ما الذي نعرفه عن بوت «بارد» الذي تضع جوجل آمالها عليه لهزيمة مايكروسوفت؟

4 دقائق
ما الذي نعرفه عن بوت «بارد» الذي تضع جوجل آمالها عليه لهزيمة مايكروسوفت؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ JRdes
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في مجال الذكاء الاصطناعي، لا صوت يعلو هذه الأيام فوق صوت “معركة بوتات الدردشة” بين شركتي جوجل ومايكروسوفت. فقبل مرور شهر على إعلان مايكروسوفت استثمار مليارات الدولارات في شركة أوبن إيه آي (OpenAI) الناشئة التي طوّرت بوت الدردشة تشات جي بي تي (ChatGPT)، ثم الكشف هذا الأسبوع خططها لدمجه في منتجاتها، أعلنت جوجل أنها ستطرح منافساً له يدعى بارد (Bard).

ما الذي نعرفه عن “بارد” حتى الآن؟

“بارد” عبارة عن بوت دردشة مدعوم بالذكاء الاصطناعي يمكنه الرد على الاستفسارات المختلفة وتلخيص المعلومات ووجهات النظر في صورة حوار سهل الفهم. يتشابه “بارد” مع “تشات جي بي تي” في أنه يتعين على المستخدمين توجيه سؤال أو استفسار أو أمر نصي لهما لتلقي إجابة شبيهة بإجابات البشر.

أعلن الرئيس التنفيذي لشركة جوجل سوندار بيتشاي، رسمياً عن “بارد” في مقالة نشرها على موقع الشركة يوم الاثنين الماضي، واصفاً الأداة بأنها “خدمة ذكاء اصطناعي حواري تجريبي” ستجيب عن استفسارات المستخدمين وتشارك في محادثات. وأضاف أنها ستكون متاحة لمجموعة من “المختبرين الموثوق بهم”، قبل أن تصبح “متاحة على نطاق أوسع للجمهور خلال الأسابيع المقبلة”.

يعتمد “بارد” على نموذج لغوي متقدم أعلنت عنه جوجل قبل عامين يحمل اسم لامدا (LaMDA) (وهو اختصار لعبارة: النموذج اللغوي لتطبيقات الحوار). وقد اكتسب “لامدا” شهرة مفاجئة العام الماضي عندما ادعى مهندس في جوجل آنذاك أن البرنامج يمتلك “وعياً” بسبب ردوده “فائقة التعقيد” الشبيهة بردود البشر، وهي ادعاءات نفتها الشركة بقوة في هذا الوقت.

يقول بيتشاي إن “بارد” يسعى إلى الجمع بين اتساع نطاق المعرفة في العالم مع القوة والذكاء والإبداع التي تتمتع بها نماذج جوجل اللغوية الكبيرة، مضيفاً أنه يعتمد على معلومات مستقاة من الويب لتقديم ردود “حديثة” عالية الجودة. ومن المتوقع أن يكون ذكر الرئيس التنفيذي للشركة لكلمة “حديثة” إشارة إلى أن “بارد” سيكون قادراً على تقديم إجابات قائمة على المعلومات الجديدة المتاحة على الإنترنت، على عكس “تشات جي بي تي” الذي توقفت معلوماته عند عام 2021.

اقرأ أيضاً: أيهما أفضل تشات جي بي تي أمْ جوجل عند البحث عن المعلومات؟

تحول في “النهج الحذر”

يأتي هذا الإعلان في الوقت الذي أسهم فيه “تشات جي بي تي” -الذي تم إطلاقه في 30 نوفمبر الماضي- في تعريض المنتج الأساسي لجوجل (البحث عبر الإنترنت) لأكبر مخاطر منذ سنوات؛ فخلال الشهرين الماضيين، تم استخدام “تشات جي بي تي” لإنشاء المقالات والقصص وكلمات الأغاني، وللإجابة عن الأسئلة التي عادةً ما يبحث عنها الناس على جوجل.

بيد أن جوجل تتمتع بخبرة عميقة بشكلٍ عام في هذا النوع من الذكاء الاصطناعي الذي يقف وراء “تشات جي بي تي”. في الواقع، جوجل هي من اخترعت عام 2017 “المحولات” التي تمثل حرف “تي” في كلمة “تشات جي بي تي”. ومع ذلك، فقد ظلت الشركة حتى الآن تتبع نهجاً حذراً في طرح أدواتها القائمة على الذكاء الاصطناعي المتقدم للجمهور.

وعلى الرغم من أن “تشات جي بي تي” قد أجبر جوجل على التخلي جزئياً عن هذا النهج الحذر، واضطرها لتحسس “الزر الأحمر”، فإنها لا تبدو راغبة في التخلي كلياً عن توجهها، إذ سيُطرح “بارد” مبدئياً معتمداً على نسخة خفيفة الوزن من “لامدا”. وتقول الشركة إن هذا النموذج الأصغر حجماً يتطلب قوة حوسبة أقل، ما سيمكنها من التوسع وإتاحته للمزيد من المستخدمين، وبالتالي الحصول على المزيد من الملاحظات، التي ستقوم بعد ذلك بدراستها للتأكد من أن ردود البوت تلبي معايير الجودة والأمان.

وبعد يومين فقط من الإعلان رسمياً عن البوت، أقامت جوجل مؤتمراً بثته عبر موقع يوتيوب بعنوان “مباشر من باريس” (Live from Paris)، ركّزت فيه على مبادرات الذكاء الاصطناعي الجديدة بشكلٍ عام وتحدثت بمزيد من التفصيل عن “بارد”.

وأكد نائب رئيس الشركة برابهاكار راغافان، خلال الحدث، أن جوجل ستُدخل “سحر الذكاء الاصطناعي التوليدي” مباشرةً في محركها البحثي، وستستخدم الذكاء الاصطناعي لتمهيد الطريق للآفاق الجديدة لمنتجاتها الإعلامية. وأضاف راغافان: “باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، يمكننا أتمتة تدوير صور الأحذية الرياضية 360 درجة، من بضع صور ثابتة، وهو الأمر الذي كان يتطلب من التجار في السابق استخدام مئات من صور المنتج، بالإضافة إلى تكنولوجيا باهظة الثمن”.

اقرأ أيضاً: ما مصير الذكاء الاصطناعي التوليدي بعد أن يخبو الضجيج الإعلامي؟

خطأ في التجربة الأولى

تقول الشركة إنه يمكن استخدام “بارد” في “تعميق فهمنا للمعلومات وتحويلها إلى معرفة مفيدة بطريقة أكثر كفاءة”، ما يسهّل على الأشخاص الوصول إلى جوهر ما يبحثون عنه، عبر إجابات أكثر تطوراً لطلبات البحث. على سبيل المثال، يمكنه مناقشة سؤال يدور حول “هل العزف على البيانو أسهل في التعلم من الجيتار، وما مقدار الوقت المطلوب للتدرب على كل منهما؟”، كما يمكنه تبسيط المعلومات المعقدة، مثل شرح الاكتشافات الجديدة لتلسكوب جيمس ويب الفضائي لطفل يبلغ من العمر 9 سنوات.

هذا المثال الأخير تحديداً -الذي استخدمه بيتشاي نفسه في مقالته وفي تغريدة على تويتر- تسبب في أزمة محرجة لجوجل، إذ يُظهر أن “بارد” أجاب عن السؤال في 3 نقاط، من بينها نقطة تنص على أن التلسكوب “التقط أول صور على الإطلاق لكوكب خارج مجموعتنا الشمسية”.

لكن عدداً من علماء الفلك ذكروا -عبر تويتر أيضاً- أن هذه الإجابة غير صحيحة، وأن الصورة الأولى لكوكب من خارج المجموعة الشمسية تم التقاطها عام 2004، وهي معلومة مذكورة على موقع وكالة ناسا على الإنترنت.

فتح هذا المثال الخاطئ الباب مبكراً أمام الانتقادات التي انهالت على “بارد”، وعلى أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي عموماً، بسبب الميل إلى نشر معلومات غير صحيحة على أنها حقيقة، وبطريقة توحي بالثقة. بالإضافة إلى المخاوف المعتادة من إمكانية إطلاق إجابات متحيزة أو مضللة أو ضارة، وخطورة استخدام هذه الأدوات كمحركات بحث بسبب نوعية البيانات المنتشرة على الإنترنت، التي تستقي منها هذه الأنظمة إجاباتها.

اقرأ أيضاً: كيف سيحدث بوت الدردشة تشات جي بي تي ثورة في مجال الأعمال؟

“بايدو” و”علي بابا” تطرقان الأبواب

بعد وقت قصير من نشر مقالته، أخبر بيتشاي موظفيه أن الشركة تحتاج إلى “كل مساعدة ممكنة” لبدء اختبار “بارد” داخلياً. وأضاف في مذكرة داخلية: “الأسبوع المقبل، سنقوم بحشد كل موظف في جوجل للمساعدة في تشكيل “بارد” من خلال تطبيق تجريبي خاص على مستوى الشركة”.

كما تحدث عن السماح لكيانات خارجية ببناء تطبيقاتها ومنتجاتها الخاصة باستخدام نموذج “لامدا”. 

وأضاف بيتشاي في المذكرة الداخلية: “الشهر المقبل، سنبدأ في السماح للمطورين والمبدعين من الأفراد والمؤسسات بتجربة واجهات برمجة التطبيقات المدعومة مبدئياً بنموذج لامدا، تليها مجموعة من النماذج”.

ومن المؤكد أن هذه الخطوة التي اتخذتها جوجل، بالإضافة إلى خطوات مايكروسوفت المتسارعة لدمج الذكاء الاصطناعي في منتجاتها، ستدفع الكثير من الشركات للحاق بهما، ويمكننا أن نلمس بوادر هذه التحركات في مسارعة شركة بايدو (Baidu) الصينية العملاقة للكشف عن بوت دردشة منافس يدعى إرني (Ernie) من المقرر إطلاقه في مارس المقبل. علاوة على تصريح مجموعة “علي بابا” الصينية أنها تطوّر أداة تشبه “تشات جي بي تي”، وأن هذه الأداة تخضع حالياً للاختبار الداخلي.

ويبدو أن الشعبية الجارفة التي حققها “تشات جي بي تي” خلال هذا الوقت القياسي ستدفع المزيد من الشركات للتخلي عن الحذر، والدفع بأنظمتها التي ظلت حبيسة المختبرات لسنوات في هذه المعركة الجديدة التي بدأت تلوح في الأفق.