دال-إي يلهم مختبرات التكنولوجيا الحيوية لابتكار عقاقير جديدة بمساعدة الذكاء الاصطناعي

5 دقائق
دال-إي يلهم مختبرات التكنولوجيا الحيوية لابتكار عقاقير جديدة بمساعدة الذكاء الاصطناعي
مصدر الصورة: ستيفاني أرنيت/ إم آي تي تي آر، إنفاتو، ألفا فولد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لقد أدى الظهور المتسارع للعديد من نماذج الذكاء الاصطناعي لتحويل النصوص إلى صور، مثل دال-إي 2 (DALL-E 2) من أوبن أيه آي (OpenAI)، وهي برامج مدربة لتوليد أي صورة تطلبها تقريباً، إلى إحداث زعزعة في الصناعات الابتكارية، بدءاً من الموضة وصولاً إلى الأفلام، وذلك عن طريق تقديم صور غريبة ورائعة حسب الطلب.

توليد تصاميم بروتينات جديدة باستخدام نماذج الانتشار

وقد أدت التكنولوجيا التي تعتمد عليها هذه البرامج إلى إحداث صدمة في مختبرات التكنولوجيا الحيوية، والتي بدأت باستخدام هذا النوع من الذكاء الاصطناعي التوليدي والمعروف باسم نموذج الانتشار، على نحو متزايد، وذلك لتوليد تصاميم لأنواع جديدة وغير موجودة في الطبيعة من البروتينات.

واليوم، أعلن مختبران بشكل منفصل عن برامج تعتمد على نماذج الانتشار لتوليد تصاميم لبروتينات جديدة بدقة غير مسبوقة. فقد كشفت شركة جينيريت بايوميديسينز (Generate Biomedicines) الناشئة في بوسطن عن برنامج يحمل اسم كروما (Chroma)، والذي تصفه الشركة بأنه “مكافئ برنامج دال-إي 2 في مجال البيولوجيا”.

وفي الوقت نفسه، قام فريق في جامعة واشنطن بقيادة مختص البيولوجيا ديفيد بيكر ببناء برنامج مشابه يحمل اسم روزيتا فولد ديفيوجن (RoseTTAFold Diffusion). وفي ورقة بحثية أولية منشورة على الإنترنت مؤخراً، بيّن بيكر وزملاؤه أن نموذجهم قادر على توليد تصاميم دقيقة لبروتينات جديدة يمكن تركيبها في المختبر. يقول برايان تريب، وهو أحد المشاركين في تطوير روزيتا فولد: “نحن نقوم فعلياً بتوليد بروتينات مختلفة تماماً عن البروتينات الموجودة حالياً”.

اقرأ أيضاً: الجميع في انتظار جي بي تي 4 وأوبن أيه آي ما زالت تحاول إصلاح الإصدار السابق

يمكن توجيه هذه البرامج لتوليد البروتينات بتصاميم تحمل صفات محددة، مثل الشكل أو الحجم أو الوظيفة. ويعني هذا عملياً إمكانية صنع بروتينات جديدة للقيام بمهام محددة حسب الطلب. ويأمل الباحثون أن يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى تطوير أدوية وعقاقير جديدة وأكثر فعالية. يقول الرئيس التنفيذي لشركة جينيريت بايوميديسينز، غيفورغ غريغوريان: “بإمكاننا أن نكتشف في دقائق ما يتطلب من التطور ملايين السنيين لإنتاجه”.

وتقول آفا أميني، وهي مختصة بالفيزياء البيولوجية في مركز مايكروسوفت (Microsoft) للأبحاث في كامبريدج في ماساتشوستس: “يتميز هذا العمل بإمكانية توليد البروتينات وفقاً للقيود المطلوبة”. 

بنى بروتينية متناظرة تم توليدها باستخدام كروما. مصدر الصورة: جينيريت بايوميديسينز

تعتبر البروتينات كتل البناء الأساسية للأنظمة الحية. ففي الحيوانات، تقوم البروتينات بهضم الطعام، وتقليص العضلات، واستشعار الضوء، وتشغيل النظام المناعي، وغير ذلك. وعندما يمرض البشر، تقوم البروتينات بدور مهم أيضاً. 

وبالتالي، فإن البروتينات تمثل أهدافاً أساسية للأدوية. كما أن الكثير من الأدوية الحديثة تعتمد على البروتينات أيضاً. يقول غريغوريان: “تستخدم الطبيعة البروتينات في كل شيء تقريباً”. “وبالتالي، فإن هذا العمل ينطوي على احتمالات هائلة لابتكار العديد من الأساليب العلاجية”.

ولكن مصممي الأدوية مضطرون حالياً للاعتماد على قائمة من المكونات المصنوعة من البروتينات الطبيعية. ويهدف توليد البروتينات إلى زيادة حجم هذه القائمة بعدد هائل من البروتينات المصممة حاسوبياً.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد ذكاء اصطناعي قادر على تركيب البروتينات على اكتشاف علاجات ومواد جديدة؟

ليست التقنيات الحاسوبية المتبعة في تصميم البروتينات بالفكرة الجديدة. ولكن الأساليب السابقة كانت بطيئة، وغير فعّالة في تصميم البروتينات الكبيرة أو المركبات البروتينية، وهي أشبه ما تكون بآلات جزيئية مصنوعة من عدة بروتينات مترابطة. وغالباً ما تكون هذه البروتينات فائقة الأهمية في معالجة الأمراض.  

بنية بروتينية تم تصميمها باستخدام روزيتا فولد ديفيوجين (يسار) ونفس البنية بعد تركيبها في المختبر (يمين). مصدر الصورة: إيان هايدون/ معهد تصميم البروتينات في جامعة واشنطن

كروما وروزيتا فولد ديفيوجن لتصميم البروتينات

كما أن البرنامجين اللذين أعلن عنهما مؤخراً لا يمثلان أول نماذج الانتشار المستخدمة في توليد البروتينات. فقد بيّنت بعض الدراسات في الأشهر الماضية أن النماذج التوليدية تقنية واعدة، ولكنها كانت مجرد نماذج أولية لإثبات الفكرة. ويعتمد كروما وروزيتا فولد ديفيوجن على هذه الدراسات، وهما أول برنامجين كاملين يستطيعان إنتاج تصاميم دقيقة لنطاق واسع من البروتينات.

وبالنسبة لنامراتا أناند، والتي شاركت في تطوير أحد أول نماذج الانتشار لتوليد البروتينات في مايو/ أيار من عام 2022، فإن الأهمية الفارقة لكروما وروزيتا فولد ديفيوجن تعود إلى التعمق في استخدام هذه الطريقة، وذلك بالتدرب على المزيد من البيانات والمزيد من الحواسيب. وتقول: “قد يكون من المنطقي أن نشبّه هذين البرنامجين ببرنامج دال-إي، وذلك بسبب مستوى التوسع والتعمق في العمل”.

تُعرف نماذج الانتشار بأنها شبكات عصبونية مدربة على إزالة “الضجيج”، أي الشذوذات العشوائية في البيانات، من دخلها. فإذا قمت بتلقيم نموذج انتشار بكتلة عشوائية من البكسلات، سيحاول تحويلها إلى صورة يمكن التعرف إليها.

وفي كروما، تتم إضافة الضجيج بتفكيك سلاسل الحموض الأمينية التي يتألف البروتين منها. وبتلقيم كروما بمجموعة من هذه السلاسل، سيحاول تركيبها لتشكيل بروتين. وبالاعتماد على القيود المحددة للشكل المطلوب للنتيجة، يستطيع كروما توليد بروتينات جديدة تتمتع بخصائص محددة.

اقرأ أيضاً: ديب مايند يتمكن من التنبؤ بتراكيب معظم البروتينات المعروفة للعلم تقريباً فماذا يعني ذلك بالنسبة للأدوية والعلاجات؟

وعلى الرغم أن فريق بيكر اعتمد مقاربة مختلفة، فإن النتائج النهائية متماثلة. فنموذجه الانتشاري يبدأ ببنية أكثر عشوائية واختلاطاً. أما الفرق الأساسي الآخر فهو أن روزيتا فولد ديفيوجن يستخدم معلومات حول كيفية تراكب قطع البروتين مع بعضها بعضاً من نظام ذكاء اصطناعي آخر مدرب على التنبؤ بالبنى البروتينية (على غرار ألفا فولد (Alpha Fold) من شركة ديب مايند (DeepMind).) وهو ما يساعد في توجيه عملية التوليد الإجمالية. 

وقد تمكنت كلتا المجموعتين، شركة جينيريت بايوميديسينز وفريق بيكر، من تقديم مجموعة مذهلة من النتائج. فقد نجحتا في توليد بروتينات تتسم بدرجات متعددة من التناظر، بما فيها بروتينات دائرية، ومثلثة، وسداسية. ولاستعراض قدرات البرنامج، قامت جينيريت بايوميديسينز بتوليد بروتينات بأشكال مشابهة للأحرف الستة والعشرين في الأبجدية اللاتينية، إضافة إلى الأرقام من 0 إلى 10. ويستطيع كلا الفريقين أيضاً توليد قطع من البروتينات، بحيث تطابق أشكالاً جديدة لبنى بروتينية موجودة حالياً.

لا يخدم معظم هذه البنى التجريبية أي غرض عملي. ولكن نظراً لأن وظيفة البروتين تعتمد على شكله، فإن القدرة على توليد أشكال مختلفة حسب الطلب أمر فائق الأهمية.

اقرأ أيضاً: بفضل الذكاء الاصطناعي: ديب مايند تتيح بنية جميع البروتينات المعروفة للعلماء

إن توليد تصاميم غريبة بمساعدة الحاسوب مسألة محسومة. ولكن، هل يمكن تحويل هذه التصاميم إلى بروتينات حقيقية؟ لاختبار قدرة كروما على إنتاج تصاميم يمكن صنعها فعلياً، قامت جينيريت بايوميديسينز بأخذ بعض السلاسل من تصاميمه –أي سلاسل الحموض الأمينية التي تشكل البروتين- وتلقيمها لبرنامج ذكاء اصطناعي آخر. ووجدوا أنه من المتوقع أن 55% من هذه السلاسل ستتطوى متخذة شكل البنية التي ولدها كروما، ما يشير إلى أن هذه التصاميم هي بروتينات فعلية.

وقد قام فريق بيكر بإجراء اختبار مماثل. ولكن بيكر وزملاءه بذلوا جهوداً أكبر بكثير مما بذلته جينيريت بايوميديسينز في اختبار التصاميم. فقد قاموا بإنتاج بعض من تصاميم روزيتا فولد ديفيوجن في مختبرهم. (تقول جينيريت بايوميديسينز إنها تقوم بذلك أيضاً، ولكنها ليست مستعدة لمشاركة النتائج بعد). ويقول تريب: “إن هذا العمل أكبر بكثير من مجرد إثبات للفكرة”. “في الواقع، نحن نستخدم هذا البرنامج لصنع بروتينات رائعة للغاية”.

بنية بروتينية تم توليدها من قبل روزيتا فولد ديفيوجن للارتباط بالبروتين المسماري في سارس-كوف-2. مصدر الصورة: إيان هايدون/ معهد تصميم البروتينات في جامعة واشنطن

وبالنسبة لبيكر، فإن النتيجة الأكثر أهمية، والأجدر بالضجيج الإعلامي، في توليد بروتين جديد يرتبط بالهرمون الدرقي، والذي يتحكم بمستويات الكالسيوم في الدم. ويقول: “ببساطة، لقد قمنا بتلقيم النموذج ببروتين، وطلبنا منه صنع بروتين يتراكب عليه”. وعند اختبار البروتين الجديد في المختبر، وجدوا أنه التحم على الهرمون بإحكام أكثر بكثير من أي شيء كان يمكن إنتاجه باستخدام طرائق حاسوبية أخرى، وأكثر من الأدوية الموجودة حالياً. يقول بيكر: “لقد قام بتصميم هذا البروتين دون أي معلومات مسبقة”. 

اقرأ أيضاً: ما الذي قد يحدث إذا تحول الذكاء الاصطناعي من أداة إلى كائن حي؟

يعترف غريغوريان بأن ابتكار بروتينات جديدة ليس سوى الخطوة الأولى في مسيرة طويلة. فهو في شركة أدوية، كما يقول. ويضيف: “ما يهم في نهاية المطاف، وهو قدرتنا على صنع أدوية فعّالة”. يجب تصنيع الأدوية القائمة على البروتينات بكميات كبيرة، واختبارها في المختبر، ثم تجريبها على البشر في نهاية المطاف. وهو ما قد يستغرق عدة سنوات. ولكنه يعتقد أن شركته، وغيرها من الشركات، ستجد قريباً عدة أساليب لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تسريع هذه الخطوات أيضاً.

يقول بيكر: “يسير التطور العلمي بوتيرة متقلبة على فترات متقطعة”. “ولكن يمكن أن نصف المرحلة التي نمر بها حالياً بأنها ثورة تكنولوجية”.