ما التحديات التي تمنع تطوير حواسيب كمومية مستقرة وقابلة للاستخدام؟

3 دقائق
ما التحديات التي تمنع تطوير حواسيب كمومية مستقرة وقابلة للاستخدام؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Bartlomiej K. Wroblewski
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتمتع الحواسيب الكمومية بقدرات كبيرة للغاية وواعدة، فهي قادرة خلال ثوانٍ على إجراء عمليات حسابية تحتاج الحواسيب العادية إلى آلاف السنين لإجرائها، يمكن أن يحدث ذلك فرقاً كبيراً في بعض العلوم مثل الطب والفيزياء والكيمياء.

تعتمد الحواسيب الكمومية على قوانين فيزياء الكم، أي الطريقة الغريبة التي تتفاعل فيها الذرات والجسيمات دون الذرية. لكن بناء هذه الحواسيب مكلف للغاية ويتطلب التغلب على العديد من التحديات.

اقرأ أيضاً: ما أهم استخدامات وتطبيقات الحواسيب الكمومية؟

هل يمكن تسخير فيزياء الكم في مجال الحوسبة؟

التحدي الأول الذي يواجه تطوير الحواسيب الكمومية هو الشك الذي يُبديه بعض العلماء في إمكانية تسخير فيزياء الكم في مجال الحوسبة، فبعض العلماء متشائمون للغاية ويقولون إننا لن نكون قادرين على بناء حواسيب كمومية مستقرة تعمل بدون أخطاء.

في نوفمبر 2018، نشرت مجلة آي إي إي إي سبيكتروم (IEEE Spectrum) التي يصدرها معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات الأميركي مقالاً يدور حول عدم إمكانية تحقق الحوسبة الكمومية. كان المبرر الأساسي لهذا الاستنتاج هو أن الحوسبة الكمومية ستتطلب التحكم في عدد كبير جداً من الحالات الكمية، وأن هذا القدر من التحكم يصعب تحقيقه.

يقول كاتب المقال ميخائيل دياكونوف: “لا يكاد يمر يوم دون أن تصف بعض وسائل الإعلام الأشياء غير العادية التي يمكن تحقيقها بفضل الحوسبة الكمومية. لكن معظم هؤلاء ينسون أو يتجاهلون حقيقة أن العمل على تطوير الحوسبة الكمومية بدأ منذ عقود دون تحقيق أي نتائج عملية يمكن عرضها”.

يمثل هذا تحدياً حقيقياً بالفعل، فبعد الاستثمارات الكبيرة التي قامت الشركات بضخها لتطوير حواسيب كمومية، يمكن أن يؤدي عدم الحصول على نتائج ملموسة إلى خفض هذه الاستثمارات أو حتى إيقافها.

اقرأ أيضاً: هل ما زالت الحوسبة الكمومية مجرد ضجيج إعلامي فارغ؟

لكن إذا عدنا إلى أربعينيات أو خمسينيات القرن الماضي، حين كانت الحواسيب ضخمة وتشغل مساحة عدة غرف وتحتاج إلى عدد كبير من الفنيين لتشغيلها على الرغم من إمكانات الحوسبة والتخزين المتواضعة التي توفرها، في ذلك الوقت، شكك الكثيرون في القدرة على تسخير تلك الحواسيب وجعلها متاحة للعامة، وقد توقع القليلون منهم فقط هذا التقدم الذي تم إحرازه حالياً في سرعة معالجة البيانات وحجم ذاكرة التخزين والحجم المادي وسهولة الاستخدام.

التشكيك الذي كان يراود أغلب الناس منطقي للغاية؛ فمن الصعب أن نتخيل إمكانية حشر حاسوب بحجم غرفة في حقيبة، لكن هذا ما حصل بالفعل، بل يمكن أيضاً للحواسيب المحمولة التي يمكن وضعها في حقيبة إجراء عمليات حسابية أسرع بآلاف المرات من الحواسيب القديمة التي كانت تشغل مساحة عدة غرف.

لهذا السبب، التشكيك الذي يبديه البعض فيما يتعلق بالحواسيب الكمومية مبرر نوعاً ما، لكن لا أحد يعلم ما يمكن أن يحصل في المستقبل. عموماً، لكي نتمكن من تطوير الحواسيب الكمومية وجعلها قابلة للاستخدام، علينا التغلب على بعض التحديات. 

الضجيج الكمومي

التحدي الرئيسي الذي يمنع إنشاء حاسوب كمومي هو التفاعلات التي تحدث بين الكيوبت والبيئة، والتي يشير إليها العلماء باسم الضجيج الكمومي أو الضوضاء الكمومية (Quantum noise). هذا الضجيج يؤدي إلى توقف عمل المعالجات الكمومية أو التسبب بأخطاء تجعل النتيجة خاطئة.

لهذا السبب يجب السيطرة على ظاهرة الضجيج الكمومي والحد منها، لذلك تعمل الحواسيب الكمومية في بيئة خاصة ومعقدة للغاية، حتى لا تتأثر بأي عامل خارجي، حيث تعمل الشركات المطورة لهذه الحواسيب على عزلها في غرف مفرغة من الهواء نهائياً، تتميز هذه الغرف بدرجة حرارة منخفضة تصل إلى 273 درجة مئوية تحت الصفر، في ظل انعدام الضغط الجوي وانعدام تأثير الحقل المغناطيسي لكوكب الأرض.

لكن حتى مع توفير هذه الظروف، تكون الحواسيب الكمومية عرضة للأخطاء بسبب الضجيج الكمومي، ومهما كانت الغرف معزولة، لا يمكن أن نمنع التأثر بالعوامل الخارجية، وسيكون عمل الحاسوب غير مستقر وسيتأثر بأي شيء حتى لو كان تغييراً طفيفاً في درجة الحرارة، وسيؤدي ذلك إلى كثير من الأخطاء، ما يتطلب إيجاد آلية لتصحيح هذه الأخطاء، وهذه الآلية غير متوفرة حتى الآن.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الحاسوب العادي والحاسوب الكمي؟

لماذا يعد تصحيح الخطأ الكمومي صعباً للغاية؟ 

لأننا لا نستطيع منع تأثير الضجيج الكمومي، نحتاج إلى طرق لتصحيح أخطاء الحواسيب الكمومية تماماً مثل الطرق التي تم تطويرها لتصحيح أخطاء الحواسيب العادية. وعلى الرغم من أن إجراءات تصحيح الخطأ الكمومي تتم بنفس آلية تصحيح خطأ الحاسوب العادي، فإن هناك تحديات تواجه تطبيق هذه الإجراءات على الحواسيب الكمومية.

ففي الحوسبة العادية، ننظر إلى الحالة لنرى الخطأ الذي حدث ونقوم بتطبيق التصحيح، هذا غير ممكن في الحواسيب الكمومية، لأن أحد المبادئ الأساسية لفيزياء الكم هو أن رصد أي حالة كمومية يؤدي إلى انهيارها، هذا يعرف باسم مبدأ الشك أو عدم اليقين لهايزنبرغ (Heisenberg Uncertainty Principle)، وهو من أهم المبادئ في نظرية الكم وصاغه العالم الألماني فيرنر هايزنبرج عام 1927.

ينص المبدأ على أننا لن نكون قادرين على رصد الحالة الكمومية مباشرة دون التأثير عليها وتغييرها، وهناك حاجة لتطوير آلية غير مباشرة لرصد الأخطاء الكمومية، تسمح لنا بالحصول على معلومات حول هذه الأخطاء دون قياسها بشكلٍ مباشر.

اقرأ أيضاً: باحثون يجرون أول عملية حسابية دون أخطاء باستخدام حاسوب كمومي

لا نعلم ما إذا كنا سنتمكن من تطوير آلية ناجحة كهذه، ربما ستساعدنا خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتطورة على التنبؤ بالأخطاء الكمومية بشكلٍ غير مباشر، أي دون الحاجة إلى رصدها، ما سيشكل اختراقاً كبيراً في مجال الحوسبة الكمومية.