لماذا تتحول شركات السيارات الصينية إلى شركات تكنولوجية؟

4 دقائق
لماذا تتحول شركات السيارات الصينية إلى شركات تكنولوجية؟
مصدر الصورة: أسوشيتد برس. إن جي هان غوان
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

سمع الكثير من مشتري السيارات في الصين في عام 2023 ادعاءات حول النية باستخدام أنظمة الملاحة المعتمدة على الطيار الآلي المتقدمة في مدنهم. هذه الأنظمة البرمجية ليست أنظمة للقيادة الذاتية تماماً؛ إذ إنها تتطلب من السائق التحكّم بعجلة القيادة، لكنّها تسمح للسيارات بالتوقف وتوجيه نفسها وزيادة سرعتها في أثناء تحركها ضمن المدن من تلقاء نفسها.

نشرت الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية والشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي خرائط طريق طموحة لطرح خدمات أنظمة الملاحة المدنية المعتمدة على الطيار الآلي، وادّعت هذه الجهات أن عملاءها في العشرات أو حتى المئات من المدن الصينية سيتمكنون قريباً من تجربة السيارات الذاتية القيادة عبر شوارع المدن الضيقة.

نشرتُ في صباح 16 أغسطس/ آب 2023 مقالة ألقيت فيها نظرة فاحصة على كيفية تحوّل أنظمة الملاحة المدنية المعتمدة على الطيار الآلي إلى القطاع الأهم في عام 2023، وتكلمت عن أدائها الفعلي والصعوبة المتمثلة في تثقيف السائقين حول استخدام هذه الأنظمة على نحو مسؤول. يمكنك قراءة هذه المقالة هنا.

لكن في أثناء مقابلتي مع المحلل في قطاع السيارات الصيني والأستاذ الزائر في كلية هوانها للعلوم والتكنولوجيا، جانغ تشانغ، برز أحد تعليقاته بالنسبة لي؛ إذ قال: “أصبح قطاع السيارات تنافسياً للغاية حالياً. يتوقع المستهلكون أن هذه المركبات ستكون منتجات تكنولوجية، مثل الهواتف الذكية. وستواجه العلامات التجارية صعوبة كبيرة في بيع السيارات إذا لم تروج لمنتجاتها على أنها تكنولوجية“.

يتوافق ما لاحظه تشانغ مع ما لاحظته في عام 2023، عندما ذهبت إلى معرض السيارات الضخم الذي أقيم في أبريل/ نيسان من هذا العام في شنغهاي.على وجه التحديد. لم تتفاخر الشركات جميعها بقدرة سياراتها على القيادة الذاتية فحسب، بل إنها عرضت أيضاً مختلف الميزات البرمجية المتقدمة الأخرى.

اقرأ أيضاً: تفاصيل خطة الصين للسيطرة على سوق صادرات أشباه الموصلات

شركات السيارات كشركات تكنولوجية

على سبيل المثال، تستخدم شركة سينس تايم، وهي شركة تتخصص بالذكاء الاصطناعي، تكنولوجيا التعرّف على الوجه لمراقبة درجة الإجهاد الذي يعاني منه السائق وتحديد ما إذا ترك الآباء أطفالهم في السيارة. وتستخدم شركة إس أيه آي سي فولكس فاغن تكنولوجيا الواقع المعزز لعرض معلومات الخرائط على الزجاج الأمامي للسيارات، بينما تدمج شركة بايدو نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاص بها مع روبوت الدردشة الصوتي داخل السيارة لتخطيط المسارات.

تبنّت شركة إن آي أو، إحدى الشركات الرائدة في قطاع السيارات الكهربائية المحلي في الصين، نموذج الاشتراك. يستطيع مالكو سيارات إن آي يو استخدام الإصدار الأساسي من نظام الملاحة المعتمد على الطيار الآلي في سياراتهم من خلال دفع 380 يواناً (52 دولاراً) شهرياً، ويعمل هذا النظام على الطرق السريعة والطرق الرئيسية في المدن. سيتمكن هؤلاء في المستقبل من دفع 760 يواناً (104 دولارات) للحصول على نسخة أكثر تقدماً من النظام. في الوقت نفسه، أطلقت إن آي أو أيضاً خدمة لتبديل البطاريات شهرياً في الصين، وخدمة اشتراك شهري لتأجير البطاريات في أوروبا لأن البطاريات مسؤولة عن أغلبية تكاليف شراء السيارات الصينية وصيانتها.

اقرأ أيضاً: بعد إجبارها من الحكومة: شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة تكشف خوارزمياتها

تبيّن هذه الأمثلة جميعها أن شركات السيارات تتحوّل إلى شركات تكنولوجية على نحو متزايد. بالإضافة إلى القدرة الحصانيّة والتصميم الخارجي والداخلي، تتنافس شركات السيارات الآن أيضاً على تخصيص أحدث التكنولوجيات لتصنيع منتجات يمكن أن يستخدمها المستهلكون. تتصدر شركة تيسلا هذا التوجّه على الصعيد العالمي، وتتبع علامات السيارات التجارية التقليدية خطاها ببطء. ولكن هذا التحول يحدث في الصين بسرعة أكبر بكثير.

يقسّم المدير الإداري لشركة ساينو أوتو إنسايتس، وهي شركة استشارات الأعمال المتخصصة في النقل، تو ليه، التطوّر الحالي لقطاع السيارات إلى 4 مراحل، التحوّل إلى الكهرباء واعتماد التكنولوجيا الذكية والتركيز على الخدمات واعتماد القيادة الذاتية. (على الرغم من أن فهم أول مرحلتين سهل، فإن المرحلة الثالثة تنطوي على أن تركّز نماذج أعمال شركات السيارات على بيع الخدمات، بينما تنطوي الرابعة على نشر سيارات الأجرة الروبوتيّة).

كما كتبت في وقت سابق من عام 2023، تمكّنت الصين من ريادة مجال تطوير السيارات الكهربائية واعتمادها بفارق كبير، وذلك بفعل عدد من العوامل المختلفة مثل أشكال الدعم الحكومي والابتكارات في مجال تكنولوجيا البطاريات. منح ذلك قطاع السيارات الصيني القدرة على الوصول إلى المرحلة التالية في هذا المجال قبل أي قطاع آخر. يقول تو: “لا تزال الولايات المتحدة والدول الأوروبية في المرحلة الأولى حالياً، وهي التحوّل إلى الكهرباء، بينما وصلت الصين إلى المرحلة الثانية، وهي اعتماد التكنولوجيا الذكية”.

يعتقد تو أن الصين ستصل إلى المرحلة الثالثة قريباً؛ إذ يضيف قائلاً: “سنصل إلى مرحلة التركيز على الخدمات عندما يزداد عدد السيارات الكهربائية المستخدمة في الصين المزوّدة [بأنظمة مساعدة السائق المتقدمة]، سواءً كانت مجانية أو متميّزة. بعد ذلك، ستبدأ شركات السيارات بإضافة المزيد من الميزات ومحاولة تلقي الرسوم مقابلها”.

اقرأ أيضاً: الرجل الذي يحول الصين إلى قوة عظمى كمومية

شركات التكنولوجيا تدخل عالم صناعة السيارات أيضاً

لا يقتصر الأمر على تحوّل شركات السيارات الكهربائية إلى شركات تكنولوجية، بل تتحوّل شركات التكنولوجيا إلى شركات لتصنيع السيارات أيضاً. تكنولوجيا القيادة الذاتية هي إحدى التكنولوجيات التي تركّز شركة بايدو عليها حالياً، بعد أن تحوّلت من محرك بحث إلى شركة متخصصة بالذكاء الاصطناعي. أنفقت شركة شاومي، إحدى شركات الهواتف الذكية الصينية العملاقة، ما يقرب من مليار دولار للتحول إلى شركة لتصنيع السيارات الكهربائية. حتى شركة هواوي، التي أجبرتها العقوبات الأميركية على تجديد نفسها، تستهدف الآن السيارات الذكية باعتبارها الركيزة الاستراتيجية التالية.

مع انضمام شركات التكنولوجيا العملاقة هذه إلى مجال السيارات الكهربائية، ستضطر شركات السيارات الصينية إلى تحسين تكنولوجياتها حتى تتمكن من المنافسة.

ولكن في النهاية، هل هذا التغيير إيجابي؟ لست متأكداً. تدفع المنافسة المحتدمة شركات السيارات الصينية إلى تقديم منتجات تكنولوجية أكثر تقدماً بأسعار معقولة أكثر، ما سيفيد المستهلكين. ولكن في الوقت نفسه، يثير هذا التحوّل المشكلات الصعبة التي فشل قطاع التكنولوجيا في معالجتها، مثل أمن البيانات وانتهاك الخصوصية والتحيزات التي تعاني منها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وإخفاقاتها، وربما غيرها.

اقرأ أيضاً: تويوتا تخطط لإطلاق أولى سياراتها الكهربائية السنةَ المقبلة في الصين

مع ذلك، يبدو أن هذا التحوّل حتمي. بالنتيجة، سيمثّل ما يحدث في الصين حالياً درساً قيماً لقطاع السيارات الكهربائية في البلدان الأخرى.