زراعة قلوب الحيوانات قد تنقذ حياة الأطفال الذين يعانون من اعتلالات قلبية

7 دقائق
زراعة قلوب الحيوانات قد تنقذ حياة الأطفال الذين يعانون من اعتلالات قلبية
حقوق الصورة: غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما نظرت إلى الصورة، كانت صغيرة البابون ترتدي لباساً شبكياً، وتجلس في وضعية قائمة. 

حيث قال الرئيس التنفيذي للعلاجات الطبية في شركة التكنولوجيا الحيوية إيجينيسيس (eGenesis)، إيلي كاتز، الذي كان يريني صورة للقردة في اتصال عبر منصة زوم (Zoom): “أعتقد أن هذه الصغيرة تُظهر رباطة جأش كبيرة”.

هذه القردة من فصيلة البابون هي الأولى التي تخضع لعملية زرع قلب خنزير صغير معدّل جينياً، وذلك في إطار دراسة يُفترض بأن تمهّد الطريق لإجراء عمليات زرع مماثلة على أطفال البشر، على حد تعبير كاتز.

تتخذ الشركة مقراً لها في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأميركية، وقد طوّرت طريقة تعتمد على أداة التعديل الجيني كريسبر (CRISPR) لإجراء ما يقارب 70 تعديلاً على جينوم الخنزير. 

يقول الفريق إنه من المفترض لهذه التعديلات أن تُتيح زراعة هذه الأعضاء في البشر بنجاح، وتأمل إيجينيسيس، في السنة المقبلة، أن تجري عمليات زرع لقلوب الخنازير في الأطفال المصابين بعيوب قلبية خطيرة. وتهدف هذه العمليات إلى إطالة المهلة المتاحة أمامهم في انتظار الحصول على قلب بشري. 

قبل أن يحدث هذا، سيتدرب فريق إيجينيسيس على إجراء العملية على 12 قرداً صغيراً من فصيلة البابون. وقد أُجريت عمليتان من هذه العمليات حتى الآن، ولم يبقَ أي من الحيوانين على قيد الحياة بعد العملية أكثر من بضعة أيام.

لكن الشركة تشعر بالتفاؤل، ويشاركها هذا التفاؤل آخرون من المختصين بهذا المجال. فقد مات الكثيرون ممن خضعوا لعملية نقل الكبد في بداياتها، إلّا أن هذه العملية أفادت الآلاف من الأشخاص منذ ذلك الحين، وفقاً لمدير معهد لانغون لزراعة الأعضاء في جامعة نيويورك، روبرت مونتغومري، الذي كان يعمل مع شركة يونايتد ثيرابيوتيكس (United Therapeutics) المنافسة. يمثّل الأطفال المصابون بمشكلات في القلب منذ الولادة “مجموعة تستوجب التركيز عليها”، كما يقول، “لأن كثيرين منهم يموتون”.

اقرأ أيضاً: وشوم إلكترونية لمراقبة عمل القلب وتنظيم ضرباته

مخاطر التعديل

يبلغ طول قائمة الأشخاص الذين ينتظرون الحصول على أعضاء للزرع أكثر من 100,000 شخص في الولايات المتحدة وحدها. ويموت منهم نحو 17 شخصاً يومياً. يدرس الباحثون عدة خيارات، بما فيها إمكان تشكيل الأعضاء بالطباعة الحيوية الثلاثية الأبعاد، أو استنبات أعضاء جديدة داخل أجسام البشر. يمثّل زرع أعضاء الحيوانات بديلاً محتملاً آخر يمكن أن يساعد على تلبية هذه الحاجة.

ليست فكرة استخدام الأعضاء والنسج الحيوانية، المعروفة باسم زرع الأعضاء الأجنبية (Xenotransplantation)، بالفكرة الجديدة، فقد أُجريت أولى التجارب في القرن السابع عشر. تلتها محاولات أخرى في الستينيات، وأعيدت الكرّة في التسعينيات. وقد كانت أغلب هذه الأعضاء مأخوذة من القردة والبابون، إلّا أنه مع مطلع التسعينيات، أجمع المختصون على أن الخنازير هي أفضل واهب محتمل للأعضاء، على حد تعبير مونتغومري. 

الرئيسيات كائنات حية قيّمة للغاية، فهي حيوانات ذكية تمتلك مشاعر معقدة. حيث يمكن استخدام عدد قليل منها في التجارب البشرية، وهي بطيئة التكاثر على أي حال. إضافة إلى هذا، فهي أكثر قابلية من غيرها لنقل الفيروسات المؤذية إلى البشر. من ناحية أخرى، يعرف الناس الكثير حول طرق استيلاد الخنازير وتربيتها، وتتميز أعضاؤها بأحجام مماثلة لأحجام الأعضاء البشرية.

اقرأ أيضاً: كيف تؤدي الاختبارات الجينية الحديثة إلى قلب حياة البعض رأساً على عقب؟

لكن نقل الأعضاء بين حيوانات تنتمي لأنواع مختلفة ليس عملية مباشرة. فحتى الأعضاء البشرية قد يرفضها النظام المناعي عند المتلقي، إضافة إلى احتواء نسج الحيوانات على عدد أكبر من المكونات التي يعتبرها نظامنا المناعي “أجنبية”. ويمكن أن يؤدي هذا إلى مهاجمة الخلايا المناعية للعضو المزروع. وثمة احتمال أيضاً لانتقال فيروس ما مع العضو، على سبيل المثال. وحتى لو لم يكن الحيوان الواهب مصاباً بعدوى ما، فمن المحتمل أن يحمل “فيروسات راجعة ذاتية المنشأ”، وهي الرموز الجينية لفيروسات قديمة اندمجت ضمن حمضه النووي الريبي منذ فترة طويلة.

لا تتسبب هذه الفيروسات بالمشكلات للحيوانات المضيفة، لكنها قد تتسبب بإصابة مرضية عند انتقالها إلى نوع آخر. يقول مختص الأخلاقيات الحيوية في معهد مردوخ لأبحاث الأطفال في مدينة ملبورن بأستراليا، كريس جينجيل: “من الممكن أن تشكّل الفيروسات المستوطنة داخل الحيوانات خطراً على البشر إذا تطورت وأصبحت مميتة”.

يستخدم فريق إيجينيسيس تقنية كريسبر لمعالجة هذه المشكلة. يقول الرئيس والمدير التنفيذي في إيجينيسيس، مايك كورتيس: “يمكنك استخدام الأداة كريسبر-كاس-9 (CRISPR-Cas9) لتثبيط مفعول نسخ الفيروسات الراجعة في الجينوم، التي يتراوح عددها من 50 إلى 70 نسخة”. ويضيف قائلاً إن هذه التعديلات تمنع الفيروسات الراجعة من التناسخ.

يجري علماء الشركة تعديلات جينية أخرى أيضاً. وتهدف عدة تعديلات منها إلى “حذف” جينات الخنازير التي تُطلق نواتجها البروتينية استجابات مناعية مؤذية لدى البشر. أيضاً، يدمج أفراد الفريق سبعة جينات بشرية في جينوم الخنزير، وهي جينات يعتقدون أنها تخفّض احتمال رفض الجهاز المناعي عند المتلقي للعضو. يقول كورتيس: “نحن ننتج حيوانات واهبة للأعضاء تتضمن أكثر من 70 تعديلاً”.

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى: إجراء عملية زرع قلب خنزير معدل جينياً لدى إنسان

يطبق الفريق هذه التعديلات على الخلايا المولدة الليفية لدى الخنازير، وهي الخلايا الموجودة في النسيج الضام. بعد ذلك، ينقلون نوى الخلايا المعدلة الحاوية على الحمض النووي الريبي ويضعونها داخل خلايا بويضات الخنازير. وعند تلَقيح بويضة خنزير بالنطاف، يوضع الجنين الناتج ضمن رحم خنزيرة بالغة. وفي نهاية المطاف، تُستخرج الخنازير الصغيرة المُستَنسخة من الأرحام بعملية قيصرية. يقول كورتيس: “إنها التكنولوجيا ذاتها المستخدمة في استنساخ دولي في التسعينيات”، مشيراً إلى النعجة الشهيرة التي كانت أول حيوان مُستَنسخ من خلية بالغة.

يوجد لدى إيجينيسيس نحو 400 خنزير مُستَنسخ في منشأة بحثية في منطقة وسط غرب الولايات المتحدة الأميركية (لم يفصح عن الموقع الدقيق للمنشأة بسبب استهداف المتظاهرين من أنصار حقوق الحيوانات مثل هذه المنشآت). وفي أوائل السنة الماضية 2022، أسست الشركة منشأة “نظيفة” لإنتاج أعضاء تلائم البشر. يتعين على أي شخص يدخل هذه المنشأة أن يستحم ويرتدي ملابس واقية لتفادي إدخال أي جراثيم يمكن أن تصيب الخنازير بالأمراض. يحتوي هذا المركز حالياً على قطيع من 200 خنزير يعيش في مجموعات من 10 إلى 25 خنزيراً، وفقاً لكورتيس الذي يقول: “باختصار، إنها حظيرة نظيفة للغاية. فنحن نتحكم في الأعلاف المقدمة للخنازير، ونتحكم أيضاً في المخلفات وتدفق الهواء”. هذه المنشأة خالية من الوحل.

 ستُجرى دراسات دقيقة على الخنازير التي لن تُؤخذ أعضاؤها. حيث تسعى الشركة إلى فهم تأثير التعديلات الجينية الكثيرة التي تطبقها على الحيوان طوال فترة حياته. ويرغب الفريق أيضاً في معرفة ما إذا كان تعبير الجينات البشرية سيستمر مع مرور الوقت. يقول كورتيس إن بعض الخنازير تجاوز عمرها السنوات الأربع. ويضيف قائلاً: “يبدو أن كل شيء يسير على ما يرام حتى الآن”.

اقرأ أيضاً: تعرف على الطبيب الإماراتي علوي الشيخ علي ودوره في تطوير مجال الطب القلبي الوعائي

التجارب الأولى

يمثّل الحجم عاملاً مهماً في عمليات زرع الأعضاء، ويحرص الجراحون على أن يكون حجم قلب الواهب أقرب ما يمكن إلى حجم قلب المتلقي. وبما أن قردة البابون التي تجري الشركة تجاربها عليها صغيرة، فإن القلوب الملائمة لها تؤخذ فقط من الخنازير بعمر شهر واحد إلى شهرين، على حد تعبير كورتيس. بعد زراعة هذه القلوب، يُتوقع أن تنمو داخل قردة البابون.

كان عمر قرد البابون الأول الذي حصل على قلب خنزير أقل من سنة بقليل، وقد مات بعد يوم واحد من العملية. يقول كورتيس: “حدث هذا بسبب مضاعفات جراحية”. فقد أصيب الأنبوب الوريدي الذي كان يزود البابون بالسوائل الأساسية بالانسداد، وفقاً لكورتيس. ويضيف قائلاً: “كان علينا إنهاء حياته بالقتل الرحيم”.

أخضع الفريق قرد بابون ثانياً لعملية زرع بعد بضعة أشهر. وواجه الفريق مضاعفات جراحية أخرى، فهذه المرة، لم يتمكن الجراحون من الحفاظ على الترابط بين الأوعية الدموية للبابون والأوعية الدموية لأعضاء الخنزير. ومات البابون بعد العملية بتسعة أيام.

في كلتا الحالتين، “كان القلب نفسه ينبض على نحو جيد” وفقاً لكورتيس. ويضيف قائلاً: “حتى الآن، هاتان العمليتان مُشَجِّعتان للغاية من ناحية الأداء القلبي، فقد كان القلبان يعملان على نحو جيد”. يشعر الجراحون الذين أجروا هاتين العمليتين بالثقة في قدرتهم على تفادي المضاعفات الجراحية في المستقبل.

اقرأ أيضاً: تكنولوجيا كمومية جديدة واعدة في تشخيص وعلاج أحد أمراض القلب

قرارات صعبة

بعد انتهاء تجربة البابون، يرغب فريق إيجينيسيس في تقديم قلوب الخنازير إلى الأطفال بعمر أقل من سنتين ممن وُلِدوا بمشكلات قلبية خطيرة. ليس أمام هؤلاء الأطفال الكثير من خيارات العلاج، فالقلوب البشرية ذات الحجم المناسب قليلة وغير متاحة ضمن نطاق جغرافي صغير، علاوة على أن بعض الأجهزة المستخدمة لعلاج المشكلات القلبية لدى البالغين غير مناسبة للقلوب الصغيرة عند الأطفال.

يأمل كورتيس بأن يُتيح استخدام قلوب الخنازير في البداية إجراءً مؤقتاً لإنقاذ هؤلاء الأطفال، بحيث يمنحهم مهلة إضافية من الوقت في انتظار الحصول على قلب البشري. بعد العثور على متلقٍّ مناسب، تستطيع الشركة البدء بإجراءات الحصول على الموافقة على العملية الجراحية من إدارة الغذاء والدواء الأميركية.

سيشير مختصو الأخلاقيات إلى أن الأطفال لن يتمكنوا من تقديم موافقة واعية على إجراء العملية الجراحية. وسيكون هذا القرار بيد أولياء أمور الأطفال، الذين يعانون من وضع عصيب على الأرجح، وفقاً لمختصة الأخلاقيات الحيوية في جامعة أبستيت الطبية في مدينة سيراكيوز بولاية نيويورك، سيد جونسون. وتقول: “وصل اليأس بهؤلاء الأهالي إلى مرحلة تجعلهم مستعدين لتجربة أي شيء قد ينقذ حياة أطفالهم”.

لكن جرينجيل يعتقد أن البحث يجب أن يكون مُرَكزاً على المرضى الأكثر استفادة من عملية تجريبية كهذه. ويقول: “في الواقع، يمثل المرضى الأطفال الشريحة ذات الحاجة السريرية الأكبر، بسبب قلة الخيارات الأخرى المتاحة لهم”.

ويتفق مونتغومري، الذي خضع بنفسه لعملية زرع قلب بشري، مع هذه الفكرة. ويقول إنه يدعم أهداف إيجينيسيس. ويضيف قائلاً: “يصل احتمال الوفاة لدى هؤلاء الأطفال المصابين بأمراض قلبية خلقية إلى 50%. ما يعني أن فرصة بقاء أحد هؤلاء الأطفال على قيد الحياة تعادل فرصة الحصول على وجه معين عند رمي قطعة نقدية”. 

اقرأ أيضاً: آبل تُصدر تطبيقاً لتتبّع دورات القلب وصحة السمع والدورة الشهرية

لكن جونسون غير مقتنعة بهذا المنطق. فالعملية خطرة، ومن الممكن أن يتعرض الطفل إلى معاناة شديدة إذا رفض جهازه المناعي العضو الجديد، وتقول: “لقد توفي جميع المرضى الذين خضعوا لعملية زرع عضو حيواني بعد العملية بفترة قصيرة، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها”. فقد توفي ديفيد بينيت الأب، الذي كان أول شخص حي يحصل على قلب خنزير معدّل جينياً في 2022 بعد العملية بشهرين

تقول جونسون إن استخدام أعضاء الحيوانات المعدّلة جينياً ينطوي على المزيد من المخاطر. فما زلنا نجهل تأثير هذه التعديلات الجينية على المتلقّين البشر، لا سيّما على المدى البعيد. تقول جونسون: “من الواضح أنه ثمة رغبة عارمة لدى جميع المشاركين في هذا العمل، لفعل أي شيء لإنقاذ هؤلاء الأطفال المصابين بمشكلات قلبية. ولكن يجب أن نتحلى بالصدق والشفافية بشأن مخاطر هذا العمل، التي ما زال بعضها مجهولاً إلى حد ما”.

أجرى مونتغومري بنفسه عمليات زرع لأعضاء خنازير معدّلة جينياً في أشخاص بالغين سبق أن أُعلن أنهم في حالة موت دماغي. وقد أُخِذت هذه الأعضاء التي تتضمن الكلى، وورد في دراسات غير منشورة أنها تتضمن القلوب، أيضاً من خنازير استولدتها الشركة المنافسة ريفايفيكور (Revivicor)، التي استحوذت عليها يونايتد ثيرابيوتيكس. استمرت التجربة يومين أو ثلاثة أيام وحسب، ولكن مونتغومري يخطط لإجراء تجربة مماثلة على أشخاص سيخضعون للدراسة لمدة شهر بعد الزرع. ويقول إن “النتائج جيدة للغاية” حتى الآن.

يعتقد مونتغومري أن الأطفال قد يكونون أفضل من البالغين لزرع أعضاء الخنازير، لأن أنظمتهم المناعية ما زالت في مرحلة التطور، ما يعني احتمالاً أقل لرفض العضو. ويقول: “من المحتمل أن تكون درجة تقبّل العضو الجديد أعلى نوعاً ما”.

اقرأ أيضاً: أداة جديدة يمكنها اكتشاف السكتة القلبية عن طريق الإصغاء إلى التنفس

تخطط الشركة لزرع قلب خنزير في قرد بابون آخر في أغسطس/ آب. وتخطط أيضاً لإجراء عملية واحدة مماثلة في الشهر على الأقل إلى أن يصل عدد الحيوانات التي خضعت لهذه العملية إلى 12. يأمل أفراد الفريق بأن يتمكنوا من معالجة المشكلات الجراحية، وتمكين قردة البابون من البقاء على قيد الحياة فترة أطول. يقول كورتيس إن بعض الرئيسيات الأخرى من غير البشر خضعت لعمليات زرع كلى من خنازير معدلة جينياً، وتمكنت من البقاء على قيد الحياة فترة تزيد على السنة.

ويقول مونتغومري: “عند العمل على مشروع جديد ورائد، فإن منحنى التعلم يكون حاداً”.