لنكن صريحين: ويب 3.0 لا تسير على ما يرام

صرّاف عملة مشفرة في أحد المتاجر في ميامي منذ فترة وجيزة. مصدر الصورة: جو رايدل/ غيتي إيميدجيز

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية

من كان ليتوقع أن انهيارات العملات المشفرة الأخيرة، والتي قضت على قيمة عملات مشفرة واسعة الانتشار مثل بيتكوين ولونا، ستؤخر التعاملات في عدة شبكات بلوك تشين، وستجهز على كامل المدخرات لبعض المستخدمين المثابرين؟ إذا سألنا بعض المراقبين الذين كانوا يشعرون بالريبة إزاء وعود العملات المشفرة منذ زمن، فسوف يقولون إن المسألة كانت مسألة وقت لا أكثر. وتعتبر مطورة البرمجيات مولي وايت، والتي أطلقت مدونة “الويب 3.0 على خير ما يرام” (Web3 Is Going Just Great) في ديسمبر/ كانون الأول المنصرم بوصفها “مشروعاً شخصياً”، من أهم المشككين بالعملات المشفرة في هذه الفترة. وقد تضمنت المدونة جدولاً زمنياً قابلاً للتعديل ومزوداً بميزة البحث لمجموعة الكوارث التي حلت بعالم ويب 3.0 –أي ما يفترض أنه المرحلة التالية من الإنترنت، والتي يفترض بأن تتمحور حول الأنظمة التي تعتمد على العملات المشفرة- بدءاً من فبراير/ شباط 2021 حتى اليوم الحالي. وتقول وايت إنها لا تجني أي أموال من المدونة، وتتمنى فقط إجراء توثيق زمني للكوارث التي حاقت بأنظمة ويب 3.0 بشكل متكرر، بدءاً من السرقات المالية الضخمة وصولاً إلى انهيار العديد من المشاريع، ناهيك عن المعلومات المزيفة والمنصات المخصصة للاحتيال والتي تحمل أسماء لطيفة للغاية. وقد حقق الموقع شعبية واسعة بين أوساط المشككين، كما أن وايت نفسها أصبحت الصوت الذي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة الضجيج الإعلامي الصادر عن شركات العملات المشفرة وشخصياتها المهمة، بل وحتى بدأت بالتعاون مع غيرها من مراقبي العملات المشفرة في إطار مشروع لتدقيق المنشورات واسعة الانتشار التي تكيل المديح للعملات المشفرة.

ارتفاع متقلقل للبيتكوين ووضع لا يوحي بالاستقرار لباقي العملات المشفرة

ومؤخراً، بدأت بيتكوين ارتفاعاً بطيئاً ومتقلقلاً من مستوى الانهيار الذي وصلت إليه، على حين واصلت عملتا لونا وتيرا الحفاظ على مستواهما الأخفض على الإطلاق، وقد تحدثت مع وايت عبر منصة “زوم” (Zoom) حول سبب إطلاقها للمدونة، وما تعليقها على الأحداث الأخيرة، وكيف أصبحت من كبار المشككين بوعود العملات المشفرة. وقد خضع حوارنا للتعديل والتكثيف لمزيد من التوضيح.

نيتيش باهوا: ورد على مدونتك التي تحمل المزيد من التفاصيل أنك وصلت في لحظة ما إلى نتيجة تقول إن هذه التكنولوجيا “مؤذية للغاية” وأنك قررتِ أن تقفي ضدها. هل كان هناك حدث معين دفع بك إلى هذه المرحلة؟

مولي وايت: لقد كان انتقالاً تدريجياً، فقد كنت أشهد المزيد من الدعم الواسع الانتشار للفكرة التي تقول إن العملات المشفرة هي استثمار موجه للأشخاص العاديين –وليس للمستثمرين المضاربين أو الأشخاص المختصين بالتعامل مع الاستثمارات الخطرة- ويجب أن يقوموا بتنصيب تطبيق “كوينبيس” (Coinbase) على هواتفهم والتعامل مع العملات المشفرة يومياً. وقد كانت هناك بعض المشاريع التي دفعت بي إلى مرحلة اتخاذ القرار بتأسيس الموقع. ومن أحدها: كان هناك مجموعة من مؤلفي القصص الخيالية الموجهة للبالغين، والذين قرروا أن يؤسسوا معاً مشروعاً للرموز غير القابلة للاستبدال، حيث يستطيع معجبوهم شراء رموز غير قابلة للاستبدال للشخصيات وكتابة قصص هواة حولها. وتذكرت أنني أصبت بصدمة كبيرة، لأنها كانت إحدى الحالات الواضحة التي تتضمن تسويق الرموز غير القابلة للاستبدال للأطفال، لأن جمهور مؤلفي القصص الخيالية الموجهة للبالغين يتألف بنسبة كبيرة من صغار السن. وكانت هذه لحظة فاصلة بالنسبة لي، حيث قررت أنه قد يكون من المناسب أن أتوسع في الحديث عن هذه الأمور.

عندما أطلقت المدونة، كم استغرقت من الوقت حتى بدأت بالانتشار؟

لقد أقلعت المدونة بسرعة كبيرة نسبياً. وبطريقة ما، انتهى المطاف بالموقع الإلكتروني على قائمة موقع “هاكر نيوز” (Hacker News) في نفس اليوم الذي أطلقته فيه. وهو أمر رائع، لأنه زاد من شعبية الموقع بدرجة كبيرة. وبدأ الناس يشاركونه على نقاشات ريديت الفرعية المخصصة للمشككين بالعملات المشفرة. وبعد ذلك، وعندما بدأت بالتحدث عن العملات المشفرة ومخاوفي المتعلقة بالويب الثالثة بشكل عام، بدأت مواقع ومجلات جديدة بالارتباط به.

مواجهة حتمية مع أنصار العملات المشفرة

مع زيادة الاهتمام إلى هذه الدرجة، هل كان هناك الكثيرون من المناصرين الأوفياء للعملات المشفرة ممن قرروا مواجهتك؟

لقد حدث معي هذا، ولكنه لم يكون موجهاً ضد موقع المدونة (Web3 Is Going Just Great). وأشعر أن الكثيرين من المناصرين الأوفياء للعملات المشفرة لم يكونوا عدوانيين تجاه الموقع، لأن أغلب المواضيع المنشورة عليه تتعلق بمشاريع لم يشاركوا بها. ولهذا، فهم ببساطة يقولون إن تلك المشاريع مزيفة وتهدف إلى الاحتيال، ولكن المشاريع التي يشاركون بها جيدة. ولهذا، فإنهم لا ينظرون إليه على أنه يمثل هجوماً على العملات المشفرة أو الويب 3.0 عموماً. ولكن لا يخلو الوضع من المواجهة، خصوصاً على المدونة وعلى انتقاداتي العامة للعملات المشفرة والويب 3.0، وهي موجهة إلى كتاباتي الطويلة أكثر من الموقع نفسه.

ما طريقتك في متابعة الأخبار وتجميعها؟ خصوصاً في الأسبوع الذي يشهد قصصاً وتقييمات جديدة في كل بضع ساعات تقريباً؟

إن هذا العمل عشوائي نوعاً ما. ففي البداية، كنت أقوم بالبحث عن المواد ضمن عدة منشورات تتحدث عن العملات المشفرة. وقد كنت أنظر إلى النقاشات الفرعية في ريديت، كما كان هناك عدد من المشككين بالعملات المشفرة ممن كنت أتابعهم عن كثب. أما الآن، ومع زيادة شهرة الموقع، يقوم العديدون بوضع إشارة لي عند رؤية تغريدة عن عملية اختراق أو ما شابه، وهو أمر مريح للغاية ويوفر عليّ الكثير من العناء. ولكنني ما زلت أمضي وقتاً طويلاً في قراءة أخبار العملات المشفرة ومتابعة الأخبار المتعلقة بمجالات أخرى أيضاً.

هل تعرفت على أي شخص قاده عملك إلى الاقتناع بوجوب الابتعاد عن العملات المشفرة بالكامل، أو مناصر سابق للعملات المشفرة غير موقفه كلياً بعد قراءة كتاباتك؟

أجل، لقد تعرفت إلى البعض. فقد كنت أقرأ منشوراً على “ريديت” (Reddit) ذات مرة، ورأيت بعض التعليقات التي ذكرت بوضوح أن أصحابها كانوا من مناصري العملات المشفرة، وأنهم قرؤوا بعض كتاباتي وقرروا أنهم لا يريدون التورط في هذه المسألة بعد الآن، وقد كانت رؤية هذه التعليقات أمراً رائعاً. كما رأيت بالتأكيد بعض الأشخاص الذين تورطوا بشراء العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال، والذين بدؤوا النظر إليها بطريقة نقدية، وهو أمر رائع.

ما رأيك بمشكلات وإخفاقات هذا الأسبوع، مع انهيار الأسعار وتجمد أنظمة البلوك تشين، والتخبط في العملات المستقرة؟

أعتقد أن الكثيرين منا كانوا يشعرون بالقلق من حدوث هذا. فقد شهدنا أمراً مماثلاً في بيتكوين وغيرها من العملات المشفرة المهمة، وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض لها بيتكوين إلى الانخفاض، فقد أصبح أمراً يتكرر كل فترة. وإذا بدأت العملات المشفرة مثل بيتكوين وإيثيريوم بالتراجع، فهناك الكثير من المشاريع التي تعتمد بدرجة كبيرة على استقرار أسعار هاتين العملتين أو استمرار ارتفاعها. وقد قال الكثير من مشرفي المشاريع إنها كانت تحقق أداء جيداً في الأشهر الستة الماضية لأنها لم تتعرض إلى عوامل السوق المجهولة أو التراجع في الأطراف المؤثرة. ولهذا، فعندما نشهد أحداثاً مثل انخفاض قيمة بيتكوين، فمن المؤكد أن الكثير من المشاريع الأخرى ستبدأ بالانهيار معها.

وعندما تم فصل العملة المستقرة تيرا عن الدولار، كان من المؤسف أنها مرت بفترة من الزمن شهدت مبالغة في ثقة الناس بها واعتمادهم عليها. وكان الناس يقولون: “يمكنك أن تستخدم هذه العملات المستقرة للادخار، وستكون مدخراتك بأمان” و”يمكنك الاعتماد عليها لانخفاض المخاطرة فيها”. ولكنها في الواقع ليست مثل الحساب المصرفي الذي يتيح لك الحصول على تأمين من شركة تأمين الودائع الفيدرالية. فإذا انهارت تيرا، فلن تحصل على أي تعويض.

حافظ على أمان مدخراتك

لقد رأيت منشوراً على إحدى مواضيع النقاش الفرعية على ريديت يقول للناس: “إياكم واستخدام مدخراتكم المخصصة لوقت الطوارئ في محاولة تعويض هذا الانخفاض”. وهي تبدو نصيحة جيدة.

من الغريب للغاية أن نرى العديد من الأشخاص الذين يروجون للعملة المستقرة تيرا، وبعد انهيارها بشكل كامل، يقولون للناس: “استغلوا الفرصة واشتروها بسعر منخفض“. ماذا؟ ليس من المفترض حتى أن ينخفض سعرها بهذه الطريقة. ما الذي يتحدثون عنه بالضبط؟

أعتقد أن بعض الناس يعتقدون بأن هذا التقلب الكبير في الأسعار يعني أنه حان الوقت لشراء المزيد من العملات دون أن يأخذوا بعين الاعتبار احتمال انتهاء هذه المنظومة بالكامل غداً، فقد تصل تيرا إلى الصفر، ويستحيل أن تعود إلى سابق عهدها بعد هذا. أنا ببساطة أشعر بارتباك شديد إزاء فكرة استغلال انخفاض السعر لشراء المزيد من عملة يفترض بأنها مستقرة.

لقد كنت أكتب حول بيتكوين منذ فترة –ولم يسبق لي أن امتلكتها- ولكن، ومنذ البداية، كان من المفترض أن تكون بديلاً للعملة العادية، وبمثابة شبكة موازية للاقتصاد التقليدي. ولكن كما رأينا، خصوصاً هذا الأسبوع، كان هناك الكثير من شركات العملات المشفرة المرتبطة بسوق الأسهم. هناك حكومتان رسميتان اعتمدتا البيتكوين كعملة قانونية، على الرغم من أنه كان من المفترض أن تبقى خارج متناول الحكومة. أتساءل إذا كان لديك أي أفكار حول هذا الموضوع.

أعتقد أن بيتكوين كانت تحمل مُثُلاً عليا من البداية حول العمل بشكل كامل خارج نطاق سلطة الحكومة، لبناء اقتصاد منفصل عنها بالكامل. ولا أعتقد شخصياً أن بيتكوين تمكنت قط من تحقيق الوعود التي كان يؤمن بها الكثيرون من حيث مناهضة المراقبة ودعم الخصوصية والحرية من التدخل الحكومي. في البداية، كان الكثيرون يعتقدون أنها وسيلة للدفع للمنشقين عن سيطرة الحكومة.

أما الأشخاص العقلانيون فقد كانوا يعلمون أن هذا غير صحيح. وببساطة، فإن بيتكوين لم تتمكن من تحقيق وعودها، وقد تحولت بشكل أساسي إلى أسوأ نسخة من السوق المالية التقليدية بعدة طرق. ولكن هناك الكثيرون ممن زالوا متمسكين بهذه الأيديولوجيا وكأنها ما زالت قابلة للتحقيق، وهو أمر محير بالنسبة لي.

نحو المزيد من اللامركزية

من أهم التوجهات في ويب 3.0 على مدى السنوات القليلة الماضية ظهور المنظمات اللامركزية ذاتية العمل (اختصاراً: “داو” (DAO))، والتي تعتمد على تقنية وشبكات البلوك تشين وعملاتها لدعم المجتمعات الافتراضية. وقد انتقلت بعض المجتمعات من هناك إلى الواقع الافتراضي. وأنا أعرف البعض ممن لا يحبذون العملات المشفرة، ولكنهم يرغبون بالانتماء إلى إحدى هذه المجتمعات، والعكس صحيح. أرغب بسؤالك عما إذا كنت تعتقدين بإمكانية فصل فكرة “داو” عن انهيارات العملات المشفرة وأفكارها المثيرة للجدل.

ترغب شخصيتي المثالية الداخلية بأن تؤمن باستمرار اهتمام الناس بهذه المجتمعات الديمقراطية التي تتمتع بالحكم الذاتي على الإنترنت، والتي تعتمد على اهتمامات معينة مشتركة، حتى مع انهيارات العملات المشفرة وعدم وجود حوافز مالية كافية للاستثمار فيها. لقد ظهرت الكثير من مجتمعات “داو” التي تتمحور حول الكثير من الأشياء، ومن الممكن أن يستمر الناس بالتواصل بهذه الأساليب المتشابكة دون استخدام العملات.

أنا أحب هذا الشكل من المجتمعات، وأعتقد أن وجود المزيد منها أمر ضروري. ولكنني أعتقد أن إضافة عملة إلى “داو” سيحدث تأثيراً سلبياً للغاية، حيث ستظهر، وبشكل فجائي، ناحية مالية كبيرة في مساهمات الجميع. ولهذا، سيضطر الناس إلى اتخاذ قراراتهم مع أخذ سعر العملة بعين الاعتبار، أو سيحاولون المشاركة في عملية تسويق متعددة المستويات لجلب المزيد من الناس إلى “داو”.

ولدي بعض الشكوك حول قدرة النواحي الإيجابية على الاستمرار بصورة واقعية في حال اختفاء الدافع المالي. وأعتقد أن الدافع المالي هو سبب مهم لمشاركة الكثير من الناس في هذه المجتمعات، ولكنني أرغب في رؤية استمرار هذا الشكل من التنظيم المجتمعي. أعتقد أن التصويت أمر رائع. ويمكننا أن نقوم بالتصويت دون العملات المشفرة، ويمكننا أن نواصل الاعتماد على هذا الشكل من الإدارة الذاتية والتجمع المجتمعي، ونكوّن هذه الفقاعات الصغيرة حول الاهتمامات المشتركة. وآمل فقط أن تصبح الناحية المتعلقة بالعملات المشفرة أقل تأثيراً في هذه المجتمعات.

هل استمتعت بكتابة هذه المدونات، وهل تعتقدين أنك ستواصلين العمل عليها؟

لقد استمتعت بها بالفعل. وهذا النوع من البحث والتوثيق هو أحد هواياتي منذ زمن. وهو أمر مهم بالنسبة لي، وأعتقد أنه أدى إلى تأثير إيجابي على الكثير من الأشخاص الذين كانوا لولاه سينساقون إلى إغراء استثمار أموالهم في العملات المشفرة، أو محاولة تحقيق فكرة بناء شبكة ويب جديدة على البلوك تشين. ولهذا، فإن هذا العمل يجعلني أشعر بتحقيق الذات.