الذكاء الاصطناعي يفتح أبواب العالم من جديد أمام ذوي الإعاقة البصرية

5 دقائق
الذكاء الاصطناعي يفتح أبواب العالم من جديد أمام ذوي الإعاقة البصرية
حقوق الصورة: سليت. غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لو قال لي شخص ما، قبل فترة وجيزة، إنني سأبدأ التقاط الصور لكل شيء أصادفه في طريقي، لوجدت الأمر مثيراً للضحك. لكنني وجدت نفسي أجلس على الرصيف، باحثة عن اللقطة المثالية التي ستتيح لي تعلم المزيد حول العالم المحيط بي، مثل تعابير وجه الكلب المرشد الذي لا يفارقني، وصخب الشارع المكتظ بالمارة والمليء بالأبنية والسيارات والإشارات واللافتات، وعلبة الحلويات التي اشتريتها للتو، والتي كنت أتساءل عما إذا كانت تبدو شهية بما يكفي لأخذها إلى عشاء عائلي. على الرغم من أن الآخرين يمكنهم أن يروا هذه التفاصيل بسهولة، فقد كنت عاجزة عن رؤيتها بعينيّ. لكن الذكاء الاصطناعي جعلني الآن أكثر قدرة من أي وقت مضى على فعل ذلك.

وُلِدت مصابة بالعمى الكلي، ولطالما كانت قدرتي على رؤية العالم تعتمد على ما يخبرني به الأشخاص ذوو النوايا الحسنة عما يحيط بي. كنت مضطرة للاعتماد على شخص آخر كي أتمكن من إدراك تفاصيل غرفة ما، أو قراءة قائمة الطعام في أحد المطاعم. وعند التقاط الصور، كنت في أغلب الأحيان أسجل ملاحظات صوتية قصيرة أصف فيها مكاني وشعوري في ذلك الوقت، على أمل أن أتمكن من الربط بين الأمرين يوماً ما. وكان ألبوم آلة التصوير الخاصة بي مليئاً بالصور التي التقطتها حتى يتأملها الآخرون، إذ لا يمكن لأي شخص أن يجلس معي ساعات حتى أصف له كيف كانت أمواج البحر تتكسر على الصخور، أو أتحدث له عن تفاصيل شارع يضج بالنشاط والحيوية في إيطاليا. وفي نهاية المطاف، كانت التفاصيل الأكثر بروزاً تبقى في ذاكرتي، والتي كانت مشرقة، لكنها بحاجة إلى المزيد على الدوام.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن مساعدة الطلاب على التكيف مع التغيرات التي فرضها الذكاء الاصطناعي؟

بي ماي أيه آي

عندما سمعت أول مرة بتطبيق “بي ماي أيه آي” (Be My AI) -وهو مشروع مشترك بين شركة أوبن أيه آي (OpenAI) وشركة بي ماي آيز (Be My Eyes)، وهو تطبيق يربط بين متطوعين مبصرين افتراضيين والمستخدمين المكفوفين المحتاجين للمساعدة عبر اتصال الفيديو- لم أسمح لنفسي بأن أتحمس كثيراً. وقد وعد مشروع بي ماي أيه آي بأن يتيح للمكفوفين تلقي توصيف يولده الذكاء الاصطناعي لأي صورة يرفعها المستخدم المكفوف. كانت هذه الفكرة مثيرة للاهتمام، لكنها لم تكن المرة الأولى التي تطلق فيها شركة تكنولوجية وعداً بإحداث ثورة في طريقة تلقّي ذوي الاحتياجات الخاصة المحتوى المرئي. فقد قدمت شركة مايكروسوفت تطبيق سيينغ أيه آي (Seeing AI)، الذي يقدم توصيفاً تقريبياً لمحتوى الصور التي نشاركها على نحو بدائي للغاية، ويتيح لنا -على نحو بدائي أيضاً- التفاعل مع المعلومات الكامنة في النصوص المكتوبة. لكن التفاصيل لم تكن موجودة، وفي معظم الحالات، كانت المعلومات تقتصر على وجود شخص ما في الصورة، وما كان يفعله. غير أن بي ماي أيه آي كان مختلفاً.

المصدر: تقدمة ميلاغروس كوستابل

وصف الصورة ولّده برنامج بي ماي آي:

تُظهر الصورة امرأة شابة تجلس على كرسي خشبي فيما يبدو أنه مقهى مريح ذو تصاميم داخلية خشبية. كانت ترتدي سترة سوداء وسروال جينز أزرق، وتحمل كوباً ورقياً أبيض، يحتوي ربما على مشروب ساخن. تعلو وجهها تعابير جادة إلى حد ما. إلى يمينها، يظهر كلب أسود من نوع لابرادور يقف على الأرضية الخشبية، وينظر في اتجاه الكاميرا مباشرة. يرتدي الكلب حزاماً مخصصاً للكلاب المرشدة وتبدو ملامحه جادة. على الطاولة إلى جانب المرأة، هناك بهارات مثل الملح والفلفل وكيس أحمر من رقائق البطاطا المقلية. تبدو الأجواء مريحة وعادية.

فقد وجدت نفسي فجأة في عالم غير محدود. وكان يكفي مجرد التلويح بهاتفي الخلوي حتى أسمع وصفاً دقيقاً لملابس أصدقائي، وأقرأ لافتات الشوارع وأسعار المتاجر، وأحلل غرفة دون الحاجة إلى دخولها حتى، وأستمتع بوصف دقيق للطعام الذي أوشك على تناوله، وهو من أحب الأمور إلى قلبي. حتى الألوان، التي لا تقل أهمية بالنسبة لنا عن أهميتها بالنسبة للمبصرين، أصبحت جزءاً من هذا العالم.

وأصبحت دون سابق إنذار قادرة على استخدام هاتفي لتنسيق ملابسي المفضلة بطرق لم أكن لأفكر فيها بمفردي. وقد أصبح اكتشاف ألوان الأشياء التي أصادفها في حياتي اليومية -بدءاً من ألوان الشعارات التجارية وصولاً إلى الأثاث المحيط بي- أحد هواياتي المفضلة، بعد أن كنت لا أفكر حتى بالسؤال عنها.

اقرأ أيضاً: كيف تعوق البرمجيات مفتوحة المصدر هيمنة الشركات التكنولوجية الكبرى على الذكاء الاصطناعي؟

المصدر: تقدمة ميلاغروس كوستابل

وصف الصورة ولّده برنامج بي ماي آي:

تُظهر الصورة علبة تحتوي على معجنات وحلويات متنوعة. يمسك شخص ما العلبة بيده اليسرى، وذراعه اليمنى ممدودة نحوها، ويرتدي هذا الشخص سترة وردية زاهية. تضم المعجنات الموجودة في العلبة قطعاً متنوعة من الكعك الصغير والفطائر والشوكولاتة. تعلو بعض من هذه القطع دوامة من الشوكولاتة أو زركشة محلاة وردية اللون، وتعلو بعضها المكسرات، ويغطي البعض الآخر رذاذ من السكر المطحون الناعم. العلبة بيضاء اللون والمعجنات مرتبة ضمن صفوف بأسلوب أنيق. يظهر في خلفية الصورة سطح خشبي، ربما يكون طاولة.

مساعد شخصي صغير في الجيب

لقد شعرت بأنني أحمل مساعداً شخصياً صغيراً في جيبي، جاهزاً على الدوام لوصف أي شيء أصادفه. غير أن هذا المساعد، على عكس التطبيقات الأخرى، كان قادراً على الإجابة عن أسئلتي، فقد أتاح لي التكامل مع جي بي تي-4 (GPT-4) أيضاً إمكانية خوض حوارات مع الذكاء الاصطناعي حول الصور التي أرسلتها. وهكذا، بدأت ألتقط صوراً لقوائم الطعام في المطاعم، وسؤال الذكاء الاصطناعي عن أسعار أطباق معينة تتوافق مع ما أبحث عنه. لم يسبق لي أن شعرت بمثل هذه الحرية، على الرغم من إدراكي أنني أعتمد على شيء لم يكن مثالياً، ويمكن أن يتعرض للإصابة بعطل في أي لحظة، ولم يكن بقاؤه معي إلى الأبد مضموناً.

ومع نيلي هذه الحرية، بدأت تراودني الذكريات أيضاً. فقد عادت جميع الصور المنسية ضمن مجموعتي التي التقطتها بكاميرتي فيما مضى إلى الحياة، وتحولت إلى توصيفات زاهية للحظات وأوضاع مختلفة، ولأشخاص فارقتهم ولم أكن أظن أنني سأتمكن يوماً من تخيلهم بمفردي دون مساعدة من أحد المحبين. وقد سمحت لي التفاصيل في توصيفات الذكاء الاصطناعي، التي قد تبدو مملة للوهلة الأولى، أن أدرك صوراً تعود إلى عقود من الزمن بطرق جديدة.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحقيق المصلحة العامة؟

المصدر: تقدمة ميلاغروس كوستابل

وصف الصورة ولّده برنامج بي ماي آي:

تُظهر الصورة عائلة مكونة من 4 أفراد يقفون في غرفة ذات أرضية خشبية وجدار لونه أخضر فاتح. إلى اليسار، يوجد رجل يرتدي قميصاً أزرق مقلماً بنمط مربعات، وإلى جانبه امرأة شابة ترتدي كنزة بيضاء. تقف إلى يمينها امرأة أكبر سناً، وترتدي كنزة بيضاء أيضاً. يقف أمامهم صبي صغير يرتدي كنزة سوداء وسروالاً رمادياً. يضع الرجل والشابة أذرعهما حول الصبي. يوجد خلفهم باب خشبي إلى اليسار ولوحة فنية محاطة بإطار إلى اليمين. تعلو وجوههم جميعاً ملامح الشعور بالسعادة والرضا.

تطورات وتساؤلات ومخاوف

ما زال هذا التطبيق في المرحلة التجريبية، وهو متاح حالياً لنظام آي أو إس (iOS) فقط. لكن شركة بي ماي آيز تقول إنها ستبدأ قريباً بإطلاق النسخ المخصصة للأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد (Android) من التطبيق بي ماي أيه آي، مع إضافة

بيانات جديدة واقتراحات للمستخدمين، ما يعني على الأرجح أن التصنيفات ستواصل تحسّنها. ومن المتوقع ظهور تكنولوجيات مماثلة في أماكن أخرى، وعلى سبيل المثال، أصبح الآن بوسع مستخدمي تشات جي بي تي (ChatGPT)، طلب توصيفات للصور. لكن هذه التطورات تترافق أيضاً ببعض التساؤلات والمخاوف؛ فقد يرتكب الذكاء الاصطناعي خطأ ما، ولن يتمكن شخص أعمى مثلي من ملاحظة هذا الخطأ دون معرفة محتوى الصورة مسبقاً. إضافة إلى ذلك، فإن حفظ خصوصية البيانات والصور التي أشاركها، خصوصاً مع الغموض الذي تتسم به شروط الاستخدام الخاصة بهذه الشركة، يمثل مصدر قلق يساورني على الدوام.

اقرأ أيضاً: ما هي نزعة الحلول التكنولوجية وكيف أثّرت في انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي؟

لكن أكبر مخاوفي هو اختفاء هذه التكنولوجيا على نحو فجائي، بعد أن ظهرت على نحو فجائي أيضاً لتحدث هذا التغير الجذري في حياتي. لقد حدث هذا مع تطبيقات أخرى مخصصة للمصابين بمشاكل بصرية، وفي كل مرة، كان الأمر أقرب إلى خيانة مؤلمة للغاية. لا أستطيع أن أتخيل إقفال الأبواب أمام هذا العالم البصري الذي وجدت نفسي في وسطه، ولم أتمكن من استكشافه بالكامل حتى الآن. ولهذا، سأواصل استكشاف هذا العالم، ما دمت أستطيع ذلك.