هل بالإمكان فعلاً عزل الكربون باستخدام الأعشاب البحرية؟

3 دقائق
هل بالإمكان فعلاً عزل الكربون باستخدام الأعشاب البحرية؟ بالإمكان فعلاً عزل الكربون باستخدام الأعشاب البحرية؟
حقوق الصورة: إم أي تي تكنولوجي ريفيو. مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعتقد الخبراء أنه إذا أردنا الوقاية من أكبر مخاطر الاحتباس الحراري، فإن إزالة كميات كبيرة من غاز ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي إجراء ضروري. لهذا السبب، أثارت المشاريع التي تركز على زراعة الأعشاب البحرية لامتصاص ثنائي أوكسيد الكربون من الهواء وحبسه في البحر اهتمام الحكومة الأميركية والشركات الخاصة، مثل أمازون، على مدى السنوات القليلة الماضية، وحصلت على كميات كبيرة من التمويل أيضاً.

هل سنتمكن من زراعة ما يكفي من الأعشاب البحرية لتحقيق الأهداف المناخية؟

لكنّ المشكلة في هذه المشاريع تكمن في أن زراعة كمية كافية من الأعشاب البحرية لتحقيق الأهداف المناخية قد لا تكون قابلة للتطبيق عملياً في النهاية. 

قدّرت دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 15 يونيو/ حزيران 2023 في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز إيرث آند إنفايرنمنت (Nature Communications Earth & Environment) أنه تجب زراعة نحو مليون كيلومتر مربع من المحيط لإزالة مليار طن من ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي على مدار عام واحد. ليس من السهل تخصيص هذه المساحة الهائلة في المناطق التي تنمو فيها الأعشاب البحرية بسهولة، وذلك بسبب الحاجة إلى استخدام المساحات على طول السواحل في نشاطات أخرى منافسة، مثل الشحن وصيد الأسماك.

لنشرح الموضوع أكثر؛ وفقاً لمؤلفي الدراسة الجديدة، يجب التقاط 2.5-13 مليار طن من ثنائي أوكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي سنوياً لتحقيق الأهداف المناخية، وذلك بالإضافة إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة بدرجة مرتفعة. 

تشير مجموعة متنوعة من النماذج العلمية إلى أنه تجب إزالة كمية من ثنائي أوكسيد الكربون تتراوح بين 1.3 مليار طن و29 مليار طن سنوياً بحلول عام 2050 للوقاية من ارتفاع مستويات الاحتباس الحراري إلى ما يتجاوز 1.5 درجة مئوية. قدّر تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة عام 2017 أنه تجب إزالة 10 مليارات طن سنوياً من ثنائي أوكسيد الكربون للوقاية من تجاوز مستويات الاحتباس الحراري درجتين مئويتين بحلول عام 2050.

اقرأ أيضاً: بطاطا بحرية تفتح آفاقاً واعدة للتنقيب البحري بحثاً عن مصادر الطاقة المتجددة

دور الأعشاب البحرية في التقاط الكربون

تقول الباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة في جامعة ستانفورد والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، إيزابيلا أرزينو-سولتيرو: “التطبيقات العملية تتقدّم بمعدل أسرع من الأبحاث العلمية. تمثَّل هدفنا المباشر في معرفة ما إذا كان بإمكاننا في ظل الظروف المثلى التقاط الكربون بالمستوى الذي يتحدّث عنه العلماء. واتضح أننا لن نتمكن من ذلك”.

تمتص الأعشاب البحرية ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي من خلال عملية التركيب الضوئي، ثم تُعزل كميات كبيرة من هذا الغاز، ربما لآلاف السنين، عندما تغرق النباتات في النهاية في أعماق المحيط. تكمن فكرة استخدام الأعشاب البحرية في زراعتها ثم إغراقها عمداً بهدف حبس الكربون لفترة تكفي لتخفيف الضغط على المناخ.

استخدمت أرزينو-سولتيرو وزملاؤها من جامعة كاليفورنيا في مدينة إيرفاين نموذجاً برمجياً لتقدير كمية الأعشاب البحرية من 4 أنواع مختلفة والتي تمكن زراعتها في المحيطات حول العالم.

أخذ النموذج في الاعتبار عوامل مثل معدل امتصاص الأعشاب البحرية للنترات (وهو أمر ضروري للنمو)، ودرجة حرارة الماء وشدّة أشعة الشمس وارتفاع أمواج البحر والممارسات الزراعية الحالية، واستخدم الباحثون بيانات عن المحيطات العالمية جُمعت خلال السنوات الماضية. أجرى الباحثون أكثر من ألف عملية محاكاة لنمو الأعشاب البحرية وحصادها لكل نوع من الأنواع المدروسة، وقالوا إن هذه العمليات تمثل “الحدود العليا المثلى” لمستوى إنتاج الأعشاب البحرية

اقرأ أيضاً: ما التكنولوجيات التي يمكن استخدامها لإبطاء عملية التغيّر المناخي؟

على سبيل المثال، افترضت التقديرات الجديدة أنه توجد مساحات للزراعة ضمن المياه التي تضمن الإنتاجية الأعلى بالنسبة للأعشاب البحرية في منطقة المحيط الهادئ الاستوائي، على بعد نحو 370 كيلومتراً قبالة الساحل. أما في المواقع الأقل إنتاجية، ستكون زراعة كمية من الأعشاب البحرية كافية لتحقيق الأهداف المناخية أصعب؛ إذ يجب تخصيص مساحة لزراعة الأعشاب البحرية تبلغ 3 أضعاف المساحة التي يجب تخصيصها في المناطق ذات الإنتاجية الأعلى لعزل الكمية نفسها من الكربون.

تشير نتائج الدراسة الجديدة إلى أن زراعة كمية كافية من الأعشاب البحرية لتحقيق الأهداف المناخية غير ممكنة عملياً في الوقت الحالي، علماً أن تحقيق هذه الأهداف سيتطلب أكثر بكثير من الاعتماد على الأعشاب البحرية فقط.

وفقاً لعالمة الأحياء المتخصصة في الطحالب الكبيرة التي تزرع الأعشاب البحرية في جزر فارو ولم تشارك في الدراسة الجديدة، فإن الشركات التي تأمل في توسيع مشاريع زراعة الأعشاب البحرية التي تجريها اضطرت أيضاً إلى أخذ تأثير نشاطاتها في النظام البيئي للمحيطات في الاعتبار. 

اقرأ أيضاً: لماذا قد تخيب آمالنا بالمحيطات كوسط لامتصاص ثنائي أوكسيد الكربون؟

تقول مولز-مورتنسن: “يجب أن نكون حريصين على عدم الإفراط في استغلال المحيط كما فعلنا على البر. نحن بحاجة للتوصل إلى طرق فعالة للغاية ومبنية على الأبحاث العلمية، قبل أن نحلم بإنقاذ الكوكب عن طريق الأعشاب البحرية؛ إذ إن هناك الكثير من الضجة الإعلامية حول هذه الموضوع”.