ما الدور الذي يؤديه الذكاء الاصطناعي في صناعة الفضاء؟

4 دقائق
ما الدور الذي يؤديه الذكاء الاصطناعي في صناعة الفضاء؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Dima Zel
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في أغسطس/ آب 2020، أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية إيسا (ESA) أول قمر اصطناعي ذكي مدعوم بالذكاء الاصطناعي إلى الفضاء. كانت مهمة هذا القمر الصغير ذو الشكل المكعب الذي أطلق عليه اسم فاي سات (Phi-Sat) التقاط صور لكوكبنا من ارتفاع عدة مئات من الكيلومترات، ثم إرسالها إلى الأرض، حيث يتم تحليل الصور بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واستبعاد الصور غير المفيدة بشكلٍ مستقل دون تدخل البشر. بهذه الطريقة، لن يحتاج خبراء الرصد إلى الجلوس لأيام من أجل تصنيف آلاف الصور الملتقطة.

يمكن لذلك أن يوفر الكثير من الوقت والجهد، ويساعد في الحصول على نتائج صحيحة وموثوقة بسرعة كبيرة، هذا مهم جداً حين يتعلق بحالة الطقس التي قد تتغير في اليوم الواحد عدة مرات، ما سيساعدنا على التنبؤ بالطقس بصورة أفضل والحصول على تنبيهات لحالات الطقس المتطرفة بسرعة، وسنكون قادرين على تنبيه السلطات المحلية لتتخذ إجراءات فورية تحمي المواطنين من الأعاصير أو الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة.

لن يكون القمر الاصطناعي فاي سات الوحيد الذي سيستفيد من الذكاء الاصطناعي في الفضاء، ففي شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أجرت شركة الفضاء اليابانية غيتاي يابان (Gitai Japan) بنجاح عرضاً تقنياً لعمل ذراعها الروبوتية المستقلة داخل محطة الفضاء الدولية، وذلك استعداداً لتقديم هذه الذراع كخدمة في الفضاء.

تقول الشركة إن الذراع هي عبارة عن روبوت شبه مستقل وشبه آلي مدعوم بالذكاء الاصطناعي ومصمم لأداء مهام محددة داخل وخارج المحطات الفضائية، ويمكنه أن يعمل في الفضاء أو على القواعد القمرية في المستقبل، ويستطيع إجراء عمليات الإصلاح والصيانة في ظروف يصعب على البشر التواجد فيها مثل انعدام الجاذبية والضغط الجوي والإشعاعات الكونية المميتة، دون الحاجة إلى أي تحضير مسبق.

من المتوقع أن تكون لهذا الروبوت استخدامات أخرى على الأرض أيضاً، ربما يتم تعديله وتطويره ليصبح قادراً على تنفيذ عمليات الصيانة الطارئة في الطائرات التي تتعرض لأعطال فنية خطيرة في الجو.

يوضح المثالان السابقان كيف يمكن أن تكون تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الفضاء وسيلة لإحداث تغيير مباشر على حياة البشر تساهم في إنقاذ حياتهم.

اقرأ أيضاً: روبوت جراح يستعد لاختبار إجراء العمليات الجراحية على متن محطة الفضاء الدولية

الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر

يتم الاعتماد بشكل أكبر على الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات لاستغلال قدراته في معالجة كميات ضخمة جداً من البيانات بسرعة كبيرة، هذا الأمر لا يستطيع الذكاء البشري توفيره.

بفضل القدرة على معالجة البيانات الضخمة بسرعة، يمكن أن يتخذ الذكاء الاصطناعي قرارات سريعة ومهمة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهو أو يخطئ طالما تم تدريبه بشكل صحيح، على عكس البشر الذين يمكن أن يرتكبوا في بعض الأحيان أخطاء مكلفة.

على سبيل المثال، في أثناء عملية صيانة روتينية خارجية لمحطة الفضاء الدولية عام 2008، ارتكبت رائدة الفضاء الأميريكة هايديماري ستيفانيشن بايبر خطأ مكلفاً للغاية، إذ لم تقم بربط معدات الصيانة الخاصة بها بشكل صحيح، ما أدى لفقدان تلك المعدات التي تقدر قيمتها بـ 100 ألف دولار أميركي، حيث ابتعدت في الفضاء ثم سقطت في الغلاف الجوي للأرض واحترقت.

مثل هذا الخطأ لا يمكن أن يرتكبه الذكاء الاصطناعي إذا كان يشرف بنفسه على عملية الصيانة باستخدام روبوت مستقل.

اقرأ أيضاً: 15 صفة يختلف فيها الذكاء الاصطناعي عن الذكاء البشري

مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي في الفضاء

حالياً، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في الفضاء بعدة مجالات، ومن المتوقع أن يزداد هذا الاستخدام في الأعوام القادمة.

الرصد الفضائي

يعتمد عدد كبير من المراصد الفضائية على الذكاء الاصطناعي في تحليل الصور التي يتم التقاطها، مثل المرصد التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، والذي يحلل الصور الملتقطة بواسطة القمر الاصطناعي فاي سات، من أجل دراسة أي تغييرات يمكن ملاحظتها على سطح الأرض.

تعتمد وكالة الفضاء الأميركية ناسا أيضاً على الذكاء الاصطناعي من أجل تحليل الصور التي يتم التقاطها للفضاء السحيق بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي.

اقرأ أيضاً: مورفيوس: برنامج مدعوم بالذكاء الاصطناعي يساعد في تحليل الصور الأولى لتلسكوب جيمس ويب الفضائي

في عام 2016، طوّرت مجموعة من الباحثين والطلاب من بينهم كاتي بومان، وهي طالبة الدراسات العليا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر، خوارزمية جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي مكّنتهم بعد 3 سنوات من التقاط أول صورة حقيقية لثقب أسود في الفضاء، وذلك بعد دمج عدد هائل من الصور التي تم التقاطها من عدة مراصد فلكية على الأرض.

الرصد الفضائي
صورة حقيقية لثقب أسود تم التقاطها بفضل خوارزمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي. حقوق الصورة: shutterstock.com/ 2DAssets

ومن أجل العثور على الكواكب التي تدور حول النجوم الأخرى، يعتمد العلماء على ظاهرة العبور الزوالي، تحدث هذه الظاهرة حين يمر كوكب أمام نجمه، فيحجب جزءاً من الضوء الذي يمكننا رؤيته. في كثير من الأحيان، تكون كمية الضوء التي يحجبها الكوكب ضئيلة جداً ولا يستطيع البشر تمييزها، لكن الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يميزها، وبالفعل تم اكتشاف مئات الكواكب الخارجية عن طريق تحليل صور مرصد كبلر الفضائي.

تستخدم جامعة بيركلي في ولاية كاليفورنيا الأميركية الذكاء الاصطناعي لتحليل الإشارات الغامضة القادمة من الفضاء والتي تلتقطها المراصد الأرضية.

اقرأ أيضاً: فلكيون يكتشفون دفقة راديوية من الفضاء العميق تنبض كل 16 يوماً

التحكم المستقل وشبه المستقل

يتم الاعتماد أكثر فأكثر على الذكاء الاصطناعي للتحكم في المركبات الفضائية. على سبيل المثال، تستخدم مركبة سبيس إكس كرو (SpaceX Crew) لإرسال رواد الفضاء والمواد والمؤن لمحطة الفضاء الدولية. تقلع هذه المركبة وترسو في محطة الفضاء الدولية وتعود إلى الأرض وتجري كل المناورات بشكلٍ مستقل عن طريق الذكاء الاصطناعي والحواسيب العملاقة.

التحكم المستقل وشبه المستقل
صورة مركبة سبيس إكس كرو أثناء التحامها بمحطة الفضاء الدولية. حقوق الصورة: shutterstock.com/ Paopano

باختصار، يصبح دور الإنسان في قيادة وتوجيه المركبات الفضائية هامشياً بشكل متزايد، وربما ستكون كل المركبات الفضائية في المستقبل ذاتية القيادة. وقد يكون ذلك تمهيداً لرؤية طائرات وبواخر ذاتية القيادة يتم التحكم فيها بشكلٍ مستقل تماماً دون الحاجة إلى كابتن أو قبطان فيها.

اقرأ أيضاً: بعد السيارات والطائرات: الآن جاء دور القوارب لتصبح ذاتية القيادة

ليست المركبات الفضائية فقط هي التي تستفيد من الذكاء الاصطناعي، فقد تستفيد محطة الفضاء الدولية والأقمار الاصطناعية من ذلك أيضاً لتحافظ على مدارها حول الأرض وتتجنب التصادمات مع الحطام الفضائي.

التحكم المستقل بالبعثات الفضائية ضروري للغاية في البعثات الفضائية البعيدة. فعلى كوكب المريخ، يحتاج المسبار كيوريوسيتي (Curiosity) أو بيرسيفيرنس (Perseverance) إلى ما بين 4.3 و21 دقيقة حتى يرسل بياناته للأرض، وذلك اعتماداً على المسافة الفعلية بين الكوكبين، وعليه الانتظار نفس المدة حتى يتلقى التعليمات من المرصد الأرضي. لذلك، سيكون التحكم الذاتي بالمسبار عن طريق الذكاء الاصطناعي مفيداً لاتخاذ القرارات السريعة والضرورية مثل تجنب الصخور أو الحفر على الكوكب الأحمر.

اقرأ أيضاً: ناسا تريد الاعتماد على الشمس لتزويد بعثات الفضاء العميق المستقبلية بالطاقة

التصرف في حالات الطوارئ

الفضاء هو عالم غريب بالنسبة للبشر، ومن الطبيعي أن تواجه البعثات الفضائية ظروفاً صعبة أو حالات طوارئ غير متوقعة، في هذه الحالات لن يكون البشر قادرين على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب لأنهم غير معتادين على العيش أو الانتقال في الفضاء، لكن الذكاء الاصطناعي -بفضل التعلم العميق– يستطيع التعلم بسرعة والتعامل مع المشكلات الناشئة على الفوز واتخاذ القرارات الصحيحة، ما يمكن أن يساعد في إتمام المهام بنجاح.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في جودة اتخاذ القرارات؟