كيف يمكن تحويل صناعة السيارات إلى صناعة صديقة للبيئة؟

4 دقيقة
وقعت شركة مرسيدس بنز (Mercedes-Benz) اتفاقية توريد مع آتش تو غرين ستيل للحصول على الفولاذ لاستخدامه في سياراتها.

ملخص: تزداد انبعاثات غازات الدفيئة من إنتاج الفولاذ المستخدم في صناعة السيارات والمنتجات الأخرى، حيث يتم استخدام وقود أحفوري في عملية صنع الفولاذ ما يسهم في التلوث، وقد بلغت نسبة مساهمة صناعة الفولاذ في غازات الدفيئة مقدار 7% تقريباً، وهناك تكنولوجيات إنتاج فولاذ منخفض الانبعاثات، مثل "الاختزال المباشر" بالهيدروجين، أو إضافة تكنولوجيات التقاط الكربون إلى المصانع الجديدة والحالية، وتطبيق تكنولوجيات جديدة تعتمد على الكهرباء بدلاً من الوقود الأحفوري لتقليل انبعاثات الكربون. لكن يجب تحديث صناعة السيارات للاستفادة من هذه التكنولوجيات، وهذا قد يرفع تكلفة السيارات بأقل من 1% فقط (بالنسبة لطريقة الاختزال بالهيدروجين). هذه النسبة جيدة للمصانع ولا تسبب نفور العملاء، كما أنها تضيف الكثير على مستوى الخطط المناخية حيث تخفض الانبعاثات الناتجة عن صناعة السيارات بنسبة 27%، بالنظر إلى أن هذه الصناعة تستهلك 12% من صناعة الفولاذ عالمياً.

يعتمد عالمنا على الفولاذ كثيراً، حيث يمثل الركيزة الأساسية للمباني والآلات. كما أن الفولاذ يمثل أحد أكبر التحديات المتعلقة بالتغير المناخي، بما أن إنتاجه يعتمد بنسبة كبيرة على الوقود الأحفوري الذي يتسبب بالتلوث. ويمكن لصناعة السيارات أن يكون لها دور كبير في تغيير هذا الوضع.

الفولاذ كمساهم في غازات الدفيئة

يسهم إنتاج الفولاذ حالياً بنسبة 7% تقريباً من انبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم. وثمة مجموعة متنامية من التكنولوجيات التي تستطيع إنتاج الفولاذ بانبعاثات أقل بكثير، على الرغم من أن بعضها ما زال في مرحلة التطوير، كما أنها غالباً ما تكون أكثر تكلفة. يمكن أن تكون صناعة السيارات سوقاً أولية خصبة لهذه التكنولوجيات، لأنها من الجهات الفاعلة الرئيسية في القطاع الصناعي، ولأن انتقالها إلى استخدام مواد أكثر تكلفة سيرفع تكاليف السيارات الجديدة بنسبة تقل عن 1%، وفقاً لتقرير جديد.

اقرأ أيضاً: مقابلة مع أول إماراتية تدير مصنع سيارات: الدكتورة ماجدة العزعزي

يمثل إيجاد أساليب اقتصادية لإنتاج المواد التي نعتمد عليها، مع تخفيض الانبعاثات الناجمة عن إنتاجها في الوقت نفسه، تحدياً كبيراً بالنسبة إلى القطاع الصناعي. يمكن لتبنّي شركات صناعة السيارات للفولاذ الأقل تلويثاً للبيئة أن يؤدي إلى توفير مخطط عمل لطرح المزيد من المواد الصديقة للبيئة في الأسواق دون التسبب بنفور العملاء منها.

بما أن شركات صناعة السيارات تستهلك الكثير من الفولاذ، فلديها الفرصة لقيادة الجهود الرامية إلى إزالة الكربون من الصناعة، وفقاً للمحلل الذي يقود البحث حول سيارات الركاب في الولايات المتحدة لصالح المجلس الدولي للنقل النظيف (International Council on Clean Transportation)، بيتر سلويك.

مشهد صناعة السيارات في ظل إعادة تصميم صناعة الفولاذ

تستهلك صناعة السيارات 12% تقريباً من الإنتاج العالمي للفولاذ، وفي بعض المناطق، تصل هذه النسبة إلى مستويات أعلى بكثير، فصناعة السيارات في الولايات المتحدة تستهلك 60% تقريباً من إجمالي إنتاج الفولاذ الأولي (غير الناتج عن إعادة التدوير). يؤدي هذا الفولاذ غير الناتج عن إعادة التدوير إلى إطلاق انبعاثات أكثر بكثير من الفولاذ الناتج عن إعادة التدوير، ولهذا فإن الانتقال إلى الفولاذ الأقل تلويثاً للبيئة في صناعة السيارات، التي تعتمد في معظم الأحيان على المواد غير الناتجة عن إعادة التدوير، سيكون له تأثير كبير.

حالياً، يتطلب صنع الفولاذ عموماً اعتماد صانعي الفولاذ على طريقة تسخين المواد الخام إلى حرارة عالية، وذلك باستخدام أحد أنواع الوقود الأحفوري، مثل الفحم، لإطلاق التفاعلات الكيميائية التي تحوّل خام الحديد إلى فولاذ. لكن ثمة مجموعة متنامية من أساليب صنع الفولاذ بانبعاثات أقل، بما في ذلك محاولات لإضافة تكنولوجيات التقاط الكربون إلى المصانع الجديدة والحالية، وتطبيق تكنولوجيات جديدة تعتمد على الكهرباء بدلاً من الوقود الأحفوري.

عملية الاختزال المباشر لإنتاج الفولاذ المنخفض الانبعاثات

من الأساليب الجديدة الواعدة والمهمة لإنتاج الفولاذ المنخفض الانبعاثات، عملية تحمل اسم "الاختزال المباشر" (direct reduction)، حيث تستمد التفاعلات الكيميائية طاقتها من الوقود الهيدروجيني بدلاً من الفحم. وإذا أمكن إنتاج هذا الهيدروجين من خلال مصادر طاقة متجددة أو منخفضة الانبعاثات، فقد يتيح هذا إنتاج الفولاذ بانبعاثات أقل بنسبة تصل إلى 95%.

يسهم الفولاذ بنسبة كبيرة في الآثار المناخية لعملية تصنيع السيارة، ما يعني أن الاستعاضة عنه بالفولاذ الأخضر (الأقل تلويثاً) يمكن أن يخفض من الانبعاثات الناجمة عن عملية بناء السيارة بنسبة 27%، وفقاً لتقرير المجلس الدولي للنقل النظيف.

كما أن هذه المواد لن تؤدي إلى زيادة كبيرة في التكاليف أيضاً. يقول سلويك: "وجدنا عموماً أن ذلك لن يؤدي إلى زيادة كبيرة في تكلفة السيارة".

تعمل شركة آتش تو غرين ستيل (H2 Green Steel) حالياً على بناء ما سيصبح أكبر مصنع في العالم للفولاذ المنخفض الانبعاثات، بقدرة إنتاجية ستصل إلى 2.5 مليون طن متري بحلول عام 2026. وقد قالت الشركة إن منتجها سيكلف أكثر من الفولاذ التقليدي بنسبة تتراوح من 20% إلى 30%. سيؤدي هذا إلى إضافة مبلغ يتراوح من 100 دولار إلى 200 دولار تقريباً إلى تكلفة مواد السيارة، أي نسبة أقل من 1% من إجمالي تكلفة السيارة العادية.

تكلفة إضافية ضئيلة مضافة إلى صناعة السيارات

في تقرير حديث آخر حول الفولاذ في صناعة السيارات في أوروبا، بلغت التكلفة الإضافية وفقاً لتقديرات الخبراء 105 يورو فقط، أي 115 دولار تقريباً، وذلك للسيارة المصنوعة بالكامل من الفولاذ المنتج باستخدام عملية تعتمد على الهيدروجين في 2030. وحتى هذا الارتفاع الطفيف في التكلفة، قد يختفي في المستقبل، مع تنامي كميات الإنتاج، وتراجع التكاليف.

في رسالة بالبريد الإلكتروني، قال مدير سياسات السيارات في الاتحاد الأوروبي للنقل والبيئة (European Federation for Transport and Environment)، أليكس كينز: "ستؤدي التكلفة المرتفعة نسبياً للسيارات، لا سيما العلامات التجارية الممتازة، إلى امتصاص العلاوة الخضراء القصيرة المدى للفولاذ الأقل تلويثاً للبيئة أيضاً".

قد ينطبق المبدأ نفسه أيضاً على بعض المنتجات الشائعة الأخرى التي يدخل الفولاذ في صناعتها. يشير أحد التقديرات من عالمة البيانات ونائبة رئيس التحرير في مجلة أوَر وورلد إن داتا (Our World In Data)، هانا ريتشي، إلى أن التكلفة الإضافية لاستخدام الفولاذ الأخضر في بناء المنزل تصل إلى أقل من 1% من سعر شرائه.

اقرأ أيضاً: كيف أثّرت أزمة الرقائق الإلكترونية على صناعة السيارات؟

غير أن عملية البناء تتضمن شبكة معقدة من الجهات الفاعلة المختلفة، بدءاً من المهندسين المعماريين وصولاً إلى البنائين والمقاولين، ما يمكن أن يزيد من تعقيد مسألة شراء مواد أكثر تكلفة وتتميز بفوائد مناخية. كما أن المشاريع الأضخم التي تحتاج إلى المزيد من الفولاذ قد تواجه زيادات أكبر في الأسعار، بحيث يصعب تحمل تكاليف الفولاذ الأخضر في هذه الحالات، على الأقل حالياً.

يمكن أن تساعد شركات صناعة السيارات الملتزمة بشراء الفولاذ الأخضر على تحقيق نمو سريع للشركات التي تصنعه، وقد تمكنت بعض شركات صناعة الفولاذ الأخضر من عقد صفقات تتضمن التزامات كهذه. وقد عقدت شركة آتش تو غرين ستيل حتى شهر يناير/كانون الثاني من عام 2024 اتفاقات إلزامية لبيع نسبة تتجاوز 40% من إنتاجها من الفولاذ في السنوات الأولى من عمل مصنعها الجديد.

غير أن هذه الصناعة ما تزال تواجه بعض التحديات، بما في ذلك تساؤلات حول التكاليف المستقبلية للهيدروجين الأخضر ومستوى توفره، على حد تعبير كينز. ويمكن لاتخاذ التدابير على صعيد السياسات العامة، بدءاً من الدعم الحكومي والتشجيع على إنتاج الوقود وصولاً إلى إصدار اللوائح التنظيمية، عاملاً حاسماً في دخول الفولاذ الأقل تلويثاً للبيئة في تصنيع سياراتنا، وعلى نطاق أوسع من ذلك أيضاً.