أين وصلت فكرة الدولار الرقمي اليوم؟ وهل هي مجدية؟

10 دقائق
أين وصلت فكرة الدولار الرقمي اليوم؟ وهل هي مجدية؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت. إم آي تي تي آر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يسعى بعضُ السياسيين البارزين إلى الحيلولة دون إطلاق عُملة مركزية صادرة عن المصرف المركزي في الولايات المتحدة، وذلك مع اكتشافنا طريقة عمل هذه العملات الرقمية.

الوقت الآن هو صيف عام 2020. والعالم يرزح تحت وطأة سلسلة من عمليات الإغلاق في الوقت الذي تواصل فيه الجائحة انتشارها. وفي الأوساط الأكاديمية ودوائر وضع السياسات الخارجية، أصبحت العملات الرقمية واحدةً من أهم الموضوعات. 

فقد قطعت الصين شوطاً كبيراً نحو إطلاق عملتها الرقمية الصادرة عن المصرف المركزي، أو “سي بي دي سي” (CBDC) اختصاراً، وأطلقت الكثير من البلدان الأخرى مشاريع بحثية حول هذه المسألة. حتى إن شركة فيسبوك اقترحت عملة رقمية دولية باسم ليبرا

مشروع هاميلتون

لهذا، عندما أعلن فرع بوسطن للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عن مشروع هاميلتون -وهو جهد مشترك بالتعاون مع مبادرة العملة الرقمية لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا- لإجراء بحث عن حلول تقنية لتصميم عملة سي بي دي سي، لم يثر هذا الموضوع قدراً كبيراً من الدهشة. فالعملة الرقمية الصادرة عن المصرف المركزي الأميركي، من الناحية النظرية، ليست موضوعاً خلافياً. ولا يمكن للولايات المتحدة أن تسمح بأن تتخلف عن الركب.

لكن الأمور لا تبقى على حالها؛ فبعد ثلاث سنوات، تحول الدولار الرقمي –على الرغم من أنه غير موجود، وعلى الرغم من أن البنك الاحتياطي الفيدرالي يقول إنه لا يخطط لإطلاقه- إلى نقطة استقطاب سياسي حاد. ظهرت مجموعة من السياسيين المناهضين لفكرة العملة سي بي دي سي، مستغلين معارضة الناخبين الواسعة النطاق للمراقبة الحكومية، وهي تحمل رسالة تقول إن الدولار الرقمي فكرة تدعو إلى الخوف. 

اقرأ أيضاً: قصة انهيار إمبراطورية FTX وتبخر مليارات الدولارات من العملات المشفرة

تصاعد الخوف من عملة رقمية مركزية

يصعب تحديد نقطة انقلاب التوجه العام، ولكن نزعة معينة نحو الذعر بسبب فكرة عملة سي بي دي سي بدأت بالتصاعد، على ما يبدو، بعد أن وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن أمراً تنفيذياً في مارس/ آذار من عام 2022 يقول إن إدارته “ستمنح أعلى درجات الأولوية الطارئة لجهود البحث والتطوير المتعلقة بالتصميم المحتمل وخيارات الاستخدام لعملة رقمية صادرة عن المصرف المركزي للولايات المتحدة”.  

والآن، قدّم المشرعون في كلا مجلسي الكونغرس مشاريع قوانين تهدف إلى ضمان دفن فكرة العملة الرقمية سي بي دي سي على نحو نهائي. بل إن المرشحين الرئاسيين بدؤوا يعبّرون عن معارضتهم لها في حملاتهم الانتخابية. 

في شهر مايو/ أيار، قال حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، الذي يسعى إلى الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري لخوض سباق الرئاسة: “يمكن لأي شخص واعٍ أن يدرك مخاطر هذه المنظومة بالنسبة للأميركيين الذين يرغبون في أن يكونوا قادرين على ممارسة أعمالهم دون علم الحكومة بجميع المعاملات التي يجرونها في الزمن الحقيقي”. في خطابات الحملة الانتخابية، تحدث سانتيس عن مستقبل كئيب تستخدم فيه الحكومة شبكة العملة سي بي دي سي لمنع الناس من شراء الأسلحة أو الوقود الأحفوري. 

غير أن البنك الاحتياطي الفيدرالي لم ينفِ وجود أي خطط لإصدار عملة رقمية وحسب، بل قال أيضاً مراراً وتكراراً إنه لن يضع أي خطة كهذه دون تفويض من الكونغرس. ما زال تصميم هذه العملة –بما في ذلك درجة محاكاتها للعملة النقدية الحقيقية– سؤالاً مفتوحاً لا يمكن الإجابة عنه سوى عن طريق البحث والتجارب. 

اقرأ أيضاً: كيف تتمكن الحكومات من ضبط واستعادة ملايين الدولارات من العملات المشفرة المسروقة؟

تحديات تحول دون إطلاق الدولار الرقمي

كان مشروع هاميلتون يهدف إلى بناء نموذج أولي وإجراء عملية اختبار لمكون واحد فقط من النظام، وهو طريقة لمعالجة الكمية نفسها من المعاملات التي تعالجها شبكات بطاقات الدفع الكبرى على نحو آمن وموثوق.

أظهرت المرحلة الأولى من هاميلتون تطبيقاً عملياً لطريقة تقنية مجدية، ووعد الباحثون بأن “المرحلة الثانية” (Phase 2) ستركّز على استكشاف طرق معقدة تتعلق بالخصوصية وعمليات الدفع دون اتصال بالإنترنت. إلّا أنه في السنة الماضية، وبعد فترة قصيرة من تعرّض المشروع لضغوط شديدة من المشرعين المناهضين للعملات الرقمية من نوع سي بي دي سي، قرر البنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن إنهاء مشروع هاميلتون. والآن، يبدو أنه من المفضل إجراء أبحاث التصميم التقني المماثلة لمشروع هاميلتون خارج نطاق البنك المركزي، الذي يفضّل الحفاظ على حياده السياسي.  

ويبدو أن تحقيق الدولار الرقمي يصبح أكثر صعوبة يوماً بعد يوم.

اقرأ أيضاً: عملية اختراق بقيمة 620 مليون دولار: يوم عادي في أوساط العملات المشفرة

مزايا المال النقدي

يصف معارضو العملة الرقمية سي بي دي سي الأميركية بأنها حل يبحث عن مشكلة. فالدولار يُعامل معاملة عُملة رقمية على أي حال، فإذا دفعت ثمن شيء ما مؤخراً باستخدام بطاقة مصرفية، ألا يعني هذا أنك دفعت بالدولارات الرقمية؟ يقولون أيضاً إن التوجه الصيني نحو تنفيذ برنامج تجريبي لعملة رقمية صادرة عن المصرف المركزي لعامة الناس ليس بحد ذاته سبباً لاتخاذ إجراء مماثل في الولايات المتحدة. لقد فشلت عملية إطلاق ليبرا، ولم تعد العملة الرقمية العالمية التي تديرها شركة تكنولوجية مشكلة بعد الآن. فأي غرض تحققه العملة الرقمية الحكومية سوى منح الحكومة أداة لفرض المراقبة والسيطرة المالية؟

إلّا أنه ثمة مشكلة، ومن المرجح أنكم لم تلحظوها بأنفسكم. وهي تراجع التعامل بالأموال النقدية. فعدد البائعين الذين يقبلون العملات الورقية والمعدنية آخذ بالتناقص يوماً بعد يوم. إضافة إلى هذا، يبدو أن المستهلكين اختاروا التقليل من الاعتماد على الأموال النقدية ببساطة. ويُعزى هذا جزئياً إلى أسباب تتعلق بالراحة وسهولة الاستخدام، إلّا أنه ثمة سبب مهم آخر؛ فالمال النقدي غير صالح لشراء الأشياء على الإنترنت.

في الولايات المتحدة، كانت المدفوعات النقدية تمثّل فقط 18% من إجمالي المدفوعات في 2022، وهو تراجع ملحوظ عن النسبة المسجلة في 2016 والبالغة 31%، وذلك وفقاً لبحث أجراه فرع سان فرانسيسكو للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وخارج الولايات المتحدة، قطعت العديد من الدول شوطاً أكبر حتى في الانتقال إلى مجتمع خالٍ من التعامل بالأموال النقدية. يمثّل تراجع المال النقدي السبب الرئيسي الذي دفع بأكثر من 100 دولة إلى إجراء الأبحاث حول فكرة إصدار عملاتها الرقمية الخاصة.

يكمن الحل في عملة رقمية تحمل مزايا المال النقدي جميعها، وفقاً لأستاذ القانون في جامعة ويلاميت، روهان غراي.

يقول غراي إن عدم قدرتنا على استخدام المال النقدي للشراء عبر منصة أمازون ليس سوى حجة واحدة داعمة لإصدار الأموال الرقمية الحكومية. في الولايات المتحدة، يعتمد الكثيرون على النقود الورقية والمعدنية لأنهم لا يمتلكون حسابات مصرفية، ولا يستطيعون الحصول على بطاقات مصرفية سواء كانت بطاقات مدين (بطاقات حسم) أو بطاقات ائتمانية. ووفقاً لتقديرات المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع لعام 2021، بلغ عدد المنازل “خارج نطاق الخدمات المصرفية” في الولايات المتحدة 5.9 ملايين منزل. إضافة إلى هذا، كما يقول غراي، يتميز المال النقدي بأنه يحمل “ميزات اجتماعية” يجب أن نحرص على الحفاظ عليها، بما في ذلك الخصوصية وحجب الهوية. فلا أحد يستطيع تتبع كيفية إنفاقك لنقودك الورقية والمعدنية. يقول غراي: “أعتقد أن حجب الهوية سلعة اجتماعية”. 

اقرأ أيضاً: الدولار الرقمي: فكرة قديمة قد تساعد أزمة كورونا في تنفيذها

في السنة الماضية، ساعد غراي على صياغة مشروع قانون للكونغرس الأميركي يُسمّى قانون العملة الإلكترونية والمكونات المادية الآمنة (إيكاش (ECASH) اختصاراً). كان مشروع القانون، الذي طرحه النائب عن ماساتشوستس ستيفن لينش، ينصُّ على توجيه وزارة الخزانة لتصميم دولار رقمي يمكن استخدامه عبر الإنترنت وخارج نطاق الإنترنت مع ميزات مشابهة لميزات المال النقدي، بما فيها حجب الهوية، والخصوصية، وتوليد أقل قدر ممكن من البيانات الناجمة عن المعاملات. لم تتجاوز دراسة مشروع القانون نطاق لجنة الخدمات المالية، ولكن غراي يقول إنه ثمة خطة لإعادة طرحه هذه السنة.

من المرجح أن ديسانتيس وغيره من معارضي عملات سي بي دي سي سيتفقون مع غراي على ضرورة محاكاة خصوصية المال النقدي ضمن الصيغة الرقمية، فهم في نهاية المطاف يزعمون أنهم يدافعون عن الأميركيين من براثن دولة الرقابة المالية، إلّا أنه في حين يؤيد غراي فكرة نظام تسيطر عليه الحكومة، يبدو أن هؤلاء يفضّلون شيئاً أقرب إلى شبكات العملات المشفرة اللامركزية، التي لا تسيطر عليها أي سلطة مركزية. 

وقّع سانتيس مؤخراً على مشروع قانون يحظر صراحةً استخدام الدولار الرقمي “المركزي” في فلوريدا، تاركاً المجال مفتوحاً أمام دولار لا مركزي على ما يبدو. أمّا النائب عن ولاية مينيسوتا، توم إيمر، الذي طرح هذه السنة مشروع قانون يحظر على البنك الاحتياطي الفيدرالي إصدار عملة رقمية، فقد قال عدة مرات إن العملة الرقمية من نوع سي بي دي سي يجب أن تكون “مفتوحة، ولا تحتاج إلى أي أذونات أو تراخيص، وخاصة”. “عدم الحاجة إلى أذونات” (Permissionless) هو مصطلح يستخدمه الأشخاص المتحمسون عند الحديث عن شبكات عملات مشفرة مثل بيتكوين وإيثيريوم، التي تكون في متناول الجميع ممن لديهم اتصال بالإنترنت. ويُعرف عن إيمر، وهو عضو في الحزب الجمهوري، أنه أحد أكثر مناصري العملات الرقمية حماسة واندفاعاً في الكونغرس.

اقرأ أيضاً: تسلا تستثمر 1.5 مليار دولار في بيتكوين وتعتزم استخدامها وسيلة لشراء منتجاتها

طيف من التصاميم المحتملة

ليس من الواضح كيف يمكن السيطرة على عملة رقمية يصدرها مصرف مركزي باستخدام شبكة مشفرة دون أذونات، بل إن البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة المماثلة تعاني من مشكلات تتعلق بالخصوصية أيضاً. فعلى الرغم من أن هويات المستخدمين شبه محجوبة (يتعاملون بأسماء مستعارة)، ثمة معلومات تُنشر على البلوك تشين تتعلق بالمرسل والمستقبل ومقدار كل معاملة. ويستطيع المحققون البارعون استخدام الأدلة، مثل المعلومات الشخصية التي يكشف عنها المستخدمون لشركات تبادل العملات المشفرة، لاكتشاف هويات المستخدمين الحقيقية.

على أي حال، فإن استخدام شبكة بلوك تشين لن يكون كافياً، وفقاً لغراي، لأن الكثيرين ممن يعتمدون على المال النقدي لا يمكنهم الاتصال بالإنترنت بسهولة. ولحل هذه المشكلة، لدى غراي تصور مقترح عن بطاقات يمكن جمعها معاً أو أو ربطها بالهواتف الذكية لنقل القيمة المالية مع حجب الهوية، سواء عبر الإنترنت أو من دون اتصال بها. وعلى غرار الدولار النقدي، ستؤدي الأدوات الرقمية البديلة دور ما يعرف باسم سندات التملك المحمولة، ما يعني أن الحيازة تمنح مالك السند حق الملكية. ثمة عدد من التساؤلات التقنية التي ما تزال دون إجابة حول كيفية تحقيق هذا الأمر على نحو آمن، وهو ما يعترف به غراي.

لقد كانت التساؤلات التقنية التي لا توجد إجابة لها أيضاً الدافع الذي أدّى إلى إطلاق مشروع هاميلتون. فقد شرع الباحثون بدراسة التصاميم المحتملة لما يُسمّى “معالج معاملات عالي القدرة” يستطيع التعامل مع عشرات الآلاف من المعاملات في الثانية على الأقل، وهي الاستطاعة التي قدّر الباحثون أنها ضرورية للتعامل مع حجم معاملات البيع بالتجزئة التي تجري في الولايات المتحدة. ولكنهم كانوا يسعون أيضاً إلى تصميم معالج معاملات مرن بما يكفي لإفساح مجال مفتوح من الخيارات لأجزاء أخرى من النظام، مثل تكنولوجيات الخصوصية والمدفوعات من دون اتصال بالإنترنت. 

لا يعتمد البرنامج الذي صمموه على البلوك تشين، ولكنه يستخدم بعض المكونات من بيتكوين. تقول مديرة مبادرة العملات الرقمية في مختبر الوسائط في إم آي تي، نيها نارولا، إنه من الممكن تقسيم نظام البلوك تشين إلى أجزاء مكونة له، ومن ثم استخدام بعض هذه المكونات -وليس جميعها- في سياق مختلف. 

اقرأ أيضاً: تحليل جديد: مجرمون قاموا بتبييض 2.8 مليار دولار في 2019 باستخدام شركات تحويل العملات المشفرة

تسامح بيزنطي مع الخطأ

على سبيل المثال، فإن التصميم اللامركزي للبلوك تشين يمثّل أحد هذه المكونات؛ حيث يسمح بتشغيل نظام العملات المشفرة دون الاعتماد على شخص واحد للتحكم فيه. قرر الفريق أن العملة سي بي دي سي لا تحتاج إلى هذه الميزة، بما أنها ستكون تحت إشراف المصرف المركزي. من الميزات الأخرى لنظام البلوك تشين التسامح البيزنطي مع الخطأ (الناجم عن مسألة الجنرالات البيزنطيين (BFT))، الذي يُتيح للشبكة مواصلة العمل حتى بوجود سلوكيات غير نزيهة من بعض الأطراف الخبيثة. قرر فريق هاميلتون أنه يمكنهم افتراض عدم وجود أطراف خبيثة في النظام، لأنه سيكون تحت إشراف مصرف مركزي واحد، ما يعني أن ميزة التسامح البيزنطي مع الخطأ لن تكون ضرورية. 

يمكن تحقيق بعض الفوائد بالتخلي عن اللامركزية والتسامح البيزنطي مع الخطأ. ففي بيتكوين، يؤدي الحفاظ على كلتا الميزتين إلى زيادة تكلفة النظام وبطئه في العمل، ويُعزى هذا جزئياً إلى وجوب نسخ البيانات على كل حاسوب يعمل على الشبكة. يؤدي هذا إلى أن بيتكوين تستطيع معالجة نحو سبع معاملات في الثانية فقط. في أوائل 2022، قدّم فريق هاميلتون عرضاً عملياً لنظام قادر على معالجة 1.7 مليون معاملة في الثانية، أي بسرعة تفوق سرعة شبكة فيزا (Visa) بكثير، حيث تزعم شركة فيزا أنها قادرة على معالجة 65,000 معاملة في الثانية. 

اقرأ أيضاً: الاحتياطي الفدرالي الأميركي: لا تنتظروا إصدار نسخة رقمية من الدولار في أي وقت قريب

على غرار بيتكوين، يعتمد معالج هاميلتون للمعاملات على التواقيع المشفرة للسماح بتنفيذ عمليات الدفع. ويعتمد أيضاً على طريقة بيتكوين في تسجيل المعاملات، التي تحمل اسم نموذج مخرجات المعاملات غير المُنفَقَة (UTXO) أو “أوتكسو” اختصاراً، التي تمنع المستخدمين من إنفاق العملة نفسها مرتين. تتسم تفاصيل نموذج أوتكسو بالتعقيد، ولكنها تحقق المطلوب لأن كل معاملة تشير إلى العملات المحددة التي أُنفِقَت. 

تشدد نارولا على أن مشروع هاميلتون كان “الخطوة الأولى” نحو فهم كيفية تصميم عملة رقمية من نوع سي بي دي سي. جعل الفريق برنامجه مفتوح المصدر كي تتمكن فرق أخرى من الاعتماد عليه في التطوير. ولكنه لم ينصح بأي قرارات تصميمية محددة. ثمة طيف من التصاميم المحتملة للعملة سي بي دي سي، وتتراوح بين حسابات مصرفية تقليدية يعرضها البنك الاحتياطي الفيدرالي مباشرة على العملاء (يقدم البنك الاحتياطي الفيدرالي حالياً الحسابات للمصارف فقط)، وشيء أقرب إلى “سندات تملك محمولة رقمية”، على حد تعبير نارولا.

إضافة إلى الإثبات العملي للقدرة على التعامل مع عدد كبير من المعاملات، بيّن نظام هاميلتون أيضاً أنه “يمكن بناء نظام يخزن قدراً صغيراً للغاية من البيانات حول المعاملات والمستخدمين وحتى الأرصدة المستحقة، إذا رغب المصممون في ذلك”، وفقاً لنارولا. وتضيف قائلة: “من أكثر المفاهيم الخاطئة حول العملات الرقمية من نوع سي بي دي سي انتشاراً هي افتراض أنها يجب أن تُصمم بطريقة تُتيح للجهة التي تديرها الاطلاع على كل شيء”.

اقرأ أيضاً: توفير حوالي 3 مليار دولار بعد تبني تقنية البلوك تشين في دولة الإمارات

إذاً، ما الخطوة التالية؟

على الرغم من كل هذا، لم يتمكن مشروع بحثي يركّز على الأساسيات مثل هاميلتون من تفادي إثارة حفيظة السياسيين المناهضين للعملة الرقمية من نوع سي بي دي سي.

ففي ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، أرسل إيمر وثمانية أعضاء آخرين من الكونغرس رسالة إلى رئيس فرع البنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن، وقالوا فيها إن “التفاعل بين مشروع هاميلتون والقطاع الخاص يعاني من نقص في الشفافية”. واستشهد المشرّعون بإحدى إجابات الأسئلة الأكثر تداولاً في تقرير مشروع هاميلتون، التي أفادت بأن البنك الاحتياطي الفيدرالي كان يعمل مع “الحكومة، والمؤسسات الأكاديمية، والقطاع الخاص” لدراسة “حالات الاستخدام المحتملة، ومجموعة من خيارات التصميم، وغيرها من الحيثيات التي تتطلب التدارس” والمتعلقة بالعملات الرقمية سي بي دي سي.

وجّهت الرسالة بضعة أسئلة، بما فيها ما إذا كان فرع البنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن ينوي تمويل الشركات الناشئة المهتمة بتصميم العملات الرقمية سي بي دي سي، وما إذا كان أي من الشركات المشاركة في المشروع قادراً على “استغلال أي أفضليات قانونية تُتيح لها تجاوز المنافسين”.

لم يرد مكتب إيمر على أسئلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو فيما يتعلق بتلقيه أي إجابات عن الأسئلة الموجهة في الرسالة. غير أن البنك الاحتياطي الفيدرالي لا يستثمر في الشركات الناشئة، وليس من المفاجئ أن يتلقى مشروع هاميلتون، ملاحظات ومعلومات من القطاع الخاص بصورة علنية، فالكثير من الأفكار الابتكارية في تكنولوجيات العملات الرقمية تكمن في المجال التجاري.

اقرأ أيضاً: ما ملامح المرحلة المقبلة في مجال العملات المشفرة؟

أمّا آخر سؤال ورد في الرسالة فكان حول كيفية تعامل مشروع هاميلتون مع المخاوف إزاء “الخصوصية المالية والحرية المالية” في نظام عملة رقمية من نوع سي بي دي سي. وفي الواقع، فإن “المرحلة الثانية” التي وعد بها تقرير هاميلتون البحثي، الذي نُشِر في فبراير/ شباط من عام 2022، كانت مخصصة على نحو صريح للتوجه بالبحث نحو استخدام تقنيات التشفير المتقدمة من أجل “تعزيز حماية خصوصية المستخدم من المصرف المركزي إلى درجة كبيرة”، إلّا أنه مع إيقاف المشروع في ديسمبر/ كانون الأول، لم يذكر الإعلان أي شيء عن المرحلة الثانية.

لم يتوقف البنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يسعى إلى البقاء خارج نطاق التجاذبات السياسية قدر الإمكان، عن إجراء الأبحاث على العملات الرقمية سي بي دي سي، وفقاً لأستاذ العلوم المالية في كلية الدراسات العليا للأعمال في جامعة ستانفورد، داريل دوفي. ولكنه أبطأ وتيرة الأبحاث إلى درجة كبيرة، و”لا يوجد أي شخص يندفع في البحث على نحو علني” كما حدث في مشروع هاميلتون، على حد تعبير هاميلتون. يعتقد دوفي أنه “من المحتمل أنه كانت هناك مرحلة ثانية لمشروع هاميلتون” لولا رسالة إيمر. 

وقد رفض متحدث باسم فرع بوسطن للاحتياطي الفيدرالي الإجابة عن بعض الأسئلة حول المرحلة الثانية. وقال المتحدث في بيان أرسله بالبريد الإلكتروني إن مشروع هاميلتون “اكتمل إنجازه في نهاية عام 2022″، مضيفاً أن فرع بوسطن للاحتياطي الفيدرالي “يواصل المساهمة في الأبحاث التي يجريها نظام البنك الاحتياطي الفيدرالي لتعميق فهم المؤسسة للتكنولوجيا التي يمكن أن تدعم إصدار عملة رقمية سي بي دي سي”. أكد المتحدث أيضاً أن البنك الاحتياطي الفيدرالي “لم يتخذ أي قرار بصدد إصدار عملة رقمية سي بي دي سي، ولن يصدرها إلّا في إطار قانون يمنحه الصلاحية لذلك”.

اقرأ أيضاً: كيف أحدثت تكنولوجيا البلوك تشين ثورة في حياتنا؟

وفقاً لنارولا من إم آي تي، فإن التعاون مع فرع بوسطن للاحتياطي الفيدرالي “وصل إلى نهايته الطبيعية”. ولكن مبادرة العملة الرقمية واصلت العمل على المشروع البحثي المعروف سابقاً باسم هاميلتون، ولا تزال تأمل بنشر أجزاء من هذا العمل. وتقول: “إن الطريقة الوحيدة لفهم هذه الأنظمة حقاً هي بناؤها واختبارها”.