ما سر هيمنة الصين على سوق السيارات الكهربائية؟

12 دقيقة
ما سر هيمنة الصين على سوق السيارات الكهربائية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Pilotsevas
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تحوّلت الصين إلى الدولة الرائدة عالمياً في قطاع السيارات الكهربائية، حتى قبل أن يدرك أحد ما حدث. ولم تتراجع سيطرتها على هذا القطاع منذ ذلك الحين؛ إذ إنه خلال السنتين الماضيتين فقط، ازداد عدد السيارات الكهربائية التي تم بيعها سنوياً في البلاد من 1.3 مليون سيارة إلى 6.8 مليون سيارة، ما جعل عام 2022 العام الثامن على التوالي الذي تكون فيه الصين أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم. للمقارنة، بلغ عدد السيارات الكهربائية المباعة في الولايات المتحدة في عام 2022 نحو 800 ألف سيارة فقط.

نمو سريع لقطاع السيارات الكهربائية

ينمو قطاع السيارات الكهربائية بسرعة مفاجئة حتى بالنسبة لأكثر المراقبين خبرة. يقول المدير الإداري لشركة ساينو أوتو إنسايتس (Sino Auto Insights)، وهي شركة استشارات الأعمال التي تتخصص في مسائل النقل، تو لي (Tu Le): “معدل نمو هذا القطاع أكبر دائماً من التوقعات”. لم تمنح هذه الهيمنة في مجال السيارات الكهربائية قطاع السيارات الصينية القدرة على النمو بشكل مستدام خلال جائحة كوفيد-19 فحسب، بل إنها ساعدت الصين على سعيها لتصبح واحدة من أكثر الدول تأثيراً في السياسات المناخية في العالم.

اقرأ أيضاً: بطاريات جديدة تخفض تكلفة السيارات الكهربائية

كيف هيمنت الصين على سوق السيارات الكهربائية؟

ولكن كيف تمكّنت الصين من تحقيق هذا الإنجاز؟ قال العديد من الخبراء لموقع إم آي تي تكنولوجي ريفيو إن الحكومة الصينية أدّت لزمن طويل دوراً بالغ التأثير، وذلك من خلال تعزيز كل من العرض والطلب على السيارات الكهربائية. ظهر عدد كبير من العلامات التجارية للسيارات الكهربائية في الصين نتيجة لأشكال الدعم الحكومي السخية والإعفاءات الضريبية وعقود المشتريات الداخلية والحوافز السياسية الأخرى. واستمرت هذه العلامات التجارية في تحسين التكنولوجيات الجديدة لتتمكن من تلبية احتياجات المستهلكين الصينيين. أدّى ذلك بدوره إلى نشوء مجموعة كبيرة من مشتري السيارات الكهربائية الشباب، والذين يبدو أنهم يفضّلون استبدال سياراتهم العادية بالسيارات الكهربائية أو شراء هذه الأخيرة كسياراتهم الأولى.

لكن تتعلق أسباب هيمنة الصين على قطاع السيارات الكهربائية بعوامل لا تقتصر على سياسة الدولة، مثل الدور الذي أدّته شركة تيسلا (Tesla)، بالإضافة إلى إنجازات الباحثين الصينيين في تكنولوجيا البطاريات واستهداف المستهلكين في باقي الدول الآسيوية.

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز تحديات نشر السيارات الكهربائية في المنطقة العربية؟

متى بدأت الصين بالاستثمار في السيارات الكهربائية، ولماذا فعلت ذلك؟

كان قطاع السيارات الصينية التقليدية المعتمدة على محركات الاحتراق الداخلي في وضع حرج في أوائل الألفية الثانية، قبل أن تدخل الصين سوق السيارات الكهربائية. كان هذا القطاع متطوراً لدرجة أن الصين اعتُبرت مركز نشاط اقتصادياً بارزاً في مجال تصنيع السيارات. لكنه لم يحتوِ على علامات تجارية محلية يمكن أن تنافس الشركات الأجنبية التي تسيطر على سوق السيارات.

يقول تو: “أدرك الصينيون عندها أن قطاع السيارات التقليدية لن يتفوق أبداً على شركات صناعة السيارات القديمة في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان من ناحية الابتكار في مجال محركات الاحتراق الداخلي”. بالإضافة إلى ذلك، سيطرت الدول مثل اليابان على مجال الأبحاث على السيارات الهجينة، والتي أدّت بطارياتها في مراحلها المبكرة دوراً ثانوياً فقط مقارنة بالمحركات التي تعمل بالوقود. لذلك، لم تكن الصين قادرة على المنافسة في هذا المجال أيضاً.

دفع ذلك الحكومة الصينية إلى صرف النظر عن التكنولوجيات القائمة، والاستثمار في مجال جديد تماماً هو مجال السيارات التي تعمل كلياً باستخدام البطاريات.

اقرأ أيضاً: لماذا لن تستبدل السيارات الكهربائية بالسيارات الهجينة في المستقبل القريب؟

كانت مخاطر هذا القرار عالية للغاية، إذ إنه في تلك المرحلة، اقتصر تصنيع السيارات الكهربائية على التجارب الضيقة التي أجرتها العلامات التجارية مثل جنرال موتورز (General Motors) وتويوتا (Toyota)، والتي توقّفت بعد بضع سنوات فقط من إطلاقها في أغلب الحالات. ولكن كانت المكاسب المحتملة التي يمكن أن تحققها الصين إذا نجحت تستحق العناء، إذ إنها يمكن أن تكتسب عندها أفضلية في مجال قد يصبح مهماً من قطاع السيارات العالمي.

من ناحية أخرى، لم تكن الدول التي تفوقت في إنتاج السيارات المعتمدة على الوقود أو السيارات الهجينة مهتمة بالقدر نفسه في تطوير نوع جديد من السيارات. تقول كبيرة محللي السياسات والمديرة الإقليمية المشاركة في المجلس الدولي للنقل النظيف في الصين (International Council on Clean Transportation)، وهو مركز بحثي غير ربحي، هي هوي (He Hui)، إنه في مجال السيارات الهجينة كمثال، “سيطرت [اليابان] على القطاع بشكل كامل. لذلك، فهي لم تشعر بالحاجة لصنع السيارات الكهربائية؛ إذ إنها كانت تنتج سيارات تتمتع بكفاءة طاقيّة أكبر بنسبة 40% من السيارات الصينية. كما أنها أدركت أن الصين ستحتاج وقتاً طويلاً حتى ترقى بسياراتها إلى مستوى السيارات اليابانية”.

بالإضافة إلى ذلك، مثّلت السيارات الكهربائية بالنسبة للصين فرصة لحل العديد من المشكلات الأخرى التي واجهتها، إذ إنها يمكن أن تساعد على التخفيف من مستويات تلوث الهواء المرتفعة الناجمة عنها، والتقليل من اعتمادها على النفط المستورد، وإعادة بناء اقتصادها المتدهور بعد أزمة عام 2008 المالية. بدا هذا المجال مفيداً بالنسبة للصين من مختلف النواحي.

اقرأ أيضاً: كيف سيكون تأثير السيارات الكهربائية على أنظمة الطاقة العالمية؟

تمتعت الصين بالفعل ببعض الأفضليات البنيوية. فعلى الرغم من أن صناعة السيارات الكهربائية تتطلب تطبيق نوع مختلف من التكنولوجيا، فإنها تتطلب مع ذلك التعاون في سلسلة التوريد الخاصة بقطاع السيارات، والتي كانت ذات جودة عالية في الصين. (التعاون في سلسلة التوريد هو تنظيم أنشطة الشركات المختلفة لتنسيق توريد السلع والخدمات). استفادت الصين أيضاً من قدراتها التصنيعية والسلع منخفضة التكلفة، والتي أسهمت في الحفاظ على استدامة مصانع السيارات المعتمدة على الوقود، في دعم قطاع السيارات الكهربائية الناشئ.

لذلك، اتخذت الحكومة الصينية خطوات جدية للاستثمار في التكنولوجيات المتعلقة بالسيارات الكهربائية منذ عام 2001. وفي ذلك العام، تم إدراج تكنولوجيا السيارات الكهربائية كمشروع بحث علمي ذي أولوية في خطة الصين الخمسية، والتي تعتبر المخطط الاقتصادي الأعلى مستوى في الصين.

اقرأ أيضاً: ما مدى تأثير السيارات الكهربائية وذاتية القيادة على حياتنا؟

حققت الصين عام 2007 تقدمات بارزة في قطاع السيارات الكهربائية بعد أن أصبح مهندس السيارات، وان غانغ (Wan Gang)، والذي عمل مع شركة أودي الألمانية (Audi) لعقد من الزمن، وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني. كان وان من أشد المعجبين بالسيارات الكهربائية، واختبر أول طراز من سيارة رود ستار (Roadstar) الكهربائية التي صنعتها شركة تيسلا عام 2008، وهو العام الذي أصدر فيه هذا الطراز. ينسب الكثيرون الآن الفضل إلى وان في اتخاذ القرار على المستوى الوطني بالمراهنة على السيارات الكهربائية. ومنذ ذلك الحين، تم منح الأولوية لتطوير السيارات الكهربائية في الخطط الاقتصادية الوطنية في الصين على نحو متسق.

ما الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية بالضبط؟

ما فعلته الحكومة الصينية متأصل في طبيعة النظام الاقتصادي للبلاد، إذ إن هذه الحكومة بارعة للغاية في تركيز الموارد في القطاعات التي تريد تنميتها. قامت الحكومة باتباع الطريقة نفسها لتنمية قطاع أشباه الموصلات مؤخراً.

بدأت الصين منذ عام 2009 في تقديم أشكال الدعم المالي لشركات السيارات الكهربائية بهدف إنتاج الحافلات وسيارات الأجرة والسيارات الخاصة لبعض المستهلكين. وفي العام نفسه، تم بيع أقل من 500 سيارة كهربائية في الصين. ولكن أتاح توفّر المزيد من المال للشركات القدرة على الاستمرار في الإنفاق لتحسين أداء طرازات السيارات الكهربائية. كما أنه أدّى إلى انخفاض تكلفة هذه السيارات بالنسبة للمستهلكين الراغبين بشرائها.

في الفترة ما بين عامي 2009 و2022، ضخّت الحكومة الصينية ما يزيد على 200 مليار يوان (29 مليار دولار) في أشكال الدعم المالية والإعفاءات الضريبية ذات الصلة. على الرغم من أنه تم إيقاف العمل وفق سياسة تقديم الدعم بشكل رسمي في نهاية عام 2022 وتم استبدالها بنظام أكثر توجّهاً نحو الأسواق يحمل اسم “الأرصدة المزدوجة“، فقد أدّت هذه السياسة دورها كما خططت الحكومة؛ إذ مثّلت مبيعات السيارات الكهربائية في الصين خلال عام 2022، والتي تجاوزت 6 ملايين سيارة، أكثر من نصف المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية.

ساعدت الحكومة أيضاً شركات السيارات الكهربائية المحلية في سنواتها الأولى من خلال تسليم عقود المشتريات الداخلية. تم استخدام أولى السيارات الكهربائية التي أُنتجت في الصين في نظام النقل العام الواسع في البلاد قرابة عام 2010، قبل انتشار هذه السيارات في السوق الاستهلاكية.

اقرأ أيضاً: هل تستطيع الشبكة الكهربائية الحالية تشغيل الشاحنات الكهربائية الثقيلة؟

تقول كبيرة الباحثين في مجلس أمناء برنامج الأعمال والاقتصاد الصيني التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلاريا ماتزوكو (Ilaria Mazzocco): “تحتوي الصين على الملايين من مركبات النقل العام كالحافلات وسيارات الأجرة وما إلى ذلك. وقامت الحكومة بتقديم عقود موثوقة للعديد من شركات النقل. لذلك، تسبب هذا بتدفّق الإيرادات نوعاً ما”، وتضيف: “وفّرت الحكومة كمية كبيرة من البيانات المتعلقة [بالاختبارات الطرقيّة] لهذه الشركات، بالإضافة إلى الدعم المالي”.

مع ذلك لا تقتصر الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية على أشكال الدعم والإعفاءات الضريبية؛ إذ إنها طبّقت أيضاً السياسات الأخرى التي شجّعت المستهلكين على شراء السيارات الكهربائية. تم الحد من عدد لوحات تسجيل السيارات الممنوحة في المدن المكتظة مثل بكين لأكثر من عقد من الزمن. وحتى حالياً، قد تستغرق عملية الحصول على اللوحات الخاصة بالسيارات المعتمدة على الوقود سنوات، كما أنها قد تكلّف آلاف الدولارات. ولكن تم تقديم عفو عن هذه العملية للأشخاص الذي قرروا شراء السيارات الكهربائية.

أخيراً، عملت الحكومات المحلية بشكل وثيق في بعض الأحيان مع شركات السيارات الكهربائية لصياغة سياسات مخصصة تساعد الشركات على النمو. على سبيل المثال، نمت شركة بي واي دي (BYD)، وهي الشركة التي تنافس شركة تيسلا على الهيمنة في مجال السيارات الكهربائية، بشكل ملحوظ من خلال إنشاء علاقة وثيقة مع إدارة مدينة شينغن في جنوب الصين، ومن خلال مساعدتها على أن تصبح المدينة الأولى في العالم التي تعتمد بشكل كامل على الحافلات الكهربائية.

اقرأ أيضاً: كيف سيطرت الصين على قطاع بطاريات السيارات الكهربائية؟

كيف دخلت شركة تيسلا هذه المعادلة؟

كان تطور قطاع السيارات الكهربائية في الصين مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً مع صعود شركة تيسلا كأكبر شركة للسيارات الكهربائية في العالم.

لم تقتصر أشكال الدعم التي قدّمتها الحكومة الصينية على الشركات المحلية. تقول كبيرة علماء الاقتصاد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والتي تعمل في شركة ناتيكسيس (Natixis)، وهي شركة مختصة بإدارة الاستثمارات، أليسيا غارسيا-هيريرو (Alicia García-Herrero): “برأيي، كانت هذه خطوة ذكية للغاية”، وتضيف: “بدلاً من استفزاز الشركات الأجنبية من خلال حرمانها من أشكال الدعم التي [حصلت] عليها الشركات الأخرى، تمكنت الحكومة الصينية من خلق وسط صحي لتطوير السيارات الكهربائية من خلال تقديم أشكال الدعم للجميع. وبذلك، تمكنت الحكومة من التحكم بهذه الشركات؛ إذ أصبحت هذه الأخيرة جزءاً من هذا الوسط، ولم تتمكن من عزل نفسها عنه”.

سعت الحكومات الصينية المحلية أيضاً إلى تقديم المغريات لشركة تيسلا بهدف دفع هذه الأخيرة لبناء منشآت الإنتاج في البلاد. تم بناء مصنع غيغا فاكتوري (Gigafactory) التابعة لشركة تيسلا في مدينة شنغهاي بسرعة استثنائية عام 2019 نتيجة للاستفادة من السياسات المحلية التي قدّمت مختلف التسهيلات. يقول تو: “يعتبر إنشاء مصنع من الصفر والبدء بتقديم الوظائف خلال عام واحد إنجازاً غير مسبوق”، ويضيف: “يشير ذلك إلى رغبة الحكومة الصينية المركزية، وخصوصاً حكومة مدينة شنغهاي، في إزالة أي نوع من العقبات بهدف دفع شركة تيسلا لبناء المصانع في الصين”.

اقرأ أيضاً: الرئيس السابق لقسم التكنولوجيا في تسلا: إليكم توجهات إعادة تدوير البطاريات

تعتبر الصين اليوم جزءاً لا غنى عنه من سلسلة التوريد الخاصة بشركة تيسلا. ويعتبر مصنع غيغا فاكتوري مركز التصنيع الأكثر إنتاجية لشركة تيسلا، إذ إنه أنتج أكثر من نصف سيارات تيسلا الكهربائية التي تم تسليمها في عام 2022.

مع ذلك، كانت فوائد هذه الخطوة متبادلة؛ إذ استفادت الصين كثيراً من شركة تيسلا أيضاً. تسببت هذه الشركة في نشوء ما يدعى بالأثر التحفيزي في قطاع السيارات الكهربائية الصيني، ما يعني أنها أجبرت العلامات التجارية الصينية على الابتكار والسعي لمجاراة شركة تيسلا في مختلف المجالات، من تطوير التكنولوجيا إلى تخفيض تكاليف السيارات الكهربائية. والآن، تضطر حتى شركة تيسلا لإيجاد الطرق للبقاء ضمن المنافسة في الصين لأن العلامات التجارية المحلية تحولت إلى منافِسات شرسة.

ما الدور الذي أدّته تكنولوجيا البطاريات؟

المكوّن الأكثر أهمية في السيارات الكهربائية هو خلايا البطاريات، والتي يمكن أن تمثّل تكلفتها نسبة 40% تقريباً من تكلفة السيارة الواحدة. كما تعتبر البطاريات الموثوقة وذات القدرة العالية، وميسورة التكلفة في الوقت نفسه، العامل الأكثر أهمية في صنع السيارات الكهربائية المجدية من الناحية التجارية.

يقول كبير محللي الأبحاث في مجال خدمات سلاسل التوريد الخاصة بالسيارات الكهربائية والبطاريات في شركة الأبحاث العالمية، وود ماكنزي (Wood Mackenzie)، ماكس ريد (Max Reid)، إن الشركات الصينية أسهمت بدفع عجلة تكنولوجيا البطاريات من هذه الناحية.

بدقة أكبر، ركّزت الشركات الصينية في العقد الماضي على بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم (LFP، أو بطاريات إل إف بي)، والتي تعتبر مختلفة عن بطاريات أكاسيد الكوبالت والمنغنيز والنيكل والليثيوم (NMC، بطاريات إن إم سي) الأكثر شيوعاً في الدول الغربية.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للبطاريات القديمة أن تزود السيارات الكهربائية بالطاقة مستقبلاً؟

تعتبر بطاريات إل إف بي أكثر أماناً وأقل تكلفة، ولكنها لم تمثّل الخيار الأول بالنسبة لشركات السيارات الكهربائية لأنها عانت بعض المشكلات من قبل، مثل انخفاض الكثافة الطاقية والأداء الرديء في ظروف درجة الحرارة المنخفضة. ولكن بينما تخلّت الشركات الغربية عن تكنولوجيا بطاريات إل إف بي، أمضت الشركات الصينية مثل سي أيه تي إل (Contemporary Amperex Technology Co. Limited) عقداً من الزمن في إجراء الأبحاث حول هذه التكنولوجيا، وتمكّنت من زيادة الكثافة الطاقية لبطاريات إل إف بي.

اليوم، أدركت الشركات في قطاع السيارات الكهربائية أهمية بطاريات إل إف بي من جديد، والتي مثّلت ثُلث إجمالي بطاريات السيارات الكهربائية المصنوعة بدءاً من شهر سبتمبر/ أيلول 2022. يقول ريد: “تبين هذه النسبة مدى التقدّم التي تم إحرازه في مجال تكنولوجيا بطاريات إل إف بي، والذي يعود بشكل حصري للمستوى العالي من الابتكار في شركات خلايا البطاريات الصينية. جعل ذلك [شركات] تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية الصينية رائدة في هذا المجال، إذ إنها أصبحت شركات من الدرجة الأولى”.

تتمتع الصين أيضاً بأفضلية رئيسية أخرى في قطاع البطاريات، والتي تتمثل في أنها تتحكم بالعديد من أنواع المواد الأولية الضرورية لتصنيع هذه البطاريات. على الرغم من أن الصين لا تمتلك الكمية الأكبر من الموارد الطبيعية المستخدمة في تصنيع البطاريات، فإنها تتحكم في معظم القدرة التكريرية العالمية عندما يتعلق الأمر بالمكونات بالغة الضرورة مثل الكوبالت وكبريتات النيكل وهيدروكسيد الليثيوم والغرافيت. تعتقد غارسيا-هيريرو أن قدرة الصين على التحكم في هذه المواد الكيميائية تجعلها قادرة على “الهيمنة على القطاع بشكل مطلق، وهو ما سعت الصين للوصول إليه وضوحاً حتى قبل أن تدرك الدول الأخرى بسنوات أن هذا العامل ضروري”.

اقرأ أيضاً: لماذا يعتبر توفر محطات الشحن الكافي ضرورياً لانتشار السيارات الكهربائية؟

الآن، أدركت الدول الأخرى أهمية المواد الأولية التي تُصنع منها البطاريات، وهي توقّع الاتفاقيات مع دول مثل تشيلي وأستراليا للسيطرة عن مناجم المعادن الأرضية النادرة. لكن منحت حقيقة أن الصين سبقت الدول الأخرى في تنمية قطاع السيارات الكهربائية الشركات المحلية القدرة على تطوير سلسلة توريد مستقرة.

يقول ريد: “لا تتميز بطاريات السيارات الكهربائية الصينية بأنها منخفضة التكلفة فحسب، بل إنها متوفرة بكميات أكبر بكثير نظراً للقدرة التصنيعية الكبيرة التي تتمتع بها الصين، والتي لا تتوقف عن التنامي”.

ما حالة سوق السيارات الكهربائية الصينية الآن؟

تتمتع الصين حالياً نتيجة لكل ذلك بطلب محلي مرتفع للغاية على السيارات الكهربائية. وفقاً لمسح أجرته الشركة الاستشارية الأميركية أليكس بارتنرز (AlixPartners)، أخذ في الاعتبار أكثر من 50% من المشاركين الصينيين شراء السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات كسياراتهم التالية في عام 2021، وهي النسبة الأعلى في العالم، كما أنها تساوي ضعفي المتوسط العالمي لنسبة الأشخاص الذين يخططون لشراء السيارات الكهربائية.

هناك عدد كبير من الخيارات المختلفة من السيارات صينية الصنع والتي يمكن أن تلبي احتياجات هؤلاء المستهلكين، مثل سيارات بي واي دي وإس أيه آي سي-جي إم-وولينغ (SAIC-GM-Wuling) وجيلي (Geely) ونيو (Nio) وإكس بينغ (Xpeng) ولي أوتو (LiAuto). على الرغم من أن أول ثلاث علامات تجارية هي شركات صنعت السيارات المعتمدة على الوقود من قبل ثم انتقلت إلى تصنيع السيارات الكهربائية في وقت مبكر، فإن الشركات الثلاث الأخيرة هي شركات ناشئة لم تصنع سوى السيارات الكهربائية، والتي تحوّلت من شركات جديدة كلياً إلى علامات تجارية شهيرة في أقل من عقد من الزمن.

اقرأ أيضاً: كيف تتم إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية؟

نظراً لأن صعود هذه الشركات (وغيرها من شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة) ترافق مع نشوء جيل جديد من مشتري السيارات، والذي يتألف في أغلبه من جيل الألفية وجيل زِد (gen-z)، لم تعد تشتهر العلامات التجارية الصينية بالنسبة لهؤلاء المشترين بأنها أقل شهرة أو أقل جودة من العلامات التجارية الأجنبية. يقول تو: “نظراً لأن المشترين الذين ينتمون لهذا الجيل نشؤوا في الفترة التي اشتهرت فيها الشركات مثل علي بابا (Alibaba) وتينسينت (Tencent)، فهم ولدوا في العالم الرقمي وكانوا أكثر تقبلاً لاستخدام المنتجات الصينية، على عكس آبائهم الذين يفضّلون على الأرجح شراء السيارات الألمانية أو اليابانية”. يضيف تو قائلاً إن استغلال النزعات القومية في استراتيجيات التسويق ساعد العلامات التجارية الصينية على زيادة رواجها أيضاً.

هل تستطيع الدول الأخرى أن تنجح كما نجحت الصين؟

من شبه المؤكد أن هناك الكثير من الدول التي تريد تكرار تجربة الصين الناجحة في قطاع السيارات الكهربائية. ولكن قد لا يكون تحقيق الدرجة نفسها من النجاح سهلاً بالنسبة لهذه الدول، حتى لو كررت الخطوات نفسها التي اتخذتها الصين.

على الرغم من أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تمتلك المتطلبات الموضوعية التي تمكّنها من زيادة ازدهار قطاعات السيارات الكهربائية الخاصة بها، مثل المقدرات التكنولوجية وسلاسل التوريد القائمة، تشير هي (من المجلس الدولي للنقل النظيف) إلى أن هذه الدول تتمتع بأنظمة سياسية مختلفة. تقول هي: “هل هذه الدول مستعدة للاستثمار في هذا القطاع؟ وهل هي مستعدة لتوفير حصانة خاصة له ومنحه الأولوية القصوى من الناحية السياسية لفترة طويلة من الزمن؟”، وتضيف: “من الصعب الحكم على ذلك”.

اقرأ أيضاً: كيف ستؤثر زيادة مبيعات السيارات الكهربائية على الطاقة والمواد الخام والأراضي؟

تقول ماتزوكو: “أعتقد أن السؤال المثير للاهتمام هو هل ستتمكن الدول مثل الهند والبرازيل من تكرار نجاح الصين؟”. لا تمتلك هذه الدول قطاعات السيارات التقليدية الناجحة كالقطاع الصيني، كما أن حكوماتها لا تتمتع بالخبرة العالية التي تتمتع بها الحكومة الصينية في التعامل مع السياسات الصناعية واسعة التأثير باستخدام مجموعة متنوعة من الآليات السياسية مثل الأرصدة وأشكال الدعم واتفاقيات استخدام الأراضي والإعفاءات الضريبية وعمليات الشراء الداخلية العامة. لكن التجربة التي مرت بها الصين تبين أن تطوير قطاع السيارات الكهربائية قد يمثّل فرصة للبلدان النامية للتفوق على البلدان المتقدمة.

تقول ماتزوكو: “ليس من المستحيل تكرار التجربة الصينية، ولكن هذه الدولة جمعت الخبرة في الاستفادة من هذه [السياسات] على مدى عقود من الزمن”.

ما التحديات التي تواجه الشركات الصينية مع سعيها الدخول إلى الأسواق الأخرى؟

بدأت شركات السيارات الكهربائية الصينية تخطط لأول مرة في تاريخها لتوسيع سوقها والتحول إلى علامات تجارية عالمية. دخل بعض هذه الشركات بالفعل في السوق الأوروبية، وتأخذ هذه الشركات في الاعتبار أيضاً دخول سوق السيارات الكهربائية الأميركية، على الرغم من أنها مشبّعة، وبغض النظر عن الوضع السياسي الحساس. (يحدث تشبُّع السوق عندما يصل حجم منتج أو خدمة ما إلى حدّه الأقصى). كان دخول السوق الأميركية مستحيلاً بالنسبة لشركات السيارات الصينية التي تعمل بالوقود.

مع ذلك، قد تضطر شركات السيارات الكهربائية الصينية إلى تغيير استراتيجياتها وآليات التسويق التي طبقتها لتلائم هذه الأسواق الجديدة. ستحتاج هذه الشركات للتكيّف مع المعايير الفنية المختلفة والخدمات البرمجية الشائعة. كما سيتعين عليها تعلم كيفية التكيّف مع عادات الاستهلاك وطلبات خدمة العملاء المختلفة.

تقول ماتزوكو: “أعتقد أننا نفترض مسبقاً أن الشركات مثل تويوتا وهوندا لا تواجه المشكلات في التعامل في الأسواق المختلفة. ولكن استغرق اكتساب هذه المرونة عقوداً من جمع الخبرة، ولم تكن هذه العملية سهلة دائماً”.

تُعرّض هذه الشركات نفسها للخطر ضمن الظروف الجيوسياسية الحالية من خلال دخول المزيد من أسواق الدول التي تتسم علاقاتها مع الصين بالتوتر. قد يرغب بعض هذه الدول في حماية قطاعات السيارات المحلية، وقد تعتقد الدول الأخرى أن دخول العلامات التجارية الصينية يمثّل خطراً على أمنها القومي.

اقرأ أيضاً: نقل جوي صديق للبيئة: هل ستسيطر الطائرات الكهربائية على السماء قريباً؟

تشير غارسيا-هيريرو إلى أنه لهذه الأسباب وغيرها، من المرجّح أن تنجح الشركات الصينية في التوسع في بلدان ما يدعى بآسيا الناشئة (والتي تشمل الصين والهند وإندونيسيا والفلبين وتايلاند وفيتنام)، والتي ستحتاج إلى شراء المزيد من السيارات الكهربائية لتحقيق هدفها المتمثّل في الاستغناء عن الوقود الأحفوري حتى بعد تشبّع السوق المحلية الصينية.

لهذا السبب، تتمثل فوائد تركيز الصين على مخزونها من السيارات الكهربائية في شقّين. أولاً، يقلل هذا التركيز من حاجة الصين لاستيراد السيارات من الدول الغربية. وثانياً، فهو يسهم في إنشاء قطاع تصدير جديد طويل الأمد في البلاد. تسعى الدول مثل إندونيسيا حالياً لجذب الاستثمارات الصينية بهدف بناء مصانع السيارات الكهربائية في أراضيها.

صدّرت الصين 679 ألف سيارة كهربائية في عام 2022، وهو عدد يمثّل زيادة بنسبة 120% عن عام 2021. ويبدو أن هذه النسبة ستستمر في الازدياد في المستقبل.