الأصول الرقمية: كيف حققت جزيرة صغيرة أرباحاً كثيرة من الذكاء الاصطناعي؟

4 دقيقة
الأصول الرقمية: كيف حققت جزيرة صغيرة أرباحاً كثيرة من الذكاء الاصطناعي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/StockPhotosLV
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أحدث الذكاء الاصطناعي (AI) تحولاً كبيراً في عالم الأعمال والوظائف، وأصبحت أدواته مساعداً ذكياً يمكنه إنجاز المهام بالنيابة عنك والإجابة عن استفساراتك؛ من الكتابة إلى التصميم والتسويق والتطوير ودعم العملاء وغيرها الكثير. إلّا أن أكبر المستفيدين منه هم فئة مختلفة كلياً وغير متوقعة، إنها حكومة جزيرة أنغيلا. فعندما تسجل نطاق (.ai)، فإن الأموال التي تدفعها تذهب مباشرة إلى أنغيلا!

الأصول الرقمية

تعود بداية الحكاية إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما بدأت “إيانا” (IANA) أو هيئة تخصيص أرقام الإنترنت (Internet Assigned Numbers Authority) تخصيص نطاقات مكونة من حرفين للبلدان والأقاليم، تُعرف بـ “نطاق المستوى الأعلى” (Top-level domain) أو (TLD)، وهي كل ما يلي النقطة الأخيرة من اسم النطاق، أي وبصرف النظر عن النطاقات العامة مثل .com و.edu، فإن كل بلد لديه نطاق محدد له. على سبيل المثال، (.au) مخصص لأستراليا، و(.ca) لكندا، و(.jp) لليابان.

كان الهدف هو أن تدير كل دولة مواقع الويب المسجلة من قِبل الأفراد والمنظمات داخل حدودها وتستخدم المجال الخاص بها، فأصبحت أسماء النطاقات بمثابة عقارات أو أصول رقمية ذات قيمة، ويمكن أن يؤثّر اختيارها كثيراً في وجود العلامة التجارية عبر الإنترنت.

قال الأستاذ في جامعة كنتاكي (University of Kentucky) ماثيو زوك (Matthew Zook)، الذي درس العقارات الرقمية: “يُعدُّ نظام أسماء النطاقات جزءاً مهماً من شبكة الإنترنت، وقد أصبح عملاً تجارياً كبيراً”. ويُقدَّر أن رسوم التسجيل والتجديد السنوية تبلغ وحدها نحو 4 مليارات دولار.

وبينما كانت هذه النطاقات في معظمها ذات تكلفة معقولة، فإن نطاق (.ai) كان له سعر مميز.

اقرأ أيضاً: ما الجديد في تنظيم الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي في 2024؟

لماذا يُعدُّ نطاق (.ai) باهظ الثمن؟

جزيرة أنغيلا هي منطقة بريطانية صغيرة تقع في منطقة البحر الكاريبي، ويبلغ عدد سكانها نحو 19000 نسمة وتغطي مساحة 35 ميلاً مربعاً. في عام 1995، استخدمت أنغيلا النطاق (.ai)، وحينها كان مجرد نطاق آخر مكون من حرفين.

كانت حكومة أنغيلا تجني 50 دولاراً سنوياً لكل تسجيل في النطاق (.ai)؛ أي نحو 2.9 مليون دولار سنوياً، وهو ما يعادل رواتب 127 معلماً في المدارس الابتدائية في الإقليم، وفقاً لإحصاء حكومي رسمي. لكن حالياً تجني أنغيلا هذا المبلغ شهرياً!

وفقاً لمدير تسجيلات النطاق لحكومة أنغيلا فينس كيت (Vince Cate)، تضاعفت مبيعات النطاق نحو 4 أضعاف في الأشهر الخمسة الأولى التي تلت إطلاق تشات جي بي تي (ChatGPT).

إذ مع ظهور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، زاد الطلب على عناوين الإنترنت ذات الامتداد (.ai)، وأصبح النطاق مرغوباً للغاية، لأنه يعتبر مرادفاً للمنتجات والخدمات والابتكارات التي تتمحور حول الذكاء الاصطناعي. فاندفعت الشركات المتخصصة في تقنيات الذكاء الاصطناعي والناشئة في هذا المجال، والمستثمرون والمضاربون الذين يأملون في إعادة بيع الأسماء لتلك الشركات الناشئة أو الشركات الكبرى، وحتى المؤسسات الأكاديمية التي تجري أبحاث الذكاء الاصطناعي، نحو شراء النطاق (.ai).

ومع زيادة الطلب على نطاق (.ai) ارتفعت الأسعار على نحو غير مسبوق، ما أسهم في إنشاء سوق تنافسية؛ حيث أصبحت الشركات على استعداد لدفع أرقام كبيرة للحصول على عنوان ويب بارز ذي نطاق (.ai).

اقرأ أيضاً: 4 توجهات أحدثت تغييراً في نظرتنا للذكاء الاصطناعي عام 2023

السباق لشراء عناوين (.ai) 

تمنح المنظمة العالمية آيكان أو “شركة الإنترنت للأسماء المخصصة” (Internet Corporation for Assigned Names) اعتماداً لأكثر من 1000 مسجل نطاق حول العالم.

فإذا أردت استخدام اسم محدد لموقع الويب الخاص بك، عليك شراؤه من أحد مواقع التسجيل هذه.

إذا كان الاسم متاحاً، يمكنك شراؤه مقابل مبلغ مالي قد يبلغ نحو 18 دولاراً سنوياً، أمّا إذا كان اسم النطاق مسجلاً بالفعل، يمكنك البحث عن صاحب الاسم عبر شركة وساطة رقمية تسهّل شراء وبيع عناوين مواقع الويب مقابل رسوم، ومحاولة إبرام صفقة معه.

يقول الرئيس التنفيذي لشركة نيم إكسبيرت للوساطة الرقمية (Name Experts) جو أوديمي (Joe Udemme)، إن الطلب على مواقع الويب التي تحمل نطاق (.ai) شهد ارتفاعاً ملحوظاً، وارتفعت القيمة الإجمالية لأسماء النطاقات جميعها التي تتضمن (ai) إلى 20 مليون دولار في أغسطس/ آب عام 2023، مقارنة بـ 7 ملايين دولار عام 2022.

على سبيل المثال، عندما أراد رجل الأعمال التكنولوجي إيان ليمان  (Ian Leaman) شراء اسم النطاق  (Pantry.ai)  لشركته الجديدة الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي (Pantry AI)، كان قد اشترى بالفعل الاسم من قِبل شخصٍ آخر. حاول ليمان التواصل مع صاحب الاسم لإبرام صفقة معه وعرض عليه 2000 دولار مقابل اسم النطاق، إلّا أن الطرف الآخر لم يتنازل عن مبلغ 12 ألف دولار، واتفق الاثنان على هذا المبلغ. وفي تقرير آخر بلغ سعر عنوان (npc.ai) نحو 250 ألف دولار، و(Service.ai) نحو 127,500 دولار.

بينما اشترى أحد المضاربين اسم موقع ويب يضم اللاحقة (ai) بمبلغ 300 ألف دولار، وباعه بعد بضعة أشهر مقابل 1.5 مليون دولار، وفقاً للرئيس التنفيذي لشركة إيسكرو (Escrow) مات باري (Matt Barrie).

اقرأ أيضاً: ما الوظائف الجديدة التي سيخلقها الذكاء الاصطناعي؟

شراكة توفالو: استغلال النطاق (.tv)

في سياق مماثل، ليست هذه المرة الأولى التي تستفيد فيها منطقة ما من نطاقها، ومثال على ذلك جزيرة توفالو (Tuvalu). وتوفالو، هي جزيرة صغيرة في المحيط الهادئ، تمتلك نطاق المستوى الأعلى (.tv).

في أواخر التسعينيات، دخلت حكومة توفالو في شراكة مع شركة دوت تي في (DotTV)، حيث دفعت لها الأخيرة مقابل حقوق إدارة وتسويق نطاق (‎.tv).

سوّقت شركة (DotTV) النطاق (‎.tv) باعتبار (‎TV) اختصاراً لكلمة تلفاز، أصبحت (‎.tv) خياراً جذاباً لا يُنسى وذا صلة بمواقع الويب ذات الصلة بمحتوى الفيديو.

أثبتت الشراكة بين توفالو و(DotTV) أنها مربحة، حيث سجل العديد من الشركات والأفراد نطاقات (‎.tv) لمواقعهم الإلكترونية. 

عام 2010، قررت حكومة توفالو استعادة السيطرة على نطاق (‎.tv) وإدارته مباشرة. واليوم، لا يزال نطاق (‎.tv) يحظى بشعبية كبيرة بالنسبة لمواقع الويب ذات الصلة بمحتوى الفيديو والترفيه والوسائط.

ينبغي على الشركات توخي الحذر عند الاستثمار في النطاقات التي تركّز على الذكاء الاصطناعي فقط للتوافق مع الموجة الحالية. ويقول الرئيس التنفيذي لشركة ميديا أوبشنز (MediaOptions) للوساطة في أسماء النطاقات، أندرو روزنر (Andrew Rosener): “فقط إذا كانت شركتك تتمحور حول الذكاء الاصطناعي، سيكون لهذا القرار فائدة تُرجى”.