنية وتتطلب استخدام تكنولوجيات فائقة. في الولايات المتحدة، تمثل علاجات كار-تي مصدراً لتحقيق أرباح كبيرة. تتراوح تكلفة هذه العلاجات من 300,000 إلى 600,000 دولار؛ لكن بعض التقديرات تشير إلى أن التكلفة الفعلية؛ التي تشمل الفترة التي يمضيها المريض في المستشفى، والرعاية اللازمة للتعامل مع الآثار الجانبية السلبية، وغير ذلك، تتجاوز مليون دولار في بعض الحالات.

اقرأ أيضاً: الآن نستطيع تخصيص علاجات السرطان لكل شخصٍ على حدة

كيف يمكن تخفيض تكاليف علاجات كار-تي؟

يمكن تخفيض تكلفة العلاج من خلال إنتاجه في بلدان تكون تكلفة تطوير الأدوية وتصنيعها فيها أقل بكثير. في مارس/آذار، وافقت السلطات الهندية على أول علاج كار-تي محلي، يحمل اسم “نيكس كار 19” (NexCAR19). وتنتج هذا العلاج شركة صغيرة للتكنولوجيا الحيوية باسم إميونو آكت (ImmunoACT) في مومباي. يكلف علاج كار-تي الهندي تقريباً عُشر سعره في الولايات المتحدة؛ حيث تتراوح تكلفته بين 30,000 و50,000 دولار. يقول الاختصاصي بأمراض الدم لدى الأطفال في مجمع أنشوتز الطبي بجامعة كولورادو (University of Colorado Anschutz Medical Campus)، تيري فراي: “إن تكلفة إنتاج خلايا كار-تي، حتى في أماكن مثل الولايات المتحدة، تمثل عاملاً يدفعنا إلى العمل على وجه السرعة وبكل ما يمكن بذله من جهد”.

يُعزى انخفاض هذه التكلفة إلى عوامل مختلفة عدة، فالعمالة أقل تكلفة في الهند؛ حيث طُوِّر العلاج وخضع إلى الاختبارات، وحيث يُصنّع حالياً، علاوة على أن الشركة توفر بعض الأموال من خلال تصنيع نواقلها الفيروسية بنفسها؛ حيث تمثل هذه النواقل إحدى أكثر العناصر تكلفة في عملية التصنيع. من الأساليب الأخرى المستخدمة لتخفيض التكاليف إنتاج العلاجات في المراكز الطبية التي تقدمها. فعلى الرغم من أن مراكز علاج السرطان مسؤولة عن جمع الخلايا التائية من مرضاها، فإنها غير مسؤولة عادة عن إنتاج علاجات كار-تي مباشرة. بدلاً من ذلك، تشحن المراكز هذه الخلايا إلى شركات الأدوية؛ حيث توجد منشآت مخصصة لتعديل الخلايا واستنباتها. وبعد ذلك، تشحن الشركة العلاجات إلى المراكز.

أما إنتاج هذه العلاجات في مراكز العلاج مباشرة؛ وهو نموذج عمل يحمل اسم “التصنيع ضمن مراكز تقديم الرعاية” (point-of-care manufacturing)، يمكن أن يقلل التكاليف وأوقات الانتظار. وقد تمكن أحد المستشفيات في برشلونة من تصنيع علاج كار-تي واختباره، ويقدمه حالياً إلى المرضى مقابل 97,000 دولار، وهو جزء صغير من تكلفة الأدوية ذات العلامات التجارية.

اقرأ أيضاً: نموذج ذكاء اصطناعي جديد يكشف عن 17 نوعاً مختلفاً من السرطان

منذ فترة قريبة، عقدت مؤسسة أوزوالدو كروز فاونديشن (Oswaldo Cruz Foundation) في البرازيل؛ وهي مؤسسة لتصنيع اللقاحات وأكبر معهد للأبحاث في مجال الطب الحيوي في أميركا اللاتينية، شراكة مع مؤسسة لا ربحية في الولايات المتحدة تحمل اسم كيرينغ كروس (Caring Cross) للمساعدة على تطوير الإمكانات المحلية لتصنيع علاجات كار-تي. طورت كيرينغ كروس عملية وفق نموذج التصنيع ضمن مركز تقديم الرعاية لإنتاج علاجات كار-تي بتكلفة أقل حتى، حيث تبلغ تقريباً 20,000 دولار بالنسبة إلى المواد و10,000 دولار بالنسبة إلى العمالة والمنشآت.

كيف ستتمكن شركات التكنولوجيا الحيوية من حل المشكلة؟

إنه نموذج جذاب. غالباً ما يفوق الطلب على علاجات كار-تي حجم العرض المقدم، ما يؤدي إلى فترات انتظار طويلة. وفي تصريح لموقع “ستات” (Stat) المتخصص بالأخبار الصحية، قالت طبيبة الأورام عند الأطفال في جامعة ستانفورد، كريستال ماكول: “ثمة مستوى متزايد من القلق حول ما نلاحظه من قيود تعوق الوصول إلى العلاجات الخلوية والجينية التي تنتجها شركات التكنولوجيا الحيوية. وقد يجد البعض في هذه القيود ما يدفعه إلى التساؤل حول إمكانية تخفيفها من خلال تولي المؤسسات التي تشرف على علاج المرضى مسؤولية تصنيع هذه العلاجات بصورة مباشرة”.

لكن حتى في هذه الحالة، تبلغ تكلفة هذه العلاجات عشرات الآلاف من الدولارات، ويُعزى هذا جزئياً إلى أن منتجات كار-تي هي علاجات مخصصة، حيث يُنتج كل منها لمريض محدد فقط. غير أن شركات عديدة تعمل أيضاً على تطوير علاجات كار-تي جاهزة للتطبيق. في بعض الحالات، يعني هذا تعديل الخلايا التائية المأخوذة من متبرعين أصحاء. وقد وصل بعض هذه العلاجات إلى مرحلة التجارب السريرية بالفعل. وفي حالات أخرى، تعمل الشركات على تعديل الخلايا داخل الجسم. ومن المفترض أن تؤدي هذه العملية إلى جعل عملية إيصال علاج كار-تي إلى الموضع المطلوب داخل الجسم أسهل واقل تكلفة إلى حد كبير.

عند استخدام علاجات كار-تي التقليدية، يجب أن يخضع المرضى إلى العلاج الكيميائي لتدمير الخلايا التائية الموجودة داخل الجسم. لكن هذه الخطوة غير مطلوبة بالنسبة إلى علاجات كار-تي الداخلية؛ أي التي تُطبق داخل الجسم. ويُعزى هذا إلى أن هذه العلاجات لا تتطلب أي تلاعب بالخلايا خارج جسم المريض؛ “ما يسمح بتقديم العلاج في عيادة خارجية”، كما تقول الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا في شركة كابستان ثيرابيوتيكس (Capstan Therapeutics) التي تطور علاجات كار-تي الداخلية، بريا كارمالي. وتضيف كارمالي قائلة: “لن يحتاج تقديم العلاج إلى مراكز متخصصة”.

تعتمد بعض الأساليب العلاجية الداخلية على غرار الأساليب العلاجية الخارجية، على النواقل الفيروسية. تعتمد منصة شركة أوموجا بايوفارما (Umoja Biopharma) على ناقل فيروسي؛ لكنها تعتمد أيضاً على تكنولوجيا أخرى من أجل تحفيز الخلايا المعدلة على الحفاظ على حيويتها والتوسع في وسط يحتوي على دواء رابامايسين (Rapamycin). في الخريف الماضي، قالت الشركة إنها نجحت في توليد خلايا كار-تي داخل أجسام كائنات غير بشرية من الرئيسيات.

وفي كابستان ثيرابيوتيكس، قرر الباحثون اعتماد طريقة مختلفة، وذلك من خلال استخدام الجسيمات النانوية الدهنية لنقل الحمض النووي الريبي المرسال أو “رنا المرسال” (mRNA) إلى داخل الخلايا التائية. عندما يضع الناقل الفيروسي جين كار ضمن الحمض النووي (DNA) للخلية، يصبح هذا التغير دائماً. أما في حالة الحمض النووي الريبي المرسال، فإن مفعول كار غير دائم ويسري لفترة محدودة فقط.

تقول كارمالي: “عندما تضع الحرب أوزارها، يجب ألا نترك الجنود في الميدان”. وبفضل علاجات كار-تي، أصبح من الممكن اقتحام المزيد من ميادين القتال هذه. بدأت علاجات كار-تي تقدم نتائج واعدة مع أمراض أخرى غير أورام الدم. ففي وقت سابق من هذا العام، أعلن بعض الباحثين عن نتائج مذهلة بعد تجربة لعلاج 15 مريضاً مصاباً بمرض الذئبة، وغيره من أمراض المناعة الذاتية.

أيضاً، يعمل الباحثون على إجراء تجارب لاستخدام تقنية كار-تي في علاج الأورام الصلبة، وأمراض القلب، والشيخوخة، والإصابة بفيروس نقص المناعة البشري “آتش آي في” (HIV)، وغير ذلك. ومع ازدياد عدد المرضى المؤهلين لتلقي علاجات كار-تي، ستزداد الضغوط الرامية إلى تخفيف تكلفة هذه العلاجات.