محاولات أميركية لتطوير تقنية لنقل الطاقة لاسلكياً

4 دقائق
محاولات أميركية لتطوير تقنية لنقل الطاقة لاسلكياً
حقوق الصورة: shutterstock.com/Serg036
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أعلنت وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية “داربا” (DARPA)، وهي وكالة تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، أنها أطلقت المرحلة الأولى من برنامج ترحيل الطاقة اللاسلكية الضوئية المستمرة “باور” (POWER)، وهو مشروع قد يبدو في الوقت الحالي أقرب إلى الخيال العلمي، لكنه يسعى لاستكشاف إمكانية إنشاء “شبكة طاقة” تشبه بشكلٍ ما شبكة الإنترنت العالمية، ويمكنها توزيع الطاقة سريعاً من مصادر بعيدة وغير مستغلة حالياً.

نقل الطاقة باستخدام أشعة الليزر

ثمة العديد من التقنيات الناشئة التي تتمتع بالقدرة على تغيير شكل العالم، لكن التحدي الأساسي الذي يواجهها دائماً هو كيفية توفير مصدر فعّال للطاقة. ولعل المثال الأهم هنا هو الطائرات الكهربائية التي تبدو فكرة رائعة، لكن البطاريات اللازمة لتشغيلها كبيرة وثقيلة للغاية، ما يؤثّر في قدراتها سواء من حيث الحمولة أو المسافة التي يمكن أن تقطعها.

على مدى سنوات طويلة، بدا أن نقل الطاقة لاسلكياً هو الحل المنطقي لهذه المشكلات، وقد أجرى العالم نيكولا تسلا تجارب بالفعل لتنفيذ هذه الفكرة منذ ما يقرب من 100 عام، لكن قوانين الفيزياء الأساسية أحبطت هذه المحاولات. لذلك فإن جهود “داربا” الحالية لنقل الطاقة باستخدام الليزر، إذا نجحت، ستمثّل التغيير الأكثر أهمية في مجال نقل الطاقة، وقد توفّر للطائرات الكهربائية قدرات غير مسبوقة.

بدلاً من استخدام الأسلاك لتوصيل الطاقة، تريد الوكالة -المسؤولة عن تطوير التقنيات الناشئة للاستخدام العسكري- إرسال الطاقة لاسلكياً لمسافة مئات الكيلومترات. ولا يستهدف المشروع توصيل الكهرباء إلى المنازل، بل توصيلها إلى الأماكن التي قد يكون من الصعب أو المكلف أو الخطير الوصول إليها عبر البنية التحتية لشبكات الطاقة أو شحنات الوقود أو البطاريات.

اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام الكهرباء النظيفة للاستغناء عن مصادر الطاقة الملوثة في المصانع؟

فرق متنوعة تستخدم تقنيات مختلفة

أعلنت “داربا” الشهر الماضي أن المرحلة الأولى من المشروع انطلقت باختيار 3 فرق لتصميم المرحِّلات الجوية (Aerial Relays) اللازمة لإرسال الطاقة لاسلكياً وتطويرها. تتبع هذه الفرق شركات أر تي إكس (RTX) (المعروفة سابقاً باسم “رايثيون تكنولوجيز”) ومقرها بولاية فيرجينيا، ومختبر دريبر (Draper Laboratory) البحثي غير الربحي بولاية ماساتشوستس، وشركة بيم (BEAM) في فلوريدا.

يقول الدكتور بول جافي، مهندس الإلكترونيات الذي يقود مشروع “باور”، إن “هذا المشروع يتمتع بالقدرة على تعزيز إشعاع الطاقة عدة أضعاف، ما قد يغيّر علاقة المجتمع بالطاقة بشكلٍ جذري”.

الفكرة هي تسليط شعاع الليزر على مجموعة من الألواح الشمسية البعيدة، التي يمكنها تحويل هذا الضوء إلى كهرباء. وتسمح التكنولوجيا الحالية ببث الطاقة من الأرض إلى الأرض، بينما نقل الطاقة بين منصتين جويتين ممكن لكنه غير فعّال إلى حد كبير بسبب خسارة الطاقة ومتطلبات الوزن والقوة الإضافية التي تحتاج إليها هياكل الطائرات التي تحمل هذه المنصات.

كما يمكن إرسال الطاقة الضوئية من المحطة الأرضية عبر الليزر، ولكن عند كل عقدة هوائية (aerial node) يتم تحويل الطاقة الضوئية إلى كهرباء لتشغيل ليزر آخر. والمشكلة أن خسارة الطاقة التي تحدث في أثناء التحويل تجعل هذه العملية مُهدرة للطاقة بشكلٍ كبير.

لذلك، تحاول الفرق التي اختارتها “داربا” تطوير نُهج تحافظ على الطاقة في شكلها الأصلي، بمعنى أن تظل طاقة ضوئية عندما تترك مصدرها الأرضي وتتنقل من طائرة إلى أخرى دون أن تتحول إلى طاقة كهربائية.

قد يكون من السابق لأوانه تحديد مدى اختلاف الفرق الثلاث في النُهج التقنية التي ستتبعها. لكن الدكتور جافي يقول إن الفرق المختارة سلكت طرقاً مختلفة فيما يتعلق بعمليات البحث والتصميم، مشيراً إلى وجود استراتيجيات متعددة لاستخدام المرحِّلات الجوية في توجيه الضوء إلى وجهته: الانعكاس أو الانحراف أو الانكسار، أو مزج هذه الأساليب معاً.

اقرأ أيضاً: إليك الطريقة الصحيحة لتنظيف ألواح الطاقة الشمسية وزيادة كفاءتها

3 مراحل لتطوير النظام

في المرحلة الأولى التي من المتوقع أن تستمر لمدة 20 شهراً، ستختبر الفرق الثلاث المرحِّلات وتعالج الأجزاء الأكثر عرضة للخطر في كل تصميم، كما ستطوّر تصميمات لمنصات جوية يمكنها امتصاص جزء من الطاقة المرسلة لتشغيل نفسها. يمكن أن يؤدي النجاح في هذا الأمر إلى تصنيع طائرات مستقبلية أصغر حجماً وأقل تكلفة لأنها لن تحتاج إلى تخزين الكثير من الوقود، كما أنها ستوفّر رحلات التزود بالوقود (أو إعادة الشحن بالنسبة للمركبات الكهربائية).

وفي المرحلة الثانية، سيتم تركيب هذه المرحِّلات في كبسولات متصلة بهياكل الطائرات العادية لإجراء المزيد من الاختبارات عليها. وتتوقع “داربا” أن تساعد هذه المنصات الجديدة، في نهاية المطاف، على تطوير طائرات منخفضة التكلفة وذات نطاق غير محدود وقدرة عالية على التحمل لدعم المهام العسكرية.

أمّا المرحلة الثالثة والأخيرة من البرنامج فتستهدف اختبار إمكانية استخدام شعاع ليزر محمول جواً لتوصيل 10 كيلوواط من الطاقة إلى محطة استقبال أرضية، تبعد 200 كيلومتر عن مصدر الليزر الأصلي باستخدام 3 مرحِّلات جوية.

تؤدي هذه المرحِّلات دوراً حاسماً في إنشاء شبكة الطاقة اللاسلكية وجعلها قابلة للتكيُّف، كما تُتيح إمكانية نقل الطاقة على ارتفاعات عالية، وهو أمر أكثر كفاءة إلى حد كبير من إرسالها عبر الغلاف الجوي السفلي السميك والمضطرب.

اقرأ أيضاً: باحثون يتوصلون لطريقة لتوليد الكهرباء على نحو مستمر من الهواء

شبكة إنترنت للطاقة

قد تبدو فكرة إرسال أشعة الطاقة غريبة، لكنها تستخدم الفيزياء نفسها المستخدمة في الاتصالات اللاسلكية

ويشرح الرئيس السابق لمشروع “باور” العقيد في القوات الجوية الأميركية، بول كالهون، كيفية نقل الطاقة لاسلكياً بين نقطتين باستخدام الليزر، قائلاً: “أنت بحاجة إلى مصدر للطاقة، ثم تقوم بتحويل هذه الطاقة إلى موجة منتشرة -عادة كهرومغناطيسية- وترسلها عبر مساحة فارغة، وبعد ذلك تجمعها من خلال منفذ، ثم تحوّلها مرة أخرى إلى كهرباء”.

ويوضح كالهون، في بودكاست “أصوات من داربا”: “هذه هي شبكة الإنترنت بالنسبة للطاقة. يمكن الاستفادة من شبكات مرنة ومتعددة المسارات للسماح بتدفق الطاقة من مصادر وفيرة إلى المستهلكين المتعطشين للطاقة”، مضيفاً: “هناك الكثير من الطاقة المخزنة في أمواج المحيطات، وكمية الطاقة التي تنتجها الأمواج في وسط المحيط كافية لتزويد العالم بالطاقة عدة مرات، لكننا لا نستطيع الوصول إليها”.

ويتابع قائلاً إننا إذا تمكنا من “إنشاء شبكة تنقل تلك الطاقة إلى الأماكن التي تحتاج إليها بشدة، أعتقد أنك سترى أمراً مشابهاً (للإنترنت)، حيث ستزداد إمكانية الوصول إلى الطاقة بالنسبة للشخص العادي بشكلٍ كبير، وبإنتاجية كبيرة”.

على الرغم من هذه الإمكانات الهائلة، فإن كالهون يستبعد أن نرى تطبيقاً واسع النطاق لمثل هذه الأنظمة على المدى القريب، لا سيما وأن فكرة إرسال الطاقة لا سلكياً لم تُحقق حتى الآن سوى نتائج متواضعة نسبياً. ولم يتمكن أول اختبار ناجح لإرسال طاقة الليزر في الفضاء -الذي أجراه مختبر أبحاث البحرية الأميركية على متن محطة الفضاء الدولية في يونيو/ حزيران الماضي- من إرسال الطاقة سوى إلى مسافة 1.45 متر. ومع ذلك، فإنه يشير إلى بعض الحالات التي يمكن أن تستخدم هذه الأنظمة فيها قريباً، مثل عمليات الإغاثة في حالات الكوارث.

اقرأ أيضاً: ما هي بطاريات الزنك؟ وهل هي بديل مقنع لبطاريات الليثيوم-أيون؟

الهدف الحالي هو زيادة المسافة التي يمكن أن يقطعها إرسال الطاقة، واستغلال التطورات الحديثة التي شهدتها تكنولوجيا ألياف الليزر وتقنية الليدار، لتحسين كفاءة عملية الإرسال وكفاءة تحويل الضوء إلى كهرباء.