هل من المجدي أن تحل الآلات محل البشر؟ دراسة جديدة تخفف من شبح البطالة بسبب الذكاء الاصطناعي

3 دقيقة
هل من المجدي أن تحل الآلات محل البشر؟ دراسة جديدة تخفف من شبح البطالة بسبب الذكاء الاصطناعي
حقوق الصورة: shutterstock.com/Stokkete
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يمكن للمرء أن يهرب هذه الأيام من التقارير التي تحاول استقراء كيف يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تؤثّر في الوظائف والشركات والأنظمة الاقتصادية بشكلٍ عام. بالطبع يظل الكثير من هذه التقارير متشائماً، لكن بعض الأخبار الإيجابية تبرز بين الحين والآخر لتذكرنا بأن ما نمر به اليوم حدث من قبل لكننا فقط لم نقرأ التاريخ جيداً.

خلال الأيام القليلة الماضية صدرت دراستان مهمتان، الأولى نشرها صندوق النقد الدولي وتتوقع أن الذكاء الاصطناعي سيؤثّر في نحو 40% من الوظائف العالمية، وأن تأثيره في الاقتصادات المتقدمة سيفوق تأثيره في الأسواق الناشئة والدول المنخفضة الدخل. وقد حذّرت مديرة الصندوق كريستالينا غورغييفا، في تعليقها على الدراسة، من أن معظم السيناريوهات ترجّح أن يفاقم الذكاء الاصطناعي عدم المساواة.

اقرأ أيضاً: ما الوظائف الجديدة التي سيخلقها الذكاء الاصطناعي؟

الأتمتة ليست مفيدة دائماً

الورقة البحثية الثانية، والأكثر أهمية، نشرها باحثون من جامعة إم آي تي، وخلصت إلى أن أتمتة الوظائف قد تحدث بشكلٍ أبطأ مما نعتقد. ما يُميّز هذه الدراسة عمّا سبقها من الدراسات هو أن الباحثين لم يدرسوا ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمكنه أداء مهمة ما فحسب، بل بحثوا أيضاً فيما إذا كان من المجدي اقتصادياً أن تحل الآلات محل البشر الذين يؤدون تلك المهام في سوق العمل، ومدى احتمال استخدام الشركات فعلياً الذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام، مع التركيز بشكلٍ خاص على الرؤية الحاسوبية.

وجد الباحثون في مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي التابع للجامعة، بالتعاون مع زملائهم في معهد الإنتاجية (The Productivity Institute) ومعهد آي بي إم لقيمة الأعمال (IBM’s Institute for Business Value)، أنه في حين أن الذكاء الاصطناعي القائم على الرؤية الحاسوبية يمكنه اليوم أتمتة المهام التي تمثّل 1.6% من أجور العمال في الاقتصاد الأميركي (باستثناء الزراعة)، فإن 23% فقط من تلك الأجور (0.4% من الاقتصاد ككل) ستكون تكاليف أتمتتها أقل بالنسبة للشركات من دفع أجور العمال البشريين.

بمعنى آخر، تشير الدراسة -التي تحمل عنوان “ما وراء الانكشاف على الذكاء الاصطناعي: ما المهام التي تعتبر فعّالة من حيث التكلفة للأتمتة باستخدام الرؤية الحاسوبية؟”- إلى أن غالبية الوظائف التي حُدِدت سابقاً على أنها معرضة لخطر استبدالها بالذكاء الاصطناعي لن تكون أتمتتها “مفيدة اقتصادياً”– على الأقل في الوقت الحاضر- “بسبب التكاليف الأولية الكبيرة لأنظمة الذكاء الاصطناعي”.

اقرأ أيضاً: يان لوكون مسؤول الذكاء الاصطناعي في ميتا: الذكاء الاصطناعي لن يدمر الوظائف

يقول نيل طومسون، الباحث الرئيسي في مختبر علوم الحاسوب بالجامعة والذي قاد الدراسة: “يشير هذا إلى دمج أكثر تدرجاً للذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، وهو ما يتناقض مع النزوح الوظيفي السريع الذي يُحركه الذكاء الاصطناعي في كثيرٍ من الأحيان. لقد وضعنا تركيزنا على مجال الرؤية الحاسوبية، وهو مجال شهدت فيه نمذجة التكاليف تقدماً كبيراً”.

نموذج تحليلي ثلاثي

يحيد هذا البحث عن النهج التقليدي الواسع النطاق فيما يتعلق بالتأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي. وبدلاً من ذلك، فإنه يفحص جدوى الذكاء الاصطناعي في أتمتة مهام محددة. وما يُميّز الدراسة هو نموذجها التحليلي الثلاثي، إذ لا يقيّم النموذج متطلبات الأداء التقني لأنظمة الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يتعمق أيضاً في خصائص نظام الذكاء الاصطناعي القادر على هذا الأداء، والاختيار الاقتصادي لبناء ونشر مثل هذا النظام.

يأخذ نموذج أتمتة المهام المقترح في الدراسة في اعتباره عدة عوامل، بما فيها مستوى الأداء المطلوب للقيام بالمهمة، والقدرات التقنية لنظام الذكاء الاصطناعي اللازمة للوصول إلى هذا الأداء، واقتصاديات بناء هذا النظام. وتوضّح الورقة أن النشر البطيء للذكاء الاصطناعي يمكن أن يتسارع إذا انخفضت التكاليف بسرعة أو إذا نُشر عبر منصات خدمات الذكاء الاصطناعي. ولكن بشكلٍ عام، ستؤتمت مهام أقل بكثير مما كان يشار إليه سابقاً.

يقول طومسون في حواره مع موقع مبادرة إم آي تي بشأن الاقتصاد الرقمي (IDE): “سيفي الذكاء الاصطناعي بوعده بزيادة الإنتاجية، كما أنه يشكّل تهديداً بالاستغناء عن العمالة. من المحتمل أن يحدث كلا الأمرين، لكن ذلك يعتمد على مدى سرعة اعتماد التقنيات. ومع ذلك، حتى مع الانخفاض السريع في التكلفة بنسبة 20% سنوياً، سيستغرق الأمر عقوداً حتى تصبح مهام الرؤية الحاسوبية فعّالة اقتصادياً بالنسبة للشركات”.

اقرأ أيضاً: ما الوظائف الأكثر عرضة لاستيلاء الذكاء الاصطناعي عليها؟

ويرى الباحث أن النتيجة الأكثر إثارة للدهشة هي الاختلاف الكبير الذي ينتج عن كيفية تحليل البيانات. ويُضيف: “ثمة اختلاف كبير في النتائج بين تحليل الذكاء الاصطناعي على مستوى الملائمة التقنية بشكلٍ واسع -أي ما الوظائف المعرضة لأن يتولاها الذكاء الاصطناعي، والتي تُسمَّى عادةً الانكشاف على الذكاء الاصطناعي (AI Exposure) وبين نتائج التحليل الذي يشترط أن تكون عمليات النشر جذابة اقتصادياً”.

يفترض التحليل الأول أن المهام جميعها التي يمكن أتمتتها ستكون كذلك. لكن الدراسة تتحدى هذا الرأي، حيث وجد الباحثون أن مهمة واحدة فقط من كل 4 مهام (23%) تتمتع بملائمة تقنية تعتبر جذابة من الناحية الاقتصادية للنشر في الوقت الحالي.

على سبيل المثال، قد يكون عامل البيع بالتجزئة مسؤولاً حالياً عن فحص المخزون بصرياً أو التأكد من دقة الأسعار الملصقة على بضائع معينة في المتجر. يشير طومسون إلى أن الآلة المدربة على الرؤية الحاسوبية يمكن أن تقوم بهذه المهمة من الناحية التقنية، لكن في هذه المرحلة سيظل من المنطقي اقتصادياً أن يدفع صاحب العمل للعامل البشري للقيام بذلك.

نموذج صالح للأعوام المقبلة

إحدى النتائج التي يمكن استخلاصها من هذه الدراسة هي أن الاضطرابات في الوظائف بواسطة الذكاء الاصطناعي أكثر تدرجاً من كونها مفاجئة، وقد يعني هذا أن صُنّاع السياسات وأصحاب العمل وحتى العمال يمكنهم البدء بالاستعداد والتكيُّف بشكلٍ أفضل مع هذه التغييرات.

وتذكر الورقة أنه “حتى الشركة التي تضم 5000 موظف، أي أكبر من 99.9% من الشركات في الولايات المتحدة، لا يمكنها سوى أتمتة أقل من عُشر العمل القائم على الرؤية الحاسوبية لديها بهيكل التكلفة الحالي”. وما لم يتخذ تقدم الذكاء الاصطناعي منحى مختلفاً بشكلٍ كبير، يقول الباحثون إنهم على ثقة بأن نموذجهم سيظل دليلاً مفيداً خلال السنوات المقبلة.