أمازون على وشك فتح معركة مع سبيس إكس بسبب إنترنت الأقمار الصناعية

6 دقائق
أمازون على وشك فتح معركة مع سبيس إكس بسبب إنترنت الأقمار الاصطناعية
معزز صاروخي لصاروخ فولكان سينتور الثقيل والجديد من يونايتد لانش ألايانس في أثناء تجهيزه للتركيب. ستحمل الرحلة الأولى نموذجين أوليين من الأقمار الاصطناعية لمشروع كايبر إلى المدار.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مرة أخرى، يبدو أن إيلون ماسك وجيف بيزوس يستعدان للدخول في مواجهة جديدة. ففي فبراير/ شباط الماضي، وافقت الهيئة الفدرالية الأميركية للاتصالات على اللمسات الأخيرة على مشروع كايبر (Kuiper)، وهو المشروع الخاص بشركة أمازون (Amazon) لتوفير الإنترنت العالي السرعة من الفضاء. وفي شهر مايو/ أيار المقبل، ستطلق الشركة نسخاً تجريبية من أقمار الاتصالات كايبر في محاولة لمجاراة مشروع سبيس إكس (SpaceX) الخاص، ستارلينك (Starlink)، والوصول إلى سوق قد يضم مئات الملايين من مستخدمي الإنترنت.

تأمل شركات أخرى الدخول في المجال نفسه، وقد بدأ بضع شركات منها بالعمل على هذا فعلياً، ولكن ستارلينك وأمازون هما الطرفان الرئيسيان في هذه المواجهة. يقول خبير الأقمار الاصطناعية من شركة تي إم إف أسوشييتس (TMF Associates) في الولايات المتحدة، تيم فارار: “إنها منافسة مباشرة بين ندّين”. 

3,236 قمراً صناعياً من أمازون

تم تجميع الصاروخ الذي سيطلق أول قمري كايبر اصطناعيين لأمازون في مدينة كيب كانافيرال بولاية فلوريدا، وهو صاروخ فولكان سينتور الجديد من شركة يونايتد لانش ألايانس (United Launch Alliance). ومن المقرر أن يطلِق الصاروخ في رحلته الأولى نموذجين أوليين لقمر كايبر الاصطناعي، وهما يحملان اسم كايبرسات 1 (KuiperSat-1) وكايبرسات 2 (KuiperSat-2)، ومن المحتمل أن تُنفّذ هذه العملية في 4 مايو/ أيار. وفي المحصلة، تخطط أمازون لإطلاق عدد إجمالي يبلغ 3,236 قمراً من أقمار كايبر الاصطناعية المكتملة بحلول العام 2029. ومن الممكن أن يبدأ إطلاق هذا السرب في بدايات العام 2024.

يقول فارار: “تطمح الشركة إلى زعزعة قطاع التكنولوجيا، وليس من المفاجئ أنها اقتحمته على هذا النحو”.

ففي السنوات القليلة الماضية، كانت الشركات تحاول أن توسع الوصول إلى الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، سواء من خلال مشاريع تجارية أو من خلال إيصال الإنترنت إلى الأماكن النائية التي يصعب تزويدها بطرق أخرى. وتُعد مجموعة الأقمار الاصطناعية ستارلينك أكبر هذه المشاريع، إذ تضم أكثر من 3,500 قمر اصطناعي صنّعتها شركة سبيس إكس التابعة لماسك. 

اقرأ أيضاً: بلو أوريجين تأخذ أول دفعة من الركاب إلى الفضاء

مشروع كايبر

أما أمازون فقد أعلنت عن مشروع كايبر في 2019، وهي السنة نفسها التي بدأ فيها إطلاق أقمار ستارلينك، ما دفع ماسك إلى التغريد بأن بيزوس، الرئيس التنفيذي لأمازون آنذاك، ليس سوى “مقلّد”. كانت هناك مشاريع أخرى قيد التطوير، مثل شركة ون ويب (OneWeb) في المملكة المتحدة، التي تضم الآن أكثر من 500 قمر اصطناعي. ولكن فارار يقول إن المنافسة الرئيسية محصورة بين سبيس إكس وأمازون.

ولمجاراة سبيس إكس، أعلنت أمازون العام الماضي أنها اشترت، من الناحية العملية، كافة عمليات إطلاق الصواريخ المتاحة في العالم، ولو أن ذلك لم يولّد أي تأثير يذكر على سبيس إكس لأنها تطلق أقمارها الاصطناعية على متن صواريخها الخاصة. وبفضل الصفقات التي عقدتها أمازون بمليارات الدولارات مع يونايتد لانش ألايانس، وشركة بلو أوريجين (Blue Origin) التابعة لبيزوس في الولايات المتحدة، وشركة أريانسبيس (Arianespace) في أوروبا، من المتوقع أن تُطلق أقمار مشروع كايبر الاصطناعية إلى الفضاء عبر 92 عملية إطلاق مختلفة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

اقرأ أيضاً: عاصفة جيومغناطيسية تخرج 40 قمراً اصطناعياً من ستارلينك عن مدارها

إطلاق الأقمار الاصطناعية بهذه السرعة مهم للغاية. فوفقاً للرخصة التي حصلت عليها أمازون من الهيئة الفدرالية للاتصالات، يجب أن تطلق نصف مجموعتها بحلول يوليو/ تموز من العام 2026. يقول ناطق باسم أمازون: “يسير العمل وفق الخطة وسننجزه في الوقت المحدد”. منذ فترة وجيزة، منحت الهيئة الفدرالية للاتصالات أمازون الضوءَ الأخضر للبدء بإطلاق أقمارها الاصطناعية، بعد أن استكملت الشركة تفاصيل خطتها للتعامل مع المخاوف حول احتمال أن تسبب مجموعتها زيادة الحطام الفضائي.

مشكلات تقنية

ولكن، ما زالت ثمة مشكلة: لم يصل أي من الصواريخ التي حجزت أمازون رحلات على متنها إلى الفضاء بعد، وفي الواقع، فإن إحدى المركبات التي كانت أمازون تخطط لاستخدامها انفجرت في يناير/ كانون الثاني مطلع هذا العام. يقول فارار: “عمليات تصنيع هذه الصواريخ متأخرة للغاية عن مواعيدها الأصلية”.

تقوم الخطة على إطلاق الأقمار الاصطناعية كي تدور حول الأرض في مدار يرتفع 600 كيلومتر تقريباً، وتغطي خطوط العرض الممتدة من كندا حتى الأرجنتين، حتى تصل إلى “95% من سكان العالم”، على حد تعبير الناطق باسم أمازون. ويضيف قائلاً: “ستقدم مجموعاتنا خدماتها إلى المنازل والشركات والمدارس والمستشفيات والهيئات الحكومية، وغيرها من المؤسسات التي تعمل في مواقع حيث لا يمكن توفير خدمة اتصالات موثوقة عريضة النطاق”. 

تقدمت أمازون بطلب إلى الهيئة الفدرالية للاتصالات لزيادة أقمار مجموعتها إلى 7,774 قمراً اصطناعياً، وهو ما يسمح لها بزيادة التغطية نحو الشمال والجنوب، لتشمل ولاية ألاسكا، على غرار ستارلينك.

اقرأ أيضاً: أقمار ستارلينك الاصطناعية يمكنها حماية أنظمة الملاحة للجيش الأميركي من التشويش

مكاسب مالية كبيرة

وتمثل هذه المشاريع مصدراً جيداً للأرباح: ففي الوقت الحالي، تتقاضى سبيس إكس 110 دولارات شهرياً مقابل استخدام ستارلينك، مع تكلفة أولية لمرة واحدة تبلغ 599 دولاراً للحصول على هوائي للاتصال بالأقمار الاصطناعية. ووفقاً لرسالة موجهة إلى حمَلة الأسهم في العام الماضي، قالت أمازون إنها ستنفق “أكثر من 10 مليارات دولار” على تطوير كايبر، مع أكثر من 1,000 موظف يعملون على المشروع. وقال الرئيس التنفيذي الحالي لأمازون، آندي جاسي، إن مشروع كايبر يمكن أن يصبح “الركيزة الرابعة” للشركة، إضافة إلى سوق البيع بالتجزئة، أمازون برايم (Amazon Prime)، وخدمة الحوسبة السحابية المستخدمة على نطاق واسع، أمازون ويب سيرفيسز (Amazon Web Services).

تقول واحدة من الخبراء في هذا المجال تعمل في شركة كوزميك آبل (Kosmic Apple) الفرنسية للاستثمار في الفضاء، شاغون ساشديفا: “يعتمد نموذج الأعمال لشركة أمازون على وجود اتصال بالإنترنت لدى العملاء. ومن ثم، فإن نشر هذه المجموعة لتوفير الاتصال للعملاء أمر منطقي للغاية”.

لم تفصح أمازون بعد عن رسوم خدماتها، ولكنها قالت سابقاً إنها تهدف إلى “ردم الهوة الرقمية” بتوفير الإنترنت ذات الحزمة العريضة بسرعات عالية وأسعار مقبولة “للمجتمعات والشرائح المهمشة”، وهو طموح تشاركها فيه ستارلينك أيضاً. ولكن ليس من الواضح حتى الآن إذا ما كان ممكناً تخفيض التكاليف بما يكفي لتحقيق هذا الهدف. تقول ساشديفا: “ستنخفض التكاليف دون شك، ولكن السؤال الحقيقي يتعلق بدرجة هذا الانخفاض”. في 14 مارس/ آذار، أعلنت الشركة أنها ستنتج هوائياتها بنفسها بتكلفة 400 دولار للهوائي الواحد، ولكنها لم تكشف بعد عن سعر بيعه بالتجزئة.

اقرأ أيضاً: الظروف المواتية غير المسبوقة اليوم تتيح ظهور الوكالات الفضائية الصغيرة

وقالت أمازون أيضاً إنها قادرة على توفير سرعات تصل إلى 1 غيغابت في الثانية، وعرض حزمة تبلغ 1 تيرابت للقمر الاصطناعي الواحد. وهذه المواصفات مشابهة لمواصفات ستارلينك، كما تبدو خدمتا الشركتين متشابهتين إلى حد بعيد بشكل عام. أما الفرق الرئيسي فهو أن ستارلينك دخلت مرحلة التشغيل منذ عدة سنوات، في حين لا تخطط أمازون للبدء بتقديم خدمات كايبر قبل النصف الثاني من 2024، ما يمنح سبيس إكس أفضلية كبيرة في البدء باجتذاب المستخدمين وإبرام العقود.

مشكلة النفايات الفضائية

علاوة على هذا، ثمة مخاوف ما زالت قائمة بشأن النفايات الفضائية، وتأثير هذه الأقمار الاصطناعية على العمل الفلكي من القواعد الأرضية. فقبل 2019 كان عدد الأقمار الاصطناعية العاملة في الفضاء يساوي 3,000 قمر اصطناعي تقريباً، ويمكن أن يزيد هذا العدد إلى 20,000 قمر اصطناعي بحلول نهاية العقد الحالي، بسبب سبيس إكس وأمازون وحدهما. من الصعوبة بمكان تتبع أعداد كبيرة من الأجسام المتحركة في المدار وضمان عدم وقوع تصادمات بينها،

يقول خبير الحطام الفضائي في جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة، هيو لويس، الذي قام بتتبع الآلاف من حوادث التصادم الوشيكة بين الأقمار الاصطناعية التابعة لستارلينك وون ويب وغيرها: “لا أشعر بما يكفي من الثقة في قدرتنا على متابعة نظام واحد فقط من هذه الأنظمة في المدار، فخطر وقوع الحوادث قائم على الدوام، وأعتقد أننا سنشهد في لحظة ما حادث تصادم، على الرغم من أفضل الجهود التي تبذلها هذه الشركات”.

ويقول الناطق باسم أمازون إن الشركة “صممت النظام ومعاملات التشغيل الوسيطة مع أخذ الأمان في الفضاء بعين الاعتبار”. ويضيف الناطق قائلاً إن الأقمار الاصطناعية التي تنهي مهمتها ستُزال من المدار خلال سنة واحدة باستخدام نفاثات محمولة على متنها، وفي حال تعرض أقمار اصطناعية لأي أعطال، فإن مقاومة الاحتكاك مع الغلاف الجوي “ستساعد على ضمان سقوط أي أقمار اصطناعية باقية من مدارها بصورة طبيعية”.

اقرأ أيضاً: فيرجن جالاكتيك وناسا تطلقان برنامجاً جديداً لتدريب رواد الفضاء للرحلات التجارية

تفاقم مشكلة التلوث الضوئي بسبب الأقمار الاصطناعية

لم تكشف أمازون عن حجم أقمارها الاصطناعية، ولكنها على غرار أقمار ستارلينك، قد تعكس ما يكفي من أشعة الشمس كي تتحول إلى مشكلة تعيق عمل علماء الفلك، بل قد تسبب تغيير مظهر السماء ليلاً أيضاً. وعلى الرغم من جميع المحاولات للتقليل من تأثير الأقمار الاصطناعية على العمل الفلكي، فإنها لم تحقق سوى درجة متوسطة من النجاح في أفضل الحالات، كما أن الأقمار الاصطناعية ما زالت تظهر بدرجة عالية من السطوع في فترة الغسق على وجه الخصوص. تواجه عمليات الرصد الفلكي بالتلسكوبات بعض المشاكل بسبب بريق الأقمار الاصطناعية، ومن المرجح أن تتفاقم هذه المشكلة في المستقبل.  

قالت أمازون إنها تعمل على حل المشكلة بالاشتراك مع مجموعة من علماء الفلك، يقول الناطق باسم الشركة: “لقد أولينا مسألة الانعكاس أهمية خاصة في عملية التصميم والتطوير. واتخذنا عدداً من القرارات التصميمية والتشغيلية التي ستساعدنا على الحد من تأثير أقمارنا في عمليات الرصد الفلكي”.

اقرأ أيضاً: أمازون تخطط لإطلاق متصفح ويب منافس لكروم وأقمار صناعية منافسة لستارلينك

ولكن، إذا تبين أن المشكلة غير قابلة للحل بالكامل، فستصبح بعض نواحي العمل الفلكي أصعب بكثير، أو حتى مستحيلة. تقول الفلكية في جامعة ريجينا في كندا، سامانثا لولر: “لم تتمكن ستارلينك من جعل أقمارها الاصطناعية خفية بالدرجة التي وعدت بها. وأنا أشعر بقلق كبير من تأثير ما يجري في السماء مع إطلاق شركة أخرى الآلاف من الأقمار الاصطناعية اللامعة”، ولا شك في أن الشركة تطمح إلى تحقيق تقدم سريع في المشروع، حيث تخطط لبناء ما يصل إلى 4 أقمار اصطناعية يومياً. وبعد إطلاق القمرين الاصطناعيين التجريبين، ستلحق الأقمار الباقية بهما بوتيرة سريعة ومكثفة. هل تستطيع هذه الشركة منافسة شركة ماسك؟ يقول فارار: “هذا هو السؤال الأهم. ولكن، لا شك في ضرورة أن تتحرك بسرعة”.