ما هو الأفضل: الطريقة أم السرعة في تحقيق الأهداف المناخية؟ نظرة إلى تجربتي جوجل وأمازون

12 دقيقة
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ إم آي تي تكنولوجي ريفيو | إنفاتو

مؤخراً، احتفت شركة أمازون خلال إعلانها أنها اشترت ما يكفي من الكهرباء النظيفة لتغطية احتياجات الطاقة لكلٍ من المكاتب ومراكز البيانات ومتاجر البقالة والمستودعات التي تعتمد عليها في عملياتها على مستوى العالم جميعاً، وذلك قبل 7 سنوات من موعد تحقيق هدف الاستدامة الذي أعلنت التزامها بتحقيقه.

انتشر هذا الخبر بعد فترة قصيرة من اعتراف شركة جوجل بأن احتياجات الطاقة المتصاعدة لعمليات الذكاء الاصطناعي لديها أدّت إلى زيادة الانبعاثات التي تصدّرها الشركة بمجملها بنسبة 13% العام الماضي، وأنها تراجعت عن مزاعمها بأنها بلغت مرحلة الحياد الكربوني بصورة مؤكدة.

إذا أخذنا هذه الإعلانات على محمل الجد، فليس من المستغرب أن نعتقد أن جوجل تعثرت في تحقيق أهدافها المناخية، على حين أن أمازون تتقدم نحو الصدارة في السباق نحو تخفيف التلوث المناخي. لكن في حين أن كلتا الشركتين مقصرة في الأسلوب الذي تتبعه، فإن النهج الذي تتبعه جوجل في تخفيف انبعاثات غازات الدفيئة يمكن الدفاع عنه بسهولة أكبر.

في الواقع، ثمة إجماع متزايد على أن الأساليب التي تتبعها الشركات في تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية أهم من مدى سرعتها في تحقيق هذا الهدف. وقد ظهرت مدرسة فكرية جديدة تتجاوز نموذج تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية في إطار الإجراءات المناخية للشركات، وتقول إن الشركات يجب أن تركّز على تحقيق آثار مناخية أوسع نطاقاً بدلاً من أن تحاول موازنة كل طن تصدره من ثنائي أوكسيد الكربون.

لكن فهم السبب يتطلب منّا أولاً دراسة سيرورة النهج الذي تتبعه كلٌ من جوجل وأمازون على حدة، وأين يجانب الاستراتيجية المناخية لكل منهما الصواب في كثيرٍ من الأحيان.

اقرأ أيضاً: ما هي الحوسبة الحيوية؟ وكيف تسهم في محاربة التغيّر المناخي؟

الحوافز الضارة

تكمن المشكلة الأساسية في أن التكاليف المرتفعة والتعقيدات الكثيرة التي تتسم بها خطط صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية، والتي تفرض على الشركات الحد من أثر كل طن من التلوث المناخي تتسبب بإصداره أو إزالته، عبر سلاسل التوريد الخاصة بها، قد تخلق حوافز ضارة. وغالباً ما ينتهي المطاف بالمسؤولين عن الاستدامة المؤسسية إلى اتباع أسرع الطرق وأقلها تكلفة من الناحية النظرية في تخفيف التلوث الذي تتسبب به شركاتهم، بدلاً من اتباع الطرق الأكثر وثوقية لتخفيض انبعاثاتها عملياً في العالم الحقيقي.

قد يعني هذا شراء نقاط كربونية زهيدة التكلفة لتعويض التلوث المستمر الناجم عن العمليات المباشرة لهذه الشركات أو عمليات مورّديها، بدلاً من اللجوء إلى خفض هذه الانبعاثات من مصدرها، وهي المهمة الأصعب. يمكن أن تتضمن هذه البرامج دفع أموال لأطراف أخرى لزرع الأشجار، أو إحياء الأنظمة البيئية الساحلية، أو تغيير الممارسات الزراعية بطرق تهدف إلى الحد من الانبعاثات أو سحب ثنائي أوكسيد الكربون من الهواء. تكمن المشكلة في أن هذه الجهود غالباً ما تبالغ في تقدير فوائدها المناخية، إلى حد كبير في بعض الأحيان، حسبما أظهر العديد من الدراسات والمقالات الاستقصائية.

أيضاً، يمكن أن تدفع أهداف صافي الانبعاثات الصفرية بالشركات إلى شراء ما أصبح يُعرف باسم أرصدة الطاقة المتجددة (RECs)، التي تدعم ظاهرياً توليد المزيد من الكهرباء من المصادر المتجددة، لكنها تُثير مخاوف مماثلة بشأن المبالغة في تقدير المكاسب المناخية.

الحجة التي يؤيدها أنصار أرصدة الطاقة المتجددة هو أن الشركات لا تستطيع في أغلب الأحيان أن تشتري تياراً نقياً من الكهرباء النظيفة لتشغيل عملياتها، لأن المؤسسات التي تشغل الشبكة الكهربائية تعتمد على مجموعة متنوعة من المصادر، بما فيها الغاز الطبيعي والفحم والشمس والرياح وغير ذلك. لكن إذا قدمت هذه الشركات أموالاً أو قدمت مؤشرات على وجود طلب يحفّز المطورين على التخلي عن خططهم الأصلية والتوجه أكثر نحو بناء المزيد من المشاريع الجديدة للطاقات المتجددة وتوليد المزيد من الكهرباء النظيفة، فيمكن للشركات عندها أن تزعم أن هذا يلغي أثر التلوث المستمر الناجم عن الكهرباء التي تستخدمها.

غير أن الخبراء بدؤوا يفقدون قناعتهم بجدوى أرصدة الطاقة المتجددة في هذه المرحلة.

فالمزاعم التي تقول إن مشاريع الطاقات النظيفة لم تكن لتر النور لولا هذا الدعم الإضافي، باتت غير مقنعة بصورة متزايدة في عصرنا الحالي، حيث أصبحت هذه المنشآت قادرة بسهولة على أن تنافس غيرها من مشاريع الطاقة في السوق دون أي دعم، كما أخبرتني سابقاً الأستاذة المساعدة في جامعة نوتردام، إميلي غروبيرت. وإذا كان شراء الشركة هذه الأرصدة لا يؤدي إلى التغيرات التي تخفف الانبعاثات في الغلاف الجوي، فهذا يعني أنها لن تزيل أثر التلوث المتواصل الذي تتسبب به الشركة.

اقرأ أيضاً: ما الذي يمكن أن تتعلمه تكنولوجيات الطاقة المتجددة من تقنية طاقة كهرومائية جديدة؟

"محاسبة إبداعية"

من جهة أخرى، تعتمد أمازون على أرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها وأرصدة الطاقات المتجددة.

تقول الشركة في تقرير الاستدامة الخاص بها إنها حققت أهدافها المتعلقة بالكهرباء النظيفة، وخففت الانبعاثات التي تصدرها من خلال تحسين الفاعلية في استهلاك الطاقة، وشراء المزيد من الطاقة الكهربائية التي لا تتسبب بإصدار الكربون، وبناء مشاريع الطاقات المتجددة في منشآتها، ودعم هذه المشاريع في أنحاء العالم كافة. حققت الشركة هذا جزئياً من خلال "شراء المزيد من السمات البيئية (مثل أرصدة الطاقة المتجددة) للتعبير عن دعمنا للطاقات المتجددة في الشبكات الكهربائية الموجودة في الأماكن التي تنتشر فيها منشآتنا، بما يتوافق مع مستوى التوليد المتوقع في المشاريع التي تعاقدنا على بنائها".

لكن ثمة مشكلة أخرى أيضاً يمكن أن تنشأ عندما تدفع الشركة مبالغ مالية لقاء طاقة نظيفة لا تستهلكها بصورة مباشرة، سواء كان ذلك عبر أرصدة الطاقة المتجددة أو اتفاقات شراء الطاقة المبرمة قبل بناء مشاريع توليد هذه الطاقة: فمجرد دفع مبالغ مالية مقابل توليد الكهرباء المتجددة في أوقات وأمكنة غير محددة، يختلف عن شراء كميات من الكهرباء تستهلكها الشركة في أماكن محددة وأوقات محددة. وكما نعرف جميعاً، فأشعة الشمس تختفي والرياح تكف عن الهبوب في بعض الأحيان، حتى مع استمرار عاملي شركة أمازون وعملياتها في العمل دون توقف في أنحاء العالم كافة، وعلى مدار الساعة.

فإذا دفعت أمازون لشركة مشرفة على مزرعة شمسية مبالغ مالية إضافية لتوليد كهرباء كانت ستولدها على أي حال وقت الظهيرة، فإن هذا لن يحدث أي أثر حقيقي في إزالة أثر الانبعاثات التي تسبب بها أحد مراكز تلبية الطلبات أو إحدى مزارع الخوادم التابعة لأمازون من خلال استجرار الكهرباء في منتصف الليل من محطة توليد تعتمد على الغاز الطبيعي وتقع على بُعد ولايتين على سبيل المثال.

مؤخراً، نشرت منظمة "موظفو أمازون من أجل العدالة المناخية" (Amazon Employees for Climate Justice)، وهي مجموعة من عاملي أمازون الذين يحاولون دفع الشركة إلى اتخاذ إجراءات مناخية أكثر صرامة، تقريراً قالت فيه: "تقول الحقائق الفعلية على الأرض إن مراكز البيانات التابعة لها تزيد الطلب على الوقود الأحفوري".

وقالت المنظمة إن نسبة كبيرة من أرصدة الطاقة المتجددة التي اشترتها أمازون لا تحفّز تطوير مشاريع جديدة، كما شددت على أن هذه المبالغ المدفوعة والمشاريع لا تؤدي في أغلب الأحيان إلى توليد الكهرباء في المناطق نفسها والأوقات نفسها التي تستهلك فيها أمازون الطاقة.

ووفقاً لتقديرات مجموعة الموظفين هذه، فإن نسبة 78% من الطاقة التي تستهلكها أمازون في الولايات المتحدة ناتجة عن مصادر غير متجددة، كما أن المجموعة تتهم الشركة باستخدام "المحاسبة الإبداعية" حتى تبرر مزاعمها بأنها حققت أهدافها المتعلقة بالكهرباء النظيفة.

لا يمكن أن ننكر أن أمازون تستثمر مليارات الدولارات في الطاقات المتجددة، وتعمل على استخدام المركبات الكهربائية في أسطولها من مركبات النقل والتوصيل، كما أنها، بصرف النظر عما ورد سابقاً، تتخذ خطوات حقيقية في تخفيف ما تنتجه من النفايات والانبعاثات. إضافة إلى ذلك، فإنها تضغط على الجهات التشريعية الأميركية حتى تزيد سهولة ترخيص مشاريع نقل الكهرباء، وتمويل أساليب أكثر موثوقية لإزالة الكربون، والعمل على تنويع المصادر التي تعتمد عليها للحصول على الكهرباء. أيضاً، تصر الشركة على أنها حريصة وانتقائية فيما يتعلق بأنواع التعويضات الكربونية التي تدعمها، حيث تستثمر فقط في الأنواع "الإضافية والقابلة للقياس والحقيقية والدائمة
والمفيدة على الصعيد الاجتماعي" من المشاريع.

وقد قالت الشركة في ردها على أسئلة وجّهتها إليها إم آي تي تكنولوجي ريفيو: "تركّز أمازون على تخفيف التلوث الناجم عن الشبكة الكهربائية وجعلها أكثر موثوقية للجميع. إن الأسلوب الذي يركّز على الانبعاثات قبل كل شيء هو الطريقة الأسرع والأكثر فاعلية من حيث التكاليف والأكثر قابلية للتطبيق على نطاقٍ واسع للاستفادة من عمليات الشركة لشراء الطاقة النظيفة لمساعدة الجهود الرامية على إزالة الأثر الكربوني لشبكات الطاقة العالمية. ويتضمن هذا شراء الطاقات المتجددة في المواقع والبلدان التي ما زالت تعتمد بنسبة كبيرة على الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة في توليد الطاقة لتشغيل شبكاتها الكهربائية، وحيث يمكن لمشاريع الطاقة أن تحدث أكبر أثر على الحد من الكربون".

تبنّت الشركة طريقة معروفة باسم "مطابقة الكربون" (التي توضحها بدرجة أعلى من التفصيل هنا)، وتشدد على أنها تريد التأكد من أن الانبعاثات التي تحدها من خلال استثماراتها في الطاقات المتجددة تعادل الانبعاثات التي ما زالت تصدرها أو تتجاوزها.

لكن دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة برينستون وجدت أن مطابقة الكربون تؤدي إلى "أثر صغير للغاية" في انبعاثات أنظمة الطاقة على المدى الطويل، لأنها نادراً ما تساعد على بناء المشاريع أو توليد الطاقة النظيفة في أماكن لم تكن لتشهد حدوث هذا على أي حال.

يقول أحد مؤلفي الدراسة والباحث المختص بأنظمة الطاقة في برينستون، ويلسون ريكس، متحدثاً عن هذه الطريقة دون أن يعلق على أمازون على وجه التحديد: "إنها خطة تستهدف تعويض الانبعاثات في جوهرها".

(تشير الدراسة إلى أن شركات ميتا (Meta) وسيلز فورس (Slaesforce) وجنرال موتورز (General Motors) اعتمدت كلها هذا النموذج أيضاً.)

تكمن المشكلة في المصادقة على أن الشركة تعتمد في عملها على الكهرباء النظيفة بالكامل بصورة فعلية، في حين أنها لا تفعل ذلك بصورة مباشرة وربما لا تطبق ذلك بالكامل، في أن هذه المصادقة قد تحمي الشركة من أي ضغوط تدفعها نحو إنجاز المهمة بصورة حقيقية.

اقرأ أيضاُ: 5 طرق فعالة لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي

التراجع عن مزاعم الحياد الكربوني

أطلقت جوجل هي الأخرى مزاعمها المناخية المشكوك فيها على مر السنين أيضاً، وهي تواجه حالياً تحديات متزايدة مع ارتفاع كميات الطاقة التي تستهلكها في مشاريع الذكاء الاصطناعي.

لكنها تسعى جاهدة إلى التعامل مع استهلاكها للطاقة بأساليب يمكن الدفاع عنها بدرجة أكبر، ويبدو حالياً أنها تتخذ بعض الخطوات الملحوظة لتصحيح مسارها، وذلك وفقاً لأحدث تقارير الاستدامة الخاصة بها.

تقول جوجل إنها لم تعد تشتري الأرصدة الكربونية التي تقول المزاعم إنها تمنع الانبعاثات. مع هذا التغير، تراجعت جوجل أيضاً عن مزاعمها بأنها تمكنت من تحقيق الحياد الكربوني عبر عملياتها جميعاً منذ أعوام عدة.

وقد قالت الشركة لمجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو في بيان صحافي: "لم نعد نحصل على أرصدة تفادي الكربون على أساس سنوي للتعويض عن انبعاثاتنا التشغيلية السنوية. نحن نركّز بدلاً من ذلك على تسريع مجموعة من الحلول والشراكات المتعلقة بالكربون، التي ستساعدنا على المضي قدماً نحو تحقيق هدفنا المتمثل في خفض صافي الانبعاثات الكربونية إلى الصفر، بينما نساعد في الوقت نفسه على تطوير حلول أوسع لتخفيف التغير المناخي".

يذكر أن هذا يتضمن تمويل تطوير أساليب أكثر تكلفة، لكنها ربما تكون أكثر موثوقية في الوقت نفسه، لسحب غازات الدفيئة من الغلاف الجوي باستخدام آلات الالتقاط الهوائي المباشر أو غير ذلك من الوسائل. وقد تعهدت الشركة بتقديم 200 مليون دولار إلى فرونتيير (Frontier)، وهو مشروع للدفع مقدماً مقابل مليار طن من ثنائي أوكسيد الكربون الذي ستسحبه الشركات الناشئة من الغلاف الجوي وتخزنه في نهاية المطاف.

قد لا تسمح هذه الالتزامات للشركة بتقديم أي تأكيدات بشأن الانبعاثات التي تصدرها حالياً، كما أن بعض الأساليب التي تموّلها، والتي ما زالت في مراحلها المبكرة، قد لا تحقق النجاح على الإطلاق. لكن الأمل معقود بأن هذه الأنواع من الاستثمارات قد تساعد على دعم نهوض صناعة إزالة الكربون، التي تجد الدراسات أنها قد تكون ضرورية للسيطرة على ظاهرة الاحتباس الحراري خلال العقود المقبلة.

إزالة التلوث الذي تتسبب به الطاقة على مدار الساعة

إضافة إلى ذلك، عملت جوجل منذ سنوات عدة وحتى الآن على شراء وسائل توليد الطاقة النظيفة أو دعمها في المناطق التي تعمل فيها، وخلال كل ساعة تستهلك فيها الكهرباء، وهو نهج شائع بصورة متزايدة، ومعروف باسم "الطاقة الخالية من الكربون على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع".

تكمن الفكرة في أن هذا سيحفز المزيد من تطوير ما يحتاج إليه مشغلو الشبكات الكهربائية بصورة متزايدة، وهي أشكال الطاقة الخالية من الكربون التي يمكن الاستفادة منها خلال ساعات النهار كافة (المعروفة باسم [التوليد الخاص بالشركات)، بما يتوافق مع احتياجات الشركات من الطاقة ساعة تلو الأخرى. يمكن أن يشمل ذلك محطات الطاقة الحرارية الأرضية، والمفاعلات النووية، ومحطات الطاقة الكهرومائية، وغير ذلك.

وقد وقّع أكثر من 150 مؤسسة وحكومة حالياً على ميثاق الطاقة الخالية من الكربون على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، وهو تعهد يضمن التوافق بين عمليات شراء الكهرباء النظيفة من جهة، والاستهلاك الساعي لهذه الكيانات من جهة أخرى. تتضمن هذه المؤسسات شركات جوجل ومايكروسوفت وإس أيه بي (SAP) وريفيان (Rivian).

تشير الدراسة التي أجرتها جامعة برينستون إلى أن التوافق الساعي أكثر تكلفة من الأساليب الأخرى، لكنها تجد أن هذه الطريقة تؤدي إلى "تخفيضات كبيرة في انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون على مستوى الأنظمة" بينما "تحفز التوليد المتقدم الخاص بالشركات وتكنولوجيات التخزين الطويل الأمد التي لم تكن لتحظى بسمعة جيدة في السوق بأي طريقة أخرى".

في حالة جوجل، أدّى التوافق على مدار الساعة وطوال الأسبوع إلى توجيه الشركة نحو دعم عدد أكبر من مشاريع الطاقة المتجددة في المناطق التي تعمل فيها، والاستثمار في المزيد من مشاريع تخزين الطاقة. كما أن الشركة عقدت اتفاقيات شراء مع محطات التوليد القادرة على تقديم كهرباء خالية من الكربون على مدار الساعة. وتتضمن هذه الاتفاقيات صفقات عدة مع الشركة الناشئة المختصة بالطاقة الحرارية الأرضية المحسّنة، فيرفو إينرجي (Fervo Energy).

تقول الشركة إن هدفها تحقيق صافي انبعاثات صفرية عبر سلاسل التوريد الخاصة بها بحلول عام 2030، مع مزامنة احتياجاتها الكهربائية كافة، ساعة تلو الأخرى، مع مصادر نظيفة في كل شبكة كهرباء تعتمد عليها.

اقرأ أيضاً: 7 تحديات تعيق استخدام الطاقة المائية لتوليد الكهرباء

الذكاء الاصطناعي النهم للطاقة

يعيدنا هذا إلى مشكلة متفاقمة، وهي مشكلة استهلاك الطاقة لدى الذكاء الاصطناعي.

يقول الباحث المستقل الذي يدرس احتياجات الطاقة للحوسبة، جوناثان كومي، إن الاحتجاجات والتحذيرات حول تزايد استهلاك الذكاء الاصطناعي للكهرباء مبالغ فيها. ويشير إلى أن استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة لا يمثّل سوى نسبة صغيرة للغاية من الاستهلاك الإجمالي لتكنولوجيا المعلومات، التي تنتج نحو 1.4% من الانبعاثات العالمية.

غير أن شركات مراكز البيانات الكبرى مثل جوجل وأمازون وغيرها يجب أن تجري تعديلات جذرية لضمان مجاراتها لتزايد استهلاك الطاقة بسبب الذكاء الاصطناعي، مع الحفاظ على مسارها نحو تحقيق أهدافها المناخية.

ويجب على هذه الشركات أن تحسّن فاعليتها الإجمالية في استهلاك الطاقة، وتشتري المزيد من الطاقة النظيفة، وتستخدم نفوذها بوصفها شركات كبرى في دفع مؤسسات الخدمات العامة إلى زيادة توليد الطاقة الخالية من الكربون في المناطق التي تعمل فيها، على حد قوله. لكن التركيز الأساسي يجب توجيهه إلى خفض التلوث المناخي الناجم عن الشركة مباشرة، دون الالتفاف على هذا الموضوع من خلال التعويضات الكربونية وأرصدة الطاقة المتجددة.

يقول كومي: "خففوا انبعاثاتكم، ببساطة. نحن في حاجة إلى تخفيضات فعلية وحقيقية وهادفة في الانبعاثات، دون الاعتماد على المتاجرة بالأرصدة التي أصبحت، في أفضل الأحوال، ذات تأثير غامض".

تقول جوجل إنها تحرز تقدماً بالفعل فيما يتعلق ببصمتها الكربونية للذكاء الاصطناعي، على حين تؤكد أنها تعمل على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للعثور على أساليب لتخفيف التلوث المناخي في قطاعات مختلفة. تتضمن هذه الأساليب مشاريع مثل تيبستري (Tapestry)، وهو مشروع يتبع لقسم الشركة الذي يحمل اسم "إكس" أو "مصنع المشاريع الطموحة" (X moonshot factory) (إكس يتبع اليوم لشركة ألفابيت فعلياً) لبناء شبكات كهربائية أكثر فاعلية وموثوقية، بالإضافة إلى التعاون مع قسم الأبحاث في جوجل من أجل تحديد مسارات الرحلات الجوية التي يمكن أن تعتمد عليها شركات الطيران لإنتاج كميات أقل من سحب السمحاق التي تحتجز الحرارة.

وقد قالت الشركة في تقريرها: "ينطوي الذكاء الاصطناعي على قدرات كامنة واعدة وهائلة لدفع العمل المناخي".

نموذج المساهمة

يذكّرنا النهجان المتناقضان لجوجل وأمازون بفرضية مفيدة وضحها فريق من باحثي سوق الكربون في ورقة بحثية في يناير/كانون الثاني. حيث أشار الفريق إلى أنه يمكن أن تنفذ شركة واحدة العمل الصعب والمكلف لإزالة كل طن من انبعاثاتها تقريباً بصورة مباشرة، على حين يمكن أن تكتفي شركة أخرى بشراء التعويضات الزهيدة التكلفة حتى تستطيع أن تزعم أنها تعاملت مع انبعاثاتها كلها. في هذه الحالة، فإن الشركة الأولى ستقدّم فائدة فعلية أكبر إلى المناخ، غير أن الشركة الثانية فقط هي التي تستطيع أن تقول إنها تمكنت من تحقيق هدفها المناخي المتمثل في صافي انبعاثات صفرية.

ونظراً لهذه التحديات، والحوافز السلبية التي تدفع الشركات نحو الاعتماد على التعويضات الزهيدة الثمن، فإن مؤلفي الورقة البحثية بدؤوا يقترحون أسلوباً مختلفاً معروفاً باسم "نموذج المساهمة".

وعلى غرار كومي وغيره، يشدد الباحثون على أن الشركات يجب أن تخصص معظم أموالها وقدراتها لخفض انبعاثاتها بصورة مباشرة قدر الإمكان. لكنهم يؤكدون أن الشركات يجب أن تتبنّى طريقة جديدة للتعامل مع ما تبقى من التلوث (إمّا لأن ما تبقى من التلوث ينتج عن عوامل خارج نطاق العمليات المباشرة لهذه الشركات، وإمّا لأنه لا توجد حتى الآن بدائل خالية من الانبعاثات وبتكاليف معقولة).

فبدلاً من محاولة تعويض كل طن ينتج عن الشركة من الانبعاثات أو إلغائه، يمكن للشركة أن تحدد نسبة مئوية من إيراداتها، أو تحدد سعراً كربونياً مقبولاً لهذه الأطنان، وتخصص هذه الأموال كلّها بعد ذلك لتحقيق أقصى فائدة مناخية يمكن لهذه الأموال أن تدفع ثمنها، على حد قول الباحثة الأكاديمية في جامعة كامبريدج، ليبي بلانشارد. (شاركت ليبي في تأليف الورقة البحثية حول نموذج المساهمة مع باربرا هايا من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وبيل أنديريغ في جامعة يوتا).

قد يعني ذلك تمويل مشاريع التشجير التي تحظى بإدارة جيدة، والتي تساعد على احتجاز ثنائي أوكسيد الكربون، وحماية التنوع الحيوي، وتحسين جودة الهواء والماء. وقد يعني دعم البحث والتطوير في مجال التكنولوجيات التي ما زالت مطلوبة لإبطاء الاحتباس الحراري والجهود الرامية إلى توسيع نطاقها، على غرار الأسلوب الذي يبدو أن جوجل تتبعه. كما يمكن حتى أن يعني ممارسة الضغوط من أجل فرض قوانين أكثر صرامة بشأن المناخ، حيث إن القليل من الإجراءات يمكنه إحداث تغيير سريع يضاهي سرعة ما تفرضه السياسات العامة.

لكن الفارق الرئيسي هو أن الشركة لن تكون قادرة على الادعاء بأن هذه الإجراءات أدّت إلى إلغاء كل طن متبقٍّ من الانبعاثات، بل أنها اتخذت خطوات حقيقية ومسؤولة من أجل "المساهمة" في التعامل مع مشكلة التغير المناخي، فقط.

اقرأ أيضاً: ما الإنجازات المناخية التي جعلت 2023 عاماً جيداً على المستوى المناخي؟

تقول بلانشارد إن الأمل يتمثل في أن يفسح هذا النهج مجالاً من الحرية أمام الشركات حتى تركّز على جودة المشاريع التي تموّلها، لا كمية التعويضات الزهيدة الثمن التي تشتريها. ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى "الاستعاضة عن هذا السباق نحو الخيارات الأسرع والأقل تكلفة بسباق نحو الخيارات الأفضل والأعمق أثراً".

وكما يحدث مع أي نهج مطروح أمام الشركات ذات الدوافع الربحية والتي توظّف العديد من المحاسبين والمحامين المخضرمين، فمن المؤكد أننا سنشهد ظهور أساليب عديدة لإساءة تطبيق هذا الأسلوب في غياب الضمانات المناسبة والرقابة المناسبة.

ومن المحتمل أن يرفض الكثير من الشركات اعتماد هذا النهج، بما أنها لن تكون قادرة على الادعاء بأنها حققت صافي انبعاثات صفرية، الذي أصبح المعيار الفعلي المفروض لتقييم الإجراءات المناخية للشركات.

لكن بلانشارد تقول إنه ثمة حافز واحد واضح يدفع الشركات إلى التخلي عن هذا الهدف.

وتقول: "سيقلل هذا احتمال تعرض الشركات للمقاضاة أو اتهامها بالغسل الأخضر إلى درجة كبيرة".