كيف تؤدي الاختبارات الجينية الحديثة إلى قلب حياة البعض رأساً على عقب؟

11 دقيقة
كيف تؤدي الاختبارات الجينية الحديثة إلى قلب حياة البعض رأساً على عقب؟
مصدر الرسومات: المعهد الوطني لأبحاث الجينوم البشري
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما كانت كيتي، والدة أولي، حاملاً في الأسبوع التاسع، أخبرها مكتب طبيبها المختص بالتوليد والأمراض النسائية في بولدر، كولورادو، بعرض خاص بقيمة 100 دولار على اختبار جديد للوالدين، وقيل لها إن هذا الاختبار قادر على كشف المشكلات الكبيرة في الصبغيات (الكروموسومات) مثل متلازمة داون ومتلازمة إدوارد (تثلّث الصبغي 18). وبطبيعة الحال، وافقت هي وزوجها على العرض، فمن يرفض صفقة رابحة كهذه؟ ولكن بشرط واحد: فقد قالت والدة أولي للممرضة: “تذكري، لا نريد معرفة جنس الجنين”.

ولكن انتهى بهما المطاف على أي حال بمعرفة هذه المعلومة عندما تلقيا اتصالاً غير متوقع من مكتب الطبيب. تقول كيتي: قال لنا الطبيب: “من سوء الحظ، وجدت نفسي مضطراً للاتصال حتى أقول لكما إنكما ستنجبان صبياً، وإنه مصاب بحالة XXY”.

اقرأ أيضاً: جائزة نوبل في الكيمياء تُمنح للعالمتين اللتين ابتكرتا تعديل الجينات بتقنية كريسبر

متلازمة كلاينفيلتر

لم تسمع كيتي وزوجها سيمون بهذه الحالة من قبل، كما أن الطبيب لم يقدم لهما شرحاً وافياً. تُعرف حالة XXY أيضاً بمتلازمة كلاينفيلتر، وهي حالة جينية يمكن أن تتسبب بالعقم وغيره من المشكلات الصحية، وتحدث عندما يولد طفل –عادة ما يكون ذكراً- بصبغي X إضافي مع الصبغيين X وY المعتادين.

تمثل تغيرات الصبغيات الجنسية، والتي تحدث عندما يكون هناك صبغي X أو Y زائد أو ناقص، أكثر حالات الإصابة الصبغية شيوعاً، ويمكن أن تصل نسبتها إلى واحد في كل 400 ولادة. ولكن أغلبية المصابين بها لا يدركون حتى إنها موجودة لديهم. ويعود هذا إلى أن هذه الحالات خفية، فهي لا تهدد حياة المصاب أو حتى لا تتسبب بالوفاة المبكرة بالضرورة، وغالباً ما لا تتمتع بأي صفات واضحة تثير الشك. ولكن التشخيص يمكن أن يتسبب بالأسى على أي حال.

ومع لجوء المزيد من الأزواج إلى الاختبارات الأبوية غير المؤذية على أمل استبعاد وجود أي حالة مرضية خطيرة، يتفاجأ الكثيرون منهم بأن الجنين مصاب بحالة أقل خطراً، وأقل شهرة بكثير. ونظراً لبقاء الكثير من تغيرات الصبغيات الجنسية دون تشخيص لفترة طويلة، فإن الكثيرين من أطباء التوليد لا يعرفون شيئاً عنها، ما يترك العائلات لوحدها في مواجهة هذا الخبر غير المتوقع. وينتهي المطاف بالكثير من هذه العائلات إلى البحث عن المعلومات من المنظمات الداعمة، والمستشارين المختصين بالجينات، بل وحتى إنستغرام (Instagram)، في محاولة لتحديد الخطوة التالية.

اقرأ أيضاً: إحدى مطوّري تقنية كريسبر تدعو إلى فرض ضوابط على تقنية تحرير الجينات

لقد تغير مشهد المعلومات بدرجة كبيرة منذ ظهور الفحص غير الجراحي قبل الولادة (NIPS) منذ عقد من الزمن. بدأ تطبيق الاختبارات الدموية للثلث الأول من الحمل في 2011، وزادت شعبيتها باطراد، وتمت إضافة العديد من الأمراض إلى قائمتها، بما فيها اختلالات الصيغة الصبغية للصبغيات الجنسية، وهو المصطلح الطبي لعدد الصبغيات غير الطبيعي.

“الجزء الأكثر إثارة للخوف هو أن هذا التشخيص مبني على اختبار لم نفهمه على الإطلاق”.

في 2020، أعلنت الأكاديمية الأميركية لأطباء الولادة وأطباء الأمراض النسائية دعمها لإجراء هذه الاختبارات في أي عمر، ما أدى إلى تحويلها إلى جزء روتيني من العناية بالحوامل. عادة ما يلجأ الأهل إلى هذه الاختبارات لاستبعاد وجود متلازمة داون أو غيرها من الحالات الخطيرة، ويكتشفون في الكثير من الأحيان أن الطفل مصاب بشيء لم يدركوا حتى إنه مشمول بالاختبار. يقول سيمون: “الجزء الأكثر إثارة للخوف هو أن هذا التشخيص مبني على اختبار لم نفهمه على الإطلاق”. وتضيف كيتي: “لقد افترضنا أن الاختبار يقتصر فقط على كشف الحالات الخطيرة للغاية وحسب”.

وما يزيد الطين بلة هو أن هذه الاختبارات ليست موثوقة بالنسبة لاختلالات الصيغة الصبغية للصبغيات الجنسية بقدر ما هي موثوقة بالنسبة لمتلازمة داون، ما يبرز أهمية تأكيد نتيجة الفحص الإيجابية خلال الحمل عن طريق بزل السائل الأمنيوسي أو فحص الزغابات المشيمية (أي فحص أنسجة المشيمة)، أو بأخذ عينة من الدم بعد ولادة الطفل. ولكن البيانات تشير إلى أن “بعض النساء اخترن الإجهاض بناءً على نتائج الفحص غير الجراحي قبل الولادة فقط، ما يمكن أن يكون قد أدى إلى إجهاض أجنة سليمة”.

اقرأ أيضاً: أداة جديدة في تعديل الجينات ستُحسّن تقنية كريسبر بشكل جذريّ

حالة منتشرة

تقول الخبيرة الدولية في تغيرات الصبغيات الجنسية، نيكول تارتاغليا، إن نسبة 40% تقريباً من الرجال يتم تشخيصهم بالإصابة بحالة XXY في مرحلة ما من حياتهم، عادة في سن الرشد بعد المعاناة من مشاكل الخصوبة. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يعاني المصابون بحالة XXY من مشكلات في التعلم وصعوبات في التفاعل الاجتماعي، علاوة على بعض الدلائل الجسدية، مثل الحجم الصغير للخصيتين، ونقص الكتلة العضلية للجسم، وقلة الشعر على الوجه والجسم. ولكن معظم المصابين بمتلازمة كلاينفيلتر يكبرون ليعيشوا حياة صحية وطبيعية.

من ناحية أخرى، فإن نسبة المدركين لإصاباتهم من بين المصابين بحالة XXX أو XYY لا تتجاوز 10%. ولكن هذه الأرقام بدأت بالازدياد مع زيادة انتشار الاختبارات الجينية. وتقول: “بناءً على أرقام الاتصالات الهاتفية التي نتلقاها، فإن نسبة الذين لا يتم تشخيصهم آخذة بالتراجع”.

وعندما تدرك العائلة إصابة الجنين بتغير في الصبغيات الجنسية، فإن أكسيس (AXYS)، جمعية تغيرات الصبغي X وY، هي أول الخيارات التي تلجأ إليها، وهي منظمة للاستشارة والدعم لهذه الحالات، وقد شهدت ارتفاعاً هائلاً في عدد الاتصالات مع زيادة انتشار الفحص غير الجراحي قبل الولادة. تقول المديرة التنفيذية للمنظمة، كارول ميرشايرت: “يأتي إلينا الناس مصابين برعب شديد”. “فهم لا يعرفون أي شيء عن هذه الحالات الطبية، كما أن أطباءهم لا يعرفون عنها كذلك، ولكن هذه الحالات أكثر شيوعاً بكثير من متلازمة داون”.

فحالة XXY تحدث مرة في كل 650 ولادة لطفل ذكر تقريباً، أما XXX تؤثر على واحدة من كل 1,000 ولادة لطفلة أنثى، وتحدث XYY مرة في كل 1,000 ولادة لطفل ذكر. وتقول: “من المرجح أنك التقيت شخصاً مصاباً بإحدى هذه الحالات”. “ولكنك لم تدرك ذلك، ومن المحتمل أن الشخص نفسه لم يكن يدرك ذلك”.

اقرأ أيضاً: بعض خبراء تقنية كريسبر يدعون إلى وقف عالمي لتعديل الجينات القابلة للتوريث

إن إمكانات المنظمة في توفير الاستشارات الجينية والمعلومات حول تغيرات X و Y غير قادرة على مجاراة الأعداد المتزايدة من العائلات التي تدرك وجود الإصابة بهذه التغييرات في أجنتها. وهذه الفجوة هي التي دفعت بأخصائية الجينات لدى الأطفال، ليليان كوهين، إلى إطلاق مركز مساعدة مخصص لتغيرات الصبغيات X وY في مركز ويل كورنيل الطبي في مدينة نيويورك. وتقول: “الفحص غير الجراحي قبل الولادة هو أحد أسباب رؤيتي لأربعة مرضى في أسبوع واحد، وقد تم تشخيص ثلاثة منهم قبل الولادة”. “إن الأزواج لا يحصلون على الاستشارات الطبية التي يحتاجون إليها”.

ووفقاً للحالة التي تهدف الاختبارات إلى كشفها، يمكن أن تتغير دقة النتائج إلى حد كبير. تقول كوهين، والتي تعتقد أن الحصول على الاستشارات الجينية جزء أساسي من عملية الاختبار: “لقد تم اكتشاف هذه التغيرات في الصبغي X وY بالصدفة باستخدام هذه التكنولوجيا”. “ووفقاً لرأيي بصفتي مختصة بالجينات، فإن هذه المعلومة قوية التأثير”.

وإذا لم يحاول الناس الحصول على استشارة جينية بعد نتيجة فحص إيجابية –تقول كوهين إن من يسعون إلى هذه الاستشارة قليلون، فمن الممكن أن يبالغوا في تقدير خطر الحالة ويتخذوا قرار الإجهاض. وتقول: “من الممكن حتى ألا يصلوا إلى مكتبنا”. “وأنا لا أرى سوى نسبة ضئيلة من عدد كبير للغاية”.

وعندما تأتي العائلات لرؤيتها، تشرح لهم اختلاف تغيرات X وY من متلازمة داون، والتي يمكن أن تترافق بإصابات في القلب، وعجز عقلي، ومشكلات خلقية معقدة. تقول كوهين: “أنا أحب مرضاي المصابين بمتلازمة داون كثيراً، ولكن عملية اتخاذ القرار مختلفة للغاية بين الحالتين”.

إن الإصابة بتغيير في الصبغيات الجنسية أمر محير في هذا الوقت. فنحن نعيش في عالم يشهد درجة عالية من الارتباك والغموض حول التقاطعات القائمة بين الميول الجنسية والهوية الجنسانية. وفي الواقع، فليس من المستغرب أن يتم إلصاق صفة الخنوثة (الثنائية الجنسية) بالمصابين بهذه التغييرات، وهذه الصفة عبارة عن مصطلح يشمل التغيرات الفريدة في الجنس أو البنية التشريحية، بما في ذلك الأعضاء التناسلية، أو الهرمونات، أو الأعضاء الداخلية، أو الصبغيات، أو كل ما سبق معاً. ومع أن البعض يعتبر أن صفة الخنوثة تشمل اختلالات الصيغة الصبغية للصبغيات الجنسية، مثل كلاينفيلتر، ويتماهون مع الحركات الخاصة بالخنوثة، فإن البعض الآخر لا يتفق مع هذه النظرة. تقول ميرشايرت: “يشعر الوالدان من اعتقاد الناس بأن الابن لا يتمتع بما يكفي من الرجولة بسبب هذا الصبغي الإضافي، ولهذا، يقومون بكتمان الأمر”. “وهو أمر معقد”.

اختبارات جينية حديثة

تقدم العديد من الشركات والمختبرات اختبارات غير جراحية قبل الولادة لتحليل القطع الصغيرة من الحمض النووي للمشيمة التي تطفو ضمن الدورة الدموية للحامل، وذلك لكشف وجود أي شذوذات صبغية. ومن المتوقع أن قيمة السوق العالمية، والتي وصلت إلى أكثر من 3 مليارات دولار في 2021، ستزيد بأكثر من الضعف بحلول عام 2028، حيث تخوض الشركات، بما فيها بعض الشركات العملاقة مثل إيلومينا (Illumina) وروش (Roche) ولابكورب (LabCorp)، منافسة شرسة لإثبات دقة اختباراتها في كشف المزيد من أنواع الحالات.

اقرأ أيضاً: دراسة وراثية لمليون شخص تتوصل إلى ارتباط بين أنماط الجينات ودرجة التحصيل العلمي

وتقدم شركة ناتيرا (Natera)، وهي إحدى الشركات الرائدة، واحداً من أكثر الاختبارات شمولية. وقد كانت الشركة الرابعة التي دخلت هذا السوق في بداية عام 2013، وذلك بعد نشر بحث في مجلة بريناتال دياغنوسيس (Prenatal Diagnosis) يثبت قدرة الاختبار الذي صممته الشركة على كشف تَثَلُّثات الصبغيات. نشرت ناتيرا النتائج المتعلقة بالتثلثات كنتائج إضافية، ولكن بعد نشر البحث، أضافتها بوصفها جزءاً روتينياً من الاختبار الذي يجريه جميع المرضى. تقول مستشارة الجينات ونائب رئيس ناتيرا للشؤون الطبية، شيتال بارمار: “تنص استمارة الاختبار بوضوح على المشكلات والأعراض التي يتم البحث عنها”.

قد يعاني المصابون بحالة XXY من بعض الصعوبات في التعلم والتفاعلات الاجتماعية، إضافة إلى مشكلات جسدية، ولكن معظمهم ينمو ليعيش حياة صحية ومنتجة.

ولكن من النادر أن يكون هناك مريض مطلع على جميع التفاصيل. تقول بارمار: “من الصعب على الناس فهم جميع الأعراض والمشكلات التي يهدف الاختبار إلى كشفها”. “ولكن وجود المعلومات حول اختلال الصيغة الصبغية للصبغيات الجنسية يمنح العائلات بعض الوقت للاستعداد”.

فمن ناحية، تشعر كيتي بالامتنان لتشخيص ابنها “لأن هذا سيدفعنا إلى الحذر وتوفير أعلى درجة من العناية لأولي”. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يكون مصدراً للإحباط. فهل ميل أولي إلى البكاء عندما يشعر بصعوبة القيام بمهمة ما ناجم عن إصابته بحالة XXY، أم أنه أمر طبيعي؟ هذا مصدر تساؤل دائم لكيتي. (تمثل الصعوبات في تنظيم العواطف أحد أعراض XXY) وتقول: “أقارن على الدوام بين ما يدعو للقلق وبين ما يجب تقبله بوصفه جزءاً من طبيعته”. “وقلب الأم لدي يتساءل على الدوام: أهذا ناجم عن حالته؟”. “هل هناك ما يدعو إلى الهلع؟”.

اقرأ أيضاً: تعديل جين الكولسترول قد يوقف أخطر قاتل على وجه الأرض

قد يكون من الصعب حشر كل أنواع اختلالات الصيغة الصبغية للصبغيات الجنسية في اختبار واحد. ويمكن للأعراض أن تتباين بدرجة كبيرة بين حالة وأخرى، فالفتيات اللواتي يحملن صبغي X إضافياً يملن إلى أن يكنّ أكثر طولاً من قريناتهن. على سبيل المثال، في حين أن الفتيات اللواتي يحملن صبغي X واحداً يملن إلى القصر، وهناك الكثير من التباينات والاختلافات حتى ضمن نفس الحالة.

وعلى حين لم يحتج أولي إلى أي تدخل لمعالجة السلوك، فإن روبي، وهو صبي بعمر 8 سنوات ويحمل حالة XXY ويسكن في سياتل، خاض تجربة مختلفة. فقد عرفت أمه، كلير، بوجود الصبغي الإضافي لدى ابنها عبر الفحص غير الجراحي قبل الولادة، وأجهشت بالبكاء في موقف السيارات بعد أن اتصل بها طببيها ليخبرها بالنتائج. وتقول: “كنت في جلسة اليوغا ما قبل الولادة عندما كانت الأمهات يتحدثن عن فترة الحمل وما إذا كنّ راغبات بصبي أو بنت”. “وأتذكر أني شعرت بالغيرة من بساطة أوضاعهن”.

تأخر روبي في تعلم استخدام المرحاض، كما كان في مرحلة الروضة يقوم بإسقاط ألعاب الأطفال الآخرين ويركض ويتسبب بالفوضى في وقت التنظيف. وفي أحد الأيام العصيبة، حيث تسبب روبي بالكثير من المشكلات، سألت كلير معلمته: “أهذا السلوك خارج عن نطاق السلوك الطبيعي؟”. وأجابتها المعلمة بالإيجاب.

 اقرأ أيضاً: تقدم واعد في تقنية كريسبر يمهد الطريق لتطوير علاجات فردية مخصصة

دفع تشخيص إصابة روبي قبل الولادة بوالدته إلى السعي للحصول على المساعدة مبكراً. ففي البداية، اتصلت بعيادة إكسترا أورديناري كيدز (eXtraordinarY Kids) في مستشفى الأطفال بكولورادو، حيث كانت تحصل على الاستشارة والتوجيه خلال فترة الحمل. وقد كانت العيادة تقوم بجمع المشاركين لإجراء دراسة حول التنظيم العاطفي لتلاميذ رياض الأطفال المصابين بحالة XXY، وكان روبي الطفل الأول المشارك. وبعد عملية تقييم عصبي ونفسي، حاز روبي على درجات متفوقة في اللغة والتفكير المكاني، ولكن من ناحية سرعة المعالجة والمهارات التكيفية، مثل غسل اليدين بشكل مستقل أو الأكل باستخدام الشوكة، حاز على درجات أقل من المتوسط.

وبعد تشخيص إصابته بالتوحد، والقلق، واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، التقى روبي مجموعة من المعالجين، بما فيهم مختص بالعلاج الوظيفي والمهني للتعامل مع الغضب وتحسين المهارات الحركية الدقيقة والكبيرة. تقول كلير، والتي لديها 3 أطفال أصغر من روبي: “لقد أثر هذا على العائلة بدرجة كبيرة”. “ولم أعتقد أن التحديات التي تعرض لها يمكن أن تكون بهذه الصعوبة”.

قام والدا روبي باستخدام تشبيه يعتمد على لعبة الليغو التركيبية لإخباره حول امتلاكه لصبغي X إضافي. وقد قالوا له: “كل شخص لديه كتاب تعليمات ليغو تركيبية لجسمه. ولكن كتاب الليغو الخاص بك يحمل صفحة إضافية، وهو ما يجعل مشاعرك عميقة إلى هذه الدرجة، ويجعلك طويلاً للغاية”. ولكنهم يشعرون بالقلق من قيام أهالي أصدقائه بإجراء بحث عن هذا المرض والتعامل معه يشكل يختلف عن البقية. تقول كلير: “إن قرار التحدث عن نفسه يعود إليه”. “فإذا أراد أن يعلن عن إصابته بفخر، مثل ريان بريغانت، فهذا شأنه. ولكننا نرغب في أن يتخذ القرار بنفسه”.

اقرأ أيضاً: تكنولوجيا جديدة تعتمد على كريسبر والذكاء الاصطناعي لإجراء تعديلات جينية وتطوير علاجات مستقبلية

أما ريان بريغانت، وهو مصور فوتوغرافي بعمر 36 عاماً ومن مشاهير الإنترنت، فهو أحد أكثر المتحدثين شهرة في أوساط المصابين بحالة XXY. ترعرع بريغانت في سان دييغو، حيث تعرض للتنمر ولاقى صعوبة في تعلم القراءة والكتابة والتهجئة، ولكنه لم يدرك الكثير عن حالته حتى العام 2017 عندما حضر مؤتمراً لأكسيس. ويستذكر قائلاً: “لقد التقيت بعشرين شخصاً مصاباً بحالة XXY”. وعندما غادر، أمضى ثلاثة أشهر وهو يتصفح الإنترنت في موقع باب ميد (PubMed) ويدرس الأبحاث المنشورة ليتعلم كل ما يمكن تعلمه حول جيناته. وقد شعر بالخيبة لكثرة ما وجد من التشاؤم والسلبية. ويقول: “لقد كانت هذه المواد مليئة بالعبارات التي تقول إنني وأمثالي أغبياء ولن نحقق شيئاً في الحياة”. “وعندما بدأت النشر على ويكيبيديا، واجهت الكثير من الشتائم التي تصفني وأمثالي بأننا مغتصبون ومجانين”، وهي نماذج نمطية بائدة أدى عمل بريغانت إلى إزالتها بشكل كبير، مع أنها تظهر بين الحين والآخر.

وفي سبتمبر/ أيلول من العام 2017، نشر بريغانت أول مقطع فيديو له على يوتيوب، وأتبعه بسرعة بافتتاح موقع إلكتروني باسم “Living with XXY”، أي العيش مع XXY، حيث يجمع تجارب الآخرين مع XXY ويشارك تجربته الشخصية خلال حياته اليومية. ويسأل: “ما هو الشيء الإيجابي في حياتك مع XXY؟”.

ويضيف: “أرغب بأن أثبت أننا نستطيع أن نعيش حياة سعيدة وناجحة”. “معظم من أعرفهم من المصابين بحالة XXY ليسوا منفتحين على الآخرين بخصوص هذه المسألة، وينطبق نفس الشيء على عائلاتهم”. “وأقول للعائلات: لو كان ابنكم مصاباً بالصمم، فهل كنتم ستتصرفون بنفس الطريقة؟”. “إن أصعب ما في هذا التشخيص هو وجودنا مع الآخرين بشكل علني. أما الاحتفاظ بهذا التشخيص سراً فهو يؤدي إلى تفاقم الشعور بالخجل”.

إن أهالي الصبيان المصابين بحالة XXY معتادون على تفادي الأسئلة حول ما إذا كان أبناؤهم أكثر أنوثة من الصبيان العاديين دون صبغي X الإضافي، وهو أحد أسباب رفض الكثير من الأهالي الذين أجرينا معهم مقابلات لهذا المقال للإفصاح عن أسمائهم الكاملة. إنها معضلة، فهم يدركون أن محاولة إخفاء تشخيص الطفل قد يؤدي إلى تفاقم وصمة العار، ولكنهم غير مستعدين للمخاطرة بخصوصية طفلهم.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يعزز معرفتنا بمرض السكري ويساعد في تطوير علاجات شخصية

في 2011، أي السنة التي ظهرت فيها الاختبارات غير الجراحية قبل الولادة، وجدت عملية تدقيق للدراسات المنشورة في مجلة جينيتيكس أوف ميديسين (Genetics in Medicine) أن نسبة تصل إلى 85% من الأهالي قررت اللجوء إلى الإجهاض بعض تلقي تشخيص بالإصابة بحالة XXY.

ليس من الواضح ما إذا كان نقض حكم قضية رو. ضد ويد (المتعلق بالسماح بالإجهاض) سيؤثر على نسبة إجهاض الأجنة المصابة باختلالات الصيغة الصبغية للصبغيات الجنسية. ومن الممكن أن نشهد تراجعاً في نسبة الإجهاض، ولكن نسبة إجراء الاختبارات لن تتراجع على الأرجح. فالعائلات ترغب بإجراء الاختبارات قبل الولادة حتى تكون أفضل استعداداً للاحتمالات الواردة، وفي بعض الحالات، لاتخاذ قرار الإجهاض بناء على النتائج، أو البحث عن علاج.

وبالنسبة لتارتاغليا التي تدير عيادة إكسترا أورديناري كيدز، فهي تدعم مقاربة غير تقليدية إلى حدا ما، وتقوم على إعطاء الصبيان المصابين بحالة XXY بجرعات من التستوستيرون في بداية طفولتهم، عندما يمر جميع الأطفال بما يمكن تسميته “مرحلة البلوغ الأولية”، أي بعمر عدة أشهر عندما ترتفع الهرمونات بحدة استعداداً لبدء تطور الأعضاء التناسلية.

ويُعتقد أن دعم الأطفال الذكور المصابين بحالة XXY بالتستوستيرون يساعد على التطور العصبي. وتقول النظرية إن نقص التستوستيرون يمكن أن يؤدي إلى ضعف في البنية العضلية أو مصاعب في الكلام.

يقول والدا أولي إنهما لم يفكرا جدياً بالإجهاض، ولكنهما كانا بحاجة إلى التأكد من قدرة أولي على السير بشكل جيد في الحياة. “هل الصعوبات التي سيضطر هذا الطفل إلى مواجهتها كل يوم هائلة إلى درجة أنها ستحول كل يوم إلى معركة جديدة؟”. هذا هو السؤال الذي وجهه سيمون إلى الطبيب، والذي أجاب بالنفي، على الرغم من أنه استدرك قائلاً إن أولي قد يعاني بسبب صعوبات التعلم والعقم.

اقرأ أيضاً: تعرف على العالمة المصرية نجوى عبد المجيد وأبحاثها في مجال الطفرات الوراثية

وفي محاولة للتخفيف من بعض هذه المشكلات، تم تسجيل أولي في دراسة حصل فيها على جرعات من التستوستيرون بدءاً من عمر 8 أسابيع. وخلال عملية تقييم دامت يوماً كاملاً في عيادة إكسترا أورديناري كيدز عندما كان بعمر سنتين، تمكن أولي من الشرب من الكوب، وارتداء السترة، وتقليب صفحات أحد الكتب، وهي إنجازات أثبتت أنه كان يتطور بوتيرة طبيعية.

وبعد 5 سنوات، بعمر 7 سنوات، ما زال أولي يواصل تحقيق الإنجازات المفصلية، بل وتجاوزها. وقد أصبح عضواً في مجموعة قراءة متقدمة في المدرسة، ولم يحتج إلى أي خدمات مساعدة متعلقة بحالة XXY. وتقول كيتي: “لقد واصل تطوره مثل أي صبي صغير آخر”.

قابلت تارتاغليا في عيادتها بعض العائلات التي تعمل جاهدة لتحسين وضع طفلها الذي تم تشخيص إصابته بهذه الحالة. وتقول: “تقول هذه العائلات: لا بأس. يمكننا التعامل مع المشكلة”. وكانت تارتاغليا توجههم بلطف قائلة: “نعم، يمكننا أن نساعد، ولكن هذا الصبغي الزائد سيبقى موجوداً”.

تقول تارتاغليا: “يتمتع الجميع بنقاط ضعف ونقاط قوة”. “ويجب أن نؤيد الفكرة القائلة بوجود التنوع في طرق تفكيرنا وكلامنا وتصرفنا وإحساسنا”.