كيف يساعد التحول الرقمي قطاع النفط والغاز على مواجهة الأزمة الحالية في الطاقة؟

5 دقائق
كيف يساعد التحول الرقمي في قطاع النفط والغاز على مواجهة الأزمة الحالية في الطاقة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Bannafarsai_Stock
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بينما تسببت جائحة كوفيد-19 في اضطراب اجتماعي واقتصادي ومالي حاد في جميع القطاعات، كان قطاع النفط والغاز هو الأكثر تضرراً، حيث تلقى العديد من الضربات في شكل اضطراب حاد في الطلب وزيادة كبيرة في المعروض، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية. وفي خضم هذه الأحداث، تحولت الصناعات بأكملها إلى التكنولوجيات الرقمية لتجاوز آثار الضربة، وإعادة كتابة المشهد التشغيلي، وبناء بنية تحتية رشيقة.

في قطاع النفط والغاز، فإن فوائد التحول الرقمي كثيرة، والتي ستساعد في توفير التكاليف، وزيادة الإنتاجية، والبقاء في المنافسة وسط الطلب المتزايد على مصادر الطاقة البديلة والصديقة للبيئة. فكيف يساعد التحول الرقمي صناعة النفط والغاز على التكيف؟ وما هي أهم التكنولوجيات الجديدة التي ستساعدها في التغلب على الأزمات التي تمر بها حالياً؟

موقف شركات النفط والغاز من عمليات التحول الرقمي

وفقاً للعديد من التقارير، فإن اعتماد التكنولوجيا الرقمية في صناعة النفط والغاز لم يصل بعد إلى أقصى حدوده،حيث أفاد تقرير التحول الرقمي للنفط والغاز لعام 2020، بأن 58% فقط من شركات النفط والغاز بدأت بالاستثمار جدياً في التكنولوجيا الرقمية وجعلها ضرورة قصوى، حيث تخطط الغالبية منها لاستثمار قدر كبير أو مبلغ معتدل من إجمالي ميزانيتها من أجل التحول الرقمي.

ومع ذلك، فإن من بين أكثر من 200 شركة نفط وغاز شملتها الدراسة الاستقصائية التي أجرتها شركة التحليلات بي دابليو سي (PwC)، وجدت أن 7% من هذه الشركات نفذت عمليات التحول الرقمي كاملاً. بينما أفادت أكثر من 70% من الشركات بأنها لا تزال في المراحل الأولى من عملية التحول الرقمي.

هذا يعود إلى أن القدرة على التغيير السريع يمثل تحدياً كبيراً في اعتماد التكنولوجيات الرقمية في هذا القطاع، فما تزال شركات النفط والغاز تعتمد على الروتين في جميع مراحل التشغيل، من أنشطة المنبع إلى المصب، لأن الأنظمة تم تصميمها مسبقاً بتكاليف مالية باهظة، ومن ثم فإن بناء ثقافة الابتكار أمر صعب التحقق بسرعة في هذا القطاع.

اقرأ أيضاً: الحرب الروسية الأوكرانية تبرز مدى اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري الروسي

علاوة على ذلك، لا يمكن لصناعة النفط والغاز التي تُقدر بمليارات الدولارات أن تعتمد على التجربة والخطأ أو تتبع نهج عمل متعدد المسارات بين ليلة وضحاها. بالإضافة إلى ذلك، فإن العمليات والهياكل التنظيمية التي عفا عليها الزمن، وغياب نموذج التشغيل الرقمي، والافتقار إلى الثقافة المواتية التي تعزز تبادل المعرفة، وطرق العمل الجديدة هي من ضمن العوائق التي تحول دون التحول الرقمي في صناعة النفط والغاز بالسرعة المطلوبة.

الفوائد التي يمكن أن يجنيها قطاع النفط والغاز من التحول الرقمي

بشكل أساسي، تساعد عمليات التحول الرقمي شركات النفط والغاز في جعل سلاسل الإمداد أرخص وأكثر إنتاجية وأقل ضرراً، بالإضافة إلى العديد من الفوائد الأخرى، بما في ذلك:

فتح فرص عمل جديدة

تزود التكنولوجيات الرقمية شركات النفط والغاز وقطاع الطاقة بشكل عام بأدوات جديدة تسمح لها ببناء نموذج أعمال أكثر مرونة وتنوعاً. على سبيل المثال، يمكن للشركات الجمع بين مصادر الطاقة التقليدية والخضراء لدفع الإنتاجية والحد من التغيّر المناخي والاحتباس الحراري التي تعتبر من أكبر المساهمين في حدوثها.

زيادة ربحية رأس المال

أظهرت التكنولوجيا الناشئة الجديدة في صناعة النفط والغاز أن سلاسل القيمة السابقة قد تحققت بشكل غير منتج. حيث يمكن أن تسمح قدرات الحوسبة الحالية والتطورات التكنولوجية الشاملة لشركات النفط والغاز ببناء آلات متطورة للغاية، ما يمكنها من الوصول إلى أعمق نقطة ممكنة لاستخراج النفط والغاز.

اقرأ أيضاً: النفط والغاز ومستقبل البوليمرات واللامعادن، إلى أين؟

تحسين الكفاءة التشغيلية

يساعد التحول الرقمي شركات النفط والغاز في كل من مرحلة التخطيط والإجراءات العملية. حيث إن التحليل التنبؤي مفيد للصيانة الوقائية للمعدات، والمراقبة الذكية في الوقت الفعلي، وجمع البيانات لتحليل شامل.

الاستجابة لتقلبات السوق

يعتبر قطاع الطاقة ضعيفاً للغاية وعرضةً للتغيّر بشكل مستمر، حيث تعتمد عمليات العرض والطلب بشكل كبير على الجغرافيا السياسية، والظروف البيئية، والمجتمع، وغيرها، لذا فإن إدماج التكنولوجيات الناشئة، مثل التحليل القائم على البيانات من شأنه أن يسهّل التكيف والاستجابة لهذه التغييرات.

أبرز التكنولوجيات التي ستشكل قطاع النفط والغاز مستقبلاً

ستعمل صناعة النفط والغاز، بما فيه من تعقيد، على التحول الرقمي الشامل بالتأكيد في المستقبل القريب، ليس فقط لأنه تطور طبيعي في أي صناعة، ولكن لأن البيئة والمجتمع والسياسة تتطلب هذا التحول في أسرع وقت ممكن. وتشمل أهم التكنولوجيات التي يمكن استخدامها في رحلة التحول الرقمي في قطاع الطاقة، ما يلي:

إنترنت الأشياء

وفقاً لتقرير شركة البيانات ماكينزي (Mckinsey)، من المتوقع أن يُساهم استخدام تكنولوجيا إنترنت الأشياء الصناعي في تحقيق أرباح تتراوح ما بين 3.9 تريليون دولار و11.1 تريليون دولار بحلول عام 2025، عبر العديد من القطاعات ومن ضمنها قطاع النفط والغاز، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تساهم تكنولوجيا إنترنت الأشياء في تحقيق العديد من الفوائد في قطاع الطاقة، بما في ذلك:

  • تحسين النفقات وتسهيل العملية التكنولوجية الشاملة لاستخراج النفط والغاز.
  • القضاء على المخاطر والأخطاء مثل تسرب النفط، التي غالباً ما تسببها العوامل البشرية.
  • تسهيل اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات من خلال توفير بيانات دقيقة في الوقت الفعلي لاتخاذ القرارات حول الخطوات المهمة التالية في البحث والاستخراج والتكرير والخدمات اللوجستية.
  • القضاء على حالات تلف المعدات من خلال مراقبتها في الوقت الفعلي.
  • من خلال القضاء على العامل البشري، تقلل تكنولوجيا إنترنت الأشياء أيضاً من عدد الحوادث والمحافظة على أمان القوى العاملة.

اقرأ أيضاً: هل تتجه روسيا لبيع صادراتها النفطية بعملة البيتكوين؟

 البيانات الضخمة والتحليلات

في قطاع النفط والغاز فإن البيانات التي تُجمع على أساس يومي هائلة للغاية، ومن ثم تعتبر نماذج وبرامج تحليلات البيانات في هذا القطاع أمراً حاسماً لإنتاج الطاقة بكفاءة، حيث يمكن لتكنولوجيا البيانات الضخمة دراسة كمية كبيرة من البيانات بسرعة وكفاءة، واستخراج النتائج المفيدة حولها. وتحديد الأنماط، والتنبؤ بالتوجهات، ومن ثم إعطاء ميزة تنافسية في هذا المجال.

نماذج الذكاء الاصطناعي

تعتبر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ونماذجها المتعددة في قطاع النفط والغاز مهمة للغاية، حيث يمكن لها إدارة كميات هائلة من البيانات القيمة، ومساعدة الشركات في مراحل الإنتاج المختلفة، وتقييم الجدوى الاقتصادية والمخاطر المحتملة، والتنبؤ بالتقلبات في السوق، وحساب الأرباح والخسائر، ودعم الموظفين على المستوى التشغيلي بالمساعدين والروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: مستقبل الذكاء الاصطناعي في صناعة النفط والغاز

الروبوتات والطائرات المسيرة

ترتبط الروبوتات دائماً بالأتمتة، حيث لا تقوم فقط بأتمتة الإجراءات الروتينية المعقدة، ولكنها أيضاً قادرة على تحمل ظروف العمل الخطرة، مع أخذ ذلك في الاعتبار، من المتوقع أن تصبح عمليات التفتيش باستخدام الطائرات المسيرة في قطاع النفط والغاز قريباً إجراءً قياسياً وضرورياً.

التكنولوجيا القابلة للارتداء

تساهم التكنولوجيا القابلة للارتداء والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية على جعل مكان العمل آمناً ومنتجاً. على سبيل المثال، تساعد الهواتف الذكية الموظفين على إدارة سير العمل في الوقت الفعلي دون تحمل أي مخاطر تتعلق بالصحة والسلامة، بالإضافة إلى ذلك، تنشئ تطبيقات الأجهزة المحمولة اتصالاً فعّالاً وسريعاً بين العمال، وجعل عملية صنع القرار سلسة وشفافة.

لماذا يجب على شركات النفط والغاز بدء عملية التحول الرقمي الآن؟

فيما يلي التحديات الأساسية والمتغيرات التي يجب على شركات النفط والغاز أخذها بالاعتبار، والتي تعتبر دافعاً لها في بدء عمليات التحول الرقمي:

إدارة التكاليف

تعتبر صناعة النفط والغاز غير مستقرة إلى حد كبير، وقد تؤثر عوامل مثل التغيرات البيئية أو الظروف الجيوسياسية على نفقات استخراج الطاقة وتقلبات السوق. ومن ثم يحتاج هذا القطاع إلى استخدام التكنولوجيات الناشئة من أجل إجراء تحليل منهجي وشامل لمنحنيات الأسعار، وأساليب إدارة مدروسة بناءً على تحليل بيانات شامل، بالإضافة إلى أتمتة العمليات وتحسينها.

 ارتفاع تكاليف السلامة

غالباً ما تكون صناعة النفط والغاز مرادفة للإصابات المهنية والكوارث البيئية. وهذه المخاطر تحول إدارة السلامة إلى تحدٍ كبير تنتج عنه نفقات كبيرة. ولكن باستخدام التكنولوجيات الناشئة يمكن لشركات النفط والغاز إيجاد طرق فعّالة لتحقيق التوازن بين سلامة الموظفين والإنفاق المرتبط بذلك.

لوائح بيئية صارمة

غالباً ما تنتج عن استخراج النفط والغاز عواقب بيئية وخيمة، ومع ذلك يمكن القول إنه مصدر الطاقة الأساسي لكل من الاحتياجات الصناعية والفردية. وبينما نواجه اليوم أنماطاً مناخية غير طبيعية وغير متوقعة، وقضايا صحية تتعلق بالتلوث نتيجة لاستخراج النفط والغاز بشكل غير منضبط، فإن الضوابط التي بدأت بفرضها الدول على صناعة النفط والغاز في ازدياد، ومن ثم يتعين على الشركات إيجاد توازن فعّال بين كل من الربحية الاقتصادية والاستدامة البيئية.

اقرأ أيضاً: كيف نستفيد من توائم الأرض الرقمية في مواجهة التغيّر المناخي؟

ختاماً، من المتوقع أن تعمل أي شركة في مجال النفط والغاز بشكل أكثر فاعلية مع عمليات الرقمنة، حيث يمكن للصناعة أن تتجاوز تفكير المدرسة القديمة والعمليات اليدوية لتبني التحول الرقمي العملي من الميدان إلى المقر الرئيسي للشركة. ومع ما يجري في السوق حالياً والأحداث العالمية التي تؤثر على صناعة الغاز، فإن شركات النفط والغاز لديها الكثير لتكسبه عند تنفيذ عملية التحول الرقمي حالياً ومستقبلاً.