القرميد: أحدث تكنولوجيات مواجهة التغيّر المناخي

5 دقائق
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت. إم آي تي تي آر. غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعتقد بعض الشركات الناشئة أن القرميد القادر على الاحتفاظ بالحرارة قد يمثّل حلاً لتوفير الطاقة المتجددة في بعض الأماكن والقطاعات التي تعد أكبر مصادر للتلوث.

فالصناعات التي تصنع بعض المنتجات، بدءاً بالصلب وانتهاءً بأغذية الأطفال، تحتاج إلى الكثير من الحرارة، والتي يتم توليد معظمها حالياً بحرق الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة، مثل الغاز الطبيعي. تصل مساهمة الصناعات الثقيلة في الانبعاثات العالمية إلى نسبة الربع تقريباً، كما أن مصادر الطاقة البديلة التي تُطلق كميات أقل من غازات الدفيئة (مثل الطاقة الريحية والشمسية) لا تستطيع أن تولد باستمرار الحرارة التي تحتاج إليها المصانع لتصنيع منتجاتها.

وهنا يأتي دور البطاريات الحرارية. فقد ازداد عدد الشركات التي تعمل على تصميم أنظمة قادرة على التقاط الحرارة التي تولدها الكهرباء النظيفة، وتخزينها في أكوام من القرميد لاستخدامها لاحقاً. تعتمد الكثير من هذه الأنظمة على تصاميم بسيطة ومواد متاحة تجارياً، ويمكن بناؤها بسرعة للاستخدام في أي مكان. وقد بدأ أحد هذه الأنظمة التجريبية بالعمل في وقت سابق من هذا العام في كاليفورنيا، ويجري العمل حالياً على استكمال بناء أنظمة تجريبية أخرى بسرعة. ما زالت أنظمة تخزين الحرارة في بداياتها، ولكنها يمكن أن تساعد الصناعات المختلفة على البدء بالتخلي عن الوقود الأحفوري.

اقرأ أيضاً: سنة 2019 تُسجّل ثاني أعلى متوسط حرارة لكوكب الأرض

محمصة المستقبل

تعد البساطة أحد عوامل النجاح المتوقع للبطاريات الحرارية. يقول الرئيس التنفيذي لشركة روندو إينرجي (Rondo Energy) الناشئة التي تعمل في كاليفورنيا والمتخصصة بتخزين الحرارة، جون أودونل: “إذا رغبت في نشر التكنولوجيا على نطاق واسع، فيجب أن يتفق الجميع على أن هذه التكنولوجيا بسيطة وموثوقة”.

أطلقت الشركة مشروعها التجريبي الأول في مارس/ آذار في مصنع للإيثانول في كاليفورنيا. ومن الناحية العملية، فإن هذا النظام عبارة عن مكدس متراص من القرميد مصمم بعناية.

وفي هذا النظام الذي صممته روندو، تنتقل الكهرباء عبر عنصر تسخين، حيث يتم تحويلها إلى حرارة. إنها الآلية نفسها التي تعتمد عليها محمصة الخبز، كما يقول أودونل، ولكنها أكبر حجماً وأعلى حرارة بكثير. بعد ذلك، تشع الحرارة منتشرة عبر أكداس القرميد، لترفع حرارة القرميد إلى درجات مرتفعة يمكن أن تتجاوز 1,500 درجة مئوية.

وتستطيع الحاوية الفولاذية المعزولة التي تحتوي على القرميد الحفاظ على حرارتها لعدة ساعات أو حتى عدة أيام. وعندما يحين وقت استخدام الحرارة المحتجزة، تقوم المراوح بضخ الهواء عبر قطع القرميد. وتصل حرارة الهواء إلى 1,000 درجة مئوية مع تدفقه عبر الفجوات.

اقرأ أيضاً: رغم الكوارث: أحوال المناخ ليست بذلك السوء

أما الاستخدام النهائي للحرارة فيعتمد على العملية التجارية، على حد تعبير أودونل، ومن المرجح أن الكثير من المنشآت ستستخدم هذه الحرارة لتحويل المياه إلى بخار عالي الضغط.

وفي مشروع روندو التجريبي في مصنع الوقود الحيوي في كاليفورنيا، يُستَخدم البخار خلال عملية التخمير التي تنتج الإيثانول. وتستخدم الكثير من الصناعات الأخرى البخار للتحكم بالحرارة داخل المفاعلات، أو في عمليات أخرى، مثل التنقية.

ويمكن تصميم البطاريات الحرارية أيضاً بشكلٍ خاص للعمليات التي تحتاج إلى حرارة أعلى، والتي لا تعتمد حالياً على البخار، مثل إنتاج الإسمنت والصلب، وهي عمليات تحتاج إلى حرارة تتجاوز 1,000 درجة مئوية.

تجري بعض العمليات الصناعية على مدار الساعة دون توقف، ما يجعلها بحاجة إلى تسخين متواصل. ومن خلال التحكم بنقل الحرارة بدقة، تستطيع أنظمة روندو أن تشحن الحرارة بسرعة، حيث تستفيد من الفترات القصيرة التي تصبح فيها الكهرباء منخفضة التكلفة عند توفر مصادر الطاقة المتجددة. ومن المرجح أن تحتاج البطاريات الحرارية لهذه الشركة الناشئة إلى ما يقارب الساعات الأربع من الشحن حتى تستطيع توفير الحرارة بصورة متواصلة، ليلاً ونهاراً.

اقرأ أيضاً: ما مستقبل الهندسة الجيولوجية الشمسية؟

كمية “مرعبة” من الحرارة

من أهم التحديات التي تواجه تكنولوجيات تخزين الحرارة بناء أنظمة قادرة على تلبية احتياجات الطاقة الهائلة للصناعات الثقيلة. ويحتاج هذا القطاع إلى كمية “مرعبة” من الحرارة، كما تقول المديرة العليا للصناعة في كلايميت ووركس (ClimateWorks)، ريبيكا ديل. ويمثّل الشكل الحراري نسبة 75% تقريباً من إجمالي الطاقة المُستَخدَمة سنوياً في الصناعة حالياً، على حين تمثّل الكهرباء نسبة الربع فقط. وتمثّل الحرارة الصناعية نسبة 20% تقريباً من إجمالي الطلب العالمي على الطاقة. 

وقد كان الوقود الأحفوري، بأنواعه المختلفة، الخيار الأفضل اقتصادياً لتوفير الطاقة لهذه العمليات الصناعية الضخمة، ولكن أسعار الطاقة الريحية والشمسية انخفضت بنسبة تفوق 90% على مدى العقود الماضية. وتقول ديل إن هذا الانخفاض فتح المجال أمام زيادة مساهمة الكهرباء في الصناعة.

يقول أودونل: “نحن نشهد لحظة رائعة، حيث أصبح بإمكاننا التوقف عن حرق الوقود للحصول على الحرارة، وتوفيرها بأساليب أقل تكلفة”.

ثمة بضعة خيارات أخرى ممكنة لاستخدام الطاقة المتجددة زهيدة التكاليف في الصناعة. فمن الممكن تعديل بعض المنشآت لاستخدام الكهرباء مباشرة، بدلاً من الحرارة المرتفعة. كما تعمل الشركات على تطوير عمليات كهروكيميائية لصنع الإسمنت والصلب، على سبيل المثال، ولكن تغيير البنى التحتية الموجودة في جميع المصانع الحالية قد يستغرق عقوداً من الزمن. ومن الخيارات الأخرى المحتملة أيضاً استخدام الكهرباء لتوليد الهيدروجين، والذي يمكن حرقه لاحقاً للحصول على الكهرباء، ولكن هذه العملية ما زالت باهظة التكاليف ومنخفضة الفاعلية في الكثير من الحالات.

وبأي حال، فإن أي توجه نحو تلبية الطلب الهائل للصناعة على الحرارة سيتطلب رفع مستوى توليد الكهرباء بدرجات كبيرة. تقول ديل إن مصنع الإسمنت العادي يستهلك نحو 250 ميغاواط من الطاقة طوال الوقت، ويتم استخدام معظم هذه الطاقة بالشكل الحراري. وهو ما يعادل الطاقة المطلوبة لنحو 250,000 منزل، ما يعني أن تحويل منشأة صناعية كبيرة إلى الكهرباء سيزيد الطلب على الكهرباء بما يقارب احتياجات مدينة صغيرة.

اقرأ أيضاً: هل ستتمكن الجهات المسؤولة عن قطاع الوقود الأحفوري من تنظيف انبعاثاته؟

قرميدة تلو الأخرى

ليست روندو الشركة الوحيدة التي تسعى إلى استخدام البطاريات الحرارية في الصناعة. فشركة أنتورا إينرجي (Antora Energy)، التي مقرها في كاليفورنيا، تعمل أيضاً على بناء أنظمة تخزين الحرارة باستخدام الكربون. يقول أحد مؤسسي الشركة ورئيس قسم العمليات، جستن بريغز: “إنه تصميم بسيط للغاية، ويتألف حرفياً من مجموعة من الكتل الصلبة وحسب”.

وبدلاً من استخدام عنصر تسخين مستقل (على غرار “وشيعة المحمصة” التي تستخدمها روندو) لتحويل الكهرباء إلى حرارة، يعتمد نظام أنتورا على كتل كربونية لتسخين الحرارة اعتماداً على المقاومة الكهربائية، ما يعني أن هذه الكتل ستقوم بتوليد الحرارة وتخزينها في الوقت نفسه. وهو ما يمكن أن يقلل من التكاليف وتعقيد التصميم، على حد وصف بريغز. ولكن هذا الخيار يعني أيضاً ضرورة توخي الدقة في عزل النظام، بما أن الغرافيت يمكن أن يتحلل عند التعرض للهواء مع الحرارة المرتفعة، شأنه شأن أشكال أخرى من الكربون.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى مدينة مصدر الإماراتية وكيف أصبحت مثالاً للمدن الخالية من الكربون في العالم

وبدلاً من توفير الحرارة للأغراض الصناعية فقط، تخطط أنتورا لتقديم خيار لتوفير الكهرباء أيضاً. ويعتمد خيار هذه الشركة الناشئة على الخلايا الفوتوفولتية الحرارية، وهي أجهزة مماثلة للألواح الشمسية التي تجمع الطاقة من الشمس. غير أن تجهيزات أنتورا تلتقط الطاقة الحرارية المشعة من الكتل الساخنة، وتحوّلها إلى كهرباء.

وعلى حين تستطيع أنظمة التخزين ذات المُدخلات والمُخرجات الحرارية (heat-to-heat) أن تتجاوز نسبة 90% من حيث الفاعلية، فإن تحويل الحرارة إلى كهرباء أكثر صعوبة بكثير. فعند استخدام تجهيزات أنتورا للحصول على الكهرباء، لن تصل فاعليتها إلى 50%، ما يجعلها مكافئة تقريباً للكثير من التوربينات التقليدية العاملة بالغاز حالياً.

تعمل أنتورا على بناء أول نظام تجريبي في مدينة فريسنو بولاية كاليفورنيا. وسيبلغ حجم هذا النظام حجم حاوية شحن تقريباً، ومن المفترض أن يصبح قابلاً للتشغيل في وقت لاحق من هذه السنة.

اقرأ أيضاً: ما هي أفضل حلول التكنولوجيا لتحقيق الحياد الكربوني بالسرعة اللازمة؟

وحتى باستخدام المواد المتوفرة تجارياً، فسوف تحتاج أنظمة تخزين الحرارة إلى بعض الوقت حتى تثبت جدارتها بالنسبة لشركات التصنيع، وتتمكن من إحداث أثر واضح في الانبعاثات الصناعية. ولكن هذه التكنولوجيا يمكن أن تتحول يوماً ما إلى إحدى اللبنات الأساسية في بناء قطاع صناعي جديد وصديق للبيئة. يقول أودونل: “لدينا جميع الأدوات اللازمة للانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات الكربونية”. وقد حان الوقت للشروع ببنائها.