كيف غيّر «تشات جي بي تي» نظرة العالم إلى الذكاء الاصطناعي؟

4 دقائق
كيف غيّر «تشات جي بي تي» نظرة العالم إلى الذكاء الاصطناعي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ SuPatMaN
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

استحوذ بوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي (ChatGPT) على اهتمام العالم خلال مدة وجيزة. فبعد أيام قليلة من إطلاقه، كان أكثر من مليون شخص يحاولون تجربته. وبعد شهرين فقط وصل عدد مستخدميه إلى 100 مليون مستخدم نشط شهرياً. لكن، ما السبب وراء تلك الهالة التي تحيط به منذ مولده والتي لم يخفت وهجها حتى اليوم؟

سباق سرعة

شهد عام 2022 تطورين مهمين في مجال الذكاء الاصطناعي؛ أولاً مع انطلاق العام حدث “انفجار” مفاجئ في برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI). لم تكد شركة أوبن أيه آي (OpenAI) تعلن عن طرح برنامج “دال-إي 2” لتوليد الصور في أبريل/ نيسان الماضي، حتى انطلقت الشركات الكبيرة والناشئة في سباق سرعة لتطوير نماذج منافسة أكثر قوة ودقة، منها “إيماجن” (Imagen) من جوجل، وستيبل ديفيوجن (Stable Diffusion) من ستابيليتي أيه آي (Stability AI)، وميدجيرني (Midjourney) من شركة تحمل الاسم نفسه.

لكن سباق الذكاء الاصطناعي التوليدي هذا لم يكن سوى مقدمة للحدث الأهم: في نهاية العام، أعلنت شركة “أوبن أيه آي” عن برنامج الذكاء الاصطناعي الأكثر شهرة والأسرع نمواً في التاريخ “تشات جي بي تي”.

اقرأ أيضاً: ما مصير الذكاء الاصطناعي التوليدي بعد أن يخبو الضجيج الإعلامي؟

لا تكمن أهمية “تشات جي بي تي” فقط في تعدد استخداماته وقدراته الفريدة على الكتابة والتلخيص والتحاور والبحث والبرمجة، وإنما تكمن في أنه لم يحقق شهرته في أوساط المتخصصين فقط كسابقيه من تقنيات الذكاء الاصطناعي، بل تحول إلى محور للنقاشات العامة بين الناس العاديين حتى في الدول التي لا تصل إليها خدماته. فجأة أصبح الجميع يسعى للاستفادة من “تشات جي بي تي”. ومن لم يجد طريقة بعد، فعلى الأقل يفكر في كيفية تأثير النموذج عليه: هل سيستولى على عملي؟ كيف ستستخدمه الشركات المنافسة؟ هل سيساعدني في الدراسة (ولو بطرق غير مشروعة)؟

يرى الأستاذ في جامعة ستانفورد والمدير المؤسس لمختبر ستانفورد للوسائط الاجتماعية، جيف هانكوك، أن “تشات جي بي تي” قد أنهى عصر “اختبار تورينغ“، إذ تبدو البوتات الآن حقيقية لدرجة أنه أصبح من المستحيل التمييز بين البشر والآلات في المحادثات. ويشير هانكوك إلى أن ما ينبغي أن يثير قلقنا حالياً هو كيفية استخدام هذه الأدوات للخير وليس للضرر.

اقرأ أيضاً: يكتب الاختبارات ويصحح الإجابات: هل يهدد تشات جي بي تي التعليم العالي؟

“تشات جي بي تي” على خطى “آيفون”

من النقاط المثيرة فيما يتعلق بـ”تشات جي بي تي” أنه تطور أسرع مما توقع أي شخص، بما في ذلك أولئك الذين شاركوا في تصميمه. يقول براد سميث، رئيس شركة مايكروسوفت -الشريكة الرئيسية لـ”أوبن أيه آي” وأكبر المستثمرين فيها- إن التطورات التي توقع خبراء شركته حدوثها بحلول عام 2033 تحدث بدلاً من ذلك عام 2023.

يشير سميث في مقالة نشرتها الشركة في وقت سابق من هذا الشهر إلى اعتقاده أن “تشات جي بي تي” سيجعل من هذا العام نقطة انعطاف حاسمة في مسار الذكاء الاصطناعي، تماماً كما انتشر استخدام الإنترنت فجأة مع إطلاق متصفح “إنترنت إكسبلورر” عام 1995، وتسارعت وتيرة نمو الهواتف الذكية مع إطلاق هاتف “آيفون” عام 2007.

هذه التطورات السريعة التي تصاحب “تشات جي بي تي” تنعكس بوضوح في تصريحات كل من الخبراء والمستخدمين العاديين. إلى وقت قريب، كان الباحثون والعلماء يستخدمون السنوات -وأحياناً العقود- عند الحديث عن التطورات المتوقعة في الذكاء الاصطناعي. لكن “تشات جي بي تي” غيّر هذه المدد الزمنية وأصبح الحديث يدور حول الأشهر والأيام بدلاً من السنوات (تذكر أن كل هذا حدث خلال 3 أشهر فقط من إطلاق البرنامج).

وحتى شركة جوجل العملاقة التي طالما اعتبرت أكبر من أن تفشل لم تجد فرصة للاستعداد، ووجدت نفسها فجأة في مواجهة متحدٍ جديد يجبرها على تسريع إطلاق برامج منافسة بعدما اهتز بالفعل عرش محركها البحثي العملاق، وثارت شكوك المستثمرين حول قدرتها على الفوز بـ”معركة محركات البحث”. وفي محاولاتها المتعجلة لإطلاق بوت الدردشة بارد (Bard) الذي تعول عليه للفوز في المعركة، وقعت في خطأ كلفها نحو 100 مليار دولار، وهو ما يقدر بـ 9% من قيمة أسهمها. كما أن إعلانها عن “بارد” لم يستحوذ على الاهتمام نفسه الذي توقعته الشركة. وهو ما حدث نفسه مع إعلان مسؤولي شركة أمازون أنهم يطوّرون تقنية مماثلة.

اقرأ أيضاً: أيهما أفضل تشات جي بي تي أمْ جوجل عند البحث عن المعلومات؟

كذلك، امتدت تأثيرات “تشات جي بي تي” بسرعة إلى خارج الولايات المتحدة، حيث أعلنت شركات منافسة في الصين (مثل “بايدو” و”علي بابا“) أنها تجري تجارب لإطلاق تقنيات منافسة. بل إن مدناً مثل بكين، ودولاً بأكملها مثل تايوان، تعتزم الآن تطوير نسخها الخاصة من بوتات الدردشة لمنع “تشات جي بي تي” من الهيمنة على الإنترنت.

مستقبل الذكاء الاصطناعي “الآن”

إحدى المشكلات الرئيسية التي يعاني منها “تشات جي بي تي” وغيره من الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي حتى الآن هي عدم الدقة وإمكانية تقديم إجابات وهمية ولكن في صورة مقنعة “على نحو أشبه بالهلوسة”. وهو ما يتسبب بالتالي في صعوبة الاعتماد عليها للحصول على معلومات دقيقة دائماً، بحسب ما يقوله رئيس قسم البحث في شركة جوجل برابهاكار راغافان. بيد أن هذه المشكلة ستتراجع على الأرجح مع الإصدارات القادمة من النماذج اللغوية الكبيرة التي تعتمد عليها بوتات الدردشة، مثل جي بي تي-4 (GPT-4).

اقرأ أيضاً: كيف يمكن كشف النصوص التي يولدها الذكاء الاصطناعي؟

حاول الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن أيه آي” سام ألتمان، في العديد من تصريحاته الأخيرة، الحد من “الحماس الزائد” لما سيحمله برنامج “جي بي تي-4” المنتظر، نافياً الشائعات المنتشرة حول احتوائه على 100 تريليون معامل وسيط، الأمر الذي سيمثل نقلة كبيرة مقارنة بعدد المعاملات التي يحتوي عليها البرنامج الحالي “جي بي تي-3” والذي يبلغ 175 مليار معامل. يذكر أن “تشات جي بي تي” يعمل على إصدار محسّن هو جي بي تي 3.5 (GPT 3.5).

مع كل هذه التطورات المتلاحقة، رفع “تشات جي بي تي” من توقعات الناس لمستقبل الذكاء الاصطناعي، لدرجة الأمل في امتلاك “أوبن أيه آي” لبرنامج يتمتع بذكاء اصطناعي عام (وهو ما نفاه ألتمان أيضاً). وبصرف النظر عما سيحمله “جي بي تي-4” أو غيره، فإن الأمر المؤكد هو أن “تشات جي بي تي” غيّر نظرة العالم عن مستقبل الذكاء الاصطناعي من “قريباً” إلى “الآن”.