ما البديل المتوفر للأرصدة الكربونية للشركات للتخلص من بصمتها الكربونية؟

4 دقائق
ما البديل المتوفر للأرصدة الكربونية للشركات للتخلص من بصمتها الكربونية؟
مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ثمة دلائل متزايدة على المتاعب في سوق الكربون العالمية التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات؛ حيث يتواصل نشر المقالات والدراسات الاستقصائية التي تعمل على تقويض مصداقية الأداة المفضلة في عالم الأعمال لتنظيف الانبعاثات المناخية.

كانت طريقة التعويضات (الكربونية) تَعِد الشركات والأفراد بإمكانية توفير أثر يعاكس ما يتسببون به من تلوث بغازات الدفيئة عن طريق دفع الأموال إلى أطراف أخرى لقاء منع الانبعاثات أو إزالة ثنائي أوكسيد الكربون من الهواء. على سبيل المثال؛ يمكن أن يعمد بعض مالكي الأراضي إلى زراعة عدد من الأشجار، أو يلتزموا بعدم قطعها؛ ما يؤدي إلى تعويض الانبعاثات الصادرة عن مكان آخر. على الأقل، هذا كان جوهر الفكرة.

مشكلات تعانيها مشاريع إزالة الكربون

لكن مقالاً نشرته صحيفة نيويوركر (New Yorker) مؤخراً فجر مفاجأة مدوية حين أكد أن الملايين من التعويضات الكربونية التي ولدها كاريبا (Kariba)؛ وهو مشروع عملاق حقق أرباحاً بقيمة 100 مليون دولار تقريباً لقاء إجراءات مزعومة لمنع إزالة الغابات، لم تؤدِّ في الواقع إلى منع إزالة الغابات وحفظ الكربون في الأشجار والتربة.

ومنذ فترة وجيزة، أورد موقع شركة بلومبرغ (Bloomberg) للخدمات الإخبارية والإعلامية والمعلومات المالية أن شركة ساوث بول (South Pole)؛ وهي الشركة التي باعت النسبة الأكبر من هذه الأرصدة، فسخت عقدها مع الشركة التي أنجزت عمليات تطوير الموقع. وكتبت الشركة الإعلامية قائلة إن الأخبار “تعزز إمكانية انهيار مشروع كاريبا”؛ حيث كانت قد تحدثت أيضاً عن مشكلات كان كاريبا يعانيها في وقت سابق من هذه السنة.

اقرأ أيضاً: 6 طرق لإعداد خطط الوصول إلى صافي صفري من الانبعاثات

يمكن أن يؤدي هذا بدوره إلى تقويض مزاعم التقدم المناخي الذي علقت الشركات الكبيرة؛ مثل فولكس فاغن (Volkswagen) ونستله (Nestle)، آمالها بتحقيقه على شراء هذه الأرصدة. وقد يعني ببساطة أن الكثير من الشركات أنفقت قدراً كبيراً من الأموال دون طائل، ببساطة.

لقد كان الباحثون والصحفيون؛ بمن فيهم أنا، يسلطون الضوء باستمرار على سلسلة من المشكلات التي تعانيها مشروعات التعويضات الكربونية المختلفة منذ سنوات. فهذه المشروعات تؤدي في أغلب الأحيان إلى إيذاء التجمعات السكانية المحلية، وتخفق في تحقيق الفوائد المناخية الموعودة. وقد تصل المشكلات إلى حد احتراق هذه المشروعات بالكامل بسبب الحرائق البرية؛ ما يؤدي إلى القضاء على سنوات من المكاسب المناخية في غضون عدة أيام وحسب.

لكن يبدو أن الأصداء التي ترددت نتيجة حدة الانتقادات واستمراريتها بلغت مستويات لم تعد الشركات قادرة على تجاهلها. ففي استطلاع للرأي يعود إلى أواخر عام 2022، قال 40% تقريباً من المشاركين الممثلين عن الشركات إنهم يشعرون بالقلق إزاء “المخاطر المتعلقة بالسمعة” بسبب الانتقادات العامة لمشروعات التعويضات الكربونية.

التخلي عن مزاعم الحياد الكربوني

ففي الأشهر القليلة الماضية، أعلنت شركات كثيرة؛ بما فيها شيل (Shell) ونستله (Neslte) وإيزي جت (EasyJet) وفورتيسكيو ميتالز غروب (Fortescue Metals Group)، عن الانسحاب من مشروعات التعويضات والتخلي عن مزاعم الحياد الكربوني التي تعتمد عليها.

وفي تقرير نُشِر مؤخراً، بينت الشركة الاستشارية كاربون دايركت (Carbon Direct) وجود تراجع حاد في الطلب عبر المجموعات الأربع الأساسية التي تصدر الأرصدة وتشرف على أسواق الكربون الطوعية: برنامج أميريكان كاربون ريجيستري (American Carbon Registry)، والمؤسسة البيئية كلايميت أكشن ريزيرف (Climate Action Reserve) ومؤسسة فيرا (Verra) وبرنامج غولد ستاندارد (Gold Standard). تستطيع الشركات الراغبة بموازنة انبعاثاتها شراء الأرصدة الكربونية عبر هذه الشركات الوسيطة، وتعمد بعد ذلك إلى “إبطال مفعولها” كي تطبقها على انبعاثاتها، وتضمن ألا يستطيع أي طرف آخر استخدام الأرصدة ذاتها بالطريقة نفسها مرة أخرى. وغالباً؛ لكن ليس دائماً، ما يحدث هذا في إطار خطوة واحدة.

اقرأ أيضاً: القرميد: أحدث تكنولوجيات مواجهة التغيّر المناخي

لكن تقديرات كاربون دايركت تشير إلى أن عمليات إبطال المفعول هذه تتجه إلى تراجع بنسبة 25% عن مستوياتها في 2021 بحلول نهاية هذه السنة. وتتوقع الشركة أيضاً أن يتراجع إصدار الأرصدة الجديدة بنسبة 7% أيضاً خلال الفترة نفسها.

يقول الرئيس التنفيذي للشؤون العلمية في كاربون دايركت، ماثيو بوتس: “لقد أصبحوا أكثر تأنياً وحرصاً في عملهم، وأصبحوا أكثر بطئاً في منح الموافقات، وهذا أمر جيد”.

انخفاض الطلب على الأرصدة الكربونية

يمكن أن يُعزى التباطؤ جزئياً إلى المنهجيات الجديدة المتبعة في أسواق التعويضات الكربونية، إضافة إلى الطفرة التي شهدتها التعويضات الكربونية المتعلقة بالعملات المشفرة، حيث بلغت ذروتها عام 2021 متبوعة باضمحلال سريع.

لكن ووفقاً لتقرير كاربون دايركت؛ تشير هذه التراجعات إلى وجود توجه أكثر عمومية وهو “انخفاض جوهري في الطلب على الأرصدة الكربونية التي تتسم بدرجة أعلى من المخاطرة”، وعلى وجه الخصوص، أرصدة الغابات ريد بلس (+REDD) التي طورتها الأمم المتحدة؛ والتي كانت محور دراسة شديدة الانتقاد في سبتمبر/ أيلول.

خلصت الشركة إلى أن الشركات بدأت تتراجع عن الأرصدة الكربونية التي تزعم منع الانبعاثات وحسب؛ مثلما يحدث عندما يلتزم مالكو الأراضي بعدم قطع الغابات. تكمن المشكلة، التي بدأت الشركات والأطراف المنتقدة بإدراكها، في أنه لا يمكننا في أغلب الأحيان أن نثبت أن مالكي الأراضي كانوا يعتزمون قطع الأشجار في المقام الأول.

اقرأ أيضاً: باحثون من «إم آي تي» يصنعون خشباً بديلاً لخشب الأشجار

من جهة أخرى، تشير كاربون دايركت إلى ظهور توجه موازٍ آخر وهو التوجه نحو الأساليب العالية الجودة والمضمونة؛ حيث بدأت الشركات البحث عن المشروعات التي تعتمد على طرائق موثوقة لإزالة ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه على نحو آمن؛ ما يقلل احتمال تعرضها إلى سهام انتقاد مقال لاذع من صحيفة الغارديان (The Guardian) أو منصة بلومبرغ أو صحيفة نيويوركر بشأن الغسل الأخضر.

(من الجدير بالذكر أن كاربون دايركت ليست طرفاً محايداً في الموضوع، فهي تقدم الاستشارات للشركات حول خططها المناخية وخياراتها لإزالة الكربون؛ كما أنها مرتبطة بشركة كاربون دايركت كابيتال (Carbon Direct Capital)، وإن كانت تعمل بصورة مستقلة عنها، وهي شركة استثمارية تقدم التمويل للشركات الناشئة التي تزيل ثنائي أوكسيد الكربون أو تستفيد منه لأغراض أخرى).

وقد وجدت الشركة أن شراء الأرصدة “التي تركز على الجودة وإزالة الكربون” قد تزايد بمقدار 5 أضعاف بين 2021 والربع الثالث من هذا العام.

اقرأ أيضاً: مشروع سري لدفن الخشب لإزالة الكربون يستقطب تمويل بملايين الدولارات

لكن، ما المعايير التي تحدد مستوى الجودة؟ 

تقول كاربون دايركت إن الأساليب المُصَنفة ضمن فئة الأساليب العالية الجودة يمكن أن تتضمن مشروعات إعادة زراعة الغابات المدارة بعناية والخاضعة إلى مراقبة مكثفة، ومشروعات دفن الفحم الحيوي؛ وهو مادة شبيهة بالفحم ومصنوعة من المواد النباتية، وتُستَخدم لاحتجاز الكربون في التربة. وتلحظ الشركة أيضاً ظهور بعض التصنيفات الجديدة من الأساليب التي يمكن أن تنتمي إلى هذه الفئة؛ مثل مصانع الالتقاط الهوائي المباشر التي تشفط الكربون من الغلاف الجوي، واستخدام الأشجار والنباتات لإنتاج الطاقة أو الحرارة أو الوقود، مع التقاط أي انبعاثات ناتجة واحتجازها، وهي طريقة معروفة باسم “استخدام الكتلة الحيوية في إزالة الكربون وتخزينه”.

لكن هذه الفئات الجديدة ما زالت محدودة حالياً، ناهيك بأنها تعاني الكثير من المشكلات الفنية أو الاقتصادية أو المشكلات المتعلقة بحسابات الكربون المرتبطة بمعظم هذه المفاهيم أيضاً. مع تواصل نمو السوق العالمية للكربون، يمكن أن نتوقع رؤية سيل متواصل من الدراسات والمقالات والخلافات حول تحديد أفضل الطرائق الموثوقة القادرة على مواجهة آثار التغير المناخي، والأسواق والحكومات المستعدة لدفع تكاليف هذه الطرائق.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تساعد زراعة الأعشاب البحرية على التخفيف من آثار التغير المناخي؟

في هذه الأثناء، يمكن للشركات التي تسعى إلى تخفيف أثرها المناخي على نحو موثوق أن تلجأ إلى خيار آخر متاح على الدوام، وهو خيار مباشر وأفضل تأثيراً: أي تخفيف إنتاجها للتلوث بنفسها دون أي أطراف وسيطة.