لماذا أثار ادعاء الملياردير مارك أندرسون أن الذكاء الاصطناعي قد ينقذ العالم كل هذا الجدل؟

5 دقائق
لماذا أثار ادعاء الملياردير مارك أندرسون أن الذكاء الاصطناعي قد ينقذ العالم كل هذا الجدل؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Miriam Doerr Martin Frommherz
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إذا أجريت بحثاً سريعاً على محرك جوجل البحثي باستخدام كلمات “مارك أندرسون الذكاء الاصطناعي” (Marc Andreessen ai)، ستفاجأ بكم الأخبار والمقالات المنشورة حديثاً والتي تؤيد أو تهاجم الملياردير ومبرمج الحاسوب مارك أندرسون. فما السبب؟ 

عبّر الرجل في مقالة نشرها الأسبوع الماضي عبر عدة منصات، عن وجهة نظر “غير مألوفة” هاجم فيها التوجه العام السائد هذه الأيام الذي يرى أن الذكاء الاصطناعي يشكّل خطراً على البشر وقد يدمر العالم.

مارك أندرسون: الذكاء الاصطناعي قد ينقذ العالم

على الرغم من أن أندرسون قد لا يكون معروفاً على نطاق واسع في العالم العربي، فإنه في الواقع أدّى دوراً مهماً في تشكيل صناعة التكنولوجيا، فهو مهندس برمجيات ورائد أعمال ومستثمر ومبتكر، وقد اكتسب شهرة منذ تسعينيات القرن الماضي بعد تأسيسه شركات مهمة مثل نتسكيب (Netscape)، وأندرسون هورويتز (Andreessen Horowitz) المعروفة أيضاً باسم أيه 16 زي (a16z)، بالإضافة إلى تطوير وإطلاق المتصفح موزايك (Mosaic)، وهو أول متصفح ويب يُستخدم على نطاق واسع بواجهة مستخدم رسومية.

في مقالته المثيرة للجدل، فنّد أندرسون بالتفصيل الكثير من الادعاءات والمخاوف الشائعة التي يقدّمها الخبراء والباحثون عند الحديث عن المستقبل الغامض الذي يتجه إليه الذكاء الاصطناعي، معتبراً أنه -على العكس- قد يؤدي إلى تعزيز الذكاء البشري وزيادة النمو الاقتصادي و”إنقاذ العالم”، كما دافع عن فكرة أن السوق -وليست القيود الحكومية- هي التي تحدد أي شركة من شركات الذكاء الاصطناعي ينبغي لها أن تنجح وأيها تفشل.

تستعرض المقالة نظرة مغرقة في التفاؤل للذكاء الاصطناعي، حيث يرى الكاتب أن كل طفل سيحظى بمعلم ذكاء اصطناعي يقف بجانبه في كل خطوة من خطوات نموه. يتمتع هذا المعلم بصبر لامتناهٍ وتعاطف بلا حدود ومعرفة مطلقة، كما سيكون لكل شخص مساعد ومدرب ومعلم ومدرب ومستشار ومعالج يتمتع بهذه الميزات ذاتها. الأمر نفسه ينطبق على العلماء الذين سيجدون في الذكاء الاصطناعي مساعداً ومعاوناً يمكّنهم من توسيع نطاق البحث والإنجاز العلمي، وعلى الفنانين والمهندسين ورجال الأعمال والأطباء والقادة والمسؤولين الحكوميين الذين سيجدون دعماً غير محدود من الذكاء الاصطناعي.

باختصار، سوف يدفع الذكاء الاصطناعي نمو الإنتاجية والنمو الاقتصادي بشكلٍ عام، وسينشئ صناعات جديدة ووظائف جديدة ويرفع الأجور، ما يؤدي إلى حقبة جديدة من الازدهار المادي المتزايد في جميع أنحاء الكوكب.

حتى إن أندرسون يعتقد أن الذكاء الاصطناعي سوف يحسّن الحروب من خلال خفض معدلات الوفيات في زمن الحرب؛ فالحروب مليئة بالقرارات المريعة التي تُتخذ تحت ضغط مكثّف وبمعلومات محدودة للغاية. 

أمّا الآن، فسيكون لدى القادة العسكريين والقادة السياسيين، مستشارو ذكاء اصطناعي يساعدونهم على اتخاذ قرارات استراتيجية وتكتيكية أفضل بكثير، وتقليل المخاطر والأخطاء وإراقة الدماء غير الضرورية.

من ضمن الأفكار التي تحملها المقالة الطويلة للغاية، منح الذكاء الاصطناعي الأشخاص الذين يفتقرون إلى المهارات التقنية حرية تحويل أفكارهم الفنية إلى واقع ومشاركتها. وبدلاً من جعل العالم أكثر قسوة وآلية، فإن الذكاء الاصطناعي الصبور والمتعاطف بلا حدود سيجعل العالم أكثر دفئاً ولطفاً.

يصل أندرسون الذي أعلنت شركته “أيه 16 زي” مؤخراً استثمار ملايين الدولارات في شركة تطوير بوتات الدردشة كاركتر أيه آي (Character AI)، إلى نتيجة مفادها أن تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بعيد عن الخطر الذي ينبغي أن نخشاه، هو التزام أخلاقي علينا تجاه أنفسنا وأطفالنا ومستقبلنا.

اقرأ أيضاً: مؤسس آبل المشارك ستيف وزنياك يحذّر من تسهيل الذكاء الاصطناعي لعمليات الاحتيال

انتقادات لاذعة لمثيري “الذعر الأخلاقي”

بعد الاسترسال في سرد مزايا الذكاء الاصطناعي، ينتقد أندرسون النقاش العام الدائر حالياً حول الذكاء الاصطناعي والذي يتسم بالكثير من الخوف الهستيري وجنون الارتياب، ويوجّه دفة الحديث إلى أولئك الذين يرون أن “الذكاء الاصطناعي سيقتلنا جميعاً ويدمر مجتمعنا ويستولي على جميع وظائفنا، ويؤدي إلى عدم مساواة”.

يقول الملياردير إن كل تكنولوجيا جديدة مهمة على مدار التاريخ؛ من الكهرباء إلى السيارات إلى الراديو إلى الإنترنت، أثارت حالة من “الذعر الأخلاقي”، وهي عدوى اجتماعية تقنع الناس بأن التكنولوجيا الجديدة ستدمر العالم أو المجتمع أو كليهما. هذا الذعر الأخلاقي بطبيعته غير عقلاني، إذ يأخذ ما قد يكون مصدر قلق ويضخمه إلى مستوى من الهستيريا يجعل مواجهة المخاوف الجدية أمراً أكثر صعوبة.

تستخدم مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة هذا الذعر الأخلاقي بالفعل كقوة محفزة للمطالبة باتخاذ إجراءات سياسية تتضمن قيوداً ولوائح وقوانين جديدة للذكاء الاصطناعي. هؤلاء الممثلون الذين يدلون بتصريحات عامة درامية للغاية حول مخاطر الذكاء الاصطناعي يتغذون على الذعر الأخلاقي، ويزيدون من تأجيجه ويقدّمون أنفسهم على أنهم أبطال في نكران الذات من أجل الصالح العام.

“طائفة” تروّج لمخاطر الذكاء الاصطناعي

يهاجم أندرسون صراحةً “الانتهازيين الذين يسعون لتحقيق الربح المالي من خلال فرض قيود وأنظمة وقوانين جديدة تعزلهم عن المنافسين”، مضيفاً أن هؤلاء هم الرؤساء التنفيذيون الذين سيكسبون المزيد من الأموال “إذا وضعت حواجز تنظيمية تؤدي إلى تشكيل تكتل احتكاري (Cartel) من شركات بيع الذكاء الاصطناعي التي تدعمها الحكومة وتتمتع بالحماية ضد الشركات الناشئة والمنافسة مفتوحة المصدر”.

وأولئك الذين دفعت لهم جامعاتهم ومراكز أبحاثهم ومجموعاتهم الناشطة ووسائل الإعلام مقابل مهاجمة الذكاء الاصطناعي هم انتهازيون، بحسب أندرسون. لذلك، إذا كنت تتقاضى راتباً أو تتلقى منحاً لإثارة الذعر من الذكاء الاصطناعي فأنت منهم على الأرجح.

يعتقد الكاتب أن شركات الذكاء الاصطناعي على اختلافها يجب أن تكون قادرة على البناء “بأسرع ما يمكن وبقوة”، دون تدخل الحكومة الأميركية سواء من خلال التنظيم أو من خلال وكالة تمنع هذه الشركات من المنافسة في السوق.

كذلك ينتقد وجود مهنة كاملة يمثّلها من يُطلق عليهم “خبير سلامة الذكاء الاصطناعي” و”أخصائي أخلاقيات الذكاء الاصطناعي” و”باحث مخاطر الذكاء الاصطناعي”، حيث يتلقون رواتبهم فقط ليكونوا متشائمين، ويجب التعامل مع تصريحاتهم على نحو ملائم، كما يرى أن الأفكار الخاصة بـ “مخاطر الذكاء الاصطناعي” قد كوّنت طائفة (Cult) لم تقتصر على جذب الشخصيات الهامشية فحسب، بل استقطبت أيضاً بعض خبراء الصناعة الفعليين وعدداً ليس بالقليل من المتبرعين الأثرياء.

اقرأ أيضاً: خطر داهم سيدمر حضارة البشر: مطورو الذكاء الاصطناعي يتبرؤون منه!

قرارات الذكاء الاصطناعي أفضل لمَن؟

كما ذكرنا في البداية، أثارت هذه المقالة ردود أفعال واسعة (منتقدة في الغالب)، جاء أبرزها من جيدون ليتشفيلد، رئيس تحرير مجلة وايرد الحالي ورئيس تحرير إم آي تي تكنولوجي ريفيو حتى عام 2021، الذي كتب مقالة بعنوان “مارك أندرسون مخطئ (غالباً) هذه المرة“، قال فيها إن “أندرسون يستثمر في الثورات التكنولوجية، لذلك فإن لديه حافزاً كبيراً لإثارة الضجة حولها”، مع الاعتراف بأن تنبؤات رجل الأعمال السابقة أثبتت صحتها.

ينتقد ليتشفيلد الافتراض بأن مساعدي الذكاء الاصطناعي سيتمتعون “بمعرفة غير محدودة”، باعتبارها مبالغة بالنظر إلى أن النماذج اللغوية في الوقت الحالي تختلق الحقائق وتصر عليها أحياناً حتى عندما يشير المستخدمون البشريون إلى أخطاء، كما ينتقد الافتراض بأن البشر سيستخدمون ذكاءً اصطناعياً متقدماً لاتخاذ قرارات “أفضل” متسائلاً: “أفضل لمَن؟ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد سيده البشري على تنفيذ إبادة جماعية أثناء تصميم عملية تصنيع أكثر كفاءة أو إطار عمل أكثر عدلاً”.

بالطبع، تلقّى أندرسون أيضاً تأييد الكثير من الأشخاص، من بينهم سيدة الأعمال كاثي وود، مؤسسة شركة أيه أر كي إنفست (ARK Invest) التي تدير أصولاً تقدر بـ 60 مليار دولار. وقالت وود في تغريدة على موقع تويتر: “شكراً لك (أندرسون) على وجهة نظرك وإلهامك حيث يقودنا الذكاء الاصطناعي إلى تحول أكثر عمقاً يمكن أن يحوّل حياة كل شخص على وجه الأرض”.