بفضل الذكاء الاصطناعي: ديب مايند تتيح بنية جميع البروتينات المعروفة للعلماء

3 دقائق
ديب مايند وبنية البروتينات المعروفة
مصدر الصورة: ديب مايند
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في ديسمبر 2020، فاجأت ديب مايند عالم البيولوجيا عندما حلت تحدياً كبيراً دام 50 عاماً باستخدام نظام ألفا فولد، وهو أداة ذكاء اصطناعي تتنبأ ببنية البروتينات. وفي الأسبوع الماضي، نشرت الشركة -التي تتخذ من لندن مقراً لها- تفاصيل كاملة عن تلك الأداة وأتاحت الوصول إلى شيفرتها المصدرية.

وقبل أيام، أعلنت الشركة أنها استخدمت الذكاء الاصطناعي الخاص بها للتنبؤ بأشكال جميع البروتينات تقريباً في جسم الإنسان، بالإضافة إلى أشكال مئات الآلاف من البروتينات الأخرى الموجودة في 20 من الكائنات الحية التي تمت دراستها على نطاق واسع بما في ذلك الخميرة وذبابة الفاكهة والفئران. من شأن هذا الإنجاز أن يتيح لعلماء الأحياء من جميع أنحاء العالم فهم الأمراض بشكل أفضل وتطوير أدوية جديدة.

حتى الآن تضم مجموعة البيانات الثمينة 350,000 بنية بروتينية تم التنبؤ بها لأول مرة. وتقول ديب مايند إنها ستتنبأ ببنية أكثر من 100 مليون بروتين آخر وتتيحها للمجتمع العلمي في الأشهر القليلة المقبلة، وهو ما يقارب عدد جميع البروتينات المعروفة للعلماء.

يقول ديميس هاسابيس، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ديب مايند: “وضعت التعامل مع مشكلة طي البروتين نصب عيني منذ أكثر من 20 عاماً، وكان ذلك مشروعاً ضخماً بالنسبة لنا، ولعله أكبر المشاريع التي أنجزناها حتى الآن. وبطريقة ما، أعتقد أنه المشروع الأكثر إثارة؛ لأنه سيحمل أكبر تأثير في العالم خارج تخصص الذكاء الاصطناعي”.

تتكون البروتينات من شرائط طويلة من الأحماض الأمينية، التي تلتف حول بعضها في عقد معقدة. ومن شأن معرفة شكل عقدة البروتين أن تكشف عن وظيفته، وهو أمر بالغ الأهمية لفهم آلية تطور الأمراض وتطوير أدوية جديدة، أو تحديد الكائنات الحية التي يمكن أن تساعد في مكافحة التلوث والتعامل مع تغير المناخ. وفي حين يستغرق اكتشاف شكل البروتين أسابيع أو شهوراً من العمل في المختبر، يستطيع نظام ألفا فولد التنبؤ بالشكل حتى مستوى أقرب ذرة في غضون يوم أو يومين.

من شأن قاعدة البيانات الجديدة أن تسهل عمل علماء الأحياء. وبالرغم من أن ألفا فولد قد يكون متاحاً للباحثين لاستخدامه، لكن لن يرغب الجميع في تشغيل البرنامج بأنفسهم. يقول ديفيد بيكر من معهد تصميم البروتين في جامعة واشنطن، الذي صمم مختبره أداة خاصة للتنبؤ ببنية البروتين تسمى روزيتا فولد (RoseTTAFold) بناءً على نهج ألفافولد: “إن اللجوء إلى قاعدة البيانات والحصول على بنية منها سيكون أسهل بكثير من تشغيل النظام على حاسوبك”.

خلال الأشهر القليلة الماضية، عمل فريق بيكر مع علماء أحياء كانوا يواجهون صعوبات سابقاً في محاولاتهم لمعرفة شكل البروتينات التي يدرسونها. ويقول: “هناك الكثير من الأبحاث البيولوجية الرائعة التي تسارعت فعلاً”. ومن شأن توفر قاعدة بيانات عامة تحتوي مئات الآلاف من أشكال البروتين الجاهزة أن تساعد في تسريعها بدرجة أكبر.

يقول توم إليس، عالم الأحياء الاصطناعية في إمبريال كوليدج لندن الذي يدرس جينوم الخميرة، وهو أحد المتحمسين لتجربة قاعدة البيانات: “يبدو الأمر مثيراً للإعجاب الشديد”،  لكنه يحذر من أن معظم الأشكال المتوقعة لم يتم التحقق منها بعد في المختبر.

دقة على المستوى الذري

في الإصدار الجديد من ألفا فولد، يتم توليد التنبؤات مترافقة مع درجة ثقة تستخدمها الأداة للإشارة إلى مدى ثقتها من اقتراب كل شكل متوقع من الشكل الحقيقي. وباستخدام هذا المقياس، وجدت ديب مايند أن ألفا فولد قد تنبأ بأشكال 36% من البروتينات البشرية بدقة تصل إلى مستوى الذرات الفردية. ويرى هاسابيس أنها دقة كافية لتطوير الأدوية.

في السابق، وبعد عقود من العمل، تم تحديد بنية 17% فقط من البروتينات في جسم الإنسان في المختبر. وإذا كانت تنبؤات ألفا فولد دقيقة كما تقول ديب مايند، فإن هذه الأداة ستكون قد ساعدت في ارتفاع تلك النسبة بأكثر من الضعف في غضون أسابيع قليلة.

وحتى التنبؤات التي لا تتمتع بدقة كاملة على المستوى الذري ستكون مفيدة أيضاً. لقد تنبأ ألفا فولد بشكل أكثر من نصف البروتينات في جسم الإنسان بدرجة جيدة بما يكفي حتى يتمكن الباحثون من تحديد وظيفة البروتين. أما بقية التوقعات الحالية لألفا فولد فهي إما غير صحيحة أو أنها تخص ثلث البروتينات في جسم الإنسان التي لا تمتلك بنية محددة حتى ترتبط ببروتينات أخرى،  التي يصفها هاسابيس بأنها “بروتينات مرنة”.

يقول محمد القريشي، عالم بيولوجيا الأنظمة الحيوية بجامعة كولومبيا الذي طور برمجياته الخاصة للتنبؤ ببنية البروتين: “إن حقيقة إمكانية تطبيق النظام على هذا المستوى من الجودة هو أمر مثير للإعجاب”. كما يشير إلى أن توافر بنية معظم البروتينات في الكائن الحي سيتيح إمكانية دراسة كيفية عمل هذه البروتينات معاً كنظام، وليس فقط في حالتها المنعزلة. ويضيف: “أعتقد أن هذا هو الجانب الأكثر إثارة”.

تقوم ديب مايند بإتاحة أدواتها وتوقعاتها مجاناً ولم تفصح عما إذا كانت لديها خطط لكسب الاموال منها في المستقبل، لكنها لا تستبعد هذا الاحتمال. ومن أجل إعداد قاعدة البيانات وتشغيلها، تقيم ديب مايند شراكة مع مختبر البيولوجيا الجزيئية الأوروبي، وهي مؤسسة بحثية دولية تستضيف بالفعل قاعدة بيانات كبيرة لمعلومات البروتين.

في الوقت الحالي، يتوق القريشي لمعرفة ما يفعله الباحثون بالبيانات الجديدة، ويقول: “إنه أمر مذهل للغاية، لا أعتقد أن أياً منا توقع إحراز هذا التقدم بهذه السرعة التي يعجز العقل عن استيعابها”.