هل يمكن أن يمثّل الأمونيا وقوداً نظيفاً لمركبات المستقبل؟

3 دقائق
هل يمكن أن يمثّل الأمونيا وقوداً نظيفاً لمركبات المستقبل؟
حقوق الصورة: شركة أموجي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في أوائل شهر يونيو/ حزيران 2023، تسلّقت سلماً وركبت في مقعد جرار ذي لون أخضر فاتح من شركة جون دير (John Deere). لم تكن هناك أمامي أي نبتة من ساق الذرة أو فول الصويا، وكان المنظر الذي رأيته عبر الزجاج الأمامي عبارة عن ساحة انتظار نموذجية إلى حد ما في مدينة بروكلين.

طلبت الصعود على الجرار لإلقاء نظرة داخل إحدى المركبات القليلة في العالم التي تعمل باستخدام وقود من نوع غريب، وهو الأمونيا. تُستخدم هذه المادة الكيميائية عادة في صناعة الأسمدة، لكن تعمل شركة أموغي (Amogy) الناشئة التي مقرها مدينة نيويورك على تطوير تكنولوجيا يمكن أن تساعد على استخدام الأمونيا لتزويد الجرارات الكهربائية والشاحنات وحتى السفن بالطاقة. زرت المقر الرئيسي لهذه الشركة لمعرفة السبب الذي يدفع العديد من الشركات في مجال النقل للبحث عن أنواع جديدة من الوقود، وما هو الدور الذي قد يؤديه الأمونيا في هذه الجهود.

البداية

يعد قطاع النقل جزءاً مهماً في مشكلة المناخ الحالية؛ إذ إنه يتسبب بإطلاق أكثر من 15% من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم. على الرغم من أن البشر يحققون تقدماً مطّرداً بفضل تطوير المركبات والقطارات الكهربائية وما إلى ذلك، هناك جوانب من هذه المشكلة يصعب حلها، مثل المركبات التي يجب أن تقطع مسافات طويلة أو تعمل لفترات طويلة من دون الاضطرار إلى إيقافها لشحنها.

يعتقد الخبراء في شركة أموغي أن حل هذه المشكلة يكمن في غاز الأمونيا. هذا الغاز هو واحد من أكثر المواد الكيميائية التي تُشحن على نطاق واسع اليوم، وذلك لأنه يُستخدم في صناعة الأسمدة. الأمونيا غاز عملي نسبياً أيضاً؛ إذ إنه يخزّن كمية كبيرة من الطاقة في حيّز صغير، وليس له وزن مرتفع للحد الذي يجعل نقله صعباً.

يقول الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركة أموغي، يونغ سوك جو: “ما ينقص السوق هو طريقة لاستخدام الأمونيا. وهذا ما نعمل على تطويره”.

اقرأ أيضاً: أخيراً: الإنفاق العالمي على الطاقة الشمسية يتجاوز الإنفاق على إنتاج النفط

الهدف الأساسي للتكنولوجيا التي تطورها هذه الشركة هو تفكيك الأمونيا إلى مكوناته، وهي الهيدروجين والنيتروجين. يمكن بعد ذلك استخدام الهيدروجين في خلايا الوقود لتوليد الطاقة الكهربائية، بينما يُطلق غاز النيتروجين الذي يعتبر منتجاً ثانوياً بأمان في الغلاف الجوي الذي يتألف بأغلبه من النيتروجين على أي حال.

تحمل هذه العملية اسم تفكيك الأمونيا، وأحد الاختراعات الرئيسية لشركة أموغي هو محفّز كيميائي يعزز كفاءة هذا التفاعل ضمن درجة حرارة أقل من درجات الحرارة السائدة اليوم. يجمع الخبراء في هذه الشركة بين تفاعل التفكيك هذا ونظام تحكّم، وهو تكنولوجيا تزيل بقايا الأمونيا من التفاعل، وخلية الوقود. وتحوّل هذه المكونات معاً الأمونيا إلى طاقة كهربائية.

بدأت الشركة بإثبات كفاءة نظامها في طائرة من دون طيار عام 2021، وولّد النظام المستخدم في هذه التجربة ما متوسطه نحو 5 كيلوواط من الطاقة الكهربائية. بعد ذلك، اختبرت الشركة التكنولوجيا في جرار عدّله خبراؤها من خلال إضافة نظام لتحويل الأمونيا إلى طاقة أكفأ بنحو 20 مرة من النظام الذي استُخدم في الطائرة. (كانت المعدات الإضافية بارزة للغاية على الجرار، وتسببت بتشكّل بقعة عمياء كبيرة جداً على الجانب الأيمن للموقع الذي جلست فيه في حجرة القيادة). وأخيراً، شغّلت الشركة شبه شاحنة في يناير/ كانون الثاني 2023 باستخدام نظام يولّد 300 كيلوواط.

ساعدت كل تلك المركبات التجريبية على جذب الانتباه للتكنولوجيا الجديدة، مثل انتباه بعض المستثمرين؛ إذ أنهت الشركة جولة تمويل بعد جمع 150 مليون دولار في وقت سابق من عام 2023. لكن الشركة تسعى إلى تزويد مركبات أكبر بكثير بالطاقة، وهي السفن.

اقرأ أيضاً: شركة ناشئة تعد بإطلاق أولى محطاتها للطاقة الاندماجية بعد خمس سنوات

مجال الشحن

تبحث الشركات التي تحاول الحد من تأثيراتها المناخية في قطاع الشحن البحري عن أنواع بديلة من الوقود، مثل الميثانول والأمونيا. يمكن أن يكون النظام الذي طوّرته شركة أموغي خياراً أفضل من محركات الاحتراق؛ إذ إنه سيحد من إطلاق الملوثات التي يمكن أن تحبس الحرارة في الغلاف الجوي وتضر بصحة الإنسان وبالبيئة.

يجدر الذكر هنا أن الأمونيا ليست مادة آمنة تماماً؛ إذ إنه يمكن أن تكون سامة. يجادل مؤيدو استخدام الأمونيا بأن بروتوكولات السلامة في التعامل مع هذه المادة مرسّخة جيداً في القطاع، وسيتمكن المحترفون من نقل هذه المادة الكيميائية واستخدامها بأمان.

أنظمة أموغي ليست كبيرة بما يكفي لتُستخدم في السفن حتى الآن، وتعمل الشركة على إجراء تجربة جديدة ستساعدها على الاقتراب من تطوير نظام تجاري، وهي تتضمن تشغيل زورق قَطر تخطط لإطلاقه في وقت لاحق من عام 2023 في شمال مدينة نيويورك.

تخطط الشركة لتصميم أنظمة تركيبية في النهاية، ما سيمكنها من تطوير أنظمة كبيرة بما يكفي لتزويد السفن بالطاقة. ستُطلق الشركة أول نظام بحري تجاري بالتعاون مع شركة سوذرن ديفال (Southern Devall) التي تنقل الأمونيا على العبّارات حالياً في الولايات المتحدة.

تجاوز معدّل الإنتاج العالمي للأمونيا 200 مليون طن متري في عام 2022، وتُستخدم النسبة الأكبر من هذه الكمية في صناعة الأسمدة. وتكمن المشكلة في أن الوقود الأحفوري يُستخدم لإنتاج الغالبية العظمى من كمية الأمونيا هذه.

يجب أن تعمل الأنظمة التي تطوّرها شركة أموغي باستخدام وقود الأمونيا الذي لا يتطلب إنتاجه إطلاق كمية كبيرة من الغازات الدفيئة لكي تخفض هذه الأنظمة الانبعاثات بشكل ملحوظ، أي يجب على الأرجح استخدام الأمونيا التي تولّدها مصادر الطاقة الكهربائية المتجددة أو ربما أنظمة احتجاز الكربون.

اقرأ أيضاً: ما تبعات إيقاف جميع محطات الطاقة النووية في ألمانيا على الأهداف المناخية؟

وفقاً لتقديرات الشركة، يمكن أن يصل إمداد الأمونيا من المصادر المنخفضة الكربون هذه إلى 70 مليون طن بحلول عام 2030. لكن يجب أن تتجاوز هذه المشاريع مراحل التخطيط وتبدأ فعلياً في إنتاج الأمونيا قبل استخدامها في الأسمدة أو الجرارات أو قوارب القَطر.