ما هو الحطام الفضائي؟ ولماذا تحرص وكالات الفضاء على تتبعه؟

5 دقيقة
ما هو الحطام الفضائي؟ ولماذا تحرص وكالات الفضاء على تتبعه؟
حقوق الصورة: Shutterstock.com/Vadim Sadovski

ملخص: نتج عن عقود طويلة من استكشاف الفضاء تراكم العديد من الأجسام الاصطناعية في المدارات حول الأرض. يشكّل بعضها خطراً كبيراً على المهمات الفضائية والأقمار الصناعية، بالإضافة إلى الخوف من تساقطها نحو سطح الأرض، لذلك تراقب وكالات الفضاء المختلفة هذا الحطام باستخدام الرادارات الأرضية التي يمكن بواسطتها تحديد مسارات قطع الحطام التي يتجاوز حجمها 10 سنتيمترات، والتلسكوبات الأكثر دقة في تتبع الشظايا الأصغر حجماً. ومع تطور تكنولوجيا التعلم الآلي، تُدمج مع طرق تتبع الحطام الفضائي الأخرى، ما يُعزز مراقبة التهديدات المحتملة والاستجابة لها. على الرغم من ذلك، يشكّل تتبع الحطام الفضائي تحديات كبيرة بسبب عوامل مختلفة تتعلق بالتكنولوجيا، والظروف البيئية، والحجم الهائل للأجسام الموجودة في المدار.

نتج عن عقود طويلة من استكشاف الفضاء تراكم العديد من الأجسام الاصطناعية في المدارات حول الأرض. يشكّل بعضها خطراً كبيراً على المهمات الفضائية والأقمار الصناعية، بالإضافة إلى الخوف من تساقطها نحو سطح الأرض، ما يستلزم البحث عن طرق تتبع فعّالة للتخفيف من الاصطدامات المحتملة وضمان سلامة بعثات استكشاف الفضاء، خاصة مع عدم وجود وسيلة للتحكم في الأجسام غير النشطة. 

اقرأ أيضاً: كيف دخلت المرأة الإماراتية قطاع الفضاء ونجحت فيه؟

أنواع الحطام الفضائي

ازداد الحطام الفضائي بسبب إرسال المهمات الفضائية والآلاف من عمليات إطلاق الصواريخ والأقمار الصناعية أو تفتيتها، إذ أسفرت عن عدد لا يحصى من قطع الحطام الصغيرة التي يصعب تعقّبها. 

يشمل الحطام الفضائي مجموعة أجسام صنعها الإنسان، مبعثرة في مدار الأرض، ولم تعد هناك حاجة لها، ومنها الأقمار الصناعية المعطلة، وأجزاء ناتجة عن مراحل إطلاق الصواريخ المختلفة، والشظايا الناتجة عن الاصطدامات أو الأجزاء المفتتة. 

يُصنّف الحطام الفضائي إلى فئتين: الحطام المداري والحطام الذي يسقط على الأرض.

الحطام الفضائي المداري

يشمل الأجسام التي تبقى في الفضاء، وتدور حول الأرض، ومنها الأقمار الصناعية المعطلة التي تستمر في الدوران، ومكونات مركبات الإطلاق التي تُترك في المدار بعد تسليم الحمولات إلى الفضاء، بالإضافة إلى قطع الحطام الصغيرة الناتجة عن تصادم أو تفكك أجسام أكبر. 

بحسب وكالة الفضاء الأوروبية، يتم حالياً تعقب ما يقارب 36 ألف قطعة من الحطام الفضائي المداري الذي يزيد حجمه على 10 سنتيمترات، إلى جانب ما يُقدّر بنحو 500 ألف قطعة تتراوح أحجامها بين 1 و10 سنتيمترات بحسب وكالة ناسا، وأكثر من 100 مليون قطعة أصغر حجماً يقل حجمها عن سنتيمتر واحد، وبحجم يتجاوز 9 أطنان متري.

تدور جسيمات الحطام الفضائي تلك حول الأرض بسرعات تتراوح بين 7 و8 كيلومترات في الثانية. ومع ذلك، فإن متوسط سرعة اصطدام الحطام المداري بجسم فضائي آخر يبلغ نحو 10 كيلومترات في الثانية، ويمكن أن يصل إلى 15 كيلومتراً في الثانية أحياناً، وهو ما يزيد على 10 أضعاف سرعة الرصاصة.  

تتعرض المركبات الفضائية العاملة لضربات من الحطام المداري الصغير الذي لا يتجاوز حجمه المليمتر الواحد باستمرار دون أي تأثير يُذكر. ويمثّل الحطام المداري الذي يبلغ حجمه المليمتر الواحد خطراً أعلى لاختراق معظم البعثات الآلية العاملة في مدار أرضي منخفض. واحتمالية اصطدام جسمين كبيرين، يبلغ قطرهما أكثر من 10 سم، عن طريق الخطأ منخفضة للغاية. 

الحطام الفضائي المتساقط نحو الأرض

يشمل الحطام الفضائي المتساقط نحو الأرض الأجسام الناتجة عن عمليات الإطلاق داخل الغلاف الجوي للأرض أو الأجسام التي تعود إلى الغلاف الجوي من الفضاء، والتي تشكّل مخاطر عند إعادة دخولها الغلاف الجوي. 

عموماً، عند عودة الحطام نحو الأرض، فإن كمية كبيرة منه تذيبها الحرارة الشديدة للغلاف الجوي، أمّا الأجسام التي تتحمل الحرارة تسقط غالباً في المحيطات أو غيرها من المسطحات المائية أو على مناطق ذات كثافة سكانية منخفضة، أو المناطق النائية. وخلال السنوات الخمسين الماضية، كان متوسط قطع الحطام التي تسقط إلى الأرض هو قطعة يومياً. ولم تؤكد أي إصابة خطيرة أو أضرار جسيمة بالممتلكات نتيجة لعودة الحطام إلى الغلاف الجوي. وتشير التقديرات إلى أن احتمالات إصابة شخص ما بسبب سقوط الحطام الفضائي أقل من واحد في التريليون.

اقرأ أيضاً: هل تستحق تكنولوجيات الفضاء المال الذي ننفقه عليها؟

طرق تتبع الحطام الفضائي

تُراقب وكالات الفضاء الحطام الفضائي عبر وسيلتين أساسيتين:

الرادارات الأرضية

من أبرز الطرق المستخدمة في تتبع الحطام الفضائي هو الرادار الأرضي الذي يتكون من جهاز إرسال وجهاز استقبال يصدران موجات عالية الطاقة للكشف عن الإشارات العائدة من الحطام عبر خوارزميات معالجة الإشارات المتقدمة، التي يمكن بواسطتها تحديد مسارات الحطام وفهرستها كمجموعات من العناصر. تتبع هذه الرادارات الأجسام التي يزيد حجمها على 10 سم، ولكنها تتأثر بالظروف الجوية.

التلسكوبات 

يُعدّ استخدام التلسكوبات لتتبع الحطام الفضائي أقل تكلفة من الرادارات وأكثر دقة، خاصة في الكشف عن قطع الحطام الصغيرة. يعمل المختصون باستمرار على تطوير هذه التلسكوبات لتعزيز معدلات الكشف مع تقليل الضوضاء والتداخل مع النجوم. تعتمد جهود التتبع الحالية أيضاً على التلسكوبات البصرية الأرضية المزودة بكاميرات رقمية عالية الأداء قادرة على اكتشاف شظايا الحطام الصغيرة ولكنها لا تستطيع تتبعها فترة كافية لتحديد مدارها. 

يمكن تحديد العدد التقريبي لقطع الحطام الفضائي الصغيرة من خلال رصد الرادارات على مدى فترة زمنية قصيرة ثم تقدير الإجمالي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إجراء تقييمات لعدد أجسام الحطام المداري التي يقل حجمها عن 1 مم من خلال فحص سمات الاصطدام على أسطح المركبات الفضائية العائدة، على الرغم من أن هذا يقتصر على المركبات الفضائية العاملة على ارتفاعات أقل من 600 كيلومتر.

تتآزر كلتا طريقتي الكشف في العمل معاً في تتبع مواقع ومسارات أجسام الحطام بمرور الوقت، لكنهما ما زالتا غير فعّالتين في تتبع قطع الحطام التي يقل حجمها عن 10 سنتيمترات، ما يعوق تتبع مخاطر الاصطدام المحتملة كلّها، والتي يمكن أن تسبب أضراراً كارثية للمركبات الفضائية والأقمار الصناعية.

تُجمع البيانات التي تلتقطها الرادارات والتلسكوبات في قواعد بيانات خاصة بتتبع الحطام الفضائي، ويجري العمل على تحليل البيانات التي تحتويها لضمان المراقبة الفعّالة وفهرسة الأجسام الفضائية، بالإضافة إلى التحديث المستمر لمدارات الأجسام المُكتَشفة، وإضافة الملاحظات المهمة.

اقرأ أيضاً: لماذا تعمل الشركات على إنشاء مراكز بيانات في الفضاء؟

التعلم الآلي

مع تطور تكنولوجيا التعلم الآلي، تُدمج مع طرق تتبع الحطام الفضائي سابقة الذكر، ما يُعزز مراقبة التهديدات المحتملة والاستجابة لها، وقد تتطور لتصبح قادرة على اتخاذ القرارات المستقلة في تجنب الاصطدام، بحيث تسمح للمركبات الفضائية بإجراء مناورات تجنب الاصطدام دون تدخل بشري، وبالتالي تسريع عملية اتخاذ القرار وتعزيز الكفاءة التشغيلية في إدارة الحركة في الفضاء.

مَن يتتبع الحطام الفضائي؟

تتضافر الجهود العالمية في وكالات الفضاء المختلفة لتتبع الحطام الفضائي، وتعمل باستمرار على البحث وتطوير أفضل السُبل في هذه العملية، والتخفيف من أضرارها. على سبيل المثال، تهدف وكالة الفضاء الأوروبية إلى تطوير نظام آلي لتجنب الاصطدام وإجراء مهام نشطة لإزالة الحطام. وأطلقت وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة برنامج تحديد وتتبع الحطام الفضائي "سينترا" (SINTRA) لمعالجة الزيادة السريعة في النشاط الفضائي والمخاطر المرتبطة بالحطام المداري، والكشف المستمر عنه وتتبع ووصف أجسام الحطام الفضائي الصغيرة.

أنشأت وكالة ناسا أيضاً برامج مختلفة لتتبع وإدارة الحطام المداري بهدف ضمان سلامة البعثات الفضائية عبر مراقبة الحطام الفضائي وتوصيفه، كما تتعاون مع الهيئات الدولية وأصحاب المصلحة لتعزيز فهم وإدارة مخاطر الحطام الفضائي. وتعمل بعض الشركات مثل "ليو لابز" (LeoLabs) على توفير أنظمة رادار متقدمة لتتبع الحطام في مدار أرضي منخفض، وتلتزم بتطوير خوارزميات وبرامج كشف جديدة تضمن التتبع الفعّال للعديد من الأجسام مع معالجة تحديات البيانات منخفضة الدقة في المدارات المزدحمة.

تحديات تتبع الحطام الفضائي

يشكّل تتبع الحطام الفضائي تحديات كبيرة بسبب عوامل مختلفة تتعلق بالتكنولوجيا، والظروف البيئية، والحجم الهائل للأجسام الموجودة في المدار، ومنها: 

  • صعوبة اكتشاف وتوصيف الشظايا الصغيرة، خاصة تلك التي يتراوح حجمها من 1 مم إلى 10 سم. 
  • زيادة حوادث الاصطدام المؤدية إلى تفتيت قطع الحطام إلى قطع أصغر حجماً، ما يزيد عدد قطع الحطام التي تحتاج إلى مراقبة.
  • الحاجة إلى إدارة قوية للبيانات والتنسيق بين مختلف الأنظمة والوكالات المعنيّة. 
  • دمج البيانات المجموعة من مصادر متعددة لتوفير فهم شامل لبيئة الحطام.   
  • تأثير العوامل البيئية مثل مقاومة الهواء في سلوك الحطام.
  • زيادة كثافة الحطام في الارتفاعات العالية تزيد خطر الاصطدامات المتتالية.

اقرأ أيضاً: ما الدور الذي يؤديه الذكاء الاصطناعي في صناعة الفضاء؟لن تُجنى الفائدة من طرق التتبع المختلفة، ولن يكون بالإمكان تجاوز العقبات دون تعزيز الجهود التعاونية بين الدول، لتطبيق إجراءات أفضل تهدف إلى الحد من الحطام الفضائي، وتنفيذ الممارسات المستدامة في مهام المركبات الفضائية كافة، بهدف تقليل احتمالات الاصطدام.