لماذا لا تزال تكنولوجيا التنبؤ بالأعاصير عاجزة عن درء مخاطرها وكوارثها؟

3 دقائق
لماذا لا تزال تكنولوجيا التنبؤ بالأعاصير عاجزة عن درء مخاطرها وكوارثها؟
حقوق الصورة: إم أي تي تكنولوجي ريفيو. دخل الإعصار إيان إلى البر في فلوريدا في أكتوبر. تشرين الأول من العام 2022 بتصنيف عاصفة من الفئة الخامسة.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصبح الآن من الممكن ربط التغير المناخي بأنواع الظواهر المناخية المتطرفة كافة، بدءاً من نوبات الجفاف ووصولاً إلى الفيضانات والحرائق البرية.

وليست الأعاصير استثناء لهذه القاعدة، فقد وجد العلماء أن درجات الحرارة المتزايدة تتسبب بعواصف أشد وأكثر عشوائية. هذا يدعو إلى القلق، لأن الأعاصير هي حالياً من بين أكثر الأحداث المناخية الشديدة تدميراً وقتلاً حول العالم. فقد تعرضت الولايات المتحدة وحدها إلى ثلاثة أعاصير تسبب كل منها بأضرار تزيد على مليار دولار في العام 2022. في عالم مصاب بالاحترار، يمكن أن نتوقع تزايد إجمالي هذه الأضرار.

لكن العلاقة بين التغير المناخي والأعاصير أكثر تعقيداً مما يظن معظم البشر. ونقدم فيما يلي شرحاً لمعلوماتنا الحالية عن الأعاصير، وما يمكن أن نتوقعه من العواصف المقبلة، خصوصاً بوجود إعصار إيداليا (Idalia) الذي ضرب ساحل فلوريدا مؤخراً.

هل أصبحت الأعاصير أكثر ظهوراً؟

قد يبدو أن عدد العواصف ازداد كثيراً إلى درجة غير مسبوقة، ولكننا لا نستطيع تأكيد هذا الأمر.

ويُعزى هذا إلى محدودية السجلات التاريخية، وقلة البيانات الموثوقة التي جُمعت على مدى فترة لم تتعد سوى بضعة عقود، وفقاً للأستاذة الفخرية لعلوم الغلاف الجوي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، كيري إيمانويل. لهذا السبب، ليس من الممكن التوصل إلى استنتاجات حول تغير وتيرة تشكّل الأعاصير المدارية الدوّامية (tropical cyclones) مع مرور الزمن. ومن الجدير بالذكر أن هذا الاسم هو مصطلح شامل للأعاصير التي تختلف أسماؤها باختلاف المنطقة، وهي “إعصار استوائي” (hurricane)، و”إعصار حلزوني” (cyclone)، و”إعصار مداري” (typhoon).

تقول إيمانويل إن أفضل البيانات مرتبطة بمنطقة شمال الأطلسي، وإنه لا يبدو أن عدد الأعاصير ازداد بالمقارنة مع الفترات الماضية. لكن بعض الأبحاث يشير إلى أن العدد الإجمالي للأعاصير الاستوائية قد انخفض على مدى العقود القليلة الماضية على مستوى العالم.

ثمة اختلاف بين العلماء على وجود تغير في تشكّل الأعاصير (cyclogenesis) أو تشكّل العواصف مع مرور الزمن، وإذا ما كانت ستتعرض لتأثير التغير المناخي في المستقبل. يشير بعض النماذج المناخية إلى أن التغير المناخي سيؤدي إلى زيادة إجمالية في تشكّل العواصف، على حين تشير نماذج أخرى إلى العكس، وفقاً لعالم المناخ والبيانات في مختبر باسيفيك نورثويست الوطني، كارثيك بالاغورو.

اقرأ أيضاً: لماذا لم يعد بإمكاننا تجاهل خيار التكيّف المناخي؟

هل تزداد الأعاصير قوةً؟

ازدادت قوة الأعاصير وسطياً على مستوى العالم خلال العقود الأربعة الماضية، وتقول إيمانويل إنه انطلاقاً من معلوماتنا الحالية حول التغير المناخي، من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه.

ففي إحدى الدراسات، درس الباحثون صوراً للأقمار الاصطناعية تعود إلى الفترة بين عامي 1979 و2017، ووجدوا زيادة في نسبة العواصف التي تصل إلى تصنيف أعاصير كبيرة، ويعرف الإعصار الكبير بأنه إعصار تهب فيه الرياح بسرعة تزيد على 177 كيلومتراً في الساعة.

يتوافق هذا الاتجاه في زيادة قوة العواصف مع بحث نظري يعود إلى الثمانينيات لإيمانويل ومجموعة من علماء المناخ، إذ تنبؤوا بأن يؤدي احترار المحيطات إلى التسبب بأعاصير أشد قوة. يوفر ارتفاع درجات حرارة المياه المزيد من الطاقة للعواصف، ما يؤدي إلى زيادة سرعة الرياح.

ومع ارتفاع درجات الحرارة، “يزداد احتمال تشكّل هذه الأحداث المناخية الشديدة”، وفقاً لعالم الغلاف الجوي وخبير التنبؤ بالأعاصير في جامعة كولورادو الحكومية، فيل كلوتزباخ.

وهو ما يتوافق مع الأبحاث الحديثة التي توصلت إلى أن الأعاصير في منطقة شمال الأطلسي تزداد شدة بسرعة أكبر، ما يعني أن سرعة الرياح فيها تزداد مع عبورها للمحيطات المصابة بالاحترار.

يظهر هذا الاتجاه بأعلى درجة من الوضوح في منطقة شمال الأطلسي، ولكنه قد ينطبق أيضاً على مختلف أنحاء العالم، فقد توصلت دراسة حديثة أخرى إلى وجود زيادة على مستوى العالم في عدد العواصف التي تشتد بسرعة فائقة، إذ تزداد سرعة الرياح بمقدار 105 كيلومترات تقريباً في الساعة أو أكثر خلال 24 ساعة.

يمكن للعواصف التي تصبح أكثر قوة بسرعة، خصوصاً تلك القريبة من الشاطئ، أن تكون خطيرة للغاية، بما أن السكان لا يجدون ما يكفي من الوقت للاستعداد لمواجهتها أو للإخلاء.

اقرأ أيضاً: كيف تجاوز آيدا دفاعات مدينة نيويورك ضد الفيضانات

ما التأثيرات الأخرى للتغير المناخي في الأعاصير؟

ثمة “مفاعيل مركبة” للتغير المناخي قد تؤثر في الأعاصير مستقبلاً، وفقاً لبالاغورو.

فالتغير المناخي يتسبب بارتفاع مستويات سطح البحر، ما يؤدي إلى اشتداد عرام العواصف، وزيادة احتمال حدوث فيضانات ساحلية أكثر تسبباً بالأضرار. إضافة إلى ذلك، يستطيع الهواء حمل كمية أكبر من الماء مع ارتفاع درجة حرارته، ما يعني هطل كميات أكبر من الأمطار خلال العواصف بسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية الناجم عن التغير المناخي. ويؤدي اجتماع العوامل السابقة إلى زيادة الفيضانات خلال الأعاصير.

ثمة مفاعيل أخرى غير مفهومة للتغير المناخي يمكن أن تؤثر على العواصف في المستقبل. فقد ازداد احتمال بقاء العواصف في مكان واحد، ما يعني تركيز هطل المزيد من الأمطار على مناطق محددة، كما حدث عندما ضرب إعصار هارفي مدينة هيوستن في 2017. يربط بعض الدراسات هذا الأثر بالتغير المناخي أيضاً، على الرغم من أن هذا الارتباط أقل تأكيداً من غيره، على حد تعبير بالاغورو. أيضاً، يمكن للتغيرات الإقليمية في دوران الغلاف الجوي أن تؤثر في المناطق الأكثر عرضة لأن تضربها العواصف. 

اقرأ أيضاً: كيف تسعى المدن جاهدة لمنع الفيضانات؟

وحتى مع زيادة الأعاصير قوةً وتقلباً، فقد تحسنت قدرتنا على التنبؤ بكل من مسارها وشدتها في السنوات الأخيرة. ويمكن للتطورات في الحواسيب الخارقة والتنبؤ بالذكاء الاصطناعي أن تساعد المسؤولين على التنبؤ بالعواصف بدقة أفضل، ومنح الناس المزيد من الوقت للاستعداد لها. لكن هذه المكاسب ستبقى محدودة الأثر في نهاية المطاف.

تقول إيمانويل: “لسوء الحظ، على الرغم من أننا أصبحنا أكثر براعة في إطلاق التحذيرات، فإن هذا التحسن لن يستمر إلى ما لا نهاية”.