كيف سيغير تشات جي بي تي العملية التعليمية الحالية؟

12 دقيقة
كيف سيغير تشات جي بي تي العملية التعليمية الحالية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ tan47
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان رد فعل المدارس والجامعات سريعاً وحاسماً.

بعد إطلاق شركة أوبن أيه آي (OpenAI) بوت الدردشة تشات جي بي تي (ChatGPT) في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2022، لاقى استنكاراً واسعاً بوصفه أداة مجانية لكتابة المقالات وخوض الاختبارات، ما جعل الغش في الواجبات المنزلية مسألة سهلة إلى درجة مثيرة للسخرية.

وعلى الفور، عمدت منطقة لوس أنجلوس التعليمية الموحدة، وهي ثاني أكبر منطقة تعليمية في الولايات المتحدة، إلى حظر الدخول إلى موقع أوبن أيه آي الإلكتروني من شبكة الاتصالات في مدارسها، وحذت مناطق تعليمية أخرى حذوها بسرعة. وبحلول شهر يناير/ كانون الثاني، بدأت المناطق التعليمية في الدول الناطقة بالإنجليزية بحظر هذا البرنامج، بدءاً من واشنطن ونيويورك وألاباما وفرجينيا في الولايات المتحدة، وصولاً إلى كوينزلاند ونيو ساوث ويلز في أستراليا،

كما أصدرت مجموعة من أهم الجامعات في المملكة المتحدة، بما فيها كلية لندن الإمبراطورية وجامعة كامبريدج، بيانات لتحذير الطلاب من استخدام تشات جي بي تي بهدف الغش.

وفي أوائل يناير/ كانون الثاني، قالت المتحدثة باسم الدائرة التعليمية في مدينة نيويورك، جينا لايل، لصحيفة واشنطن بوست: “مع أن هذه الأداة قد تكون قادرة على تقديم الإجابات بسهولة وبسرعة، إلا أنها لا تعزز مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، علماً أنها تتمتع بأهمية كبيرة في تحقيق النجاح الأكاديمي والنجاح المتواصل مدى الحياة”.

اقرأ أيضاً: يكتب الاختبارات ويصحح الإجابات: هل يهدد تشات جي بي تي التعليم العالي؟

الذكاء الاصطناعي سيقتحم القاعات الدراسية لا محالة

كان رد الفعل الأولي المذعور هذا مفهوماً تماماً. فتشات جي بي تي متاح للعموم عبر تطبيق يعمل على الإنترنت، ويستطيع الإجابة عن الأسئلة وتوليد كتل نصية من آلاف الكلمات وصياغة ممتازة وأنيقة وشاملة لجميع الموضوعات التي يُسأل عنها، بدءاً من نظرية الأوتار وصولاً إلى شكسبير. ثم إن كل مقالة ينتجها فريدة من نوعها حتى مع استخدام التعليمات نفسها مرة أخرى، كما أن كشف استخدامه في التأليف مستحيل من الناحية العملية. ويبدو أن تشات جي بي تي يمكن أن يقوض أسلوبنا في اختبار المعلومات التي يتعلمها الطلاب، وهو أحد الركائز الأساسية في التعليم.

ولكن، وبعد مضي عدة أشهر، يبدو أن المستقبل المتوقع أصبح أقل سلبية؛ تحدثتُ إلى عددٍ من المعلمين وغيرهم من العاملين في المجال التعليمي ممن يعيدون النظر في تأثير بوتات الدردشة مثل تشات جي بي تي على طريقتنا في تعليم أبنائنا، ويعتقد كثير منهم الآن أن تشات جي بي تي أكبر بكثير من مجرد أداة رائعة للغش، وأنه يمكن أن يساعد في تحسين التعليم بالفعل.

يمكن استثمار بوتات الدردشة المتطورة لتكون وسائل مساعدة فعّالة في الصفوف الدراسية قادرة على جعل الدروس تفاعلية بدرجة أكبر، وتعليم الطلاب أساسيات التعامل مع وسائل الإعلام (التحقق من صحة المعلومات وموثوقية المصادر)، وتوليد خطط تدريس مخصصة وفق الحاجات الفردية، وتوفير الوقت الذي يخصصه المعلمون للمسائل الإدارية، وغير ذلك.

بدأت شركات التعليم التكنولوجي، مثل دوولينغو (Duolingo) وكويزليت (Quizlet)، التي تقدّم بطاقات الاستذكار الرقمية والتقييمات التدريبية التي تستخدمها نصف المدارس الثانوية في الولايات المتحدة، بدمج بوت الدردشة من أوبن أيه آي في تطبيقاتها فعلاً. ومن الجدير بالذكر أن أوبن أيه آي عملت بالتعاون مع مجموعة من مختصي التعليم على وضع لائحة استرشاد حول الأثر المحتمل لتشات جي بي تي على المدارس، وتقول الشركة إنها استشارت مختصي التعليم أيضاً عندما طوّرت أداة مجانية لكشف النصوص التي كتبتها بوتات الدردشة، على الرغم من أن دقة هذه الأداة محدودة.

يقول المتحدث باسم أوبن أيه آي، نيكو فيليكس: “نعتقد أن القرار المتعلق بأفضل الطرق لاستخدام التكنولوجيات الجديدة في المدارس والمناطق التعليمية يجب أن يُترك لخبراء السياسات التعليمية فيها. نحن نتعامل مع مختصي التعليم في أنحاء البلاد كافة لتقديم المعلومات إليهم حول قدرات تشات جي بي تي، ويحمل هذا الحوار أهمية كبيرة لتوعيتهم بشأن الفوائد الكامنة للذكاء الاصطناعي والمضار التي يمكن أن تنجم عن إساءة استخدامه، بحيث يمكنهم وضع تصورات محتملة عن كيفية تطبيقها ضمن القاعات الدراسية”.

ولكن مختصي التعليم سيحتاجون إلى الوقت والموارد لبدء الابتكار في هذا المجال؛ فالكثير منهم يعانون من زيادة ضغط العمل وقلة الموارد، وملزمون بمعايير أداء صارمة، ما يعوق أي مبادرة للاستفادة من أي فرصة يمكن أن تتيحها بوتات الدردشة.

اقرأ أيضاً: 9 تطبيقات مهمة لبوتات الدردشة في قطاع التعليم

ما زال الوقت مبكراً للغاية لطرح مسألة التأثير الدائم لتشات جي بي تي، فلم يمرّ على وجوده في الأوساط التعليمية فصل كامل حتى، ولكن من المؤكد أن هذه البوتات القادرة على كتابة المقالات أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية حتى إشعار آخر، ومن المؤكد أنها ستزداد براعة ودقة في إنجاز الفروض المنزلية قبل موعد تسليمها، وسيصبح كشفها أصعب. وبالتالي لن يكون حظرها سوى إجراء عبثي، بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية. يقول الرئيس التنفيذي للجمعية الدولية للتكنولوجيا في التعليم (إستي ISTE)، وهي مؤسسة لا ربحية تروّج استخدام التكنولوجيا في التعليم، ريتشارد كولاتا: “يجب أن نسأل أنفسنا عما يتعين علينا فعله لإعداد أبنائنا التلاميذ لمستقبل لم يعد بعيداً على الإطلاق”.

لطالما قوبلت قدرة التكنولوجيا على إحداث ثورة في المدارس بضجيج إعلامي مبالغ فيه، ومن السهل أن يأسرنا الحماس بشأن قدرة تشات جي بي تي على إحداث تغييرات كبيرة. ولكن المسألة تبدو هذه المرة أعمق من ذي قبل؛ فالذكاء الاصطناعي سيقتحم القاعات الدراسية لا محالة، بشكلٍ أو بآخر، ومن الأهمية البالغة بمكان أن يحدث هذا بطريقة صحيحة.

من الأبجدية إلى جي بي تي

يُعزى الكثير من الضجيج الإعلامي حول تشات جي بي تي في بداية ظهوره إلى براعته في خوض الاختبارات. وفي الواقع، كانت هذه إحدى النقاط الأساسية التي تباهت بها أوبن أيه آي عندما أطلقت في شهر مارس/ آذار أحدث إصدار من النموذج اللغوي الكبير الذي يعتمد عليه بوت الدردشة، جي بي تي 4 (GPT-4)؛ فقد تمكن من اجتياز امتحان نقابة المحامين الأميركية! وأحرز 1,410 نقاط في امتحان القبول الموحد في الجامعات الأميركية “سات” (SAT)! بل إنه تفوق في اختبارات برنامج التعيين المتقدم في البيولوجيا (AP Bio) وتاريخ الفن والعلوم البيئية والاقتصاد الكلي وعلم النفس وتاريخ الولايات المتحدة، وغير ذلك. يا للهول!

لا عجب في أن بعض المناطق التعليمية أصيبت بالذعر إلى هذه الدرجة، ولكن، وبالنظر إلى ما حدث، فقد كانت الدعوة الفورية إلى حظر تشات جي بي تي في المدارس رد فعل أحمق على برنامج ذكي للغاية. تقول مديرة الامتياز في التعليم والتعلّم في جامعة بالتيمور، جيسيكا ستانزبيري: “لقد أصيب الجميع بالهلع. وبدأنا نخوض الحوارات الخاطئة بدلاً من تقبل حقيقة وجود هذه التكنولوجيا. ومحاولة تحديد أفضل طريقة للاستفادة منها”.

يقول أستاذ تعليم العلوم البيولوجية في جامعة شيفيلد هالام في المملكة المتحدة، ديفيد سميث: “كانت زوبعة في فنجان”. يقول سميث إن الكثير من طلبته لم يكونوا قد سمعوا بهذه التكنولوجيا حتى ذكرها لهم، مستبعداً فكرة استخدامهم بوت الدردشة في الغش: “عندما سألت طلابي عنه، لم يعلموا ما الذي كنت أتحدث عنه”.

وعلى الرغم من ذلك، فالمعلمون محقّون في نظرتهم التي تقول إن هذه التكنولوجيا قد تغيّر كل شيء، فالنماذج اللغوية الكبيرة مثل تشات جي بي تي من أوبن أيه آي، وإصداره الجديد جي بي تي 4، إضافة إلى بارد (Bard) من جوجل (Google) وبينغ تشات (Bing Chat) من مايكروسوفت (Microsoft)، تمتلك جميع المقومات اللازمة لإحداث أثر كبير في العالم، وقد بدأت الشركات بإدماج هذه التكنولوجيا في برمجيات المستهلكين والشركات. وعلى الأقل، يعترف الكثير من المعلمين الآن بأنهم ملتزمون بتعليم طلابهم أساسيات عمل هذه التكنولوجيا الجديدة وقدراتها، يقول سميث: “لا يرغب الطلاب في أن يتعرضوا للتوبيخ والانتقاد. بل يرغبون في تعلم كيفية استخدام هذه التكنولوجيا”.

قد يكون التغيير مخيفاً؛ تقول ستانزبيري: “ما زال هناك شيء من القلق والخوف، ولكننا قد نضر بمصالح طلابنا إذا سمحنا لهذا الخوف بأن يشلّنا”.

ساعدت ستانزبيري على تنظيم ورشة عمل في جامعتها حتى تُتيح لطاقم التدريس وغيرهم مشاركة تجاربهم والتعبير عن مخاوفهم، وتقول إن بعض زملائها عبّروا عن مخاوفهم من الغش، كما عبّر آخرون عن خوفهم من فقدان وظائفهم. ولكن التحدث عن هذه المسائل كان مفيداً: “أعتقد أن مخاوف بعض أعضاء طاقم التدريس تُعزى إلى وسائل الإعلام، وليست ناجمة عن الطلاب”.

في الواقع، بيّن استطلاع للرأي طلبت مؤسسة عائلة والتون إجراءه في فبراير/ شباط، وشمل 1,002 من معلمي المدارس و1,000 من طلاب المدارس في الولايات المتحدة، أن أكثر من نصف المعلمين استخدموا تشات جي بي تي (قال 10% منهم إنهم كانوا يستخدمونه يومياً)، وأن هذه النسبة لم تتجاوز الثُلث لدى الطلاب. وقالت نسبة كبيرة من المستخدمين (88% من المعلمين و79% من الطلاب) إنه ترك لديهم أثراً إيجابياً.

اقرأ أيضاً: كيف ستغيّر التقنيات الحديثة طرق التعليم في المستقبل؟

الأساليب التعليمية القديمة لم تعد تجدي نفعاً في عالمنا المعاصر

إضافة إلى ذلك، فإن أغلبية المشاركين في الاستطلاع من المعلمين والطلاب يعدون العبارة التالية صحيحة: “تشات جي بي تي هو مجرد مثال آخر يثبت أننا لا نستطيع مواصلة العمل في مدارس العالم المعاصر وفق الأساليب القديمة”.

تأمل الأستاذة المساعدة في مجال التكنولوجيا التعليمية بجامعة أولد دومينيون في مدينة نورفولك بولاية فرجينيا، هيلين كرومبتن، بأن تسهم بوتات الدردشة مثل تشات جي بي تي في تحسين المدارس.

يعتقد الكثير من مختصي التعليم أن المدارس عالقة في مكانها دون أي تطوّر، وفقاً لكرومبتن، التي كانت معلمة مدرسة على مدى 16 سنة قبل أن تصبح باحثة. ففي نظام يركّز أكثر من اللازم على التقييم ولا يركّز بما يكفي على التعلم، يرغم تشات جي بي تي الجميع على إطلاق حوار آن أوانه منذ زمن. تقول: “لطالما رغبنا بإحداث تحول في مجال التعليم. ونحن نتحدث عنه منذ سنوات”.

لنأخذ الغش مثالاً على هذه المسألة؛ فوفقاً لوجهة نظر كرومبتن، إذا كان تشات جي بي تي يزيد من سهولة الغش في إنجاز مهمة ما، فيجب على المعلمين نبذ هذه المهمة، لا حظر بوت الدردشة.

ويقول كولاتا إن علينا تغيير طريقتنا في تقييم التعليم: “هل قضى تشات جي بي تي على عمليات التقييم التعليمي؟ من المرجح أن صلاحيتها كانت منتهية أساساً، وأنها كانت عالقة في هذه الحالة منذ فترة طويلة. ولكن تشات جي بي تي أرغمنا على إعادة النظر فيها”.

التفكير النقدي

لاحظت معلمة الكتابة والمطوّرة التعليمية في جامعة مسيسيبي، إميلي دوناهو، أن الحوارات في القاعات الدراسية بدأت تتغير في الأشهر التالية لإطلاق تشات جي بي تي. ومع أنها بدأت بالتحدث مع طلابها في المرحلة الجامعية عن هذه التكنولوجيا انطلاقاً من شعورها بالواجب، إلا أنها تعتقد الآن أن تشات جي بي تي يمكن أن يساعد المدرسين على الابتعاد عن التركيز الزائد على النتائج النهائية. فتحفيز الطلاب على التفاعل مع الذكاء الاصطناعي والنظر إلى نتائجه بشكل نقدي يمكن أن يعزز البعد البشري لمهنة التعليم، “بدلاً من أن نطلب من الطلاب أن يكتبوا ويعملوا مثل الروبوتات”، على حد تعبيرها.

ولكن هذه الفكرة ليست جديدة؛ فقد التزمت أجيال عديدة من المعلمين بإطار عمل معروف باسم تصنيف بلوم (Bloom) لأهداف التعلم وضعه مختص علم النفس التعليمي بنجامين بلوم في خمسينيات القرن الماضي، حيث تمثّل المعرفة الأساسية بالحقائق حجر الأساس الذي ترتكز عليه أشكال التعلم الأخرى، مثل التحليل والتقييم، ويعتقد المعلمون مثل دوناهو وكرومبتن أن بوتات الدردشة يمكن أن تساعد على تعليم هذه المهارات الأخرى.

في الماضي، كانت دوناهو تكلّف طلابها بكتابة مواضيع يدافعون فيها عن وجهة نظر معينة، وتقيّمهم بناء على النصوص المقدمة، ولكن في هذا الفصل الدراسي، كلّفتهم باستخدام تشات جي بي تي لتوليد نص يتمحور حول وجهة نظر معينة، ثم طلبت منهم تدوين ملاحظاتهم حوله بناء على تقييمهم لقوة الحجج الواردة فيه لإقناع شريحة معينة من الجمهور، وبعد ذلك أعادوا كتابة النص بناء على الانتقادات التي قدموها.

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز استخدامات التكنولوجيا الحديثة في التعليم؟

يساعد تقسيم المهمة بهذه الطريقة الطلاب أيضاً في التركيز على مهارات محددة دون تشتيتهم. على سبيل المثال، وجدت دوناهو أن استخدام تشات جي بي تي لتوليد المسودة الأولى يساعد بعض الطلاب على التخلص من القلق بسبب عدم القدرة على الشروع بالكتابة، والتركيز بدلاً من ذلك على المرحلة الأهم من المهمة: “يمكن لهذه التكنولوجيا أن تساعد على تجاوز بعض المراحل المضنية عندما لا تكون هذه المراحل جزءاً من الأهداف التعليمية للواجب المنزلي”.

أما سميث، أستاذ العلوم البيولوجية، فهو يجري بعض التجارب على الواجبات المنزلية باستخدام تشات جي بي تي، وذكّرته المخاوف التي أثارها تشات جي بي تي بالمخاوف التي تعرض لها كثير من المعلمين منذ سنتين خلال الجائحة. فعندما لم يعد بوسع الطلاب مغادرة منازلهم، اضطر المعلمون إلى العثور على وسائل تعوق استخدام الطلاب لمحرك البحث جوجل في حل الواجبات المنزلية، ولكنه اكتشف أن استخدام محرك البحث جوجل –أي تحديد الكلمات المستخدمة في البحث والتعامل مع النتائج- يمثّل بحد ذاته مهارة تستحق التعليم.

يعتقد سميث أن هذا الأمر ينطبق أيضاً على بوتات الدردشة؛ فإذا رغب طلابه في المرحلة الجامعية باستخدام تشات جي بي تي في مهامهم الكتابية، سيعمل على تقييم الأوامر النصية التي استخدموها لكتابة المقال إضافة إلى المقال نفسه، وفي بعض الأحيان، سيكتفي حتى بتقييم هذه الأوامر فقط. يقول: “من المهم تحديد الكلمات المناسبة للاستخدام في الأوامر النصية، ومن ثم استيعاب المخرجات النصية التي ينتجها البرنامج. هذه مهارة يجب أن نعلمها للطلاب”.

التعليم الجديد

يعكس هذا التغيير في المواقف نقلة أوسع نطاقاً في الدور الذي يؤديه المعلمون، وفقاً لستانزبيري، فالمعلومات التي كانت تُقَدّم للتلاميذ في القاعات الدراسية أصبحت الآن منتشرة في كل مكان: أولاً على الإنترنت، والآن في بوتات الدردشة، كما أن دور المعلمين لا يقتصر الآن على تعليم الطلاب كيفية العثور على هذه المعلومات، بل أيضاً تحديد المعلومات الموثوقة وغير الموثوقة وكيفية التمييز بينها. تقول: “لم يعد المعلمون حراساً مؤتمنين على المعلومات، بل انتقل دورهم ليصبحوا ميسّرين متخصصين في تسهيل الحصول عليها”.

وفي الواقع، فإن ما تنتجه النماذج اللغوية الكبيرة من معلومات مزيفة وتحيزات تمثّل فرصاً كبيرة للمعلمين، فهذه العيوب تساعد على إطلاق الحوارات البنّاءة، تقول كرومبتن: “وجود العيوب في هذه التكنولوجيات أمر رائع”.

حالياً، يطلب بعض المعلمين من الطلاب استخدام تشات جي بي تي لتوليد نص حول موضوع معين، ومن ثم كشف الأخطاء والعيوب في هذا النص. وفي أحد الأمثلة التي شاركها أحد زملاء ستانزبيري في ورشة العمل التي نظّمتها، استخدم الطلاب البوت لتوليد مقال حول تاريخ الطباعة، وعندما تبين أن الإجابة التي تتمحور حول الولايات المتحدة لم تتضمن أي معلومات حول أصول الطباعة في أوروبا أو الصين، حوّل المعلم هذا الخطأ إلى نقطة بداية لحوار حول التحيز. تقول ستانزبيري: “إنها طريقة رائعة للتركيز على تعليم أساسيات التعامل مع وسائل الإعلام”.

تعمل كرومبتن على إجراء دراسة حول أساليب استخدام بوتات الدردشة في تحسين التعليم، وتدير قائمة من التطبيقات المختلفة التي تشعر بالحماسة إزاءها، بدءاً من توليد أسئلة الاختبارات، وصولاً إلى تلخيص المعلومات للتلاميذ من مستويات مختلفة في القراءة والمساعدة على أداء المهام الإدارية التي تستغرق الكثير من الوقت، مثل تأليف مسودات رسائل البريد الإلكتروني الموجهة للزملاء والأهالي.

ومن الاستخدامات المفضّلة لديها لهذه التكنولوجيا زيادة مستوى التفاعل داخل القاعة الدراسية، فالأساليب التعليمية التي تدفع الطلاب إلى الابتكار وتقمص الأدوار والتفكير النقدي تؤدي إلى تعليم أعمق من الاستذكار المكرر، على حد تعبيرها. على سبيل المثال، يمكن لتشات جي بي تي أن يؤدي دور خصم في مناظرة لتوليد الحجج المناقضة للحجج التي يطرحها أحد التلاميذ، وبوضع التلاميذ أمام سيل لا ينتهي من الحجج ووجهات النظر المعاكسة، يمكن لبوتات الدردشة أن تساعدهم على البحث عن نقاط الضعف في أسلوبهم في التفكير.

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز فرص وتحديات الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم الأساسي؟

تشير كرومبتن أيضاً إلى أنه إذا لم تكن الإنجليزية اللغة الأم للتلميذ، فيمكن لبوت الدردشة أن يقدّم مساعدة كبيرة في صياغة مسودات النصوص أو إعادة صياغة النصوص الموجودة من قبل، ما يعني دعم التلاميذ وضمان الإنصاف تجاههم. يمكن لبوتات الدردشة أن تقدّم خدمة كبيرة للتلاميذ من ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة أيضاً، فإذا طلبنا من تشات جي بي تي أن يشرح قوانين نيوتن الحركية لتلميذ يفضّل الصور على الكلمات في التعلم، فسوف يولّد شرحاً يتحدث عن كرات تتدحرج على طاولة.

تعليم مصمم لاحتياجات معينة

يمكن لجميع الطلاب الاستفادة من مواد التعليم المخصصة، كما يقول كولاتا، بسبب تباين تفضيلات التعلم بين شخص وآخر. ويمكن أن يحضّر المعلم عدة نسخ مختلفة من المواد التعليمية لتغطية مجموعة من احتياجات الطلاب. يعتقد كولاتا أن بوتات الدردشة تستطيع توليد مواد تعليم مخصصة وفقاً للاحتياجات الفردية لعشرات الطلاب، بحيث يصبح التعليم المخصص هو المعيار السائد: “في غضون 5 سنوات، أعتقد أنه سيصبح من المستغرب للغاية وجود أداة تعطي معلومات كانت قد كتبت من أجل شخص آخر”.

بدأ بعض الشركات المختصة بتكنولوجيا التعليم بتطبيق هذه الطريقة، ففي شهر مارس/ آذار، حدّثت شركة كويزليت تطبيقها بميزة تحمل اسم كيو-تشات (Q-Chat)، وهي ميزة تعتمد على تشات جي بي تي تخصص المواد وفقاً لاحتياجات كل مستخدم، ويعدّل التطبيق صعوبة الأسئلة وفقاً لمستوى معرفة الطلاب بالمواد التي يدرسونها وطريقة التعلّم المفضلة لديهم. يقول الرئيس التنفيذي لكويزليت، ليكس باير: “تقدم كيو-تشات لطلابنا تجربة مماثلة للتجربة المعلم الشخصي”.

وفي الواقع، يعتقد بعض المعلمين أن الكتب المدرسية المستقبلية ستكون مرفقة ببوتات دردشة مدربة على محتوياتها، ويمكن للطلاب خوض حوار مع البوت حول محتويات الكتاب إضافة إلى قراءته (أو حتى بدلاً من قراءته)، كما يمكن لبوت الدردشة توليد اختبارات مخصصة لتدريب الطلاب على المواضيع التي يواجهون صعوبة في استيعابها.

مصدر الصورة: سلمان ديزاين

ولكن بطبيعة الحال، لن تحقق كل هذه المناهج النجاح الفوري، فقد عملت دوناهو بالاشتراك مع طلابها على وضع إرشادات لاستخدام تشات جي بي تي، ولكن “قد نصل إلى نهاية هذا الفصل ونكتشف أن ما قمنا به ليس مجدياً على الإطلاق. لا يزال هذا العمل تجربة قيد التنفيذ”.

كما وجدت أيضاً أن الطلاب يحتاجون إلى دعم كبير لضمان أن يدعم تشات جي بي تي العملية التعليمية، ولا يعوقها. يجد بعض الطلاب صعوبة في تجاوز مرحلة التقيد بمخرجات الأداة والانتقال إلى مرحلة معالجتها بأنفسهم، تقول: “يجب أن تكون هذه التكنولوجيا نقطة انطلاق إلى المرحلة التالية، بدلاً من أن تكون ركيزة أساسية”.

وبالطبع، ما زال بعض الطلاب يستخدمون تشات جي بي تي في الغش، فقد جعلت هذه التكنولوجيا عملية الغش أسهل من ذي قبل في الواقع؛ مع اقتراب الموعد النهائي لتسليم الواجبات المنزلية ستبدو إمكانية كتابتها بضغطة زر واحدة مغرية للغاية لأي شخص. تقول كرومبتن: “أتاحت هذه التكنولوجيا الغش للجميع على قدم المساواة، فلا داعي لدفع الأموال. ولا داعي لاختراق حاسوب المدرسة”.

أضف إلى ذلك أن بعض أنواع الواجبات المنزلية أكثر عرضة للغش من غيرها؛ فتشات جي بي تي يتميز بقدراتٍ عالية على تلخيص المعلومات، وعندما يكون التلخيص محور الواجب المنزلي، يصبح القلق من الغش مبرراً تماماً، تقول دوناهو: “في هذا السياق، سيكون نتاج البوت غير قابل للتمييز عملياً عن إجابة فعلية ممتازة. وهي مسألة يجب أن تؤخذ على محمل الجد”.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يحيط بالأطفال من كل جهة، ولهذا عليهم أن يعلموا كيف يعمل

لم يقدّم أي من المعلمين الذين تحدثت معهم حلاً لهذه المشكلة، كما أن معالجة المخاوف الأخرى لن تكون سهلة أيضاً. تستذكر دوناهو ورشة عمل عُقِدت مؤخراً في جامعتها، عندما سُئِل أعضاء الهيئة التدريسية عما كانوا يخططون له لإحداث تغييرات في أسلوب عملهم بعد أن تعرفوا على تشات جي بي تي، وأجاب أحدهم قائلاً: “أعتقد أنني سأتقاعد”.

ولكن المعلمين من ناحية أخرى ليسوا قلقين إلى الدرجة التي تشير إليها التقارير الأولية، فالغش ليس مشكلة جديدة، وتمكنت المدارس من تجاوز جميع أساليب الغش السابقة مثل الآلات الحاسبة وجوجل وويكيبيديا (Wikipedia) ومواقع شراء المقالات وغيرها.

وفي الوقت الحالي، يجد المعلمون أنفسهم في خضم تجربة جديدة ثورية، ويحتاجون إلى الكثير من الدعم للتعامل مع هذا الوضع الجديد، وربما حتى إلى الدعم الحكومي، على شكل أموال أو تدريب أو قوانين. ولكنها ليست نهاية التعليم، بل هي بداية جديدة.

يقول كولاتا: “علينا أن نتمهل قليلاً قبل إصدار الأحكام. فهذا ليس مفيداً الآن. يجب أن نتروى في تجربة هذه التكنولوجيا الجديدة بجميع الطرق الممكنة”.