تقنيات إنتاج الغذاء الحديثة قد تعيد 80% من الأراضي الزراعية في العالم إلى الطبيعة

4 دقائق
تقنيات إنتاج الغذاء الحديثة قد تعيد 80% من الأراضي الزراعية في العالم إلى الطبيعة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ metamorworks
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على مدار القرون الماضية، حل الإنتاج الزراعي محل النظم البيئية الطبيعية في مختلف أنحاء الكوكب، وأصبح سبباً رئيسياً لانبعاثات الكربون وفقدان التنوع البيولوجي واستهلاك المياه العذبة. استكشف العلماء على مدى سنوات العديد من الحلول المقترحة لتقليل هذه التأثيرات البيئية مع الحفاظ على مستويات إنتاج المحاصيل الحالية، منها على سبيل المثال تحسين التوزيع المكاني للأراضي الزراعية على مستوى العالم، والسماح للنظم البيئية في المناطق التي ستصبح مهجورة بالتجدد.

بيد أن دراسة جديدة تشير إلى أن البشر قد لا يضطرون إلى اللجوء لهذه الحلول، وأن تقنيات إنتاج الغذاء الحديثة المعتمدة بشكل أساسي على التكنولوجيا، يمكن أن تحرر ما لا يقل عن 80% من الأراضي الزراعية الموجودة حالياً في غضون قرن تقريباً.

تنافس على الأرض

مع نهاية العام الماضي، قدرت الأمم المتحدة أن عدد سكان العالم بلغ نحو 8 مليارات نسمة، يعاني ما يقرب من 2.5 مليار منهم من انعدام الأمن الغذائي. وتشير أحدث التوقعات إلى أنه سيتعين على العالم عام 2057 إطعام ما يصل إلى 10 مليارات شخص. بحلول هذا الوقت وبسبب هذا الطلب المتزايد على الغذاء والطاقة، ستتعرض البيئة الطبيعية، بما في ذلك التنوع البيولوجي، لضغوط متزايدة.

مشكلة الحفاظ على الطبيعة في الوقت الحالي هي أن هناك تنافساً على الأرض بين عملية إنتاج الغذاء، والتنوع البيولوجي، وتخزين الكربون في النُظم البيئية. نظراً لتزايد الطلب البشري على الغذاء، تتم إزالة مساحات واسعة من الغابات وغيرها من النُظم البيئية الطبيعية، وتتزايد المزارع وتصبح أقل ملاءمة للعديد من الحيوانات والنباتات البرية

هذه الأراضي المستخدمة لإنتاج الغذاء البشري يتم تخصيص نحو أربعة أخماسها للحوم ومنتجات الألبان، بما في ذلك أراضي الرعي والأراضي المزروعة فقط لإطعام الماشية.

يشرح مؤلف الدراسة كريس توماس، وهو مدير مركز ليفرهولم للتنوع البيولوجي للأنثروبوسين بجامعة يورك البريطانية، أن الرسوم الكرتونية التي تظهر فيها أبقار سعيدة تبرز من شفاها الزهور التي تأكلها هي مجرد صور خادعة، وأن عمليات إنتاج اللحوم والألبان في الواقع تتم عبر تقنيات قاسية وملوثة ومضرة بالتنوع البيولوجي والمناخ.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد تكنولوجيا التعديل الجيني النباتات على مواجهة الاحترار العالمي؟

معالجة أزمة التنوع البيولوجي

تحذّر الدراسة، التي نشرت في شهر أكتوبر الماضي في دورية “ذي أنثروبوسين ريفيو”، من أن أزمة التنوع البيولوجي لا يمكن معالجتها إلا من خلال انتقال تكنولوجي مكافئ للأنظمة الغذائية البشرية. ومن خلال تطوير ثلاثة سيناريوهات للتطورات التكنولوجية والزراعية المستقبلية، توضح كيف أن “استخدام مصادر طاقة فيزيائية متجددة في زراعة المنتجات الحيوانية والميكروبات والكربوهيدرات سيمكّن البشرية من تجاوز أوجه القصور في عملية التمثيل الضوئي وتحويل مواد التمثيل الضوئي إلى منتجات حيوانية، وبالتالي ترك أكثر من 80% من الأراضي الزراعية والرعوية تعود إلى الطبيعة”، وذلك حتى مع افتراض أن الاستهلاك العالمي للحوم سيتضاعف.

الفكرة الرئيسية هنا هي أن البشر كائنات حية تعتمد على الشمس. تقوم النباتات بتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة مخزنة داخل الجزيئات البيولوجية عبر التمثيل الضوئي. ثم نستمد موادنا الجسدية وطاقتنا عبر استقلاب هذه الإنتاجية المعتمدة على النباتات، وعبر السلاسل الغذائية (الحيوانات والفطريات والبكتيريا) القائمة أيضاً على التمثيل الضوئي. بالإضافة إلى ذلك، فإن التوسع في استخدام الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة على مدار الـ 170 عاماً الماضية يعتمد أيضاً على التمثيل الضوئي، ولكن في هذه الحالة التمثيل الضوئي الذي حدث منذ ملايين السنين.

خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بدأنا الانتقال من الاعتماد على النظام البيولوجي (التمثيل الضوئي القديم) إلى تسخير قوة الفيزياء بشكل مباشر، والاعتماد بشكل متزايد على الطاقة النووية، وطاقة الجاذبية (الطاقة المائية، وطاقة المد والجزر)، والطاقات الجيولوجية والشمسية (الكهروضوئية، وتسخين المياه بالطاقة الشمسية، والرياح، دون احتساب الكتلة الحيوية التي تعتمد على تمثيل ضوئي حديث وبالتالي تستهلك أراضي إضافية).

يرى مؤلف الدراسة أنه على الرغم من أن هذا الانتقال المستمر غالباً ما يبدو بطيئاً بشكل مؤلم بل ومستحيلاً في بعض الأحيان، فإننا نتحرك بشكل جماعي نحو استبدال مصادر الطاقة المشتقة من عملية التمثيل الضوئي التي تولد غازات الدفيئة بمصادر فيزيائية لا تفعل ذلك، على نطاق زمني يبلغ نحو 100 سنة.

اقرأ أيضاً: هل تستحق فكرة البيولوجيا التركيبية التي تسوّق لها شركة جينكو 15 مليار دولار؟

تقنيات جديدة للمنتجات الزراعية

يشرح توماس في مقالة كتبها مع زميليه في جامعة يورك، باحث ما بعد الدكتوراة جاك هاتفيلد، وباحثة الدكتوراة كاتي نوبل، أن النهج العالمي الرئيسي لمواجهة تغيّر المناخ هو التركيز على السبب وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة. والشيء نفسه مطلوب لمواجهة أزمة التنوع البيولوجي.

يقول الباحثون إن الزراعة الخلوية (Cellular agriculture) والتي يطلق عليها أيضاً اسم “الطعام المزروع في المختبر” يمكن أن توفر بديلاً، ويمكن أن تكون أحد أكثر التطورات التكنولوجية الواعدة في هذا القرن. تتضمن هذه العملية زراعة المنتجات الحيوانية من استنبات خلايا حيوانية حقيقية، بدلاً من تربية الحيوانات، ما يتيح لمنشآت ومصانع الأغذية التحول إلى مصادر مستدامة وفعّالة لمنتجات الألبان أو اللحوم. وبالإضافة إلى القضاء على القسوة على الحيوانات، وبدون الحاجة إلى تجول الأبقار في الحقول سيشغّل المصنع مساحة أقل بكثير لإنتاج الكمية نفسها من اللحوم أو الحليب.

تتضمن التقنيات الناشئة الأخرى التي يشير إليها الباحثون إنتاج بروتين ميكروبي (microbial protein)، حيث تستخدم البكتيريا الطاقة المستمدة من الألواح الشمسية لتحويل ثاني أوكسيد الكربون والنيتروجين وغيرهما من المغذيات إلى كربوهيدرات وبروتينات، وهو ما يمكن أن ينتج الكثير من البروتين مثل فول الصويا، وفي 7% فقط من المساحة المطلوبة حالياً.

علاوة على ذلك، من الممكن إنتاج السكريات والكربوهيدرات باستخدام تحلية المياه أو من خلال استخلاص ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وكل هذا دون المرور بنبات أو حيوان حي. 

اقرأ أيضاً: بلانتي كيوب: حاويات ذكية قد تنقل الزراعة إلى المدن

والسكريات الناتجة ستماثل تلك المستخلصة من النباتات من الناحية الكيميائية، ولكن بجزء صغير من المساحة التي تتطلبها المحاصيل التقليدية. وفي المستقبل، قد تتحول هذه الأراضي التي هجرتها الزراعة إلى محميات طبيعية أو تستخدم لتخزين الكربون.

في النهاية، تشير الدراسة إلى أن هذا التحول يحتاج إلى إرادة سياسية عالمية وهياكل حوكمة وحوافز اقتصادية جديدة. هذا بالطبع بخلاف تقبل عامة الناس وحماسهم لهذه الأشكال الجديدة من الطعام. 

وقد تكون نقطة البداية هي إطلاق عملية مشتركة بين منظمات الأمم المتحدة المعنية بالتنوع البيولوجي، مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، تشرف على ثورة في أنظمة إنتاج الغذاء بالطريقة نفسها التي تساعد بها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ في توجيه تحول أنظمة الطاقة بعيداً عن الانبعاثات الملوثة للبيئة.