ما تداعيات منع المتاجرة بالرموز غير القابلة للاستبدال على مستخدمي المنصات الصينية؟

5 دقائق
ما هي الآثار الناتجة عن منع مستخدمي منصات الرموز غير القابلة للاستبدال الصينية من المتاجرة بها؟
مصدر الصورة: إم إس تيك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

فيما ينشغل تجار الرموز غير القابلة للاستبدال في الولايات المتحدة بالتذمر من مسؤولياتهم الضريبية المتعلقة ببيع الأصول الرقمية عالية القيمة، يواجه أقرانهم الصينيون مشكلة مختلفة تماماً: حيث تتجه الصناعة الصينية نحو مستقبل تستحيل فيه المتاجرة بالرموز غير القابلة للاستبدال. 

قرار شبه رسمي للتعامل مع الرموز غير القابلة للاستبدال

ففي 13 أبريل/ نيسان، أطلقت ثلاثة اتحادات وطنية في مجال الصناعات المالية في الصين –والتي تغطي معاً الأغلبية الساحقة من البنوك وشركات السمسرة وشركات التكنولوجيا المالية- بياناً مشتركاً حول كيفية التعامل مع الرموز غير القابلة للاستبدال، وهي كتل رقمية فريدة من نوعها تحتفظ بمعلومات الملكية وحقوق النشر على نظام بلوك تشين. ومن أجل “منع المخاطر المالية”، طلبت هذه الاتحادات من أعضائها عدم توفير منصات مركزية للمتاجرة بالرموز غير القابلة للاستبدال، والامتناع عن الاستثمار المباشر وغير المباشر في هذه الرموز، وحظر استخدام العملات المشفرة، مثل بيتكوين أو إيثيريوم، في شرائها أو بيعها، إضافة إلى إجراءات أخرى.

اقرأ أيضاً: عملية اختراق بقيمة 620 مليون دولار: يوم عادي في أوساط العملات المشفرة

وقد تمت صياغة هذه المبادرة حتى تزيد من صعوبة المتاجرة بهذه الرموز، وتجعل المضاربة بها أمراً مستحيلاً. وفي نهاية المطاف، فإن المناخ السياسي المتقلب حول الرموز غير القابلة للاستبدال قد يساعد على اختبار احتوائها على أي قيمة خاصة بها.

ففي الولايات المتحدة، يتم إنشاء معظم الرموز غير القابلة للاستبدال على نظام بلوك تشين إيثيريوم، والمتاجرة بها بعملة إيثيريوم، وهي من أكثر منتجات العملات المشفرة التي حققت ضجة وانتشاراً واسعين في السنوات الأخيرة. ولكن، وفي الصين، حيث من المحظور الاتجار بالعملات المشفرة والتنقيب عنها، تمكنت الرموز غير القابلة للاستبدال من العثور على مكان لها بالابتعاد عن أجواء العملة المشفرة. وبدلاً من ذلك، افتتحت كبرى الشركات التكنولوجية، مثل “علي بابا” (Alibaba) و”تينسينت” (Tencent) أسواقها الخاصة لهذه الرموز. وتماشياً مع وضع السوق، فقد قامت عدة علامات تجارية واسعة الانتشار، مثل “أودي” (Audi) و”ماكدونالدز” (McDonald’s)، بتقديم منتجاتها الخاصة من الرموز غير القابلة للاستبدال للمستهلكين الصينيين، ولكنها لم تضعها على أنظمة بلوك تشين عامة. 

اقرأ أيضاً: ما هو إيثيريوم 2.0؟ وكيف سيعمل على تغيير العملة المشفرة إيثر؟

موقف صيني صارم قديم من العملات المشفرة

ولكن أجواء هذه الصناعة كانت تتسم على الدوام بمسحة من الريبة، فعلى غرار جميع الابتكارات التكنولوجية الجديدة التي لا تتوافق تماماً مع الأطر التنظيمية التقليدية، بدأ العد التنازلي باكراً لتدخل الحكومة الصينية. فمنذ 2017، حافظت الصين على موقف صارم ضد العملات المشفرة بصورة تختلف عن بقية العالم. وعلى الرغم من أن المشرعين الماليين والسيبرانيين الصينيين لم يحظروا المتاجرة بالرموز غير القابلة للاستبدال بصورة صريحة وواضحة، فإن صمت السلطات يخيم على هذا القطاع بشكل لا يبشر بالخير.

ولا يمثل هذا البيان المشترك الجديد تصريحاً رسمياً حكومياً، ولكنه يكاد يكون كذلك. يقول جاي سي، وهو محامٍ في شنغهاي في شركة “زونغ لون” (Zhong Lun) القانونية الصينية: “لا تحمل رسالة التعهد هذه أي أثر قانوني، ولكنها ملزمة إلى حد ما لأعضاء هذه الاتحادات الثلاثة». 

وفيما تدرس الحكومة حركتها المقبلة بهدوء، يحاول اللاعبون في صناعة الرموز غير القابلة للاستبدال البقاء في المنطقة الآمنة.

وعلى سبيل المثال، فإن منصات الرموز غير القابلة للاستبدال التي تمتلكها الشركات التكنولوجية الصينية البارزة لا تستخدم مصطلح “NFT” (وهو اختصار بالإنجليزية لعبارة [الرموز غير القابلة للاستبدال]) في أي مكان. وبدلاً من ذلك، تطلق عليها تسمية “تحف رقمية”. وتقوم الفكرة هنا على أن هذه الرموز لا تختلف كثيراً عن ألعاب “فانكو بوب” (Funko Pop) التي تجسد شخصيات مختلفة حقيقية وخيالية أو مجموعات المجسمات المصنوعة من الفينيل، سوى أنها موجودة على الإنترنت ضمن أنظمة بلوك تشين خاصة تمتلكها شركات محددة وغير شفافة تماماً بالنسبة للعامة. كما يجب على هواة الجمع والاقتناء شراؤها باستخدام العملة التي تصدرها الحكومة، دون السماح بإعادة بيعها.

تعرف على: أبرز الطرق المستخدمة في سرقة الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT).

وعلى سبيل المثال، قامت شركة علي بابا بإصدار تطبيقها الخاص بالرموز غير القابلة للاستبدال “جينغتان” (Jingtan) في ديسمبر، وتقوم حالياً بإصدار الرموز تقريباً كل يوم. وتُباع هذه الإصدارات محدودة النُسخ –وتتضمن عادة 10,000 نسخة من الأعمال الفنية الصينية الشهيرة أو أعمالاً فنية لفنانين رقميين- بأسعار لا تتجاوز 5 دولارات. وقد يُضطر الشراة إلى النقر بالماوس بسرعة فائقة لتأكيد عملية الشراء، ولكنها لا تكلف الكثير. وما إن تتأكد الملكية، عليهم أن ينتظروا فترة ستة أشهر قبل “إهداء” الرمز إلى مستخدم آخر، والذي يجب أن ينتظر بدوره سنتين قبل إهدائها مرة أخرى. وفي السنة الماضية، حظرت علي بابا منتجات الرموز غير القابلة للاستبدال في سوقها الخاص بالأغراض المستعملة. ونظراً لهذه القواعد، لا يوجد سعر رسمي لبيع الرموز غير القابلة للاستبدال المستعملة، ولهذا فإنها لا تصلح كاستثمار مالي.

طرق للالتفاف على القواعد الجديدة 

ولكن، وحيثما توجد القواعد، توجد طرق للالتفاف عليها. ففي الدردشة الجماعية على تطبيقات التواصل الاجتماعي، يناقش الناس مجموعاتهم من هذه الرموز، ما يؤدي عملياً إلى ظهور سوق سوداء للرموز غير القابلة للاستبدال. ومن غير المفاجئ أن تنتشر في هذه السوق عمليات النصب والاحتيال بكثرة. فقد قام أحد مستخدمي منصة زيهو، الشبيهة بمنصة كورا، بتوثيق كيفية فقدانه لنحو 640 دولاراً بعد أن تعرض لعملية نصب من أشخاص وعدوه ببيعه مجموعة من الرموز القابلة للاستبدال على جينغتان، ولكنهم تجاهلوا وعدهم. 

وفي فبراير/ شباط، أعلنت منصة جينغتان أنها فرض عقوبات على 56 مشترٍ من مشتري الرموز بسبب انتهاك القواعد عند “إهداء” بعض الرموز إلى أشخاص آخرين مقابل عائدات على منصات أخرى. وأورد بيان المنصة أنها “ترفض بشدة أي شكل من أشكال إعادة بيع التحف الرقمية”. كما تحالفت المنصة مع شركات تكنولوجية أخرى لإطلاق “ميثاق ضبط ذاتي للصناعة” للتعامل مع جميع المخاطر والمشكلات المتعلقة بالرموز غير القابلة للاستبدال، من دون ذكر للمصطلح على الإطلاق.

وبالنسبة لمعجبي النموذج الأصلي للرموز غير القابلة للاستبدال، فإن “التحف الرقمية” بالأسلوب الصيني يُعتبر تعديلاً مخيباً للآمال. “إذا اشتريت عملاً فنياً حقيقياً، فإنه سيحافظ على قيمته على أي حال، حتى مع معرفتك بأنك لن تبيعه على الأرجح، وحتى دون عروض لشرائه الآن. وذلك بسبب وجود فرصة [بأن يقوم شخص ما بشرائه في المستقبل]” كما يقول جين ينغهوان، وهو مصمم مشروع الرموز القابلة للاستبدال سوبرنوفا في مدينة غوانغزو. (من الجدير بالذكر أن جين ينغهوان هو اسمه المزيف على الإنترنت. وقد رفض أن يفصح عن اسمه الحقيقي لهذه المقالة).

يقول جين: “ما إن يصدر القرار بإلغاء السوق الثانوية للرموز غير القابلة للاستبدال وحتى منع إهدائها، ستفقد هذه الرموز قيمتها عملياً”. 

اقرأ أيضاً: كيف نجعل أنظمة البلوك تشين تتخاطب مع بعضها البعض

المخاطر الناتجة عن القرارات الصينية

تُباع أعمال جين الفنية بصيغة رموز غير قابلة للاستبدال، وهي مجموعة من 10,000 صورة لشخصيات رقمية تم إطلاقها في مارس/ آذار، على المنصة الأميركية أوبن سي، وهي منصة غير متاحة في الصين. كما قام أيضاً بإطلاقها على بيغفيرس، وهي سوق صينية مستقلة التمويل للرموز غير القابلة للاستبدال، وكانت تُعرف سابقاً باسم “NFTCN”. حتى الآن، كانت هذه الأسواق الصغيرة أكثر استعداداً للمخاطرة حول السماح للمستخدمين بالمتاجرة بمجموعاتهم وجني الأرباح منها. كما تدعي بيغفيرس بأنها “أضخم أسواق الفن الرقمي وأكثرها نشاطاً في الصين”. وتستخدم منصة إيثيريوم لإنشاء الرموز، وتسمح بالمتاجرة بها. 

ولكن بيغفيرس وغيرها أصبحت معرضة لخطر كبير بعد أن قبلت الصناعة، على ما يبدو، بمستقبل لا يتضمن المتاجرة بالرموز. وقد رفض مؤسس بيغفيرس “شي تشي” طلباً لإجراء مقابلة، وقال إن الشركة حالياً تخوض حواراً جاداً مع السلطات.

وبالابتعاد عن المخاطر السياسية، اختارت الأطراف المؤثرة في مجال الرموز غير القابلة للاستبدال طريقاً مختلفاً للغاية عن أقرانها في الغرب. وقد بدأت الصناعة بإجراء تجربة تقنية لاختبار مفهوم الرموز غير القابلة للاستبدال: هل يمكن فصل قيمة هذه التكنولوجيا في حفظ الملكية الفكرية عن قيمتها في الاستثمار المالي؟  وهل ستكون الرموز غير القابلة للاستبدال محط اهتمام الناس عند عدم إمكانية تحقيق أرباح كبيرة؟

اقرأ أيضاً: لماذا تطرد الصين منقبي العملات المشفرة؟

يقول سي: “ستواصل سوق الرموز غير القابلة للاستبدال في الصين عملية فك الارتباط عن النظام البيئي خلف البحار، والذي بُني على العملات المشفرة، وستعمل الصين على دراسة نموذج تسعير وتجارة يناسب حاجاتها الخاصة”.

اقرأ أيضا: