يقول متخصص الأخلاقيات البيولوجية في جامعة سنغافورة الوطنية، والذي لم يشارك في الدراسة، جوليان سافوليسكو: "إنها خطوة مهمة نحو تحقيق التقدم في فهم أمراض الدماغ ومعالجتها". ولكن هذا التطور يثير تساؤلات أخلاقية أيضاً، كما يضيف خصوصاً حول مسألة "أنسَنة" الحيوانات.
اقرأ أيضاً: قطب كهربائي داخل الدماغ لإصلاح الذاكرة يفتح آفاقاً جديدة لعلاج ألزهايمر
كان سيرجيو باسكا من جامعة ستانفورد يعمل على مدى أكثر من عقد على العُضيّات (الأعضاء الصغيرة) العصبونية، وهي كتل صغيرة من العصبونات المستزرعة ضمن طبق مخبري، وتشبه مناطق محددة في الدماغ. وغالباً ما يتم استنبات هذه العضيّات من خلايا الجلد البشرية التي يتم تحويلها في البداية إلى خلايا جذعية. وبعد ذلك، يمكن تحفيز هذه الخلايا على تشكيل العصبونات في المختبر، وذلك ضمن الظروف المناسبة. ويمكن استخدام العضيّات الناتجة في دراسة إشارات خلايا الدماغ واتصالاتها ببعضها البعض، وكيف يمكن أن تعمل بشكل خاطئ في بعض الاضطرابات.
ولكن مجموعة الخلايا المدروسة في المختبر لن تستطيع تقديم الكثير من المعلومات. وفي الحقيقة، فإن هذه الخلايا لا تحاكي ما يحدث في أدمغتنا فعلاً، ولهذا، يتفادى باسكا والكثيرون من العاملين في هذا المجال استخدام المصطلح الشائع "الأدمغة الصغيرة". فخلايا العضيات لا تستطيع تشكيل نفس الروابط المعقدة. كما أنها لا ترسل الإشارات بنفس الطريقة أيضاً. وليست بضخامة الخلايا الموجودة في أدمغتنا. يقول باسكا: "حتى عند الاحتفاظ بالعصبونات البشرية لفترة تصل إلى عدة مئات من الأيام، لاحظنا أنها لا تنمو إلى الحجم الذي تنمو إليه العصبونات الموجودة في الدماغ البشري".
كما أنه من المستحيل أن نعرف كيف يمكن للتغيرات التي تطرأ على العصبونات في المختبر أن تتسبب بأحد أعراض الاضطرابات العصبية النفسية. فإذا تغير شكل الخلايا الموجودة في الطبق المخبري، أو تغيرت طريقة إطلاقها للإشارات، أو البروتينات التي تصنعها، فماذا يعني هذا بالنسبة لذكريات الشخص أو سلوكه، على سبيل المثال؟
وللالتفاف حول هذه المشكلات، قام باسكا وزملاؤه بزرع العضيات ضمن أدمغة جرذان حية، وتحديداً، حديثة الولادة منها. تحدث تغيرات كبيرة وشاملة في أدمغة الحيوانات الصغيرة للغاية في أثناء تطورها. وبالتالي، وكما استنتج باسكا، فإن العصبونات المزروعة في هذه المرحلة ستحظى بأفضل فرصة للتكامل مع الدارات العصبونية في أدمغة الجرذان.
اقرأ أيضاً: كيف تؤدي الاختبارات الجينية الحديثة إلى قلب حياة البعض رأساً على عقب؟
بناء عضيات الدماغ
استخدم الفريق عضيات مصنوعة من خلايا الجلد. وقد تم تحويل هذه الخلايا إلى خلايا جذعية في المختبر قبل أن يتم تحفيزها على تشكيل طبقات من الخلايا بشكل مشابه لما يوجد في قشرة الدماغ البشرية، وهي الجزء الخارجي المليء بالطيات من الدماغ البشري، والذي يحتوي على المناطق المسؤولة عن التفكير، والرؤية، والسمع، والذاكرة، واستشعار الوسط المحيط، وغيرها. وقد استغرقت هذه العملية شهرين تقريباً في المختبر.
وبعد ذلك، تم حقن العضيات الناتجة ثلاثية الأبعاد ضمن أدمغة جرذان بعمر عدة أيام عبر فتحة في الجمجمة. حيث تم زرع العضيات في القشرة الحسية، وهي منطقة لها دور في مساعدة الحيوانات على استشعار بيئتها المحيطة.
وخلال أربعة أشهر، أظهرت عمليات مسح الأدمغة نمو العضيات إلى ما يقارب تسعة أضعاف حجمها الأصلي، بحيث أصبحت تشكل ثلث أحد نصفي الدماغ تقريباً. وبدا أن الخلايا قامت بتشكيل وصلات مع خلايا دماغ الجرذان، وأصبحت جزءاً من دارات الدماغ.