هل أصبح الذكاء الاصطناعي جاهزاً لأتمتة المهام الروتينية في المستودعات؟

4 دقيقة
هل أصبح الذكاء الاصطناعي جاهزاً لأتمتة المهام الروتينية في المستودعات؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/OATZ To Go FACTORY

قبل أن تصل أي سلعة تقريباً إلى باب منزلك، يجب أن تعبر سلسلة التوريد العالمية محمولة على منصة تحميل. يبلغ عدد منصات التحميل التي تجوب الولايات المتحدة وحدها أكثر من ملياري منصة، وتحمل هذه المنصات بضائع للتصدير بقيمة 400 مليار دولار سنوياً. غير أن تحميل الصناديق على هذه المنصات مهمة ما زالت عالقة في الماضي دون تطور؛ فالأحمال الثقيلة والحركات المتكررة تجعل العمال معرضين بشدة للإصابات، وفي الحالات النادرة التي تُستَخدم فيها الروبوتات، تستغرق عملية برمجتها شهوراً عديدة باستخدام أجهزة كمبيوتر محمولة ولم تتغير كثيراً منذ ثمانينيات القرن الماضي.

اقرأ أيضاً: 4 أنواع من الروبوتات الحديثة تسهل حياتك اليومية

استخدام برمجيات التحكم والسيطرة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتدريب الروبوتات

تقول الشركة الناشئة جاكوبي روبوتيكس (Jacobi Robotics)، التي انبثقت من مختبرات جامعة كاليفورنيا في بيركلي، إنها قادرة على تسريع هذه العملية إلى حد كبير باستخدام برمجيات التحكم والسيطرة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وقد قرر الباحثون أن يتعاملوا مع مسألة التكديس على المنصات، وهي من أكثر المهمات شيوعاً في المستودعات، بوصفها مسألة تخص التخطيط الحركي في المقام الأول: كيف يمكنك أن تتحكم في ذراع روبوتية بصورة آمنة لالتقاط صناديق بأشكال متنوعة وتكديسها بكفاءة عالية على منصة تحميل دون أن تعلق؟ إضافة إلى هذا، يجب أن تكون هذه العمليات الحسابية كلها سريعة، لأن خطوط الإنتاج في المصانع تقدم منتجات متنوعة بصورة غير مسبوقة، ما يعني المزيد من الأشكال والأحجام بالنسبة إلى الصناديق.

بعد إجراء الكثير من الاختبارات بالاعتماد على مبدأ التجربة والخطأ، يقول مؤسسو جاكوبي، بمن فيهم مختص الروبوتات كين غولدبيرغ، إنهم تمكنوا من حل هذه المعضلة. بنى الباحثون برنامجهم بالاعتماد على عمل بحثي في ورقة بحثية نشروها في مجلة ساينس روبوتيكس (Science Robotics) عام 2020، وهذا البرنامج مصمم للعمل مع منتجات الشركات الأربع الرائدة لتصنيع الأذرع الروبوتية المخصصة لتكديس البضائع على منصات التحميل. يعتمد البرنامج على التعلم العميق لإنتاج "مسودة أولية" للحركات المحتملة التي ستنفذها الذراع لوضع جسم على منصة التحميل. بعد ذلك، يستخدم البرنامج أساليب تقليدية بدرجة أكبر عادة ما تُستخدم في مجالات الروبوتات، مثل الأَمثَلَة الرياضية، للتحقق من إمكانية تنفيذ الحركات بأمان ودون أخطاء.

أساليب تحل محل الأساليب التقليدية في تدريب الروبوتات

تهدف جاكوبي إلى التوصل إلى أساليب تحل محل الأساليب التقليدية التي يستخدمها العملاء حالياً في تدريب روبوتاتهم. ففي الأسلوب التقليدي، تُبَرمج الروبوتات باستخدام أدوات تُدعى "وحدات التعليم" (teaching pendants)، وعادة ما يضطر العملاء إلى توجيه الروبوت يدوياً لتوضيح كيفية التقاط كل صندوق على حدة ووضعه على منصة التحميل. يمكن أن تستغرق عملية البرمجة بأسرها شهوراً. تعد جاكوبي بأن حلها الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي سيقلل هذا الوقت إلى يوم واحد، كما أنه يتيح حساب الحركات خلال زمن أقل من ميللي ثانية. تقول الشركة إنها تخطط لإطلاق منتجها بعد فترة وجيزة.

يضخ الممولون مليارات الدولارات في مجال الروبوتات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لكن الأكثر إثارة للحماس في هذا المجال هو الجيل الجديد من الروبوتات الواعدة التي قد تكون قادرة على تنفيذ الكثير من المهام المختلفة، على غرار الروبوت الذي يشبه الإنسان الذي ساعد شركة فيغر (Figure) على جمع 675 مليون دولار من المستثمرين، بما فيهم مايكروسوفت وأوبن أيه آي (OpenAI)، والوصول إلى قيمة سوقية بلغت 2.6 مليارات دولار في فبراير/شباط. في هذا السياق، قد يبدو استخدام الذكاء الاصطناعي لتدريب روبوت أفضل لتكديس الصناديق أمراً أساسياً إلى حد ما.

في الواقع، إن المبلغ الذي جمعته جاكوبي في جولة التمويل الأولي يبدو تافهاً بالمقارنة مع المبالغ المذكورة أعلاه، إذ بلغ 5 ملايين دولار، قدمت الجزء الأكبر منه شركة موكسي فينتشرز (Moxxie Ventures). لكن في خضم الضجيج الإعلامي المتعلق بالإنجازات غير المسبوقة الموعودة في مجال الروبوتات، التي يمكن أن يستغرق تحقيقها سنوات عديدة، فإن تكديس الصناديق على منصات التحميل قد يكون مشكلة المستودعات التي يحمل الذكاء الاصطناعي أفضل حل لها على المدى القصير.

اقرأ أيضاً: كيف يساعد الذكاء الاصطناعي على إدارة المستودعات والتخزين؟

يقول المؤسس المشارك لجاكوبي ورئيسها التنفيذي، ماكس كاو: "نتبع نهجاً عملياً وواقعياً للغاية. هذه المهام قابلة للتنفيذ، ويمكننا تحقيق انتشار واسع خلال فترة زمنية قصيرة، بالمقارنة مع بعض المشاريع الطموحة التي يحاول غيرنا تحقيقها".

يتضمن منتج جاكوبي البرمجي نظام استوديو افتراضي يتيح للعملاء بناء نسخ من منظومات العمل لديهم، تأخذ بعين الاعتبار عوامل مهمة عدة، مثل طرازات الروبوتات المستخدمة، وأنواع الصناديق التي سيجلبها الحزام الناقل، والاتجاه الذي يجب توجيه الملصقات وفقه. ومن الممكن أن يستخدم أحد المستودعات التي تنقل التجهيزات الرياضية، على سبيل المثال، هذا البرنامج لتحديد أفضل طريقة لتكديس منصة تحميل بأنواع عديدة من البضائع التي تخص رياضة التنس، مثل الكرات والمضارب والملابس. وبعد ذلك، ستتولى خوارزمية جاكوبي تلقائياً تخطيط الحركات الكثيرة التي يجب أن تنفذها الذراع الروبوتية لتكديس منصة التحمل، لتُنقل التعليمات لاحقاً إلى الروبوت.

مصدر الصورة: جاكوبي روبوتيكس

تدمج هذه الطريقة فوائد الحوسبة السريعة للذكاء الاصطناعي مع دقة التقنيات التقليدية بدرجة أكبر في مجال الروبوتات، كما يقول أستاذ علم الروبوتات في جامعة ميشيغان، دميتري بيرينسون، الذي لا صلة له بالشركة.

اقرأ أيضأً: الذكاء الاصطناعي الإبداعي والحوسبة التطورية: الجيل القادم من التعلم العميق

ويقول: "تتبع الشركة أسلوباً منطقياً للغاية في عملها هذا". تراهن أبحاث حديثة كثيرة في مجال الروبوتات على الذكاء الاصطناعي بصورة كبيرة، إذ تأمل أن يتمكن التعلم العميق من تعزيز التدريب الأقرب إلى الأسلوب اليدوي، أو الاستغناء عنه بالكامل، وذلك من خلال تعليم الروبوت باستخدام الأمثلة السابقة لحركة أو مهمة معينة. لكن جاكوبي تعمل على ضمان التحقق من دقة التنبؤات التي يولدها التعلم العميق من خلال مقارنتها مع نتائج الطرق التقليدية، وذلك لتطوير خوارزميات تخطيط من المرجح أن تكون أقل عرضة للخطأ، على حد قول بيرينسون.

ويضيف قائلاً إن سرعة التخطيط التي قد نحصل عليها "ستدفع هذا المجال إلى مستوى جديد تماماً. لدرجة أننا لن نستطيع حتى أن نلاحظ الوقت المطلوب لحساب الحركات. هذا أمر مهم للغاية في البيئات الصناعية، إذ تتسبب كل لحظة توقف بإحداث تأخيرات لا يمكن التساهل معها".